المقامة الحلوانية لبديع الزمان الحلواني

[عاطف خليفة]

المقامة الحلوانية ( لبديع الزمان الهمذاني )

* الأهداف :

بعد دراستك لهذا الدرس ينبغي أن تكون قادرا على أن :تتعرف فناً جديداً هو فن المقامة .

تتعرف واحداً من كتاب ورواد هذا الفن .
تتعرف الخصائص الفنية لأسلوب المقامة .
تتعرف الأسباب التي أدت إلى ظهور فن المقامات .
تتعرف أحداث المقامة .
تقارن بين المقامة والقصة القصيرة .
تحلل المقامة بلاغيا .
تحب هذا اللون من الكتابة الأدبية .

* التعريف بالكاتب ( بديع الزمان الهمذاني ) :

هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني، ولد بهمذان سنة 348هـ، وتوفى سنة 398هـ نشأ في مدينة همذان مسقط رأسه، والتي كانت مركزاً للعلماء والأدباء، وأقبل على تحصيل العلم والأدب واشتهر بمقاماته التي وصلنا منها اثنتان وخمسون مقامة فقط.

* معنى المقامة :

1- المقامة في اللغة: تعني المجلس أو الجماعة من الناس.
2- المقامة في الأدب: تعني قصة خيالية قصيرة تدور في مجلس يضم جماعة من الناس

وكان بديع الزمان في مقاماته متأثراً بابن دريد، وقد جعل بديع الزمان لمقاماته بطلاً هو أبو الفتح السكندري، كما اختار راوية لمقاماته وهو عيسى بن هشام. ومن الملاحظ أن أبا الفتح السكندري لا يظهر في جميع المقامات. كما هو الحال في هذه المقامة .

* أسباب نشأة المقامة :

كان من أسباب نشأة المقامة انتشار " الكدية" أي " الاستجداء" ، و كان ذلك في القرن الرابع الهجري في هذه المنطقة من بلاد فارس حيث نشأ بديع الزمان الهمذاني .وأصحاب الكدية قوم يتجولون في البلاد يتكسبون عن طريق الأدب حيناً أو عن طريق الاحتيال على الناس بحيل مختلفة حينا آخر، ومن هنا فالمقامات تنقل إلينا صورة من صور الحياة الاجتماعية في هذا القرن .

* مناسبة النص :

تسمى هذه المقامة "بالمقامة الحلوانية" نسبة إلى مدينة [حُلوان]، والتي تقع جنوب همذان بالقرب من بغداد، وقد نزل عيسى بن هشام المدينة عند عودته من الحج، فوقعت له أحداث سوف تذكر في المقامة.

* 1-البحث عن حَمَّام

حدثنا عيسى بن هشام قال : لما قفلت من الحج فيمن قفل، ونزلت حلوان مع من نزل قلت لغلامي: أجد شعري طويلاً، وقد اتسخ بدني قليلاً، فاختر لنا حماماً ندخله، وحجاماً نستعمله.

المفردات :

1-

قفلت: رجعت.

2- غلامي

: خادمي، الجمع [غلمان].

3- بدني

: جسدي، الجمع [أبدان] .

4- حجاما

: حلاقاً.

الشرح :

عندما عاد عيسى بن هشام من الحج ووصل إلى مدينة حلوان، وقد ظهر عليه أثر السفر من طول الشعر واتساخ البدن؛ طلب من خادمه أن يبحث له عن حلاق، وحمام من الحمامات العامة.

التذوق الأدبي :

من المحسنات البديعية :السجع في [قفل ، نزل][طويلاً ، قليلاً][ندخله ، نستعمله]

الجناس الناقص

في [ حماماً ، حجاماً ]. سر جماله تحريك الذهن مع موسيقى لفظية الازدواج: وهو اتفاق الجمل في الطول والقصر.

[ لما قفلت فيمن قفل، ونزلت حلوان فيمن نزل ]

وسر جماله إعطاء جرس موسيقي تطرب له الأذان.

الأساليب :

(اختر) أسلوب إنشائي . نوعه (أمر) غرضه الالتماس

* 2- شروط الحمام والحلاق

وليكن الحمام واسع الرقعة ، نظيف البقعة ، طيب الهواء ، معتدل الماء ، وليكن الحجام خفيف اليد، حديد الموسى نظيف الثياب ، قليل الفضول .

