اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-01-2010, 01:32 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي القيامة الصغرى : تعريف وبيَان

تعريف وبيَان
يطلق على المرحلة التي يمر بها الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا عدة أسماء ، منها : القيامة الصغرى ، والبرزخ ، والموت .
وسنعرض لهذه الأسماء الثلاثة بشيء من التفصيل فيما يأتي :
المبحث الأول
تعريف القيامة الصغرى
القيامة الصغرى هي الموت ، فكل من مات فقد قامت قيامته ، وحان حينه ، ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة قالت : كان رجل من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة ، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول : " إن يعش هذا ، لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم " (1) .
قال ابن كثير : " والمراد انخرام قرنهم ، ودخولهم في عالم الآخرة ، فإن من مات فقد دخل في حكم الآخرة ، وبعض الناس يقول : من مات فقد قامت قيامته ، وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح " (2) .
وقد أشار ابن كثير إلى أن هذا القول يقوله الفلاسفة ، ويريدون به معنى فاسداً . فإن الملاحدة يريدون أن الموت هو القيامة ولا قيامة بعدها . يقول ابن كثير : " وقد يقول هذا بعض الملاحدة ، ويشيرون به إلى شيء آخر من الباطل ، فأمّا الساعة العظمى ، وهي وقت اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فهذا ما استأثر الله بعلم وقته " (3) .
وتسمى القيامة الصغرى أيضاً بالمعاد الأول ، كما تسمى البرزخ .
يقول ابن القيم : " الموت بعث ومعاد أول " فإن الله جعل لابن آدم معادين وبعثين يجزي فيهما الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
فالبعث الأول : مفارقة الروح للبدن ، ومصيرها إلى دار الجزاء الأول " (4) .
--------------------------------
(1) البخاري : 6511 . ومسلم : 2952 . واللفظ للبخاري .
(2) البداية والنهاية لابن كثير : (1/24) .
(3) المصدر السابق .
(4) الروح ، لابن القيم : ص103 .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-01-2010, 01:32 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

البرزَخ
البرزخ في كلام العرب الحاجز بين الشيئين ، قال تعالى : ( وجعل بينهما برزخاً ) [الفرقان : 53] ، أي : حاجزاً والبرزخ في الشريعة : الدار التي تعقب الموت إلى البعث . قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [ المؤمنون : 100 ] . قال مجاهد : هو ما بين الموت والبعث ، وقيل للشعبي : مات فلان ، ليس هو في دار الدنيا ، ولا في الآخرة (1) .
وقال ابن القيم : " عذاب القبر ونعيمه اسمه لعذاب البرزخ ونعيمه ، وهو ما بين الدنيا والآخرة ، قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [المؤمنون : 100] . وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة " .
--------------------------------
(1) تذكرة القرطبي : 177 .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-01-2010, 01:33 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

الموت
المطلب الأول
الموت في اللغة والاصطلاح
الحياة والموت متناقضان تناقض النور والظلام والبرودة والحرارة ، ولذا فإن معاجم اللغة العربية تُعرِّف كل واحد منهما بأنه نقيض الآخر ، ففي تعريف الحياة تقول : " الحياة نقيض الموت ، والحيّ من كلِّ شيء : نقيض الميت ، والجمع أحياء " (1) ، وفي تعريف الموت تقول : " الموت والمَوَتَان ضد الحياة " (2) ، وأصل الموت في لغة العرب : السكون ، وكل ما سكن فقد مات (3) ، فتراهم يقولون : " ماتت النار موتاً : إذا برد رمادها ، فلم يبق من الجمر شيء ، ومات الحر والبرد إذا باخ ، وماتت الريح : ركدت وسكنت ، وماتت الخمر : سكن غليانها ، والموت ما لا روح فيه " (4) .
وإذا كان السكون أصل الموت في لغتنا ، فإن الحركة أصل الحياة ، ففي لسان العرب: " الحي كل متكلم ناطق ، والحي من النبات ما كان طرياً يهتز " (5) ، والحياة الإنسانية تتحقق بنفخ الروح في جسد الجنين في رحم أمِّه ، والموت: " انقطاع تعلق الروح بالبدن ، ومفارقته وحيلولة بينهما ، وتبدل حال ، وانتقال من دار إلى دار " (6) .
المطلب الثاني
الوفاة الكبرى والوفاة الصغرى
النوم شبيه الموت ، ولذلك يسميه علماؤنا بالوفاة الصغرى ، فالنوم وفاة ، والقيام من النوم بعث ونشور ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) [ الأنعام : 60 ] وفي النوم تقبض أرواح العباد ، ومن شاء الحق أن يمسك روحه في حال نومه أمسكها ، ومن شاء بقاءها ردها إلى الأجل الذي حدده الحق ، قال تعالى : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) [ الزمر : 42 ] . " فقد أخبر الحق أن كلا من النفسين الممسكة والمرسلة توفيتا وفاة النوم ، وأمّا التي توفيت وفاة الموت فتلك قسم ثالث، وهي التي قدمها بقوله : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) [ الزمر : 42 ] .. فإن الله ذكر توفيتين : توفي الموت ، وتوفي النوم ، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى .
ومعلوم أنه يمسك كل ميتة سواء ماتت في النوم أو قبل ذلك ، ويرسل من لم تمت ، وقوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) [ الزمر : 42 ] يتناول ما ماتت في اليقظة وما ماتت في النوم ، فلما ذكر التوفيتين ذكر أنه يمسكها في إحدى التوفيتين ويرسلها في الأخرى ، وهذا ظاهر اللفظ بلا تكلف " (7) .
المطلب الثالث
الموت حتم لازم
الموت حتم لازم لا مناص منه لكل حي من المخلوقات ، كما قال تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [ القصص : 88 ] ، وقال : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ - وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [ الرحمن : 26-27 ] . وقال : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) [ آل عمران : 185 ] .
ولو نجا أحد من الموت لنجا منه خيرة الله من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) [ الزمر : 30 ] ، وقد واسى الله رسوله بأن الموت سنته في خلقه ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) [الأنبياء : 34].
والموت حق على الإنس والجن ، ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون " (8) .
المطلب الرابع
للموت أجل محدد
للموت وقت يأتي فيه ، فلا يستطيع أحد أن يتجاوز الأجل الذي ضربه الله ، وقد قدر الله آجال العباد ، وجرى بذلك القلم في اللوح المحفوظ ، وكتبته الملائكة الكرام والمرء في بطن أمه ، فلا يتأخر المرء عما كتب له ولا يتقدم ، وكل إنسان مات أو قتل أو غرق أو سقط من طائرة أو سيارة أو احترق أو غير ذلك من الأسباب ، فإنه قد مات بأجله الذي قدره الله وأمضاه ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) [ آل عمران : 145 ] ، وقال : ( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) [ النساء : 77 ] .
وقال : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) [ الأعراف : 34 ] وقال : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) [الجمعة :8] وقال : ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) [ الواقعة : 60 ] .
في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنها : " اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ، وبأبي أبي سفيان ، وبأخي معاوية " .
قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد سألت الله لآجال مضروبة ، وأيام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، لن يعجل شيء قبل حِلِّه ، ولن يؤخر الله شيئاً بعد حِلِّه ، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار ، أو عذاب في القبر كان خيراً أو أفضل " (9) .
المطلب الخامس
وقت الموت مجهول لنا
لا علم للعباد بالوقت الذي يحضر فيه الموت ، وينزل بهم ، فإن علم ذلك لله وحده ، وهو واحد من مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها ، قال تعالى : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) [ الأنعام : 59 ] ، وقال : ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [ لقمان : 34 ] .
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمس : ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )"[ لقمان : 34 ] (10) .
وقد روى أحمد في مسنده ، والبخاري في الأدب المفرد ، وابن حبان والحاكم وقال صحيح ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، كما قال الشيخ ناصر الدين الألباني عن جماعة من الصحابة قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة " (11) .
--------------------------------
(1) لسان العرب ، لابن منظور : (1/774) .
(2) لسان العرب : (3/547) .
(3) لسان العرب : (3/547) .
(4) لسان العرب : (3/547) .
(5) لسان العرب : (1/773) .
(6) التذكرة للقرطبي : 4 .
(7) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : (5/452) .
(8) رواه البخاري في كتاب التوحيد : (7383) .
(9) رواه مسلم في كتاب القدر من صحيحه : (2663) ، وأحمد في المسند : (1/390 ، 413 ، 445) .
(10) رواه البخاري ، في كتاب التفسير : 4627 .
(11) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني : 1221 .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-01-2010, 01:33 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

