|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
بالنسبة لما نسب إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تعطيله حد من الحدود الشرعية وهو حد السرقة، فقد أخذ الأمر على غير مأخذه، وبخاصة من فريقين: فريق يتصيدون على الإسلام المآخذ المكذوبة كي يؤصلوا عدم صلاحية الإسلام للتطبيق على البشر ومواكبة التطور بدلالة عدم قدرته على معالجة مشكلة مما يستدعي إلى توقف أحكامه، وأكثر هؤلاء من العلمانيين، وفريق ناصب العداء لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وبدوره أيضاً يحاول التصيد من أجل النيل من هذا الصحابي الكريم، وذلك لعداء تمكن من النفوس وهوىً أعمى العقول.
والحق أنه قد ورد ما يحتاج إلى فهم دقيق كي لا يساء فهمه فنقع بما وقع به أحد الفريقين. فقد جاء في إعلام الموقعين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة، قال السعدي: حدثنا هارون بن إسماعيل الخزاز ثنا علي بن المبارك ثنا حدثني حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن عمر قال: لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة. قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذا الحديث فقال: العذق النخلة، وعام سنة: المجاعة، فقلت لأحمد: تقول به؟ فقال: إي لعمري، قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة . وجاء فيما رواه مالك رحمه الله في الموطأ: أن رقيقاً لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر: أراك تجيعهم. ثم قال عمر: والله لأغرمنك غرماً يشق عليك. ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربع مائة درهم فقال عمر: أعطه ثمان مائة درهم. وقبل التوغل في بحث هاتين الحادثتين، أقول: لم يرد عن سيدنا عمر رضي الله عنه لا في الصحيح ولا في الضعيف ولا في المكذوب ما يفيد أنه عطل حداً، أو أوقف تطبيق حكم شرعي، ولكن الأمر يحتاج إلى تبيان. كما أحب التأكيد على أن عدم تطبيق الحد لا يعني تعطيله، فشتان بين الأمرين، إذ تطبيق الحد يحتاج إلى معرفة شروط الحد، فإذا لم ينطبق شرط منها لا يكون حداً فيقال لم ينطبق واقع الحد فلم يطبق الحد، وبالطبع لا يمنع هذا من التعزير. وبالنسبة للسرقة أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه، على شرط أن يكون نصاباً يقطع عليه، وأن لا تكون في هذا المال شبهة وعرفها الفقهاء بأنها أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه من حرز مثله، وغير ذلك من التعريفات التي اشترطوا فيها أن يكون في المسروق نصاب السرقة، وأن يكون محرزاً، والحرز هو حرز مثله، فالذهب حرزه الخزنة أو الإخفاء في مكان أمين، والبقرة حرزها ربطها، ولذلك لا يعتبر سارقاً من سرق بقرة سائمة، ولا يعتبر سارقاً من سرق ذهباً موضوعاً على قارعة الطريق، صحيح أنه يعاقب ولكن لا تقطع يده لأن ثمة شبهة درأت الحد. وشروط حد السرقة سبعة أولها: أن ينطبق على الأخذ تعريف السرقة، وثانيها: أن يكون المسروق نصاباً، وثالثها: أن يكون المسروق مالاً محترماً، أذِنَ الشارع بتملكه، ورابعها: أن يسرقه من حرزه، ويخرجه منه، فإن وجد باباً مفتوحاً، أو حرزاً مهتوكاً فلا قطع عليه، وخامسها وهو ما يتعلق بموضوعنا أن تنتفي الشبهة عن المال المسروق، ولذلك لا تقطع يد الزوجة إذا سرقت من زوجها لشبهة حقها في المال، وكذلك الولد من أبيه والأب من ابنه، وكذلك السرقة من بيت المال لشبهة الحق فيه، وقد جاء في الحديث أن عبيداً لبيت المال سرقوا من بيت المال، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: (مال الله سرق مال الله ولم يقطعهم) . والزاني إذا شهد عليه ثلاثة شهود ولم يشهد الرابع لا يقام عليه حد الزنا مع أنه حصل بالفعل، وقس على هذا جميع الحدود التي نص عليها الشارع وليس لها من البينات ما يقطع بانطباقها على الواقع. وسادسها: كون السارق بالغاً عاقلاً ملتزماً أحكام المسلمين ، مسلماً كان أو ذمياً، وسابعها: أن تثبت السرقة بالإقرار ، أو البينة العادلة، ولا أحب أن أفصل في الشروط لعدم علاقتها المباشرة بالبحث، ولكن ذكرتها لأؤكد دقة الإسلام في أحكامه، ولغاية سأذكرها لاحقاً. ولنعود إلى ما حصل في عهد أمير المؤمنين وهو أمران: الأول ناقة مزينة وقد سرقها العبيد ولما تحقق عمر تبين له أنهم جائعون فلم يقطعهم بل غرم سيدهم، وما حصل في عام الرمادة أنه لم يقطع من سرق ليأكل، وذلك لوجود الشبهة التي تمنع تطبيق الحد، وقال: ما كنت قاطع الناس حتى أشبعهم. فقد ذكر الحسن عن رجل قال : (رأيت رجلين مكتوفين ولحماً فذهبت معهم إلى عمر رضي الله عنه ، فقال صاحب اللحم: كانت لنا ناقة عشراء، ننتظرها كما ننتظر الربيع، فوجدت هذين