مفردات :

1-الرقعة

: المساحة ، الجمع [ رقع ] .

2-البقعة

: المكان : الجمع [ بقع ] .

3-

حديد: حاد .

4-الموسى

: شفرة الحلاقة.

5-الفضول

: التدخل فيما لا يعنى.

الشرح:

طلب عيسى بن هشام من خادمه أن يختار له الحمام و الحجام على شروط، فالحمام يكون واسعا ونظيفا ، وهواؤه طيب ، والماء معتدل . وطلب أن يكون الحلاق ماهر، وأمواسه حادة وثيابه نظيفة ، ولايتدخل فيما لا يعنيه في الكلام .

التذوق الأدبي :

1- الصور البيانية :

(خفيف اليد) كناية عن مهارة الحجام سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز.

2-الأساليب:

(ليكن) أسلوب إنشائي. نوعه (أمر) غرضه التمني، وتكرر للتوكيد .

3- المحسنات البديعية :

السجع في [الهواء ، الماء] وسر جماله إعطاء جرس موسيقي تطرب له الأذان .

الجناس الناقص في [ الرقعة ، البقعة ] . سر جماله تحريك الذهن مع موسيقى لفظية الازدواج : وهو اتفاق الجمل في الطول والقصر .

[ واسع الرقعة ، نظيف البقعة ، طيب الهواء ، معتدل الماء ] وسر جماله إعطاء جرس موسيقي تطرب له الأذان .

* 2- أنا وأحمق في الحمام

فخرج ملياً ، وعاد بطيا ، وقال : قد اخترته كما رسمت ، فأخذنا إلى الحمام السمت ، وأتيناه فلم نر قوامه ، لكني دخلته ، ودخل على أثري رجل ، وعمد إلى قطعة طين فلطخ بها جبيني ، ووضعها على رأسي ، ثم خرج .

المفردات :

1-مليا

: زمناً طويلاً .

2-

بطيا : بطيئاً .

3-

كما رسمت : كما وصفت .

4-السمت

: الطريق .

5-

قوامه : المسئول عنه .

6-

على أثرى : خلفي .

7-

عمد : قصد.

8-

جبيني : جبهتي ،
والجمع [جُبُن - أجبُن - أجبنة]

الشرح :

خرج خادم عيسى بن هشام يبحث عن حمام وحلاق بالمواصفات التي طلبت منه ، وأرشد عيسى على مكان الحمام، فذهب دون أن يرى المسئول عن الحمام ، ودخل رجل عامل في الحمام، وأخذ قطعة من الطين ولطخ بها جبين عيسى بن هشام ، ووضعها على رأسه، ثم خرج وهو بهذا الصنيع يكون قد حجزه فلا ينبغي لأي عامل أن يقوم بعمل المطلوب لهذا ( الزبون ) .

التذوق الأدبي :

المحسنات البديعية :

السجع في [ مليا-بطيا ] . سر جماله إنشاء موسيقى لفظية تطرب لها الأذان.
الجناس الناقص في [ رسمت-السمت ] إثارة الذهن مع الموسيقى.
الطباق بين [خرج-عاد][خرج-دخل] سر جماله تقوى المعنى وتوضيحه بالتضاد.

* 3- أنا وأحمقان في الحمام

ودخل آخر ، فجعل يدلكني دلكاً يكد العظام ، ويغمزني غمزا يهد الأوصال ، ويصفر صفيراً ، يرش البزاق ، ثم عمد إلى رأسي يغسله ، وإلى الماء يرسله ، وما لبث أن دخل الأول ، فحيا أخدع الثاني بمضمومة قعقعت أنيابه ، وقال : يالكع .
مالك ولهذا الرأس وهو لي ، ثم عطف الثاني على الأول بمجموعة هتكت حجابه ،
وقال : بل هذا الرأس حقي وملكي وفى يدي ، ثم تلاكما حتى عييا ، وتحاكما لما بقيا .

مفردات :

1- يكد

: يتعب ويرهق .

2- يغمزني

: يعصرني .

3- الأوصال

: المفاصل . المفرد [وصل] .

