|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم أحمد شوقي.. أميرالشعراء كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذبيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال،فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليلالبصر. وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي،ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد،بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية. ولم يشأ الله تعالى أنيكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة منالشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمدالكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازععن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب. المولد والنشأة ولد أحمد شوقيبحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم منأصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب منالغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمرهالتحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثمالتحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه منمصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجريعلى لسانه. وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمرهالتحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئبها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمدالبسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة فيمدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابهبموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية،وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوييدعوه لمقابلته. السفر إلى فرنسا وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصرالخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراستهحتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادرفرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر. العودة إلى مصر عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر،فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأىفي شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده،وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلعالإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسينكامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة فيإسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط. شعره في هذه الفترة ودار شعرشوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحهوالدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذأن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض. ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لانقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيسالنُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاهشوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها: غمرت القوم إطراءً وحمـدًاوهم غمروك بالنعم الجسـام خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًاأضيف إلى مصائبنا العظام لهجت بالاحتلال وما أتـاهوجرحك منه لو أحسست دام وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطهبالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلابعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركةالوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أناستوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان،قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كاملوجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة: المشرقـان علـيـك ينتحـبـانقاصيهمـا فـي مأتـم والـدان يا خادم الإسـلام أجـر مجاهـدفي الله من خلد ومـن رضـوان لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسىفي الزائريـن وروّع الحرمـان وارتبط شوقي بدولة الخلافةالعثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميدالثاني؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد منأزرهم، فيقول: أما الخلافة فهي حائط بيتكمحتى يبين الحشر عن أهواله لا تسمعوا للمرجفين وجهلهمفمصيبة الإسلام من جُهّاله ولما انتصرت الدولة العثمانية فيحربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1887م) كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشادفيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله: بسيفك يعلو والحـق أغلـبوينصر دين الله أيان تضرب وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمهاإلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة، فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالث بعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثانيفي انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التيبعنوان "الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله: سل يلدزا ذات القصورهل جاءها نبأ البـدور لبكتك بالدمع الغزيرلو تستطيع إجابـة ولم تكن صلة شوقي بالترك صلةرحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلة في الله، فقد كان السلطان العثمانيخليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمانشوقي وحده، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين. وفي هذه الفترة نظمإسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعرهقوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومنأشهر قصائده "نهج البردة" التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخالجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول فيمطلع القصيدة: ريم على القاع بين البان والعلـمأحل سفك دمي في الأشهر الحرم ومن أبياتها في الرد على مزاعمالمستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف: قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوالقتل نفس ولا جاءوا لسفـك دم جهل وتضليل أحلام وسفسطـةفتحت بالسيف بعد الفتح بالقلـم ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى،مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها: سلوا قلبي غداة سلا وتابالعل على الجمال له عتابًا كما اتجه شوقي إلى الحكاية علىلسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منهوسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساسبين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده. وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوبسهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)، وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمزبالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر. النفي إلى إسبانيا وفيالفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ،خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثارالمسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة. وأثمرت هذه القراءات أن نظمشوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة،تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقربإلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته. وفي المنفى اشتد به الحنين إلىالوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثهلواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا فيالعاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"،وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها: صنت نفسي عما يدنس نفسيوترفعت عن جدا كل جبـس وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبياتتحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلسوآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروةحنينه إلى مصر قوله: أحرام على بلابلـه الـدوححلال للطير من كل جنـس وطني لو شُغلت بالخلد عنـهنازعتني إليه في الخلد نفسي شهد الله لم يغب عن جفونيشخصه ساعة ولم يخل حسي العودة إلى الوطن أحمد شوقي و سعد زغلول عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان علىرأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركةالوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقيإلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلالوالنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن ومايجيش في صدور أبنائه من آمال. لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائرالمغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين،فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزالجاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً: إلام الخلـف بينكـم إلامـا؟وهذي الضجة الكبرى علاما؟ وفيم يكيد بعضكـم لبعـضوتبدون العداوة والخصامـا؟ وأين الفوز؟ لا مصر استقرتعلى حال ولا السودان دامـا ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجادهما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهراموأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارهاالمبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأملويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها: قفي يا أخت يوشع خبرينـاأحاديث القرون الغابرينـا وقصي من مصارعهم عليناومن دولاتهم مـا تعلمينـا وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عنآمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التيسجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها: بني سوريّة اطرحوا الأمانيوألقوا عنكم الأحلام ألقـوا وقفتم بين مـوت أو حيـاةفإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا وللأوطان في دم كل حـرٍّيد سلفت وديـن مستحـقُّ وللحريـة الحمـراء بـاببكل يـد مضرجـة يُـدَقُّ ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعةأخبار دولةالخلافة العثمانية، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازمبأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاهارثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها: عادت أغاني العرس رجع نواحونعيت بيـن معالـم الأفـراح كُفنت في ليل الزفـاف بثوبـهودفنت عنـد تبلـج الإصبـاح ضجت عليك مـآذن ومنابـروبكت عليك ممالـك ونـواح الهند والهة ومصـر حزينـةتبكي عليـك بمدمـع سحَّـاح إمارة الشعر أصبح شوقي بعدعودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره،وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ،وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربيوشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً: بلابل وادي النيل بالشرق اسجعيبشعر أميـر الدولتيـن ورجِّعـي أعيدي على الأسماع ما غردت بهبراعة شوقي في ابتداء ومقطـع أمير القوافي قـد أتيـت مبايعًـاوهذي وفود الشرق قد بايعت معي مسرحيات شوقي بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قدحقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحيةالشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد. وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها منالتاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولىمسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخالعربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"،وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة". ولأمر غير معلوم كتبمسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعرالمعتمد بن عباد. وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعفالطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غيرأن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنهاكونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث. مكانة شوقي منح الله شوقي موهبةشعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثالعليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه،حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغنتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لميبلغه شاعر عربي قديم أو حديث. وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقدانكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر فيمطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتىقيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد علىذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسةالتاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخالشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه. وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرةموسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطربويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلةقليلة من فحول الشعراء. وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التيمكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر فيبعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة. وقدنظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابدرائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية،مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيهكتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة. وقدجمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبريالسربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدينأطلق عليه "الشوقيات المجهولة". وفاته ظل شوقي محل تقدير الناسوموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحييبها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م) |
العلامات المرجعية |
|
|