اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-12-2009, 02:54 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي محنة خلق القرآن ( رفع المحنة عن العباد )

البدعة الكبرى– المحاضرة التاسعة
رفع المحنة عن العباد
الحمد لله رب العالمين ، سبحانه من إله عظيم يغفر الذنوب ولا يبالي ، يغفر الذنب ويعفو عن الزلل ، تنزه مولانا عن النقص والعلل ، جبار قوي لا يكل ولا يصيبه الملل، بسط الأرض بقدرته وأرسي أعماق الجبل ، خلق السماوات والأرض بالحق ولم يترك أمرهما همل ، سبحانه من إله عظيم خلق كل شيء بحكمته وعدل ، لا يعجزه في الأرض رقم ولا عدد ، سبحانه من إله عظيم ، سبحانه من إله رحيم ، عز بقدرته وحكمته فامتنع ، وعلا بذاته وشانه فارتفع ، وذل كل شيء لعظمته وخضع ، وأمسك السماء عن الأرض أن تقع ، وفرش الأرض فانبسط سهلها واتسع ، وفجر الأنهار والماء من العين نبع ، وسخر السحاب من بخار علا وارتفع ، وسخر النجوم ونور القمر فلمع ، ووهب ونزع ، وضر ونفع ، وأعطي ومنع ، وسن وشرع ، وخص وجمع ، إلهنا إله عظيم التواب ، غفور وهاب ، خضعت لعظمته الرقاب ، وذلت لقدرته الصعاب ، وخشعت له قلوب ذوي الألباب ، ويسبح الرعد بحمده والبرق والسراب ، والشجر والدواب والسحاب ، مسبب الأسباب وخالق الإنسان من تراب ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب .
وأشهد ألا إله إلا الله ، شهادة توافق ما قال ربنا جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، وجلت آلاؤه ، وشهدت بها أرضه وسماؤه ، ورسله وأنبياؤه ، ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِماً بِالقِسْطِ لا إِلهَ إِلا هُوَ العزيز الحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ ) (آل عمران:18) .
ونصلي ونسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وآخر نبي للخلق أجمعين ، وصاحب المقام عن مجيء رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على دربهم بإحسان إلي يوم الدين ، ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلحْ لكُمْ أَعْمَالكُمْ وَيَغْفِرْ لكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ) ، أما بعد .
فقد ظل الخليفة الواثق على هذا بدعته في إلزام الناس بخلق القرآن ، مشددا على الخاصة والعامة الامتحان ، حتى حدثت مناظرة في مجلسه ، وكان معه ولاة أمره وجنده ، هذه المناظرة بين عالم من علماء السنة ، وبين قاضي قضاة البدعة ، أحمد بن أبي دؤاد ، يقال إنها كانت سببا في رفع المحنة ، وهي بحق قاعدة هامة في رد البدعة وإفحام المبتدع .
أدخل الشيخ أبو عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق الأُزدي على الواثق أمير المؤمنين ، وهو مقيد بالسلاسل ، وهو شيخ شامي ، وقد أمر قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد باعتقاله لأنه كان يقول بقول الإمام أحمد في إثبات صفة الكلام لله تعالى ، فسلم غير هائب ، ودعا فأوجز ، فقال الواثق : ناظر أحمد بن أبي دؤاد ، فقال الشيخ الأزدي : يا أمير المؤمنين هذا لا يقوي على المناظرة ، فغضب الواثق لإهانته قاضي القضاة ، وقال : أبو عبد الله يصغر ويضعف عند مناظرتك ؟! فقال : هوّن عليك يا أمير المؤمنين ، أتأذن لي في كلامه ؟
فقال الواثق : قد أذنت لك ، ثم التفت إلي ابن أبي دؤاد وقال له : خبرني يا بن أبي دؤاد ، أمقالتك تلك يقصد الشيخ بدعة القول بخلق القرآن ، واجبة في أصول الدين فلا يكون كاملا إلا بما قلت ؟ قال ابن أبي دؤاد : نعم قال الشيخ : هل ستر الرسول شيئا مما أمر الله به المسلمين في أمر دينهم ؟ قال ابن أبي دؤاد : لا ، قال الشيخ : أفدعا إلي مقالتك هذه ؟ فسكت بنُ أبي دؤاد ، قال الشيخ للواثق : يا أمير المؤمنين هذه واحدة ، قال الشيخ : يا ابن أبي دؤاد أخبرني عن الله تعالى حين أنزل ( اليَوْمَ أَكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكُمْ الإِسْلامَ دِينَا ) (المائدة/3) ، فقلت أنت : الدين لا يكون تاماًّ إلا بمقالتك بخلق القرآن ، فهل كان الله تعالى الصادق في إكمال دينه أو أنت الصادق في نقصانه ؟ فسكت بن أبي دؤاد ، قال الشيخ للواثق : يا أمير المؤمنين ثنتان .