الاحتضار
المبحث الأول
حضُور ملائكة الموت
إذا حان الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب أرس الله رسل الموت لسلِّ الروح المدبِّرة للجسد والمحركة له ، ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) [ الأنعام : 61 ] ، وملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة ، وتأتي الكافر والمنافق في صورة مخيفة ، ففي حديث البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط (1) من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره ، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء ، فيأخذها ...
وإن العبد الكافر ( وفي رواية الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الآخرة ، وإقبال من الدنيا ، نزل إليه من السماء ملائكة [ غلاظ شداد ] سود الوجوه ، معهم المسوح (2) [ من النار ] فيجلسون منه مدَّ البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب . قال : فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود [ الكثير الشعب ] من الصوف المبلول ، [ فتقطع معها العروق والعصب ] " (3) .
وما يحدث للميت حال موته لا نشاهده ولا نراه ، وإن كنا نرى آثاره ، وقد حدثنا ربنا تبارك وتعالى عن حال المحتضر فقال : ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ - وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ - وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ) [ الواقعة : 83-85 ] : والمتحدث عنه في الآية الروح عندما تبلغ الحلقوم في حال الاحتضار ، ومن حوله ينظرون إلى ما يعانيه من سكرات الموت ، وإن كانوا لا يرون ملائكة الرحمن التي تسلُّ روحه ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ) [ الواقعة : 85 ] كما قال تعالى : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) [الأنعام : 61] .
وقال في الآية الأخرى كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ - وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ - وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ - وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ - إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) [ القيامة : 26-30 ] والتي تبلغ التراقي هي الروح ، والتراقي جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعانق .
وقد صرح الحديث بأن ملك الموت يبشر المؤمن بالمغفرة من الله والرضوان ، ويبشر الكافر أو الفاجر بسخط الله وغضبه ، وهذا قد صرحت به نصوص كثيرة في كتاب الله ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ - نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ - نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) [ فصلت : 30-32 ] .
وهذا التنزُّل – كما قال طائفة من أئمة التفسير منهم مجاهد والسدي – إنما يكون حالة الاحتضار (4) ، ولا شك أن الإنسان في حالة الاحتضار يكون في موقف صعب ، يخاف فيه من المستقبل الآتي ، كما يخاف على من خلَّف بعده ، فتأتي الملائكة لتؤمنه مما يخاف ويحزن ، وتُطَمئِنُ قلبه ، وتقول له : لا تخف من المستقبل الآتي في البرزخ والآخرة ، ولا تحزن على ما خلفت من أهل وولد أو دَيْنٍ ، وتبشره بالبشرى العظيمة ، ( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) [ فصلت : 30 ] ، ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) [ فصلت : 31 ] ، وما دام العبد قد تولى الله وحده ، فإن الله يتولاه دائماً ، وخاصة في المواقف الصعبة ، ومن أشقها هذا الموقف ، ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) [ فصلت : 31 ] .
أما الكفرة الفجرة فإن الملائكة تتنزل عليهم بنقيض ذلك ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) [ النساء : 97 ] ، وقد نزلت هذه الآية كما أخرج البخاري عن ابن عباس في فريق أسلم ، ولكنه لم يهاجر فأدركه الموت ، أو قتل في صفوف الأعداء (5) ، فإن الملائكة تقرِّع هؤلاء في حال الاحتضار وتوبخهم ، وتبشرهم بالنار .
وقد حدثنا ربنا عن توفي الملائكة للكفرة في معركة بدر فقال : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ - ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) [ الأنفال : 50-51 ] .
قال ابن كثير في تفسير الآيات : " ولو ترى يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار لرأيت أمراً عظيماً فظيعاً منكراً ، إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ، ويقولون ذوقوا عذاب الحريق " (6) .
وقد أشار المفسر المدقق العلامة ابن كثير إلى أن هذا وإن كان في وقعة بدر ، ولكنه عام في حق كل كافر ، ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر ، بل قال : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ .. ) (7) .
وهذا الذي قاله ابن كثير صحيح يدل عليـه أكثر من آية في كتاب الله تعالى ، كقوله فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) [ الأعراف : 37 ] ، وقوله : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [ النحل : 28 ] ، وقوله ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ - فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) [ محمد : 25-27 ] .
--------------------------------
(1) بفتح الحاء ، ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة .
(2) جمع المسح ، بكسر الميم ، هو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفاً ، وقهراً للبدن .
(3) جمع الشيخ ناصر الدين الألباني جميع روايات هذا الحديث ، وساقه سياقاً واحداً ضاماً إليه جميع الزوائد والفوائد التي وردت في جميع طرقه الثابتة في كتابه القيم : ( أحكام الجنائز : ص59 ) ، وقد عزاه الشيخ إلى أبي داود (2/281) والحاكم (1/27-40) والطيالسي (رقم 753) وأحمد (4/287 ، 288 ، 295 ، 296) والسياق له ، والآجري في الشريعة (367-370) وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وأقره الذهبي ، وهو كما قالا ، وصححه ابن القيم في أعلام الموقعين (1/214) وتهذيب السنن (4/337) ، ونقل فيه تصحيحه عن أبي نعيم وغيره .
(4) تفسير ابن كثير : (6/174) .
(5) تفسير ابن كثير : (2/369) .
(6) تفسير ابن كثير : (3/335) .
(7) تفسير ابن كثير : (3/335) .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-01-2010, 01:34 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