قد اجتزراها، فقال عمر رضي الله عنه : هل يرضيك من ناقتك ناقتان عشراوان مربعتان، فإنه لا نقطع في العذق، ولا في عام السَّنة) أي عام المجاعة، وكان ذلك في عام المجاعة. والعشراء الحامل التي أتى عليها عشرة أشهر قرب موعد ولادتها، فهي أعز ما يكون عند أهلها، ينتظرون الخصب والسعة للبنها، كما ينتظرون الربيع، ومعناه لا قطع في عام السَّنَة. ومثل ذلك سرقة الجائع الذي لا يجد ما يأكله، فانه إذا سرق ليشبع جوعته لا قطع عليه، لأنه ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا قطع في مجاعة مضطر) وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول: من جاع ولم يسأل دخل النار. فلا بد من التفريق بين تعطيل الحد أي عدم تطبيقه مع لزوم تطبيقه كما يفعل الحكام اليوم وهذا حرام شرعاً قولاً واحداً، وبين ألا ينطبق الحد أصلاً لعدم انطباق واقعه. والقضاء الإسلامي يزخر بالعديد من القضايا المماثلة، فلم تجلد بكر ظهر عليها الحمل بعد أن تبين أن نومها ثقيل وقد اكتشف ذلك سيدنا علي رضي الله عنه فكان شبهة درأت الحد عنها، ونحن نعلم أن القاعدة هي أن الحبل يقتضي المهر أو الحد كما قال أبو حنيفة رحمه الله . إن الإسلام عندما شرعت أحكامه فقد شرعت منضبطة لتنطبق على الواقع، وإذا اختلف الواقع اختلفت الأحكام، ولكن إذا كان الحكم منطبقاً على الواقع ولم يطبق هنا يحق لنا أن نقول لقد تم تعطيل الحد أو عدم تطبيق حكم الشرع، فلو أن سارقاً سرق ما تحقق فيه النصاب وهو ربع دينار ذهب أي ثلاثة دراهم لأن الدينار اثنا عشر درهماً، من حرزه أي كان محروزاً بحرز مثله ولم تتواجد أي شبهة تدرأ الحد، ولم يطبق عليه الحد يكون هذا تعطيلاً لحدود الله، ولكن إذا اختل شرط من شروط تطبيق الحد كأن يكون النصاب أقل من ربع دينار، أو كان المال غير محرز، أو كان مالاً فيه شبهة كأن يكون مال ورثة يشترك فيه إخوة، أو كان للسارق حق أو بعض حق في هذا المال كأن يكون دائناً لمن سرق منه المال، أو ممن تجب عليه نفقتهم، أو كان السارق ولي دم وله دية من المسروق منه أو غير ذلك مما فصل فيه الفقهاء والقضاة فإنه لا حد هنا ولا يتأتى أن يبحث ابتداء موضوع التعطيل، ولكن يقال لم ينطبق الحد فلم يطبق. كما لا يقال أن الموقف هو تقديم مصلحة على مصلحة أوجب منها، إذ لو كان الأمر كذلك لما قطعت اليد أصلاً في ربع دينار فالمحافظة على اليد أهم من المحافظة على ربع دينار، بل إن البعض سأل: كيف تكون دية اليد نصف الدية، فإن سرقت في ربع دينار قطعت، وكان رد الفقهاء المشهور: إن الشريعة صانت اليد وهي كريمة، وقطعتها وهي خائنة لئيمة، أو كما قال بعضهم تعدت وخانت فهانت. بل الأمر هو عدم انطباق شروط الحد فانعدم الحد وصار كأن لم يكن. وقد خرج علينا في هذا الزمان للأسف من يطالب بإلغاء حد السرقة بحجة أن الفقر منتشر في كثير من البلاد، وأن النفوس مريضة، وأن التقوى مفقودة، فإذا طبق الحد سيمشي الناس في الشوارع بلا أيدي، وستتعطل الحياة وتتوقف العمالة، وأنه يكفي أن يستبدل الحد بالسجن، كل ذلك من أجل تشويه أحكام الإسلام وتعطيل إيجاده في الحياة، وهذا ورب الكعبة لهو الضلال، إذ نسي هؤلاء أو تناسوا أن الإسلام جاء بأحكام كاملة شاملة آخذ بعضها في رقاب بعض، وأنها يجب أن تطبق كاملة ضمن دولة متميزة كي تؤتي نتائجها كما أمر الله جل وعلا، ولو أننا أخذنا الإسلام كاملاً في جميع أحكامه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها فإن الواقع سيختلف والحياة ستتغير. وأخيراً إن من يتسرع في الحكم على الواقع بسطحية دون أن يتعمق في تفكيره، فيدرس الواقع دراسة مستفيضة، ثم يجمع كل المعلومات المتعلقة به ليكون حكمه صادقاً على الواقع، يقع في مغبة الإساءة من حيث يشعر أو لا يشعر لدين الله تعالى، وأكبر مثال على هذا أن نعرف للوهلة الأولى أن سيدنا عمر عطل حداً من حدود الله، لورود شيء من ذلك فيه، ثم يكون الحكم الأولي وبالتالي الاستنتاج الخاطئ، فيخرج علينا من يستدل بتعطيل سيدنا عمر للحد ليجعله دليلاً على جواز تعطيل الحدود في هذا الزمان، وليجعل من الروايات التي تسرع في أخذها أو أخذها بخبث تكئة له لتأكيد مقولته، ومهرباً يلج فيه عندما يسأل أو يطالب بتطبيق الحدود الشرعية. في الوقت الذي نجد فيه أحكام الإسلام منضبطة بشروط وضوابط لتطبيقها، لأنها من الله جل وعلا، ولذلك على كل من يريد أن يحكم على واقعة فيها تطبيق أو عدم تطبيق حكم شرعي أن يكون على مستوى دقة هذه الأحكام وانضباطها. والله تعالى أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل http://www.al-borhan.com/vb/showthread.php?t=1144 |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|