قال الشيخ : يا أحمد مقالتك هذه علمها رسول الله أم جهلها ؟ قال علمها ، قال الشيخ : أفدعا الناس إليها ؟ فسكت بن أبي دؤاد ، قال الشيخ : يا أمير المؤمنين ثلاث ، ثم قال خبرني يا أحمد ، لمّا علم رسول الله صلي الله عليه وسلم مقالتك التي دعوت الناس إليها ، هل وسعه أن أمسك عنها أم لا ؟ قال أحمد : علمها وسكت عنها ، قال الشيخ : وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رحمة الله عليهم ؟ قال : نعم ، قال الشيخ : أفوسع رسول الله أن علمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطالب بها أمته ؟ قال : نعم ، فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الخليفة يقول : يا أمير المؤمنين إن لم يسعه ما وسع رسول الله السكوت عنه ، فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله أن يسكت عنه ، قال الواثق : نعم ، لا وسع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله أن يسكت عنه ، فبكي وأمر بحل قيوده ، فجاذب الشيخ الحداد على القيود يود لو يحتفظ بها ، قال الواثق : ولم ؟ قال الشيخ : نويت أن تجعل بيني وبين كفني لأخاصم بها هذا الظالم يوم القيامة ، وبكي الشيخ ، وبكي الواثق ، وبكي الحاضرون ، قال الواثق : اجعلني في حل ، قال الشيخ : جعلتك لقرابتك من رسول الله ، قال الواثق : تقيم معنا ، قال الشيخ : ردك إياي إلي الموضع الذي أخذني منه هذا الظالم أجدي عليك وأنفع لي ..ثم قام وخرج .
وبعد هذه المناظرة بيت الولاة النية على رفع المحنة عن العباد ، فلما تولي المتوكل الخلافة سنة 232هـ انتصر لأهل السنة ، فكان من أفضل خلفاء بني العباس ، لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون ، فإنهم أساءوا إلي أهل السنة ، وقربوا أهل البدعة والضلالة ، من المعتزلة وغيرهم ، وقد ظهر انتقام الله وعدله في الظالمين ، ومنتُه وفضله على المؤمنين ، وقد استبشر الناس بولايته ، فإنه كان محبا للسنة وأهلها ، ورفع المحنة عن الناس ، وكتب إلي الآفاق ، لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن ، ثم كتب إلي نائبه ببغداد ، وهو إسحاق بن إبراهيم ، أن يبعث بأحمد بن حنبل إليه ، فاستدعي إسحاق بالإمام أحمد إليه ، فأكرمه وعظمه ، لما يعلم من إعظام الخليفة له ، وإجلاله إياه ، وسأله عن القرآن ؟
فقال له أحمد : سؤالك هذا سؤال تعنت أو استرشاد ؟ فقال بل سؤال استرشاد فقال : هو كلام الله منزل غير مخلوق ، فسكن إلي قوله ، فلما علم أهل البدعة ، ظهور المودة بين الخليفة والإمام ، حاولوا الوشاية به ، والفتنة عليه فزعموا للخليفة أنه يريد قلب نظام الحكم ، فزعم رجل من المبتدعة عند الخليفة المتوكل ، يقال له ابن البلخي ، أن رجلا من العلويين نصبه أحمد بن حنبل خليفة ، وقد آواه إلي منزله ، وهو يبايع الناس له في الباطن ، فأمر الخليفة نائب بغداد أن تحاصر قوات الأمن الخاصة ، منزل أحمد من الليل ، فلم يشعروا إلا والمشاعل قد أحاطت بالدار من كل جانب ، حتى من فوق الأسطح ، فوجدوا الإمام أحمد جالسا في داره مع عياله ، فسألوه عما ذكر لهم ، فقال ليس عندي علم من هذا ، وليس من هذا شيء ، ولا هذا في نيتي ، وإني لأري طاعة أمير المؤمنين ، في السر