سكرات الموت
للموت سكرات يلاقيها كل إنسان حين الاحتضار ، كما قال تعالى : ( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) [ ق : 19 ] ، وسكرات الموت كرباته وغمراته ، قال الراغب في مفرداته : " السكر حالة تعرض بين المرء وعقله ، وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر ، ويطلق في الغضب والعشق والألم والنعاس والغشي الناشيء عن الألم وهو المراد هنا " (1) .
وقد عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه السكرات ، ففي مرض موته صلوات الله وسلامه عليه كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء ، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ، ويقول : " لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات " (2) .
وتقول عائشة رضي الله عنها في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم " (3) وقد دخلت عائشة رضي الله عنها على أبيها أبي بكر رضي الله عنه في مرض موته ، فلما ثقل عليه ، تمثلت بقول الشاعر :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ××× إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه ، وقال رضي الله عنه ، ليس كذلك ، ولكن قولي : ( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) (4) [ ق : 19 ] .
ولا شك أن الكافر والفاجر يعانيان من الموت أكثر مما يعاني منه المؤمن ، فقد سقنا طرفاً من حديث البراء بن عازب وفيه : " أن روح الفاجر والكافر تفرق في جسده عندما يقول له ملك الموت : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، وأنه ينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول ، فتقطع معها العروق والعصب " .
ووصف لنا القرآن الكريم الشدة التي يعاني منها الكفرة ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) [الأنعام : 93] .
وهذا الذي وصفته الآية يَحْدُثُ – كما يقول ابن كثير – إذا بشر ملائكة العذاب الكافر بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن ، فتفرق روحه في جسده وتعصي وتأبي الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين : ( أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ) [ الأنعام : 93 ] ، وقد فسر ابن كثير بسط الملائكة أيديهم في قوله : ( وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ ) [ الأنعام : 93 ] بالضرب ، ومعنى الآية هنا كمعناهـا في قوله : ( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ) [ المائدة : 28 ] وقوله : ( وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ ) [ الممتحنة : 2 ] وقد يُحدِّث العقلاء في حال الاحتضار عما يعانونه من شدة الموت وسكراته ، وممن حدَّث بهذا عمرو بن العاص فعندما حضرته الوفاة ، قال له ابنه : يا أبتاه ! إنك لتقول : يا ليتني ألقى رجلاً عاقلاً لبيباً عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد ، وأنت ذلك الرجل ، فصف لي ، فقال : يا بني ، والله كأن جنبي في تخت ، وكأني أتنفس من سمّ إبرة ، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي ، ثم أنشأ يقول :
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ××× في تلال الجبال أرعى الوعولا (5)
الذي يخفف عنه سكرات الموت :
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشهيد الذي يسقط في المعركة تخفف عنه سكرات الموت ، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة " رواه الترمذي والنسائي والدارمي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب (6) .
--------------------------------
(1) فتح الباري : (11/362) .
(2) هذا الحديث أخرجه البخاري عن عائشة في كتاب الرقاق ، باب سكرات الموت ، فتح الباري : (11/361) ورقمه : 6510 .
(3) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ، انظر جامع الأصول : (11/69) .
(4) رواه ابن أبي الدنيا ، وقد قال ابن كثير في تفسيره : (6/401) بعد سياقه له : لهذا الأثر طرق كثيرة .
(5) التذكرة ، للقرطبي : ص19 .
(6) مشكاة المصابيح : (2/358) ورقم الحديث : (3836) ، وقال محقق المشكاة : إسناده حسن .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-01-2010, 01:34 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

تمنّي الإنسان الرجعَة عند الاحتضار
إذا نزل الموت بالإنسان تمنى العودة إلى الدنيا ، فإن كان كافراً لعله يسلم ، وإن كان عاصياً فلعله يتوب ( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ - لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [ المؤمنون : 99-100 ] ، والإيمان لا يقبل إذا حضر الموت ، والتوبة لا تنفع إذا غرغر العبد ، ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً - وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) [ النساء : 17-18 ] ، وقد ساق الحافظ ابن كثير من الأحاديث ما يدل على أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " رواه الترمذي وابن ماجة (1) ، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، ولكن شرط التوبة والإخلاص والصدق ، وقد لا يتمكن المرء من التوبة في تلك الأهوال ، فعلى المرء أن يسارع بالتوبة قبل حلول الأجل :
قدم لنفسك توبة مرجوة ××× قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها ××× ذخر وغنم للمنيب المحسن
--------------------------------
(1) تفسير ابن كثير : (3/224) .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-01-2010, 01:35 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

فرَح المؤمن بلقَاء رَبّه
إذا جاءت ملائكة الرحمن العبد المؤمن بالبشرى من الله ظهر عليه الفرح والسرور ، أما الكافر والفاجر فإنه يظهر عليه الضيق والحزن والتعب ، ومن ثم فإن العبد المؤمن في حال الاحتضار يشتاق إلى لقاء الله ، والعبد الكافر أو الفاجر يكره لقاء الله تعالى ، فقد روى أنس بن مالك ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ، قال : ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضِر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله ، وكر الله لقاءه " (1) ولذلك فإن العبد الصالح يطالب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى النعيم ، بينما العبد الطالح ينادي بالويل من المصير الذاهب إليه ، ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها : يا ويلها أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمع الإنسان لصعق " (2) .
--------------------------------
(1) رواه البخاري : كتاب الرقاق ، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه . ورقمه : 6507 .
(2) رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، قول الميت وهو على الجنازة : قدموني ، ورقمه : 1316 ، ورواه النسائي في كتاب الجنائز ، باب السرعة في الجنازة : (4/41) .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-01-2010, 01:35 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

