عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25-04-2014, 02:23 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: (إن استحضار انحراف معين أو نقص معين والاستغراق في دفعه... منهج شديد الخطر، وله معقباته في إنشاء انحراف جديد لدفع انحراف قديم، والانحراف انحراف على كل حال[27]. ثم ضرب مثلاً لذلك قائلاً: (يتّعمد بعض الصليبيين والصهيونيين مثلاً أن يتهم الإسلام بأنّه دين السيف، وأنّه انتشر بحد السيف فيقوم منّا مدافعون عن الإسلام يدفعون عنه هذا الاتهام، وبينما هم مشتطون في حماسة (الدفاع) يسقطون قيمة (الجهاد) في الإسلام، ويضيقون نطاقه ويعتذرون عن كل حركة من حركاته بأنّها كانت لمجرد (الدفاع)! بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق! وينسون أنّ للإسلام بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشرية حقه الأصيل في أن يقيم (نظامه) الخاص في الأرض لتستمتع البشرية كلها بخيرات هذا النظام بحرية العقيدة التي اختارها حيث (لا إكراه في الدين) من ناحية العقيدة أمّا إقامة (النظام الإسلامي) ليظلل البشرية كلها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام وممن لا يعتنقوها فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام وصيانته، وترك الناس أحرارًا في عقائدهم الخاصة في نطاقه، ولا يتم ذلك إلاّ بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة وحرية الاعتقاد في الأرض)[28].
وهكذا شأن بعض الذين يردون على المغالين في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يصفونه بالبشرية دون أن يصفوه بالرسالة؛ ويجتهدون في إثبات ذلك الجانب دون قصد إلى تقليل قيمة الرسول صلى الله عليه وسلم بل إلى نفي غلو هؤلاء المغالين عنه إلا أن المغالين بدورهم يأخذون عبارات هؤلاء التي ظاهرها الجفاء ومن ثم يكيلون لهم شتائم عدة ويصفونهم بأنهم جفاة وأنّه نزع من قلوبهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم بينما حبّه هو الاتباع لما جاء به صلى الله عليه وسلم.
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ...} [آل عمران:31].
وعلى هذا يجب على المسلم الغيور على دينه أن يلتزم بما شرعه الله سبحانه وتعالى حين يرد على غيره، وحين يصحح انحرافًا معينًا حق لا يقع في انحراف آخر مقابل تصحيح انحراف قديم.
ويجب على المسلم ـ أيضًا ـ أن يلتزم بصورة دقيقة بكل ما ثبتت مشروعيته في كل حياته بصورة عامة، وبما يتصل بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لأنّ ذلك حق وهو الصراط المستقيم.
الباب الأول
أسباب قيام الأمة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
الرسول صلى الله عليه وسلم
صاحب فضل كبير على أمته لأنه صلى الله عليه وسلم بواسطته وصل إلينا الوحي بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين هما مصدرا الشريعة الإسلامية وأساس الدين كله.
ووصول الوحي إلى الناس لم يتم بسهولة ويسر، وإنّما تم بجهود متواصلة وصبر كبير وتحمّل لمشقات متنوعة من صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
وقد تحمّل عليه الصلاة والسلام هذه كلها حتى تحقق منهج الله سبحانه وتعالى في الأرض وكمل الدين وتمّت النعمة.
يقول تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
وبتمام النعمة قامت الأمة وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض.
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55].
وتقديرًا لهذه النعمة التي أنعم الله بها على المؤمنين عليهم أن يشكروا الله ويعرفوا حق صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
ولا يتم الشكر والعرفان إلاّ بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم حيًّا وميّتًا، سرًا وجهرًا، في المنشط والمكره.
وهناك من الأسباب الأخرى ما يدفع إلى ضرورة التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ككرم محتذه، ورفعة نسبه، واتصافه بالأخلاق الكريمة وتمتعه بالصفات النبيلة طوال حياته عليه الصلاة والسلام. ومنها أيضًا ما اتصف به صلى الله عليه وسلم من صفات ساعدت على نشر الدين، وتبليغ الأمانة.
وفي هذا الباب سوف أتكلم عن الأسباب التي من أجلها كان التأدّب معه صلى الله عليه وسلم وهي في مجملها ترجع إلى أمرين:
أولهما: ما يرجع إلى ذاته صلى الله عليه وسلم من ناحية عراقة الأصل، وكرم الخلق في تبليغ الله تعالى.
ثانيهما: ما يرجع إلى عمله صلى الله عليه وسلم وحرصه على هداية الناس وإسعادهم بمنهج الله تعالى.
وقد عقدت لكل من الأمرين فصلاً مستقلاً: ولذلك اشتمل الباب على الفصلين التاليين:
الفصل الأول: نسبه وصفاته صلى الله عليه وسلم.

__________________
رد مع اقتباس