والعلانية ، وفي عسري ويسري ، ومنشطي ومكرهي ، وأثره على ، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق ، في الليل والنهار ، ففتشوا منزله حتى مكان الكتب ، وبيوت النساء ، وسطح المنزل وغير ذلك ، فلم يروا شيئا مريبا ، فلما بلغ المتوكل ذلك ، وعلم براءته مما نسب إليه ، علم أنهم يكذبون عليه كثيرا ، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم عطية من الخليفة ، فامتنع من قبلوها ، فقال رسول الخليفة :
يا أبا عبد الله ، إني أخشي من ردك إياها ، أن تقع وحشة أو قطيعة ، بينك وبين الخليفة ، ومصلحتك في قبول عطيته ، فوضعها عنده ثم ذهب ، فلما كان من آخر الليل استدعي أحمد أهله ، وبني عمه وعياله ، وقال لهم : لم أنم هذه الليلة من هذا المال ، فجلسوا وكتبوا أسماء جماعة من الفقراء من أهل الحديث وغيرهم ، في بغداد والبصرة ، ثم أصبح ففرقها في الناس ولم يُبق منها درهما ، حتى تصدق بالكيس الذي كانت فيه ، ولم يعط منها لأهله شيئا ، وهم في غاية الفقر والجهد ، وبلغ الخليفة أنه تصدق بالجائزة كلها حتى كيسها ، فقال على بن الجهم يا أمير المؤمنين : إنه قد قبلها منك ، وتصدق بها عنك وماذا يصنع أحمد بالمال ؟ إنما يكفيه رغيف من الخبز فقال الخليفة : صدقت .
ثم كتب كتب المتوكل إلي نائبة في بغداد ، أن يحمل إليه الإمام أحمد ، فقال إني شيخ كبير وضعيف ، فرد الجواب على الخليفة بذلك ، فأرسل الخليفة مصرا لتأتيني ، إني أحب أن آنس بقربك ، وبالنظر إليك ، وأن تحصل لي بركة دعائك ، فسار إليه الإمام أحمد وهو عليل ، في بنيه وبعض أهله ، فأنزله في قصر عظيم ، فلم يتحمل البقاء وارتحل عنها إلي دار أخرى .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-12-2009, 02:54 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وكان الأمراء في كل يوم يحضرون عنده ، ويبلغونه عن الخليفة السلام ، ولا يدخلون عليه حتى يخلعوا ما عليهم من المثل نة والسلاح ، وبعث إليه الخليفة بالمفارش الوطيئة وغيرها ، فاعتذر إليه في قبولها ، وأراد منه الخليفة أن يحدث الناس ، عوضا عما فاتهم منه ، في أيام المحنة وما بعدها من السنين الطولية ، وكان الخليفة يبعث إليه في كل يوم ، مائدة فيها ألوان الأطعمة والفاكهة والثلج ، والخليفة يحسب أنه يأكل من ذلك ، ولم يكن يأكل من ذلك شيئا بالكلية ، بل كان صائما يطوي الأيام بالصوم ، ولما استمر ضعفه ، جعل المتوكل يبعث إليه الطبيب لينظر في مرضه ، فرجع إليه الطبيب وقال : يا أمير المؤمنين ، إن أحمد ليس به علة في بدنه ، وإنما علته من قلة الطعام ، وكثرة العبادة والصيام ، فسكت المتوكل .
فطلب الإمام أحمد أن يرده الخليفة المتوكل إلي بغداد ، فاستجاب له الخليفة ، وهو غير راض ، وظل يرسل له الأموال وأحمد يردها ولا يقبلها ، أو يتصدق بها ولا يأخذ منها شيئا ، وقد قال بعض الأمراء للمتوكل : إن أحمد لا يأكل لك طعاما ، ولا يشرب لك شرابا ، ولا يجلس على فرشك ، ويحرم ما تشربه ، فقال : والله لو قام المعتصم من قبره ، وكلمني في أحمد ، ما قبلت منه ، وجعلت رسل الخليفة تفد إليه في كل يوم ، تستعلم أخباره وكيف حاله ، وجعل يستفتيه في أموال ابن أبي داؤد ، فلا يجيبه بشيء .