حضور الشيطان عند المَوت
إذا حضر الموت كان الشيطان حريصاً على الإنسان حتى لا يفلت منه ، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ، حتى يحضره عند طعامه ، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة ، فليمط ما كان بها من أذى ، ثم ليأكلها ، ولا يدعها للشيطان ، فإذا فرغ فليعلق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة " .
وقد ذكر علماؤنا أن الشيطان يأتي الإنسان في تلك اللحظات الحرجة في صورة أبيه أو أمه أو غيرهم ممن هو شفيق عليه ناصح له ، ويدعوه إلى اتباع اليهودية أو النصرانية أو غيرها من المبادئ المعارضة للإسلام ، فهناك يزيغ الله من كتبت له الشقاوة (1) ، وهو معنى قوله تعالى : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) [ آل عمران : 8 ] .
وقد حدث عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال : حضرت وفاة أبي أحمد ، وبيدي خرقة لأشد لحييه ، فكان يغرق ، ثم يفيق ، ويقول بيده : لا بعد ، لا بعد ، فعل هذا مراراً ، فقلت له : يا أبت أي شيء يبدو منك ؟ قال :إن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله ، يقول : يا أحمد فتني ، وأنا أقول : لا بعد ، لا بعد ، حتى أموت (2) .
وقال القرطبي : سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي ، يقول : حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد القرطبي بقرطبة ، وقد احتضر ، فقيل له : لا إله إلا الله ، فكان يقول : لا ، لا ، فلما أفاق ، ذكرنا له ذلك ، فقال : أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي ، يقول أحدهما : مت يهودياً فإنه خير الأديان ، والآخر يقول : مت نصرانياً فإنه خير الأديان ، فكنت أقول لهما : لا ، لا .. " (3) .
ولكن هذا ليس لازماً لكل أحد كما يقول ابن تيمية ، بل من الناس من تعرض عليه الأديان قبل موته ، ومنهم من لا تعرض عليه ، وقد وقع ذلك لأقوام ، وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا (4) ، وقد ذكر الشيخ ابن تيمية أن الشيطان أحرص ما يكون على إغواء الإنسان وقت موته ، لأنه وقت الحاجة ، واستدل بالحديث الذي في الصحيح : " الأعمال بخواتيمها " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة ، فيدخلها " ، ولهذا روي : " أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت ، يقول لأعوانه : دونكم هذا فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبداً " (5) .
--------------------------------
(1) انظر تذكرة القرطبي : 33 .
(2) التذكرة للقرطبي : 34 .
(3) التذكرة للقرطبي : 34 .
(4) مجموع الفتاوى : (4/255) .
(5) مجموع الفتاوى : (4/256) .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-01-2010, 01:35 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

أسَباب سوء الخاتمة
بعض الذين يظهرون الإسلام ويعملون به يختم لهم والعياذ بالله بخاتمة سيئة ، وقد تبدو تلك الخاتمة من بعض من حضرهم الموت ، وقد تحدث صديق حسن خان عن سوء الخاتمة فقال : " وله أسباب يجب على المؤمن أن يحترز عنها " (1) ، ثم ذكر هذه الأسباب فقال :
1- منها الفساد في الاعتقاد : وإن كان مع كمال الزهد والصلاح ، فإن كان له فساد في اعتقاده مع كونه قاطعاً به متيقناً له غير ظان أنه أخطأ فيه قد ينكشف له في حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده من الاعتقادات الحقة مثل هذا الاعتقاد باطل لا أصل له إن لم يكن عنده فرق بين اعتقاد واعتقاد ، فيكون انكشاف بطلان بعض اعتقاداته سبباً لزوال بقية اعتقاداته ، فإن خروج روحه في هذه الحالة قبل أن يتدارك ويعود إلى أصل الإيمان يختم له بالسوء ويخرج من الدنيا بغير إيمان ، فيكون من الذين قال الله تعالى فيهم : ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) [ الزمر : 47 ] وقال في آية أخرى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [ الكهف : 103-104 ] .
فإن كل من اعتقد شيئاً على خلاف ما هو عليه إما نظراً برأيه وعقله أو أخذاً ممن هذا حاله فهو واقع في هذا الخطر ، ولا ينفعه الزهد والصلاح ، وإنما ينفعه الاعتقاد الصحيح المطابق لكتاب الله وسنة رسوله ، لأن العقائد الدينية لا يعتد بها إلا ما أخذت منهما .
2- ومنها الإصرار على المعاصي :فإن من له إصرار عليها يحصل في قلبه إلفها ، وجميع ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره عند موته ، فإن كان ميله إلى الطاعات أكثر ، يكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر الطاعات ، وإن كان ميله إلى المعاصي أكثر ، يكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر المعاصي ، فربما يغلب عليه حين نزول الموت به قبل التوبة شهوة ومعصية من المعاصي ، فيتقيد قلبه بها ، وتصير حجاباً بينه وبين ربه ، وسبباً لشقاوته في آخر حياته لقوله صلى الله عليه وسلم : " المعاصي بريد الكفر " .
والذي لم يرتكب ذنباً أصلاً ، أو ارتكب وتاب فهو بعيد عن هذا الخطر ، وأما الذي ارتكب ذنوباً كثيرة حتى كانت أكثر من طاعاته ولم يتب عنها ، بل كان مصراً عليها ، فهذا الخطر في حقه عظيم جداً إذ قد يكون غَلَبَةُ الإلف بها سبباً لأن يتمثل في قلبه صورتها ، ويقع منه ميل إليها ، وتقبض روحه عليها فيكون سبباً لسوء خاتمته .
ويعرف ذلك بمثال ، وهو أن الإنسان لا شك أنه يرى في منامه من الأحوال التي ألفها طول عمره ، حتى إن الذي قضى عمره في العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء ، والذي قضى عمره في الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة والخياط إذ لا يحضر في حال النوم إلا ما حصل له مناسبة مع قلبه لطول الألف .
والموت وإن كان فوق النوم لكن سكراته وما يتقدمه من الغشي قريب من النوم ، فطول الإلف بالمعاصي يقتضي ذكرها عند الموت ، وعودها في القلب وتمثلها فيه وميل النفس إليها ، وإن قبض روحه في تلك الحالة يختم له بالسوء " .
قال الذهبي في الكبائر : " قال مجاهد : ما من ميت يموت إلا مُثِّل له جلساؤه الذين كان يجالسهم ، فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج ، فقيل له : قل : لا إله إلا الله . فقال : شاهك . ثم مات . فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب ، فقال عوض كلمة التوحيد : شاهك .
وهذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان يجالس شُرَّاب الخمر أنه حين حضره الموت ، فجاءه إنسان يلقنه الشهادة ، فقال له : اشرب واسقني ، ثم مات ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " (2) .
3- ومنها العدول عن الاستقامة (3) : فإن كان مستقيماً في ابتدائه ثم تغير عن حاله وخرج مما كان عليه في ابتدائه يكون سبباً لسوء خاتمته، كإبليس الذي كان في ابتدائه رئيس الملائكة ومعلمهم وأشدهم اجتهاداً في العبادة، ثم لما أمر بالسجود لآدم أبى واستكبر وكان من الكافرين ، وكبلعام بن باعور الذي آتاه الله آياته فانسلخ بإخلاده إلى الدنيا ، واتبع هواه وكان من الغاوين ، وكبَرْصِيصا – عابد من بني إسرائيل- الذي قال له الشيطان : اكفر ، فلما كفر ، قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ، فإن الشيطان أغراه على الكفر ، فلما كفر تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ، ولم ينفعه ذلك ، كما قال تعالى : ( فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ) [ الحشر : 17 ] .
4- ومنها ضعف الإيمان :فإن كان في إيمانه ضعف يضعف حب الله تعالى فيه ، ويقوى حب الدنيا في قلبه ، ويستولي عليه بحيث لا يبقى فيه موضع لحب الله تعالى ، إلا من حيث حديث النفس بحيث لا يظهر له أثره في مخالفة النفس ، ولا يؤثر في الكف عن المعاصي ، ولا في الحث على الطاعات ، فينهمك في الشهوات ، وارتكاب السيئات ، فتتراكم ظلمات الذنوب على القلب ، فلا تزال تطفيء ما فيه من نور الإيمان مع ضعفه ، فإذا جاءت سكرات الموت يزداد حب الله ضعفاً في قلبه لما يرى أنه يفارق الدنيا ، وهي محبوبة له ، وحبها غالب لا يريد تركها ، ويتألم من فراقها ، ويرى ذلك منه الله تعالى ، فيخشى أن يحصل في باطنه بغضه تعالى بدل الحب ، وينقلب ذلك الحب الضعيف بغضاً ، فإن خروج روحه في اللحظة التي خطرت فيها هذه الخطرة يختم له بالسوء ويهلك هلاكاً مؤبداً .
والسبب المفضي إلى هذه الخاتمة حب الدنيا ، والركون إليها ، والفرح بها مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تعالى ، وهو الداء العضال الذي قد عم أكثر الخلق ، فإن من يغلب على قلبه عند الموت أمر من أمور الدنيا يتمثل ذلك الأمر في قلبه ، ويستغرقه ، حتى لا يبقى لغيره متسع ، فإن خرجت روحه في تلك الحالة يكون رأس قلبه منكوساً إلى الدنيا ، ووجهه مصروفاً إليها ، ويحصل بينه وبي ربه حجاب .
حُكي أن سليمان بن عبد الملك لما دخل المدينة حاجاً قال : هل بها رجل أدرك عدة من الصحابة ؟ قالوا : نعم ، أبو حازم ، فأرسل إليه ، فلما أتاه قال : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟ قال : إنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة ، فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب ، قال : صدقت ، ثم قال : ليت شعري ما لنا عند الله تعالى ؟ قال : اعرض عملك على كتاب الله ، قال فأين أجده ؟ قال في قوله تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) [ الإنفطار : 13-14 ] .
قال : فأين رحمة الله ؟ قال : رحمة الله قريب من المحسنين .
قال : يا ليت شعري كيف العرض على الله تعالى غداً ؟ قال : أما المحسن فكالغائب الذي يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه ، فبكى سليمان حتى علا صوته واشتد بكاؤه ثم قال : أوصني ، قال إياك أن يراك الله تعالى حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك " .
ونقل صديق حسن خان عن الغزالي في (( الإحياء )) أن سوء الخاتمة على رتبتين : إحداهما أعظم من الأخرى ، فأما الرتبة العظيمة الهائلة فهي أن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله إما الشك وإما الجحود ، فتقبض الروح على تلك الحالة ، فتكون حجاباً بينه وبين الله تعالى أبداً ، وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب المخلد .
والثانية : وهي دونها أن يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنيا أو شهوة من شهواتها ، فيتمثل ذلك في قلبه ، ويستغرقه حتى لا يبقى في تلك الحالة متسع لغيره ، فمهما اتفق قبض الروح في حالة غلبة حب الدنيا ، فالأمر مخطر ، لأن المرء يموت على ما عاش عليه ، وعند ذلك تعظم الحسرة إلا أن أصل الإيمان وحب الله تعالى إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة ، وتأكد ذلك بالأعمال الصالحة ، يمحو عن القلب هذه الحالة التي عرضت له عند الموت ، فإن كان إيمانه في القوة إلى حد مثقال أخرجه من النار في زمان أقرب ، وإن كان أقل من ذلك طال مكثه في النار ، ولكن لو لم يكن إلا مثقال حبة فلا بد وأن يخرجه من النار ، ولو بعد آلاف السنين ، وكل من اعتقد في الله تعالى وفي صفاته وأفعاله شيئاً على خلاف ما هو به إما تقليداً وإما نظراً بالرأي والمعقول فهو في هذا الخطر ، والزهد والصلاح لا يكفي لدفع هذا الخطر ، بل لا ينجي منه إلا الاعتقاد الحق على وفق الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، والبُلْهُ بمعزل عن هذا الخطر (4) .
--------------------------------
(1) يقظة أولي الاعتبار : 211 .
(2) الكبائر للذهبي : ص91 .
(3) يقظة أولي الاعتبار : ص212 .
(4) يقظة أولي الاعتبار : ص216 .
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-01-2010, 01:36 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

