عرض مشاركة واحدة
  #157  
قديم 23-12-2014, 02:23 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المبحث الرابع


غزوة ذات الرقـــــــــاع

أولاً: تاريخها وأسبابها, ولماذا سميت بذات الرقاع؟:
اختلف أهل المغازي والسير في تاريخ هذه الغزوة، وقد ذهب البخاري([1]) إلى أنها كانت بعد خيبر، وذهب ابن إسحاق([2]) إلى أنها بعد غزوة بني النضير، وقيل بعد الخندق سنة أربع، وعند الواقدي([3]) وابن سعد([4]) أنها كانت في المحرم سنة خمس.
وقد ذكر البوطي بأن تاريخ الغزوة كان في السنة الرابعة للهجرة بعد مرور شهر ونصف تقريبًا على إجلاء بني النضير، وقال بأن هذا الرأي ذهب إليه أكثر علماء السير والمغازي([5]), وإليه ذهبت.
وأما سبب الغزوة ما ظهر من الغدر لدى كثير من قبائل نجد بالمسلمين، ذلك الغدر الذي تجلى في م*** أولئك الدعاة السبعين الذين خرجوا يدعون إلى الله تعالى, فخرج صلى الله عليه وسلم قاصدًا قبائل محارب وبني ثعلبة([6]). وقد ذكر الدكتور محمد أبو فارس أن قادمًا قدم المدينة فأخبر المسلمين أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان قد جمعوا الجموع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن سار إليهم في عقر دارهم على رأس أربعمائة مقاتل وقيل سبعمائة مقاتل، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ديارهم خافوا وهربوا إلى رؤوس الجبال، تاركين نساءهم وأطفالهم وأموالهم، وحضرت الصلاة فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، وعاد رسول الله إلى المدينة([7]).
وقد حققت هذه الحملة العسكرية أغراضها, وتمكنت من تشتيت الحشد الذي قامت به غطفان لغزو المدينة فأرهب تلك القبائل وألقى عليها درسًا بأن المسلمين ليسوا قادرين فقط على سحق من تحدثه نفسه بالاقتراب من المدينة, بل قادرين على نقل المعركة إلى أرض العدو نفسه وضربه في عقر داره([8]).
وسميت بذات الرقاع؛ لأنهم كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق والرقاع اتقاء الحر، وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم, وقيل لشجرة كانت اسمها ذات الرقاع([9]), وقيل: لأن المسلمين نزلوا في أرض كان فيها بقع بيض وسود مختلفة، فسميت لذلك([10]). والصحيح: أنهم كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق، فقد روى الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نتعقبه فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نَلُفُّ على أرجلنا الخرق, فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب بالخرق على أرجلنا([11]).
ثانيًا: صلاة الخوف وحراسة الثغور:
1- صلاة الخوف: أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في هذه الغزوة, وبيَّن القرآن الكريم صفة الصلاة ساعة مواجهة العدو قال تعالى: ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنْتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا )[النساء: 102]. فقد صلى المسلمون صلاة الخوف، وصفة هذه الصلاة أن طائفة صفت معه، وطائفة في وجه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت في صلاته، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم([12]).
وفي رواية: أنه صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا, وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان([13]). قال الدكتور البوطي: ووجه التوفيق بين الحديثين أنه عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه صلاة الخوف أكثر من مرة فصلاها مرة على النحو الأول, وصلاها مرة أخرى على النحو التالي.
وكانت هذه الصلاة بمنطقة نخل التي تبعد عن المدينة بيومين([14]), ودل تشريع صلاة الخوف على أهمية الصلاة فحتى في قلب المعركة لا يمكن التساهل فيها، ولا يمكن التنازل عنها، مهما كانت الظروف؛ وبذلك تندمج الصلاة والعبادة بالجهاد وفق المنهاج النبوي في تربية الأمة الذي استمد من كتاب الله تعالى، فلا يوجد أي انفصال أو انفصام بين العبادة والجهاد([15]).
2- حراسة الثغور: عندما رجع الجيش الإسلامي من غزوة ذات الرقاع سبوا امرأة من المشركين, فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دمًا في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, فجاء ليلاً وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلين على الحراسة أثناء نومهم، وهما عباد بن بشر، وعمار بن ياسر، فضرب عبادًا بسهم وهو قائم يصلي فنزعه، ولم يقطع صلاته، حتى رشقه بثلاثة سهام، فلم ينصرف منها حتى سلم، فأيقظ صاحبه، فقال: سبحانه الله، هل نبهتني؟ فقال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها، فلما تابع عليّ الرمي ركعت فآذنتك, وايمُ الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها([16]). ومن هذه الحادثة يمكننا أن نستخلص دروسًا وعبرًا منها:
أ- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمن الجنود, ويظهر ذلك في اختياره رجلين من خيار الصحابة لحراسة الجيش ليلاً.
ب- تقسيم الحراسة، ونلاحظ أن الرجلين اللذين أنيطت بهما حراسة الجيش قد اقتسما الليل نصفين، نصفًا للراحة ونصفًا للحراسة، إذ لا بد من راحة جسم الجندي بعض الوقت.
ج- التعلق بالقرآن الكريم وحب تلاوته: فقد كان حبه للتلاوة قد أنساه آلام السهام التي كانت تنغرس في جسمه وتثج الدم منه بغزارة([17]).
د- الشعور بمسئولية الحراسة: فلم يقطع عباد صلاته لألم يشعر به وإنما قطعها استشعارًا بمسئولية الحراسة التي كلف بها، وهذا درس بليغ في مفهوم العبادة والجهاد([18]).
هـ- مكان الحراسة استراتيجي: اختار النبي صلى الله عليه وسلم فم الشعب مكان إقامة الحرس، وكان هذا الاختيار في غاية التوفيق؛ لأنه المكان الذي يتوقع العدو منه لمهاجمة المعسكر.
و- قرب مهجع الحرس من الحارس: ولذلك استطاع الحارس أن يوقظ أخاه النائم، ولو كان المهجع بعيدًا عن الحارس لما تمكن من إيقاظ أخيه، وبالتالي يحدث ما لا تحمد عقباه([19]).
__________________
رد مع اقتباس