وقد كتب رجل من المعتزلة ، رقعة إلي المتوكل يقول فيها : يا أمير المؤمنين ، إن أحمد يشتم آباءك ويرميهم بالزندقة ، فكتب فيها المتوكل ، أما المأمون فانه خلط الحق بالباطل ، فسلط الناس على نفسه ، وأما أبي المعتصم ، فإنه كان رجل حرب ، ولم يكن له بصر بالكلام ، وأما أخي الواثق فإنه استحق ما قيل فيه ، ثم أمر أن يضرب الرجل ، الذي رفع إليه الرقعة ، مائتي سوط ، فأخذه عبد الله بن إسحاق ابن إبراهيم ، فضربه خمسَمائة سوط ، فقال له الخليفة ، لم ضربته خمسمائة سوط ؟ فقال : مائتين لطاعتك ، ومائتين لطاعة الله ، ومائة لكونه قذف الشيخ الصالح أحمد بن حنبل .
وقد كتب الخليفة المتوكل إلي أحمد ، يسأله عن القول في القرآن ، سؤال استرشاد واستفادة ، لا سؤال تعنت ولا امتحان ولا عناد ، فكتب إليه أحمد رحمه الله رسالة حسنة ، فيها آثار عن الصحابة وغيرهم ، قال عبد الله بن أحمد : كتب عبيد الله بن يحيي بن خاقان إلي أبي ، يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسالك عن القران ؟ لا مسالة امتحان لكن مسالة معرفة وتبصرة ، فأملي أبي إلي عبيد الله بن يحيي ، بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك في الأمور كلها ، ودفع عنك المكاره برحمته ، قد كتبت إليك رضي الله عنك ، بالذي سال عنه أمير المؤمنين في القران ، وإني أسال الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين ، فقد كان الناس في خوض من الباطل ، واختلاف شديد ينغمسون فيه حتى أفضت الخلافة إلي أمير المؤمنين ، فنفي الله به كل بدعة ، وانجلي عن الناس ما كانوا فيه من الذل ، وضيق المحابس فصرف الله ذلك كله ، وذهب به بما مكن به أمير المؤمنين ، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما ، ودعوا الله لأمير المؤمنين ، وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ، وأن يعينه على ما هو عليه ، فقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإنه يوقع الشك في قلوبكم ) .
واشتد المرض على الإمام أحمد بن حنبل ، قال ابنه صالح بن أحمد : كان مرضه في أول ربيع الأول سنة مائتين وواحد وأربعين ودخلت عليه يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول وهو محموم ضعيف ، ضيق النفس ، واجتمع الناس من الأكابر والعامة بالآلاف ، اجتمعوا حول بيته لعيادته ، وكتب الإمام أحمد وصيته ، جاء فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصي به أحمد بن حنبل ، أوصي أنه يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدي ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأوصي من أطاعه من أهله وقرابته ، أن يعبدوا الله في العابدين ، وأن يحمدوه في الحامدين ، وأن ينصحوا المسلمين ، وأوصي أني قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وأوصي بالصدقة من ماله على من شاء .. ثم استدعي بالصبيان من ورثته ، فجعل يدعو لهم ، وكان قد ولد له صبي قبل موته بخمسين يوما ، فسماه سعيدا ، وكان له ولد آخر اسمه محمد ، قد مشي حين مرض ، فدعاه والتزمه وقبله ، ثم قال : ما كنت أصنع بالولد على كبر السن ؟ فقيل له ، ذرية تكون من بعدك يدعون لك ، فجعل يحمد الله تعالى ) .