تخيير الأنبيَاء عند المَوت
عندما يحضر الأنبياءَ الموتُ فإن الله يريهم ما لهم عنده من الثواب الجزيل والأجر العظيم ، ثم يخيرون بين البقاء في الدنيا والانتقال إلى ذلك المقام الكريم ، ولا شك أن كل رسول يفضل النعيم المقيم ، وقد حدث هذا لرسولنا صلى الله عليه وسلم ، خُيِّر فاختار ، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح : " إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخيّر ، فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ، ثم أفاق ، فأشخص بصره إلى السقف ، ثم قال : " اللهمَّ الرفيق الأعلى " ، قلت : إذن لا يختارنا ، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به ، قالت : " فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " اللهم في الرفيق الأعلى " (1) وجاء في إحدى رواياته (2) : " فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : وأخذته بُحَّةٌ يقول : ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) [النساء : 69 ] . قالت فظننت أنه خُيَّر يومئذ .
--------------------------------
(1) رواه البخاري : كتاب الرقاق ، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ورقمه : 6509 ، واللفظ له ، وقد أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه ، ورقمه : 2444 ، ورواه مالك في موطئه ، والترمذي في سننه ، وقد ساق روايات الحديث عن عائشة ابن الأثير في جامع الأصول : (11/67) .
(2) وهي عند جميعهم .
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 27-01-2010, 01:36 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

