لا يكاد أولياء الأمور ينتهون من استكمال فرحتهم بنجاح أبنائهم في امتحانات الثانوية العامة، ولا يلبث المدرسون أن يلتقطوا أنفاسهم من حصص المراجعات النهائية حتى يبدأ الطلاب الجدد في حجز مواعيدهم للعام الجديد.. الموسم الجديد هذا العام بدأ بالفعل منذ عدة أسابيع مع تقاليع جديدة في عمليات الحجز منها على سبيل المثال قيام بعض المدرسين بفتح مكتب وتعيين سكرتارية لجمع الحصيلة، وتنظيم الدخول والخروج وإحضار المذكرات من المطابع، ويتحكَّم في كلِّ هذه المهام برنامج كمبيوتر، ويبلغ مرتب السكرتيرة وحده 500 جنيه!!
الدروس الخصوصية أصبحت واقعًا في حياتنا اليومية، وبعد أن كان الدرس الخصوصي يرتبط في الماضي بأحد طالبين؛ إما أن يكون الطالب ضعيفًا للغاية، وبالتالي يحتاج إلى جهدٍ مضاعف واهتمامٍ متزايد، أو أن يكون الطالب غنيًّا فيصبح الدرس الخصوصي في هذه الحالة نوعًا من أنواع الرفاهية، لكن ما يحدث اليوم من تحول المدارس إلى أماكن ترفيهية يذهب إليها الطلاب للترفيه عن النفس حتى يستطيعوا مواصلة الكفاح في "الجري" وراء المدرسين من منزلٍ إلى منزل، ومن "سنتر" إلى "سنتر"، ويتحوَّل المدرس إلى "تاجر شنطة"، ويصبح وجوده في المدرسة مرتبطًا باحتياجه إلى اصطياد زبائن محتملين.

المدرسة أصبحت مكانًا للترفيه
ومَن يتمكَّن منهم من تحقيق شهرةٍ يستغنى تمامًا عن الوظيفة "الميري" ويحترف الدروس و"السناتر"، ولا يتوقف عمله هذا على تحقيق دخلٍ معقولٍ أو زيادة ضرورية يحتاج إليها بل يتحوَّل الأمر إلى "بزنس" لا يتوقف، وشهوةٍ وشهرةٍ فائقة يستطيع من خلالها التحكم في الطلاب وأولياء أمورهم، بالإضافةِ إلى تكوين ثروةٍ لا بأسَ بها تمكنه من شراء الأملاك وسيارة فارهة وشاليه بالساحل الشمالي.
وهذا الأمر يدعونا إلى أن نُسمِّي ما يحدث هذه الأيام بـ"العصر الذهبي لمدرس الثانوي"، فالأموال تهطل عليه كالأمطار مثله مثل أي رجل أعمال، ويصبح الحديث عن الكادر الخاص الذي أقرَّته الحكومة- بعد جهدٍ جهيد- نكتة ربما تصدق أهميته لمدرسي الأقاليم أو مدرس الابتدائي والإعدادي، ولكن مدرس الثانوية العامة هو كادر خاص بالفعل.. ولا يحتاج أي كادرٍ خاص، فالدروس مستمرة صيفًا وشتاءً، وأحيانًا دون حاجةٍ إلى شيءٍ سوى رغبة الأهالي في الشعور أنهم قدَّموا لأبنائهم كلَّ ما يستطيعون.
ولكل موسمٍ وقت لذروته، وذروة موسم الدروس الخصوصية تتمثل في أيام المراجعة النهائية وما قبل الامتحان، والتي يتنافس "يتصارع" فيها المدرسون لجمع أكبر قدرٍ ممكن من أقوات الأسر المنكوبة بالدروس حتى إن بعضهم يقوم بتوزيع إعلانات ورقية و"بوسترات" تحمل أسماءهم وأحيانًا صورهم، والمواد التي يُدرِّسها ومعها رقم تليفونه المحمول مثل أي سلعةٍ أو محل!!