#1
|
||||
|
||||
![]() السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من روائع الإعجاز الغيبي للقرآن ( سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلّونَ الدُّبُر ) في المرحلة الأولى من مراحل الدعوة الإسلامية - أثناء وجود المسلمين في مكة المكرمة وقبل هجرتهم إلى المدينة المنورة – لم يكن الله تعالى قد شرع لهم القتال بعد ، وإنما كان أمر الله للمسلمين هو الصبر على الأذى وتحمّل المشاق في سبيل توصيل كلمة الله للناس ، وكانت الآيات القرآنية تنزل آمِرَةً بذلك مثل قوله تعالى " قُلْ للذين آمَنوا يغْفِروا للذين لا يَرْجُونَ أيّامَ الله " آية 14 – من سورة الجاثية . ومثل قوله تعالى " فاصْفَح عنه وقُلْ سلامٌ فسوْف يعلمون " 89 – من سورة الزخرف . ولكن في نفس الوقت كانت بعض الآيات تنزل مُخبرة بأن الأمر لن يظل على ماهو عليه من الصبر وتحمل الأذى دون إبداء رد فعل ، بل كانت بعض الآيات تنزل وفيها تهديد للذين يُؤذون المسلمين ، وآيات فيها بشارات للمسلمين بأنهم سيكونون أصحاب الأمر والكلمة العليا في نهاية المطاف ، وآيات تخبر بأن سيكون هناك قتال بين المسلمين وأعدائهم وأن الغلبة ستكون للمسلمين في نهاية الأمر ، وهي آيات كانت تثير العجَب والدهشة لدى المسلمين الذين كانوا محاصَرين في شِعب أبي طالب لا يجدون ما يقتاتون به والأخطار محدقة بهم من كل جانب لا يستطيعون الخروج وإلا اختطفتهم أيدي المشركين ، ففي مكة نزل قوله تعالى في سورة المُزّمّل " عَلِمَ أنْ سيَكونُ منكم مَرْضى وآخرون يُقاتِلون في سبيل الله فاقرأوا ما تَيَسّر منه .... ( أي من القرآن ) " الآية 20 . قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية : أي عَلِمَ أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل من مرضى ومسافرين ... ، وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم وهو الغزو في سبيل الله ، ويكمل ابن كثير كلامه فيقول : وهذه الآية ، بل السورة كلها مكيّة ، ولم يكن القتال شُرِعَ بعد ، فهي من أكبر الدلائل على النبوة لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة . انتهى كلام ابن كثير . وفي مكة أيضًا نزل قوله تعالى : " ولقد سَبَقَتْ كلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلين . إنّهم لَهُمُ المنصورون . وإنّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبون . فتَوَلّ عنهُم حَتى حِين . وأبصِرْهُم فسوف يُبْصِرون " من سورة الصافات ، الآيات من 171 – 175 . قال في التفسير : أي اصبر على أذاهم لك وانتظر إلى وقت مُؤجّل .. وقال أيضًا : أي أنْظِرْهم وارتقب ماذا يحل بهم من العذاب والنكال ، ولهذا قال الله تعالى على وجه التهديد والوعيد " فسوف يُبْصِرون " انتهى . وفي مكة نزلت الآية التي أثارت الدهشة والعجب مما أخبرت عنه ، قبل أول موقعة بين المسلمين والكفار ، قبل موقعة بدر بسبع سنين نزلت آية تخبِر أن الكفار سينْهَزمون وسوف يَفِرّون من أمام المسلمين ، ولم يكن هناك ثَمّةَ قتال ، وكان حال المسلمين قد بلغ من الضعف مبلغًا يصعب معه تصديق مثل هذه النبوءة إلا على من كان راسخ الإيمان بأن هذا الكلام هو كلام الله ، فكانت الآية بمثابة اختبار لقوة إيمان المؤمنين . أخرج ابن أبي حاتم عن عِكرِمة قال : لما نزل قوله تعالى " أمْ يقولون نَحْنُ جميعٌ مُنْتصِر . سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلّون الدُّبُر " 44- 45 من سورة القمر ، قال عمر بن الخطاب : أيُّ جَمْعٍ ( هذا الذي ) يُهْزَم ؟ !! ، قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيتُ النبي ![]() ![]() ![]() ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ وفي المدينة المنورة – وبعد أن أصبح للمسلمين شوكة ومنعة – نزل قول الله تعالى " أُذِنَ للذين يُقاتَلون بأنّهُم ظُلِموا ، وإنّ اللهَ على نصْرِهِم لَقَدير " 29 – الحج . قال ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس : لما أُخرِجَ النبي ![]() ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ لقد رأينا أن القرآن قد تنبّأ بغلبة المسلمين على أعداء دعوتهم – من قبل حتى أن يُشرع القتال – وقد تجلّى نصر الله للمؤمنين بشكل يبلغ درجة التحدي السافر في يوم سمّاه القرآن ( البطشة الكبرى ) في قول الله تعالى " يومَ نَبْطِشُ البطشَةَ الكبرى إنّا مُنتَقِمون " قال المفسّرون أن هذه البطشة كانت يوم بدر وهو من حديث ابن مسعود الذي رواه البخاري وغيره . وإذا علِمْنا بعض التفصيلات عن وقائع هذا اليوم ، وعلمنا الفارق الكبير بين عدد المسلمين يومها وعدد أعدائهن لَتَجلّت لنا صورة التحدي القرآني في قوله تعالى " إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقومُ الأشهاد " ، وفي قوله تعالى " وكان حقًّا عليْنا نصرُ المؤمنين " تذكر كتب السيرة والحديث أن رسول الله ![]() ![]() ![]() وكان الله عز وجل قد أوحى إلى نبيّه ![]() أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر نظر النبي ![]() وقد ورد في الصحيح أن رسول الله ![]() هذه البشارة أو النبوءة بأن الملائكة سوف يقاتلون مع المؤمنين كانت تأكيدًا لقوله تعالى : " وما النّصْرُ إلا من عند الله " ، وقد صدق الله رسوله هذه النبوءة بما شهد به المشركون أنفسهم بأن الملائكة كانت تقاتل مع المؤمنين ، وبأن هذا النصر كان بقوة خارجة عن نطاق المعقول وخارجة عن نطاق الحسابات البشرية وحسابات موازين القوى . روى محمد بن اسحق في سيرته من حديث أبي رافع : أن أبا سفيان عاد إلى مكة بعد المعركة وجلس مع أبي لهب – الذي لم يكن قد شارك في المعركة – وقال له : ماهو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ، ويأسِروننا كيف شاءوا ، وأيم الله مع ذلك ما لُمْتُ الناس ، فقد لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض ، والله ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شيء ( يقصد الملائكة ) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ نزل في شأن هذه الغزوة أيضًا قوله تعالى : " إذ يُوحي ربّك إلى الملائكة أني معكم ، فثَبّتُوا الذين آمَنوا ، سَأُلْقي في قلوب الذين كفروا الرّعب ، فاضرِبوا فوق الأعناق واضرِبُوا منهم كل بَنَان " 12 – الأنفال . قال الربيع بن أنس : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق ، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به . وعن الحسن البصري قال : قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك ، قال : ذاك ضرب الملائكة . رواه ابن جرير الطبري . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر محمد ابن اسحق في سيرته قال : لما أصيبت قريش يوم بدر ، ورجع فَلُّهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدًا وتَرَكم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرًا بمن أصيب منا ، ففعلوا ، وأنزل الله فيهم قوله : " إنّ الذين كفروا يُنْفِقون أموالَهم لِيَصُدّوا عن سبيل الله ، فسيُنْفِقونها ثم تكون عليهم حسْرَةً ثم يُغْلَبون ، والذين كفروا إلى جهنم يُحشَرون " 36 – الأنفال نرى في هذه الآية الواحدة أربع نبوءات ، ، وإن شئت قُل ثلاث تتحقق في الدنيا ، وتتحقق الرابعة في الآخرة ، أما اللاتي في الدنيا فأولها أن الذين عُرض عليهم الإنفاق في سبيل محاربة النبي ![]() ![]() ![]() تذكر كتب السيرة أنه في صباح يوم الأربعاء السابع عشر من شهر رمضان سنة 8 هجرية ، غادر رسول الله ![]() ![]() ومشهد آخر ذكرته كتب السيرة أن رسول الله ![]() ![]() النبوءة الثالثة التي تضمنتها الآية قوله تعالى : " ثم يغلبون " وسوف نرى في صفحات تالية كيف تغلب الإيمان على الكفر.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
__________________
قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .! فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا .. |
العلامات المرجعية |
|
|