رحلة الرُّوح إلى السماء بعد نزعها
عن أبي هريرة عند مسلم قال : " إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان – يُصعدانها " . قال حماد (1) : فذكر من طيب ريحها ، وذكر المسك قال : " ويقول أهل السماء : روح طيبة جاءت من قبل الأرض ، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه ، فينطلق به إلى ربه عز وجل ، ثم يقول : انطلقوا به إلى آخر الأجل " .
قال : " وإنّ الكافر إذا خرجت روحه – قال حماد : وذكر من نتنها ، وذكر لعناً – ويقول أهل السماء : روح خبيثة من قبل الأرض ، قال : فيقال : انطلقوا به آخر الأجل " (2) .
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث البراء التكريم الذي يكون لروح العبد الصالح بعد خروجها من جسده ، حيث تصلي ملائكة الله على تلك الروح الطيبة ، وتفتح له أبواب السماء ، وتجعل في كفن من الجنة وحنوط من الجنة ، وتخرج منها روائح طيبة عطرة تفوق رائحة المسك ، ثم تأخذها الملائكة في رحلة علوية كريمة ، وتفتح لها أبواب السماء ، أما الروح الخبيثة ، فتلعنها ملائكة السماء عند خروجها ، وتغلق أبواب السماء دونها ، ويدعو كل فريق من ملائكة الرحمن على باب ألا تعرج من قبلهم وتجعل تلك الروح الخبيثة في حنوط من النار وكفن من النار ، وتفوح منها الروائح الخبيثة التي تؤذي ملائكة الرحمن .
ويعرج بها إلى السماء فلا تفتح لها أبواب السماء ، فتلقى روحه من شاهق ، ففي حديث البراء بن عازب الذي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم فيه رحلة الإنسان من الموت إلى البرزخ قال : " حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج من قبلهم ، فإذا أخذها ( يعني ملك الموت ) لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، فذلك قوله تعالى : ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) [ الأنعام : 61 ] ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض .
قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون – يعني – بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان ابن فلان – بأحسن أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح لهم ، فيشيعه من كل سماء مقربوها ، إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ - كِتَابٌ مَّرْقُومٌ - يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) [ المطففين : 19-21 ] ، فيكتب كتابه في عليين ، ثم يقال : أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى .. " .
وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح الخبيثة التي نزعت من العبد الكافر أو الفاجر ، فقال عنها بعد نزعها : " [ فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وتغلق أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم ] ، فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) [ الأعراف : 40 ] .
فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين ، في الأرض السفلى [ ثم يقول : أيعدوا عبدي إلى الأرض ، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتطرح روحه من السماء ، طرحاً [ حتى تقع في جسده ] ، ثم قرأ ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) [الحج : 31] ، فتعاد روحه إلى جسده " (3) .
وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحاً ، قال : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، وربّ غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقول : فلان ، فيقال : مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله تبارك وتعالى (4) فإذا كان الرجل السُّوءُ : قال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغسّاق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان ، فيقال : لا مرحباً بالنفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنها لا تفتح لَكِ أبواب السماء ، فيرسل بها من السماء ، ثم تصير إلى القبر ... " (5) .
--------------------------------
(1) أحد رواة حديث أبي هريرة عند مسلم .
(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنة ، باب عرض مقعد الميت ، (4/2202) حديث رقم (2872) .
(3) حديث صحيح ، سبق تخريجه ص : 22 .
(4) ليس المراد أن السماء تحوي الله وتحصره ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، بل الله فوق سماواته بائن من خلقه ، وقد قال الحق في كرسيه : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) [ البقرة : 255 ] ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن السماوات في الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض ، والكرسي في العرش . كحلقة ملقاة في فلاة الأرض ، وهذه الآية كقوله تعالى : ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) [ طه : 71 ] وقوله : ( فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ ) [ براءة : 2 ] ليس المراد أنهم في جوف النخل ، وجوف الأرض ، بل معنى ذلك أنه تبارك وتعالى فوق السماوات وعليها ، وهذا الحديث مثل قوله تبارك وتعالى : ( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ) [ الملك: 16 ] أي في العلو ، ومثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية " أين الله ؟ قالت : في السماء ، قال عليه السلام : أعتقها فإنها مؤمنة " والحديث رواه مسلم في صحيحه .
(5) رواه ابن ماجة في سننه وقد أورده الشيخ ناصر في صحيح الجامع الصغير : (2/169) .
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 27-01-2010, 01:37 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

القبر
المبحث الأول
هول القبر وفظاعته
روى هانئ مولى عثمان بن عفان ، قال : كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى ، حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فقال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ القبر أول منزلة من منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ، قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه " (1) أخرجه الترمذي (2) ، ولما كان ما بعد القبر أيسر منه لمن نجا فإن العبد المؤمن إذا رأى في قبره ما أعد الله له من نعيم يقول : " رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهلي ومالي " (3) والعبد الكافر الفاجر إذا رأى ما أعد الله له من العذاب الشديد فإنه يقول على الرغم مما هو فيه من عذاب : " رب لا تقم الساعة " (4) ، لأن الآتي أشدُّ وأفظع .
ظلمة القبر :
ماتت امرأة كانت تَقُمُّ المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ففقدها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه أنها ماتت من الليل ، ودفنوها ، وكرهوا إيقاظه ، فطلب من أصحابه أن يدلوه على قبرها ، فجاء إلى قبرها فصلى عليها ، ثم قال : " إن هذه القبور مملؤة ظلمة على أهلها ، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة والبيهقي وأحمد (5) .
--------------------------------
(1) أفظع ، الفظيع : الشديد الشنيع .
(2) رواه الترمذي : 2308 ، وابن ماجة ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ، انظر مشكاة المصابيح : (1/48) وجامع الأصول : (11/164) ، وقال الشيخ ناصر في تعليقه على المشكاة: " وسنده حسن " ، وانظر صحيح الجامع الصغير : (2/85) .
(3) هذه قطعة من حديث البراء ، وقد سبق تخريجه في حاشية ( حضور ملائكة الموت ) .
(4) هذه قطعة من حديث البراء ، وقد سبق تخريجه في حاشية ( حضور ملائكة الموت ) .
(5) أحكام الجنائز : ص87 . وهو في البخاري برقم : 460 ، 1337 . ومسلم : 956 . واللفظ لمسلم .
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 27-01-2010, 01:37 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

ضمَّة القبرة
عندما يوضع الميت في القبر فإنه يضمه ضمة لا ينجو منها أحد كبيراً كان أو صغيراً، صالحاً أو طالحاً ، فقد جاء في الأحاديث أن القبر ضم سعد بن معاذ ، وهو الذي تحرك لموته العرش ، وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة ، ففي سنن النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا الذي تحرك له العرش ، وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة ، لقد ضم ضمة ، ثم فرج عنه " (1) .
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجياً منها نجا سعد بن معاذ " رواه أحمد في مسنده (2) وفي معجمي الطبراني الكبير والأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لو نجا أحد من ضمة القبر ، لنجا سعد بن معاذ ، ولقد ضمَّ ضمة ، ثم روخي عنه " (3) . ومما يدل على أن ضمة القبر لازمة لكل إنسان أن الصبيان لا ينجون منها ، ففي معجم الطبراني الكبير عن أبي أيوب الأنصاري بإسناد صحيح وهو في معجمه الأوسط ، وفي الكامل لابن عدي عن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لو أفلت أحد من ضمة القبر لنجا هذا الصبي " (4) .
--------------------------------
(1) رواه النسائي : في كتاب الجنائز ، باب ضمة القبر وضغطته ، (4/100) ، وقال الشيخ ناصر الدين الألباني في مشكاة المصابيح ، (1/49) : وسنده صحيح على شرط مسلم .
(2) قال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع (2/236) : إسناده صحيح .
(3) قال في صحيح الجامع (5/71) : إسناد صحيح .
(4) صحيح الجامع : (5/56) .
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 27-01-2010, 01:37 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

