لماذا محمد البرادعى .. ؟؟
حتى اليوم صرح عشرة أشخاص - تقريبا – ، بنيتهم الترشح لنيل المنصب الرفيع – رئيس جمهورية مصر العربية – ، والعشرة مختلفى الإنتماءات السياسية والتوجهات الفكرية ، وإن كان معظمهم من اليمين ، سواء المحافظ أو الليبرالى .. وبالإمكان جمع تسعة منهم تحت إطار يمين الوسط ، فليس من بينهم من ينادى بالرأسمالية فى صيغتها الوحشية أوالمتطرفة ، أوحتى فى نسختها الأمريكية ، وكلهم تحدثوا عن العدالة الاجتماعية ، وحق الفقراء فى حياة كريمة وعادلة .. أما عاشرهم الأستاذ حمدين صباحى ، فهو اليسارى الوحيد بينهم ، فى ظل إنحسار اليسار المصرى فى السنوات الأخيرة ، وتقلص شعبيته وسط االطبقات الشعبية والفقيرة .. وحمدين صباحى ناصرى الهوى والتوجه ، و يجنح الى اليسار الإشتراكى المعتدل ، لا إلى الإشتراكية فى طبعتها الشيوعية ، مع تأكيده أنه فى حالة نيله المنصب ، لن يكون نسخة أخرى من الزعيم الراحل – جمال عبد الناصر – ، و سيخضع لمتطلبات وطنه ، طبقاً للظروف السياسية والإقتصادية التى سيتولى فيها المهمة ، وبالإمكان إدراجه تحت إطار يسار الوسط ، وهو إطار سياسى وفكرى لا يختلف عن يمين الوسط – من وجهة نظرى – إلا إختلاف طفيف جداً ، لا يتعدى إختلاف درجات اللون الواحد .. اذن لن تؤثر توجهات المرشحين العشرة السياسية أو الفكرية فى برامجهم الإصلاحية، أو فى رغبتم فى التغيير – على الاقل كما يدعون – ، وسيحاولون قدر إمكانهم ، وقدر الظروف تحقيق التغيير المطلوب .. وكل المرشحين – تقريباً – طرحوا نفس التجارب التى حققت نجاحاً خلال فترة وجيزة ، فى بقاع مختلفة من العالم مثل تجارب : البرازيل والهند ، وماليزيا ، وكوريا الجنوبية ، والصين ، كنماذج مضيئة يجب محاكاتها ، أو على الأقل الإستفادة من نهجها الإصلاحى .. والمرشحون جميعاً تمرسوا فى الحياة ، وخبروا تجاربها وتفاصيلها العامة والدقيقة ، ومنهم من شغل مناصب هامة ومؤثرة ، كمحمد البرادعى ، وعمرو موسى ، ومجدى حتاتة ، وهشام البسطاويسى ، ومنهم من عرك السياسة المصرية ، واكتوى بنارها ، ونال من مُرها وأشواكها مثل : عبد المنعم ابو الفتوح - فى حالة تأكيده الترشح – ، حمدين صباحى ، أيمن نور ، أى أن العشرة لهم من التجارب والخبرات ما يؤلهم لنيل المنصب الرفيع .. ومع كل هذا يبقى لمحمد البرادعى راية السبق ، لأن أول موجات التغيير حملت إسمه ورائحته ، حينما نادى به طالبى التغيير رئيساً لمصر ، ونادى هو وقتها بتغيير الدستور بما يليق بدولة عصرية ، وتعديل المواد المعيبة والمهينة لكل المصريين ، خاصة المواد 76 ، 77 ، 88 ، وقتما كان تغيير تلك المواد ضرباً من المستحيل ، فى دولة مهدت كل الطرق ، لإعتلاء الوريث سدة الحكم بشكل رسمى ، بعد أن حكمها عشرة سنوات من وراء الستار ، أو من وراء لجنة سياساته التخريبية .. وظن الجميع حينها أن صوت محمد البرادعى ، صوت فى فلاه أو صحراء ، لكن لأن المنبع كان نقياً ورائقاً ، فحينما وصل الى المصب ، كان هادراً بما يكفى لإطاحة النظام السابق بكل جبروته وصولجانه ، بعد أن رفعت الجماهير راية التغيير فى كل مكان وشق على أرض مصر .. وأمل التغيير فى مصر ، لن يتحقق إلا بالبرادعى ، ليس فقط لانه يملك أفقاً حقيقياً لتغيير مصر ، بل لأنه غاب عنا بما يكفى ، كى يرى ما لا نراه ، ويعرف ما لا نعرفه ، و لم يكن أسيراً مثلنا للثبات والسكون والاستكانة ، والرضى بمقسوم مبارك عبادة .. وليس للنظام السابق أى يد عليه ، سواء بفرضه علينا موالياً غشوماً ، أو معارضاً رضى بأصول اللعبة العبثية فى نظام مبارك السابق ، فالرجل ترقى فى حياته المهنية ، وحاز على ثقله الدولى بمجهوده وعنائه ، وإرتقى سدة المؤسسات الدولية بألمعيته وذكائه ، وتقلد جوائزه الدولية من دول وهيئات تتبع معاييراً حقيقية وعادلة للنزاهة والشفافية ، وهما صفتان لا نعرف عنهما فى وطننا سوى حروفهما الطباعية .. وكل مرشحى الرئاسة غيره ، نالوا مواقعهم الهامة ، سواء تحت مظلة الحكومة ، أو تحت مظلة المعارضة ، فى ظل النظام السابق ، وتسربت اليهم سواء بإرادتهم ، أو دوناً عنهم ، أو حتى فى لا شعورهم الداخلى ، أساليب الحكومة المصرية ، ليس فقط منذ أن تولى مبارك حكم مصر عام 1981 ، بل منذ ثورة يوليو 1952 ، الأساليب التى تعتمد إقصاء وتهميش كل الاصوات المعارضة ، والإرتكان الى صوت الدولة الواحد الوحيد .. بعكس البرادعى الذى قضى عمره مؤمناً وممارساً للديمقراطية ، وصارت جزءاً من تكوينه وسلوكه ، بلا إدعاء أو مماحكة ، أو التصريح بها كنوع من أنواع التقية ، كما عند إخواننا المتأسلمين .. ولأننى من جيل ( مواليد السبعينات ) سئم الحياة السياسية فى مصر ، طوال العقدين السابقين ، وقرر طائعاً أن يتمدد بأفكاره فى فضاء بيته ، وبين أصدقائه المقربين أوالإفتراضيين على شاشات الإنترنت ، دون أن يشارك بعقله أو حتى بجسده فى عبث السنوات الماضية ، وذلك بعد أن تكشفت أمامه منذ بكارته السياسية والفكرية ، تهرؤ الأحزاب والجماعات المصرية ، الرسمية منها والسرية .. وبعد أن تيقن أن ثلاثين عاماً من حكم الرئيس المخلوع ، أصابت الجميع بعمى سياسى ، وجعلت الكل يتحسس طريقه فى الظلام ، ورضت كل أطراف اللعبة بمواقعها فى لعبة النظام المملة والمهينة ، بل وإختارت أدوارها النمطية سواء فى زى الموالين أو المعارضين ، لذلك أميل فى لحظتنا الراهنة إلى ترشيح محمد البرادعى رئيساً لمصر ، حتى نتنفس هواءاً مغايراً فى وطن جديد ، من مرشح خارج عن النسق المصرى المعتاد ، القائم على الموائمة والموالسة والإقصاء ، ونعود الى ممارسة حقنا الطبيعى والإنسانى فى بناء وطننا كما نعتقد ونحب
منقول
أسامة كمال