لقد كانت الدولة الإسلامية كما جاء بها الإسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة ـ مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد فيها ـ أن تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل مسلم، بل كل مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن الثورة عليه إذا أتى كفرا بواحا ً أو خالف أي من الثوابت المنصوص عليها شرعا ً .
ويروى أن الفاروق عمر دعا الناس يوماً فصعد المنبر فقال: "يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا..؟ إني لأخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تعظيماً لي، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني". فقال رجل: "والله يا أمير المؤمنين، لو رأيناك معوجاً لقومناك بسيوفنا". عندها أجاب الخليفة والفرحة تغمر قلبه قائلاً: "رحمكم الله، والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوِّم عمر بسيفه". .