فتنة القبر
المطلب الأول
كيف تكون فتنته
إذا وضع العبد في قبره جاءته ملائكة على صورة منكرة ، ففي سنن الترمذي " إذا قبر الميت – أو قال : أحدكم – أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر : النكير ، فيقولان ، ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : ما كان يقول ، هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .. وإن كان منافقاً ، قال : سمعت الناس يقولون قولاً ، فقت مثله ، لا أدري ... " (1) .
وجاء في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " فيأتيه ملكان [ شديدا الانتهار ] فـ [ ينتهرانه ، و ] يجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عز وجل: ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) [ إبراهيم : 27 ] ، فيقول: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي " ، وقال في العبد الكافر أو الفاجر : " ويأتيه ملكان [ شديد الانتهار ، فينتهرانه ، و ] ويجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فلا يهتدي لاسمه ، فيقال : محمد ، فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، [ سمعت الناس يقولون ذاك ، قال : فيقولان : لا دريت ] [ ولا تلوت] (2) فينادي منادي أن كذب عبدي " (3) .
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم ، إذا انصرفوا : أتاه ملكان ، فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ، محمد ؟ فأما المؤمن ، فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله .. ، وأما الكافر أو المنافق ، وفي رواية : وأما الكافر والمنافق – فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس فيه ، فيقال : لا دريت ، ولا تليت .." رواه البخاري ومسلم وأبو داو والنسائي (4) .
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم في أول الأمر أن هذه الأمة تفتن في قبورها ، ثم أوحى الله له بهذا العلم ، فقد حدث عروة بن الزبير عن خالته عائشة ، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تفتنون في القبور ؟ قالت : فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " إنما تفتن اليهود " ، قالت عائشة : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل شعرت أنه أوحي إليَّ أنَّكم تفتنون في القبور ؟ " قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد : يستعيذ من عذاب القبر (5) .
المطلب الثاني
هل يفتن الكافر في قبره
دلت الأحاديث التي سقناها على أن الكفار يفتنون في قبورهم ، وقد خالف في ذلك الحكيم الترمذي وابن عبد البرّ والسيوطي (6) ، واحتج الحكيم الترمذي على عدم السؤال بأن الأمم الماضية إن رفضت الاستجابة لرسلها عوجلت بالعذاب ، بخلاف هذه الأمة ، فقد أمسك عنها العذاب ، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف ، فمن دخل في الإسلام مخافة القتل ، ثم نافق عذب في قبره ، وهذا الذي قاله فيه نظر ، فإن الله لم يهلك مكذبي الأمم بعد نزول التوراة (7) ، واحتج ابن عبد البرّ بقوله عليه السلام في الحديث الصحيح : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، ومنهم من يرويه : تسأل (8) ، والأحاديث الصحيحة ترد هذا الفهم ، وتدل على أن هذا ليس خاصاً بالمؤمنين ، وليس خاصاً بهذه الأمة .
وقد ذهب إلى أن السؤال عام عبد الحق الإشبيلي ، وابن القيم ، والقرطبي ، والسفاريني وغيرهم (9) .
المطلب الثالث
هل يفتن غير المكلفين
الفتنة عامة لجميع المكلفين إلا النبيين فقد اختلف فيهم (10) ، وإلا الشهداء والمرابطين ونحوهم ممن جاءت النصوص دالة على نجاتهم من الفتنة كما سيأتي بيانه .
واختلف في غير المكلفين من الصبيان والمجانين ، فذهب جمع من العلماء إلى أنهم لا يفتنون ، منهم : القاضي أبو يعلى وابن عقيل ، ووجهة نظر هؤلاء أن المحنة تكون لمن كلف ، أما من رفع عنه القلم فلا يدخل في المحنة ، إذ لا معنى لسؤاله عن شيء لم يكلف به .
وقال آخرون : بل يفتنون . وهذا قول أبي الحكيم الهمداني ، وأبي الحسن ابن عبدوس ، ونقله عن أصحاب الشافعي ، وقد روى مالك وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على الطفل ، فقال : " اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر " وهذا القول موافق لقول من قال : إنهم يمتحنون في الآخرة ، وأنهم مكلفون يوم القيامة ، كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام ، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره ، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد (11) .
--------------------------------
(1) رواه الترمذي ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في عذاب القبر ، (3/383) وقال الترمذي : حديث حسن غريب، وقال محقق الكتاب الشيخ أحمد شاكر : لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي ، وقد رمز له الشيخ ناصر الدين الألباني بالحسن في صحيح الجامع الصغير : (1/259) وأورده في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (1391) .
(2) أي لا دريت ولا تبعت الناس بأن تقول شيئاً يقولونه .
(3) حديث صحيح ، وسبق تخريجه في ص (22) .
(4) جامع الأصول : (11/173) .
(5) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر ، حديث رقم (584) ، (1/410) .
(6) لوامع الأنوار البهية : (2/10) .
(7) انظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني : (2/10) .
(8) لوامع الأنوار البهية للسفاريني : (2/10) ، وتذكرت القرطبي : (147) .
(9) لوامع الأنوار البهية للسفاريني : (2/10) ، وتذكرت القرطبي : (147) .
(10) مجموع الفتاوى4/257) .
(11) راجع مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام ابن تيمية : (4/257 ، 277) .
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 27-01-2010, 01:38 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