وقال المروذى مرض أحمد تسعة أيام ، وكان ربما أذن للناس فيدخلون عليه ، أفواجا يسلمون ويرد بيده ، وتسامع الناس بمرضه وتكاثروا على بيته ، وسمع السلطان بكثرة الناس فوكل الحرس ببابه ، وعلى أبواب الشوارع المؤدية إلي بيته ، من شدة الزحام وترتبا للنظام ، فكان الناس في الشوارع والمساجد حتى تعطل بعض الباعة ، وكان الرجل إذا أراد أن يدخل عليه ، ربما دخل من بعض الدور وطرز الحاكة وربما تسلق ، وجاء أصحاب الأخبار فقعدوا على الأبواب ، وجاءه حاجب الأمير ، فقال : إن الأمير يقرئك السلام ، وهو يشتهي أن يراك ، فقال : هذا مما اكره وأمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره ، قال صالح بن أحمد : ودخل على أبي مجاهد بن موسي ، فقال : يا أبا عبد الله ، قد جاءتك البشري ، هذا الخلق يشهدون لك ، ما تبالي لو وردت على الله الساعة ، وجعل يقبل يده ويبكي ، ويقول : أوصني يا أبا عبد الله ، فأشار إلي لسانه .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-12-2009, 02:54 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وكان أصحاب الخبر يكتبون إلي العسكر ، والبريد يتواصل كل يوم ، وجاء بنوا هاشم فدخلوا عليه ، وجعلوا يبكون عليه ، وجاء قوم من القضاة وغيرهم ، فلم يؤذن لهم ، ودخل عليه شيخ فقال : اذكر وقوفك بين يدي الله ، فشهق أبو عبد الله ، وسالت دموعه ، وأشار إلي أهله أن يوضئوه ، فجعلوا يوضئونه ، وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي ، وهو يذكر الله عز وجل في جميع ذلك ، فما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ، فصاح الناس بالدعاء ، وعلت الأصوات بالبكاء ، حتى كأن الدنيا قد ارتجت ، والشوارع السكك قد امتلات ، والناس يدعون له ، ويترحمون عليه فرحمه الله رحمة واسعة ، وقد أمر الخليفة أن يبعثوا له الكفن ، فردها أولاد الإمام وقالوا : إن أمير المؤمنين كان قد أعفاه في حياته مما يكره ، وأبوا أن يكفنوه بهذه الأكفان ، وكفنوه بثوب غزلته جاريته ، وخرج الناس بنعشه ، والخلائق من حوله ، الرجال والنساء ، لا يعلم عددهم إلا الله ، وقد اجتمع عليه من الناس قرابة المليونين ونصف للصلاة عليه ، وقد أعاد جماعة عند القبر بعد أن دفن الصلاة عليه ، وذلك لعدم وجود المكان .
ولم يتسقر في قبره رحمه الله إلا بعد صلاة العصر ، وذلك لكثرة الخلق الذين اجتمعوا من كل مصر ، وكان أحمد رحمه الله يقول : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز ، يعني أن أهل العلم يحمدون عند موتهم ، بذكر موقفهم من التمسك بالسنة ، ومحاربة البدع والتفاف الناس حول آرائهم ، وقد بدا ذلك جليا يوم موت الإمام أحمد ، حيث صلي عليه جمع من المسلمين ، لم يجتمع في جنازة من قبله لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، قال عبد الوهاب الوراق : ما بلغنا أن جمعا في الجاهلية ولا في الإسلام ، اجتمعوا في جنازة ، أكثر من الجمع الذي اجتمع على جنازة أحمد بن حنبل .
قال أحد جيران الإمام أحمد : يوم مات أحمد بن حنبل ، وقع المأتم والنواح في المسلمين ، واليهود والنصارى والمجوس ، وأسلم يوم مات عشرون ألفا ، وقد جاء كتاب المتوكل على الله إلي نائبه في بغداد ، بالعزاء وتعزية أولاده وأمر بحمل كتبه إلي دار الخلافة ، فأبي أولاده وبقيت عندهم .
قال محمد بن خزيمة : لما مات أحمد بن حنبل ، اغتممت غما شديدا ، فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته ، فقلت له : يا أبا عبد الله أي مشية هذه ؟ فقال : مشية الخدام في دار السلام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وتوجني ، وألبسني نعلين من ذهب ، وقال لي : يا أحمد هذا بقولك القرآنُ كلامي ، يا أحمد هذه الجنة ، قم فادخلها ، فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري ، وله جناحان أخضران ، يطير بهما من نخله إلي نخلة ، ومن شجرة إلي شجرة ، وهو يقول : ( الحَمْدُ للهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلينَ ) (الزمر:74) هذا إكرام الله للمؤمنين ، وإنعامه على الموحدين ، أكرمهم في الدنيا والآخرة .
