اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2014, 04:25 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الانحيازات الاجتماعية للقرارات الاقتصادية

الانحيازات الاجتماعية للقرارات الاقتصادية




د. سلوى العنترى

يتطلب تحقيق أى هدف اقتصادى اختيارا بين بدائل عديدة للتنفيذ. وتختلف تلك البدائل عادة من حيث آثارها على فئات المجتمع المختلفة من حيث الفئات الأكثر استفادة، والفئات الأكثر تحملا لأعباء وتكاليف الوصول إلى الهدف المطلوب. لذا يمكن القول إن القرارات التى تتعلق بتنفيذ السياسات الاقتصادية المختلفة، تعبر عادة عن انحيازات اجتماعية محددة، حتى ولو كان الهدف النهائى من تحقيقها محل اتفاق من المجتمع ككل، كما هو الحال مثلا بالنسبة لهدف رفع معدلات النمو أو خفض معدلات الدين المحلى والخارجى، أو توفير مصادر بديلة للطاقة.. الخ. وقد شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة منذ نهاية يونيو 2014 إصدار العديد من القرارات والقوانين الاقتصادية، التى يتعلق بعضها بشكل مباشر بحياة المصريين اليومية فى الوقت الراهن، و يتعلق البعض الآخر بتوجهات ومسار الاقتصاد المصرى على المدى المتوسط والطويل، بما لها من تأثير على مستوى حياة المصريين خلال السنوات القادمة. ولعله من المفيد محاولة التعرف على ما تعكسه القرارات والقوانين الاقتصادية التى صدرت منذ نهاية يونيو 2014 من انحيازات اجتماعية، على أرض الواقع، لاسيما و أن الخطاب المعلن على المستوى الرسمى هو الانحياز للفقراء.
أولا: الانحيازات الاجتماعية لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2014/ 2015 :
تقدم وثائق الخطة رؤية لإدارة الاقتصاد المصرى تنطلق من الاعتماد على اقتصاد السوق، وعلى قيام القطاع الخاص بالدور الرئيسى فى النشاط الاقتصادى، حيث تستهدف قيام ذلك القطاع بتنفيذ ما يزيد على 62 % من جملة الاستثمارات المدرجة فى الخطة. كما تعلن الخطة أنها تعطى الأولوية لمشروعات المشاركة مع القطاع الخاص فى إطار التخفيف من الأعباء المالية على الخزانة العامة. ترجمة ذلك هى فتح الباب للقطاع الخاص لدخول مجالات الخدمات والمرافق العامة، نظرا لعدم توافر الموارد المالية اللازمة لتنفيذ الاستثمارات المطلوبة فى تلك المجالات لدى الخزانة العامة. وبالفعل توضح الخطة ستة مشروعات يتم تنفيذها بالشراكة مع القطاع الخاص، لعل من أبرزها محطة معالجة مياه الصرف الصحى بأبى رواش، و إعادة تأهيل ثلاثة مستشفيات جامعية، اثنان منها فى الإسكندرية ) مستشفى المواساة، ومستشفى سموحة) والثالث فى السويس (مستشفى السويس الجامعى التخصصى). ويلاحظ هنا أن الأمر لا يقتصر على قيام القطاع الخاص بتمويل وتنفيذ تلك المشروعات، ثم تقوم الدولة برد التكاليف خلال فترة زمنية مقبلة، بل يمتد الأمر إلى السماح للقطاع الخاص بتشغيل تلك المرافق واستغلالها. فبالنسبة لمحطة معالجة الصرف الصحى بأبى رواش توضح الخطة أن القطاع الخاص سيقوم بتنفيذ المشروع خلال ثلاث سنوات، ثم يقوم بتشغيله لمدة 17 سنة. ومن غير الواضح هل يعنى ذلك أن القطاع الخاص سيسترد التكلفة عبر إدارة المشروع؟ وإذا كان القطاع الخاص يتعامل على أساس ربحى فما أثر ذلك على تكلفة الحصول على الخدمة بالنسبة للمواطنين؟ هل ستظل الحكومة هى المسئولة عن تقديم الخدمات العامة فتقوم بشراء الخدمة من القطاع الخاص على أساس تجارى، ثم توفرها للمستهلك بتكلفة منخفضة وتتحمل الموازنة العامة الفرق، أم أن الشراكة مع القطاع الخاص تمثل جزءا من رؤية أشمل لخصخصة المرافق العامة وابتعاد الدولة عن تلك الساحة؟
هذه الأسئلة تشكل أهمية كبيرة، أخذا فى الاعتبار الأولوية التى تمنحها الخطة لمشروعات الشراكة مع القطاع الخاص، وما يوضحه موقع الوحدة المركزية للمشاركة بوزارة المالية على موقعها الإلكترونى عن وجود المزيد من مشروعات الخدمات والمرافق العامة التى يجرى اٌلإعداد لطرحها على القطاع الخاص، تغطى مجالات محطات معالجة مياه الصرف الصحى، وتحلية مياه البحر، تدوير المخلفات الصلبة لإنتاج الكهرباء، وخطوط السكك الحديدية والترام، وإنشاء 1000 مدرسة حكومية، خطوط الأوتوبيس النهرى، والموانى النيلية، وتطوير وتحديث ميناء سفاجا التعدينى، ومشروعات إنارة شوارع الإسكندرية. وجميع تلك المشروعات تشكل جزءا من الخدمات العامة الأساسية التى يتعين على الدولة توفيرها للمواطنين سواء فى مجال الصحة أو التعليم أو النقل والمواصلات، فضلا عن المياه والكهرباء والصرف الصحى.
وبالإضافة إلى التأكيد على الدور المحورى للقطاع الخاص، توضح الخطة أنه من بين المحددات التى تم الاعتماد عليها لاختيار الاستثمارات المدرجة بها منح أولوية التوزيع المكانى للاستثمارات العامة للمناطق التى تفتقر إلى الخدمات والسلع العامة، واستكمال ترفيق المناطق الصناعية، خاصة فى المحافظات الأكثر فقرا والمناطق التى تعانى من ارتفاع معدلات البطالة فى صعيد مصر والمناطق الحدودية. كما أن الأولوية فى الاستثمارت التى تمولها الحكومة هى للمشروعات كثيفة العمل «والتى توفر خدمة/ سلعة أساسية للمواطنين، وخاصة للفئات منخفضة الدخل، وذلك وفقا لسلم الأولويات الاجتماعية». ويمكن القول إن هذا التوجه يعكس الاعتراف بضرورة توسيع نطاق الإفادة من الاستثمارت العامة والحكومية، وتركيز تلك الاستثمارت على خلق فرص العمل، كأحد السبل الرئيسية لمواجهة الفقر.
وتؤكد خريطة المشروعات القومية المعلنة حتى الآن هذا الحرص على التوزيع الجغرافى للاستثمارات وما يعنيه من توزيع لفرص العمل والنمو على أقاليم مصر المختلفة، ففى الشرق مشروع قناة السويس الجديدة كجزء من مشروع تنمية منطقة قناة السويس وسيناء ، وفى الغرب مشروع تنمية الساحل الشمالى الغربى، وفى الجنوب الشرقى مشروع المثلث الذهبى لربط مناطق استغلال الثروات المعدنية بين قنا وسفاجا والقصير بالطرق الرئيسية. نفس الرؤية تطرحها التصريحات المعلنة من وزير التنمية المحلية عن إعادة ترسيم التقسيم الإدارى للمحافظات المصرية، بحيث يتم إعادة توزيع نصيب المحافظات من الثروات الطبيعية، والمنافذ البحرية، والظهير الصحراوى اللازم للتوسع السكانى. ولعل من أبرز التصريحات فى هذا الشأن مد نطاق محافظات الصعيد شرقا إلى البحر الأحمر.