عذابُ القبر ونعيمه
المطلب الأول
أحاديث عذاب القبر ونعيمه متواترة
يقول شارح الطحاوية : " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً ، وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته ، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته ، لكونه لا عهد له به في هذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ، بل إن الشرع قد يأتي بما تحار فيه العقول ، فإن عودة الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا ، بل تعاد إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا " (1) .
وقال في موضع آخر : " واعلم أن عذاب القبر وعذاب البرزخ حق ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه ، قبر أو لم يقبر ، أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء ، أو صلب أو غرق في البحر ، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور ، وما ورد من إجلاسه ، واختلاف أضلاعه ونحو ذلك ، فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير " (2) .
وأنكرت الملاحدة ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة من الإسلاميين عذاب القبر ، وقالوا: ليس له حقيقة ، واحتجوا لذلك بأنهم يفتحون القبور فلا يرون شيئاً مما أخبرت به النصوص (3) .
وأنكره أيضاً الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو وبشر المريسي ، وخالفهم جميع أهل السنة ، وأكثر المعتزلة (4) .
وهؤلاء كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وقد ظن هؤلاء أن أبصارهم يمكن أن ترى كل شيء ، وأن أسماعهم يمكن أن تسمع كل شيء ، ونحن اليوم نعلم من أسرار الكون ما كانت أسماعنا وأبصارنا عاجزة عن سماعه ورؤيته ، ومن آمن بالله صدَّق خبره .
وقد وردت إشارات في القرآن تدل على عذاب القبر ، وقد ترجم البخاري في كتاب الجنائز لعذاب القبر ، فقال : باب ما جاء في عذاب القبر ، وساق في الترجمة قوله تعالى : ( إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) [ الأنعام : 93 ] ، وقوله تعالى : ( سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) [ التوبة : 101 ] . وقوله تعالى : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ - النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [ غافر : 45-46 ] .
والآية الأولى التي ساقها البخاري إنما هي في تعذيب الملائكة الكفار في حال الاحتضار كما سبق بيانه ، والآية الثانية تدل على أن هناك عذابين سيصيبان المنافقين قبل عذاب يوم القيامة ، العذاب الأول ما يصيبهم الله به في الدنيا إما بعقاب من عنده وإما بأيدي المؤمنين ، والعذاب الثاني عذاب القبر ، قال الحسن البصري : ( سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ) [ التوبة : 101 ] : عذاب الدنيا ، وعذاب القبر " (5) ، وقال الطبري : " والأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر ، والأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع أو السبي أو القتل والإذلال أو غير ذلك " (6) .
والآية الثالثة حجة واضحة لأهل السنة الذين أثبتوا عذاب القبر ، فإن الحق تبارك وتعالى قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً ، وهذا قبل يوم القيامة ، لأنه قال بعد ذلك : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [ غافر : 46 ] ، قال القرطبي : " الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر " (7) .
ومن الإشارات القرآنية الواضحة الدالة على فتنة القبر وعذابه قوله تبارك وتعالى : ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) [ إبراهيم : 27 ] ففي الحديث الذي يرويه البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أقعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله : ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ) [ إبراهيم : 27 ] ، وفي رواية أخرى : وزاد : ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ) [ إبراهيم : 27 ] نزلت في عذاب القبر " (8) .
وقد روت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها : " أن اليهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر ، فقالت لها : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر ، فقال : نعم ، عذاب القبر . قالت عائشة رضي الله عنها : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى إلا تعوذ من عذاب القبر " زاد غندر: " عذاب القبر حق " رواه البخاري (9) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " دخلت عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة ، فقالتا : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم ، قالت : فكذبتهما ، ولم أنعم (10) أن أصدقهما ، فخرجتا ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : يا رسول الله ‍‍‍‍‍ إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا عليَّ ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم ، فقال : " صدقتا ، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم " قالت : فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر " (11) .
ولعظم هذا الأمر وخطورته كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه لأصحابه ، بل وخطب فيهم مرة به ، ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها : قالت : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء ، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة " رواه البخاري (12) والنسائي ، وزاد النسائي : " حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سكنت ضجتهم ، قلت لرجل قريب مني : أي بارك الله لك ، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر قولـه ؟ قال : قد أوحى إلي : أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال " (13) .
سماع الرسول صلى الله عليه وسلم أصوات المعذبين :
وقد أعطى الله رسوله القدرة على سماع المعذبين في قبورهم ، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار ، على بغلة له ، ونحن معه ، إذ حادت به (14) ، فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ، فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال رجل : أنا ، قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك ، فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا (15) ، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " (16) .
وفي صحيح البخاري ومسلم وسنن النسائي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس ، فسمع صوتاً ، فقال : يهود تعذب في قبورها " (17) .
ويدل على سماع الرسول صلى الله عليه وسلم للمعذبين في قبورهم الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس ، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين ، فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. " الحديث ، وسيأتي ذكره بتمامه إن شاء الله .
سماع غير الرسول صلى الله عليه و سلم أصوات المعذبين :
لم يزل بعض الناس يتحدثون عن سماعهم أو رؤيتهم للمعذبين في قبورهم ، ومن هؤلاء ثقات أعلام لا مطعن في دينهم وأمانتهم ، يقول ابن تيمية في ذلك : " قد يكشف لكثير من أبناء زماننا يقظة ومناماً ، ويعلمون ذلك ويتحققونه ، وعندنا من ذلك أمور كثيرة " (18) .
وقال في موضع آخر في معرض رده على المكذبين بعذاب القبر " وإذا عرف أن النائم يكون نائماً وتقعد روحه وتقوم وتمشي ، وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالاً وأموراً بباطن بدنه مع روحه ، ويحصل لبدنه وروحه بها نعيم وعذاب ، مع أن جسده مضطجع ، وعينيه مغمضة ، وفمه مطبق ، وأعضاؤه ساكنة ، وقد يتحرك لقوة الحركة الداخلة ، وقد يقوم ويمشي ويتكلم ويصيح ، لقوة الأمر في باطنه ، كان هذا مما يعتبر به أمر الميت في قبره ، فإن روحه تقعد ، وتجلس ، وتسأل ، وتنعم ، وتعذب ، وتصيح وذلك متصل ببدنه ، مع كونه مضطجعاً في قبره ، وقد يقوى ذلك حتى يظهر ذلك في بدنه ، وقد يرى خارجاً من قبره ، والعذاب عليه ، وملائكة العذاب موكلة به ، فيتحرك بدنه ، ويمشي ويخرج من قبره ، وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين في قبورهم ، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب ، ومن يقعد بدنه أيضاً إذا قوي الأمر ، لكن ليس هذا لازماً في حق كل ميت، كما أن قعود بدن النائم لما يراه ، ليس لازماً لكل نائم ، بل هو بحسب قوة الأمر " (19) .
--------------------------------
(1) شرح العقيدة الطحاوية : (450) .
(2) شرح العقيدة الطحاوية : (451) .
(3) انظر تذكرة القرطبي : (125) .
(4) فتح الباري : (3/233) .
(5) فتح الباري : (3/233) .
(6) فتح الباري : (3/233) .
(7) فتح الباري : (11/233) .
(8) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في عذاب القبر ، فتح الباري : (3/231) .
(9) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في عذاب القبر ، فتح الباري : (3/231) .
(10) ( لم أنعم ) أي : لم تطب نفسي أن أصدقهما .
(11) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر : (1/411) .
(12) صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في عذاب القبر ، فتح الباري : (3/232) .
(13) رواه النسائي ، انظر جامع الأصول : (11/170) .
(14) حادت به ، أي : مالت عن الطريق ونفرت .
(15) لا تدافنوا ، أي : مخافة أن لا تدافنوا .
(16) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الجنة ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، (4/2199) .
(17) جامع الأصول : (11/172) .
(18) مجموع الفتاوى : (24/376) .
(19) مجموع الفتاوى : (5/525) .
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:12 AM.