4- البزاق

: اللعاب .

5- الأخدع

: أحد عرقين يكونان في الرقبة .

6- مضمومة

: لكمة .

7-

لكع : لئيم .

8- عطف

: المراد هجم .

9- هتكت

: مزقت .

10-حجابه

: المقصود شرفه وكرامته .

11-عييا

: تعبا .

12-تحاكما

: طلبا من يحكم بينهما .

الشرح :

بعد خروج الرجل الذي قام بحجز العمل لعيسى بن هشام، دخل رجل آخر وأخذ يدلك عيسى بن هشام بشدة وعنف ويعصره ويصفر في وجهه فيصل البزاق إلى وجه عيسى بن هشام، ويقوم بغسل رأسه بالماء ثم دخل الرجل الأول وأدرك أن زميله قد اســــتولى على ( زبونه ) فدارت بينهما المعركة الشديدة والتي اشتبكا فيها بالأيدي، وبعد أن أتعب كل منهما الآخر طلبا التحاكم أمام صاحب الحمام .

التذوق الأدبي:

1- الصور البيانية :

- (دلكاً يكد العظام ، غمزاً يهد الأوصال) كناية عن القسوة وعدم الخبرة

- (قعقعت أنيابه) كناية عن قوة الضربة .
- (هتكت حجابه) كناية عن شدة المعركة بينهما .
- ( حيا أخدع الثاني بمضمومة) استعاره مكنية . سر
جمالها التجسيم .

2-الجناس الناقص

في : [ تلاكما - تحاكما ] إثارة الذهن مع الموسيقى .3- الأساليب :

يالكع

: نداء غرضه التحقير .

مالك ولهذا الرأس

؟ أسلوب إنشائي . نوعه [ استفهام ] غرضه الاستنكار والتعجب .

* 4- التحاكم أمام صاحب الحمام

فأتيا صاحب الحمام فقال الأول : أنا صاحب هذا الرأس لأني لطخت جبينه ، ووضعت عليه طينه ، وقال الثاني : بل أنا مالكه ، لأني دلكت حامله ، وغمزت
مفاصله ، فقال الحمامي : ائتوني بصاحب الرأس أسأله ، ألك هذا الرأس أم له ؟

المفردات :

1-أتيا

: ذهبا .

2-

هذا الرأس : المراد عيسى بن هشام .

3-

لطخت : لوثت .

الشرح :

عندما ذهب العاملان إلى صاحب الحمام ليحكم بينهما في الأمر ، بين الأول حجته في أحقيته فهو الذي حجزه ووضع الطين على جبهته . وبين الآخر حجته لأنه هو الذي دلكه وعمل له المطلوب فطلب صاحب الحمام شهادة عيسى بن هشام في هذا الأمر .

التذوق الأدبي :

المحسنات البديعية :السجع في ( جبينه - طينه ) ( حامله - مفاصله ) إلخ .

* 5- الحكم أكثر حمقا

فأتياني وقالا : لنا عندك شهادة فتجشم ، فقمت وأتيت ، شئت أم أبيت ، فقال الحمامي : يا رجل لا تقل غير الصدق ، ولا تشهد بغير الحق ، وقل لي هذا الرأس لأيهما ؟ فقلت يا عافاك الله ، هذا رأسي ، قد صحبني في الطريق ، وطاف معي بالبيت العتيق ، وما شككت أنه لي .

مفردات :

1- تجشم

: تحمل .

2-

شئت : أردت .

3-

أبيت : رفضت .
4- عفاك الله : منحك الله العافية .

5-

البيت العتيق : الكعبة المشرقة .

الشرح :

جاء العاملان لابن هشام وطلبا منه أن يذهب معهما إلى صاحب الحمام بالقوة ، وحضر الرجل أمام صاحب الحمام الذي طلب منه أن يشهد بالصدق والحق وسأله لمن تكون هذه الرأس وأشار إلى رأس عيسى بن هشام . فقال عيسى بن هشام ربنا يعفو عنك فهذا رأسي أنا وليس رأس أحدهما وهو يصاحبني دائما وما كان عندي شك في أن رأسي .