ووفقا لنفس الرؤية تشير وثائق الخطة إلى أنه تم توزيع الاستثمارات على المحافظات المختلفة بمراعاة عدد السكان والمساحة وحالة التنمية، بالإضافة إلى وزن نسبى للمحافظات التى تعانى من مشاكل أمنية ( مثل محافظات القناة) أو التى تعانى من فجوة تنموية (مثل محافظات الصعيد)، باٌلإضافة إلى مراعاة توزيع الاستثمارات الخاصة بنتائج الاستهداف الجغرافى للفقر فى كل من المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر والشرقية.
ومع ذلك فنلاحظ أنه باستبعاد الجزء من الاستثمارات الذى يمثل مشروعات قومية لا تختص بها محافظة واحدة ، اقتصر نصيب الصعيد على نحو 25.6 % فقط من الاستثمارات العامة، فى حين استأثر إقليم القاهرة الكبرى بأكثر من 32 % ، على الرغم أن الصعيد أكثر فقرا وأكثر نصيبا من السكان ( نحو 30 % من إجمالى السكان مقابل 25 % لإقليم القاهرة).
ثانيا: الانحيازات الاجتماعية للموازنة العامة 2014/2015 :
توضح الموازنة العامة لأى دولة مصادر الإيرادات العامة التى تحصل عليها الخزانة العامة، وأوجه الإنفاق المختلفة التى تستخدم فيها تلك الإيرادات، طبقا لمدى اتساع الدور الذى تقوم به الدولة فى النشاط الاقتصادى، وفى توفير الخدمات الأساسية وعلى رأسها التعليم والصحة. ومن ناحية أخرى، فلابد من تذكر أنه فى اقتصاد السوق الذى يتولد فيه غالبية الناتج خارج عمل الإدارة الحكومية، وما قد يوجد من مشروعات عامة، تشكل التحويلات والضرائب الأدوات الرئيسية التى تستخدمها الدولة لتحسين أو تصحيح التوزيع الأولى للناتج بين شرائح المجتمع المختلفة، على النحو الذى يحقق قدرا أعلى من عدالة التوزيع، وبالتالى فإن حجم وهيكل مخصصات الدعم والمنح والتحويلات فى جانب النفقات من موازنة أى دولة وحجم وهيكل الإيرادات الضريبية فى جانب الإيرادات، يعكسان مدى نجاح الموازنة العامة فى إعادة توزيع الناتج من ناحية، و شرائح المجتمع التى يتم إعادة التوزيع لصالحها من ناحية أخرى. لذا، فإنه يمكن القول ببساطة إن الموازنة العامة للدولة تعبر عن الفئات الاجتماعية الرئيسية التى تحصل منها الدولة على الأموال، والفئات الاجتماعية الرئيسية المستفيدة من إنفاق تلك الأموال.
وبدراسة البيان المالى عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2014/2015، تطالعنا نفس الرؤية التى تطرحها وثائق خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لإدارة الاقتصاد المصرى، والتى تنطلق من الاعتماد على القطاع الخاص وتشجيع آليات الاقتصاد الحر «واحترام كافة التعاقدات وحمايتها طالما لم يشبها فساد»، مع التأكيد على الدور الهام لرؤوس الأموال الأجنبية. فالهدف الرئيسى من تحقيق استقرار أوضاع الاقتصاد الكلى، وتحقيق الانضباط المالى هو «إعادة الثقة فى الاقتصاد، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال إلى مصر».
ويشير البيان المالى إلى أن الأهداف الرئيسية للموازنة تتمثل فى السيطرة على عجز الموازنة العامة للدولة وتخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى، مع الالتزام بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى والتوسع فى شبكة الضمان الاجتماعى والدعم النقدى للفئات الأولى بالرعاية. وأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب بالضرورة العمل على زيادة الإيرادات وتخفيض بعض أنواع النفقات. ويصبح السؤال: ماهى الفئات الاجتماعية التى ستحصل منها الزيادة فى الإيرادات، وماهى الفئات الاجتماعية التى ستتحمل آثار الخفض فى النفقات العامة؟.