والآن ، كيف يكون انتقام الله لأهل الإيمان ، من أهل الظلم والطغيان ؟ دخل عبد العزيز الكناني على الخليفة المتوكل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما رأيت أعجب من أمر الواثق ، قتل أحمد بن نصر الخزاعي ، وكان لسانه يقرأ القرآن ، فوجل المتوكل من كلامه ، وساءه ما سمع في أخيه الواثق ، فلما دخل عليه وزيره محمد بن عبد الملك بن الزيات ، قال له المتوكل : في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر ، فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، ودخل عليه هرثمة ، فقال قال له المتوكل : في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر ، فقال هرثمة : يا أمير المؤمنين ، قطعني الله إربا إربا ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، ودخل عليه الخبيث أحمد بن أبي داؤد فقال قال له المتوكل : في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ضربني الله بالفالج بالشلل إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا .
انظروا إلي انتقام الله من الظالمين في الدنيا قبل عذاب الآخرة : أمر الخليفة المتوكل على الله ، بالقبض على الوزير ابن الزيات وزير الواثق ، أمر بالقبض عليه بسرعة ، فطلبه الجند ليحضر إلي الخليفه ، فركب إليه بعد غدائه ، وهو يظن أن الخليفة بعث إليه ، فانتهي به الرسول إلي دار أمير الشرطة ، فاعتقلوه وقيدوه وأخذوه على الفور إلي منزله ، وأخذوا جميع ما فيها من الأموال ، واللآلئ والجواهر ، والجواري والأثاث ، ووجدوا في مجلسه الخاص ، آلات الشرب وكاسات الخمر ، وأمر المتوكل أيضا بمصادرة أمواله ومحاصيله وضياعه بمدينة سري من رأي ، وأمر جنده أن يعذبوه ، كما عذب العلماء ، وساهم في ضربهم وقتلهم ، وصلبهم وتعليق رؤوسهم ، ثم منعوه من الكلام ، ونخسوه بالحديد كلما أراد أن ينام ، ومكث على هذا الحال عدة أيام ، ثم وضعوه بعد ذلك على خشب فيه مسامير ، وأوقفوه عليه ، ومنعوه من الجلوس أو النوم ، ثم أحرقوه في فرن أو تنور ، ثم أخرجوه من التنور مشويا ، وكان فيه رمق فضرب على بطنه ، ثم على ظهره حتى مات ، ثم سلموا جثته إلي أولاده فدفنوه ، فنبشت الكلاب جثته ، فأكلت ما بقي من لحمه وجلده ، وقد سبق أن الخليفة المتوكل ، سأله عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي : فقال : يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، يقول المتوكل : فأنا أحرقته بالنار .
ماذا حل بالظالمين الذين أرادوا أفسدوا على المسلمين عقيدتهم ، بأهوائهم وبدعتهم ، وبعد مهلك الوزير ابن الزيات ، أخرج الخليفة المتوكل رأس الفتنة أحمد ابن أبي داؤد ، أخرجه من مدينة سر من رأي إلي بغداد ، وذلك بعد أن أشهد عليه نفسه ، ببيع ضياعه وأملاكه ، ورد أمواله إلي بيت المال ، يرد جميع الأموال التي سرقها من بيت المال ، فاهتم واغتم وأصابه الشلل ، وأصبح عبرة للناس ببدعته ، لا يجد من يقوم على خدمته ، أو مساعدته في قضاء حاجته ولم يزل مشلولا أربعة أعوام ، وكل من يراه يقول انتقام ، انتقام الله للإمام ، العالم الجليل أحمد بن حنبل ، والشهيد الكبير أحمد بن نصر ، ظل هذا الخبيث الذي أذاق الأمة ألوان الابتلاءات ، ظل يصارع الألم والمرض حتى مات ، وهو الذي قال : أصابني الله بالشلل ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، لما سأله الخليفة المتوكل عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي .
ولما رأي هرثة المعتزلي ما حدث لرفقائه في المذهب الاعتزالي ، فر ها ربا متخفيا ، فمر دون أن يدري بقبيلة خزاعة القبيلة التي منها أحمد بن نصر الخزاعي ، فعرفه رجل من الحي ، فقال بأعلى صوته : يا معشر خزاعة ، هذا هو الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر ، وقطع رأسه ، فاجتمعوا عليه وقطعوه إربا إربا ، قطعوا أوصاله ولم يتركوا شيا من جثته ، وصدق الله تعالى في قوله : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ليَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِليْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء )
فالقرآن الكريم له منزلة في قلوب المسلمين لا يزعزعها قوة ، ولا يزلزلها بدعة ، مهما فعل المفتونون ، ومهما أيدهم الظالمون ، فالقرآن الكريم هو كلام الله المعجز ، المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين ، بواسطة الأمين جبريل عليه السلام ، المكتوب في المصاحف ، المنقول إلينا بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، والمبدوء بسورة الفاتحة ، والمختتم بسورة الناس ، وقد تلقاه النبي صلي الله عليه وسلم بحروفه وألفاظه عن رب العزة ، هذه مسألة مسلمة عند جميع الصحابة والتابعين وأئمة السلف الصالحين ، فالقرآن له مكانة عظيمة في قلوب المسلمين ، والسلف جميعا يؤمنون بأنه كلام رب العالمين ، تكلم به إلي جبريل الأمين ، ونقله بحروفه إلي سيد الأنبياء والمرسلين .
بدعة كبري زعموا فيها أن الله لا يتكلم ولم يتكلم بالقرآن ، وأن الذي تكلم بحروفه وأصواته هو جبريل أو محمد صلي الله عليه وسلم ، وبنوا على هذا الأصل الفاسد أن القرآن مخلوق لأن كلام المخلوق مخلوق ، كانت بداية المحنة التي فرضها خلفاء السوء من المعتزلة سنة 218 هـ ، واستمرت أيام الخليفة المأمون والمعتصم والواثق ثم رفعت في عهد المتوكل سنة 232هـ ، هذا الخليفة الذي انتصر لأهل السنة ، وأكرم إمامهم الذي عذبوه أحمد بن حنبل ، وأنهي عهد البؤس ، الذي سيطرت فيه المعتزلة على الحكم ، وفرضوا عقائدهم بالقوة والظلم ، بدعة كبري قيل فيها : ( أبو بكر ليوم الردة وعمر ليوم السقيفة وأحمد ليوم البدعة ) .
فأخطر شيء على دين الله البدعة وترك السنة ، يقول بعض التابعين : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل الصلاة ، فإذا خرج مشينا معه إلي المسجد ، فجاءنا أبو موسي الأشعري فقال : أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد ، يقصد عبد الله بن مسعود ، قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال : يا أبا عبد الرحمن أني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيرا ، قال فما هو ؟ قال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حُلُقَاً جُلُوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصي فيقول : كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة فيقول سبحوا مائة فيسبحون مائة ، قال ابن مسعود لأبي موسي الأشعري ، فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا ، انتظرك رأيك أو انتظر أمرك ، فقال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيآتهم ، فأنا أضمن لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ، ثم مضي ومضينا معه ، حتى أتي حلقة فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟
قالوا : يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل ، والتسبيح والتحميد ، قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكَتُكُم ، هؤلاء أصحابة متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده ، إنكم لعلى ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة ، قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ، فقال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلي الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولي عنهم ، يقول عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك يطاعنونا يوم النهر مع الخوارج .
تفوز بنا المنون وتستبد ويأخذنا الزمان ولا يرد - وانظر ماضيا في أثر ماض لقد أيقنت أن الأمر جد - رويدا بالفرار من المنايا فليس يفوتها الساري المجد - فأين ملوكُنا الماضون قُدُمَا اعدوا للنوائب واستعدوا - أعارهم الزمان نعيم عيش فيا سرعان ما استلبوا ورُدُّوا - هم فرط لنا في كل يوم ، نمدهم وإن لم يُسْتَمَدُّوا .
إخواني في الله ، إخواني ذهبت الأيام ، وكتبت الآثام ، ولا ينفع الملام ، وعظتنا بمرها الأيام ، فيا ليت شعري كيف يتقي المرء ، والرامي له الموت ، والخطوب سهام ، منهل واحد ، أسبابه شتي ، عليه للواردين ازدحام ، نتلاشاه ما استطعنا ، وتجررنا إليه الأيام والأعوام ، أوقوفا على غَرُورٍ ، وقد زلت قبلنا الأقدام ، ووراء هذه الأجداثِ دارٌ يكون فيها المقام ، فكن عبد الله متيقظا والسلام ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:26 AM.