التذوق الأدبي :

الصور البيانية :(قد صحبني في الطريق) استعارة مكنية . سر جمالها التشخيص . والأسلوب مؤكد [ بقد ] .(وطاف معي بالبيت العتيق) ترشيح للاستعارة الماضية . وذلك ما يسمى بالصــــورة [ الممتدة ] .المحسنات البديعية :

الجناس الناقص في [ أتيت - أبيت ] سر جماله إثارة وتحريك الذهن مع الموسيقى .

الطباق بين [ شئت - أبيت ] يقوي المعنى ويوضحه .الأساليب :

- (تجشم) أسلوب إنشائي . نوعه [أمر] غرضه الرجاء .
- (لا تقل...،لا تشهد...) أسلوب إنشائي . نوعه [ نهى ] غرضه التهديد .
-( يا رجل) نداء للتنبيه .

- (يا عافاك الله) نداء غرضه الدعاء .

* 6- ابن هشام في مأزق وخجل

فقال لي : اسكت يا فضولي ، ثم مال إلى أحد الخصمين فقال : يا هذا إلى كم هذه المنافسة مع الناس ؟ بهذا الرأس ، تسلٌ عن قليل خطره ، إلى لعنة الله وحر سقره ، وهب أن هذا الرأس لتيس ، وأنا لم نر هذا التيس. قال عيسى بن هشام : فقمت من ذلك المكان خجلا ، ولبست الثياب وجلاً ، وانسللت من الحمام عجلاً .

المفردات :

1- فضولي

: متدخل فيمل لا يعنيه .

2- إلى كم

: إلى متى .

3- تسلَّ

: تسامح .

4- قليل خطره

: فائدته قليلة .

5-

سقر : جهنم .

6- هب

: افرض .

7- التيس

: ذكر الماعز .

8- وجلاً

: فزعا .

9- انسللت

: خرجت خفية .

الشرح :

اتهم صاحب الحمام عيسى بن هشام بأنه كثير الكلام وأنه شاهد زور،ومال على أحد المتخاصمين ونصحه بترك المنافسة وإنهاء الخصومة بشأن هذا الرجل الحقير ، وليتركه إلى الجحيم ، وليفترض أن هذا رأس تيس وكأننا لم نره . بعد هذا الحكم شعر عيسى بن هشام بالمهانة والخجل، ولبس ثيابه خائفا متعجلا تاركا هذا المكان .

التذوق الأدبي :

المحسنات البديعية : السجع في [الناس-الرأس...إلخ ] .

* الجناس الناقص في [ خجلا-وجلا-عجلا-ليس-تيس ]

الأساليب :( اسكت ) أمر غرضه التوبيخ .

(تسل ، هب) أمران غرضهماالنصح .
(يا فضولي) نداء للتحقير .
( يا هذا ) نداء للتحقيرأيضاً.

* التعليق العام

1- هذا النص من فن النثر " المقامات ".

وقد ظهر في العصر العباسي على يد " أبى بكر بن دريد " ثم تبعه " بديع الزمان الهمذاني " ثم الحريري " بمقاماته الشهيرة " .

2- أسباب ظهور هذا الفن النثري :

أ‌- التأثر بالأدب الفارسي .
ب- الاضطرار للتكسب .
جـ- حرص الأدباء على إظهار إبداعهما الفني .

3- المقامة - في رأي البعض - تعد نواة للقصة

. فالعناصر واحدة بينهما، ومنها :
المكان - الزمان - الأشخاص - الحكاية .

4- الخصائص الفنية لأسلوب المقامة :

أ- الالتزام بالسجع ، مع الإكثار من المحسنات البديعية .
ب- اختلاف الأداء اللغوي .
جـ- النقد الاجتماعي والسلوكي .
د- الألغاز والأحاجي .
هـ- الميل إلى الفكاهة والمرح .

5- أثر البيئة في هذا النص :

أ- الحمامات العامة لمن يرغب في الاستحمام أو الحلاقة .
ب- الاستعانة في الحمامات بالحلاقين والمدلكين .
جـ- استخدام الطين أحياناً للعلاج .
د- من طبيعة الحلاق كثرة الثرثرة .
هـ- المنافسة بين العمال للحصول على أكبر ربح ممكن .

[prof.ahmed4d]

رالئع جدا جدا
ايه الحلاوة دي