|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. قصة قصيرة قرأتها واعجبتني جداً أحببت ان تشاركوني قرأتها .. هي على ثلاث اجزاء فقط قراءة ممتعة ان شاء الله .. صباح دافئ في شتاء نيويورك
بقلم أحمد دعدوش (1) أطفأ التلفاز بحركة عنيفة، ورمى جهاز "التحكم عن بعد" على المنضدة. رشف القطرات الأخيرة المتبقية في كأس الليمونادة، وعاد للنظر في المارة من خلف النافذة. كان الجو بارداً في الخارج، فاعترت جسده المترهل قشعريرة باردة. نهض متكاسلاً إلى المدفأة الحجرية وألقمها بعض الحطب، ثم وقف أمام النافذة يمسح بيده العارية ما تكثف على زجاجها من بخار، وعاد للتأمل في وجوه المارة. التمعت في ذهنه فكرة مباغتة، فأسرع إلى دفتر قديم ملقى على المنضدة لينتزع منه إحدى الصفحات، ثم ارتمى على أريكته وبدأ يفكر بديباجة مناسبة يبدأ بها رسالته. رفع بصره إلى السقف المعتم، وبدأ باسترجاع شريط الذكريات.. هاهو يخرج من مطار نيويورك مع زوجته وابنته ذات الأعوام العشرة ليمتع عينه بمنظر المدينة الخلاب، لقد تحقق حلمه أخيراً بالهجرة إلى أرض الأحلام، وعليه الآن أن يبدأ مع أسرته الصغيرة حياة جديدة. مصاعب كثيرة تتناوب على الزوجين لتأمين حياة كريمة لهما ولابنتهما، وتناقضات واضحة بين الحلم القديم والواقع. ابنته الوحيدة تملأ البيت بالحياة والحركة، وتقفز على الترامبولين بمرح أمام والديها المشغولين بالشواء في فناء البيت الخلفي. الشريط يقفز بسرعة إلى أول يوم لها في مدرسة أجنبية، وتتسارع صور مشكلاتها مع اللغة والأصدقاء والتحيز، ثم تظهر فجأةً لحظةُ تخرّجها من الجامعة، وهاهي تلقي خطبة التخرج بالنيابة عن زملائها.. كانت فرحة والديها لا توصف وهما يقطفان ثمرة العمر. لا شيء يدوم في هذه الحياة، فهذه زوجته التي شاركته حلو الحياة ومرها تستسلم للموت، وتسقط يدها من قبضته.. كان عاماً أسود قلب حياة الزوج والابنة رأساً على عقب. بدأت الابنة الشابة بالتغير، وملأت البيت بالصراخ والبكاء في كل مناسبة. كان قادراً على تحمل سلوكها المتشنج بسعة صدره، فهو يعلم وقع المصيبة على نفسها، ولكن الأمور بدأت بالخروج عن سيطرته. لقد أفسد الدلال أخلاقها، ولم يعد يعجبها شيء، كما بدأ العقد السابع من عمره يرسم آثاره على جسده المتعب. لقطات خاطفة من الشريط تتسارع أمام عينيه، حتى شعر بصعوبة ملاحقتها.. ابنته الوحيدة تصرخ في وجهه كالعادة، تشتمه وتحمّله مسؤولية أشياء لم تخطر بباله، تنزع حجابها الذي جهد مع أمها لإقناعها به وسط سخرية زميلاتها، وتخبره بكل وقاحة عن صديقها الذي سيخلصها منه. أشياء كثيرة لم يعد قادراً حتى على استحضارها، ولكن صورة ابنته وهي تحمل حقيبتها التي أعدّتها مسبقاً وتخرج من باب البيت أمام دهشة أبيها المفجوع لن تفارق خياله. أغمض عينيه وأجهش بالبكاء.. نزع غطاء القلم، وبدأ يكتب بيد مرتعشة: "رسالة إلى ابنتي الوحيدة".. ثم وضع عنواناً لها: "اذكريني يا ابنتي"، وكتب تحته: |
العلامات المرجعية |
|
|