1 - الانحيازات الاجتماعية لتعديلات قانون الضرائب على الدخل:
للإجابة على التساؤل الخاص بزيادة الإيرادات نلاحظ أن البيان المالى للموازنة يؤكد أن نسبة الضرائب إلى الناتج المحلى الإجمالى فى مصر تعتبر منخفضة للغاية مقارنة بدول العالم الأخرى، حيث لا تتجاوز تلك النسبة فى مصر 15.2 % من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل 23 % فى الدول منخفضة الدخل و 28 % فى الدول النامية، و36 % فى الدول المتقدمة. كما يؤكد ذلك البيان أيضا أن الجزء الأكبر من إيرادات الموازنة العامة (38 %) يأتى من المؤسسات المملوكة للدولة ممثلة فى قناة السويس، والهيئة العامة للبترول، والبنك المركزى المصرى، فضلا عن الضرائب على الأذون والسندات. بل و توضح أرقام الموازنة أن ما يدفعه الموظفون من ضرائب يمثل أكثر من 7 أضعاف ما يدفعه أصحاب المهن الحرة غير التجارية رغم التقارب فى أعداد الممولين. هذا كله يعنى ببساطة أن القطاع الخاص وأغنياء هذا البلد لا يتحملون عبئا ضريبيا يتناسب مع نصيبهم فى الناتج المحلى.
وتعبر الحلول التى طرحتها الحكومة لإصلاح هذا الوضع المختل بشكل واضح عن انحيازاتها الاجتماعية، حيث استبعدت اللجوء للضرائب التصاعدية التى أقرها الدستور، وأعلنت الاعتماد على توسيع القاعدة الضريبية من ناحية، ومحاربة التهرب ورفع كفاءة التحصيل من ناحية أخرى. وتطبيقا لذلك تم فرض ضريبة مؤقتة لمدة 3 سنوات على الدخول والأرباح التى تزيد على مليون جنيه سنويا، وفرض ضريبة بنسبة 10 % على صافى الأرباح الرأسمالية للتعامل فى البورصة وعائد توزيعات الأسهم ، وبحيث لا تتجاوز الضريبة على عائد التوزيعات لأصحاب الشركات 5 %، كما تم الإعلان عن تفعيل قانون الضريبة العقارية.
وفى تصورنا، أن تلك التعديلات الضريبية تعكس بوضوح انحيازا اجتماعيا لشريحة الأغنياء. فحتى لو أخذنا بوجهة النظر التى ترى أن الوقت الحالى وظروف الركود الاقتصادى قد لا تكون مناسبة لفرض الضرائب التصاعدية على قطاع الأعمال، وأنه يجب الانتظار حتى تتحسن الأحوال الاقتصادية، فإنه لا يوجد مبرر منطقى لعدم تطبيق الضريبة التصاعدية على دخول الأفراد الأثرياء، أخذا فى الاعتبار أن معدلات الضريبة على شرائح الدخل العليا فى الدول الرأسمالية تصل إلى 40 % فى انجلترا وفرنسا وسويسرا، و إلى 45 % فى استراليا وألمانيا ، وإلى 50 % فى اليابان و57 % فى السويد و62 % فى الدانمارك.
2 - الانحيازات الاجتماعية للقرارات الخاصة بإعادة هيكلة النفقات العامة:
يشير البيان المالى للموازنة العامة إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام كأحد السبل لتخفيض عجز الموازنة، ويؤكد أن ذلك سيتم من خلال التخلص التدريجى من بنود الدعم غير الفعال فى تحسين الأحوال المعيشية للسواد الأعظم من شعب مصر، وعلى رأسها دعم الطاقة، والانتقال التدريجى للدعم النقدى. وهكذا تضمنت أرقام الموازنة خفض دعم الطاقة (ممثلا فى المنتجات البترولية والكهرباء) بنحو 41 مليار جنيه، كما تضمنت قصر دعم السلع الغذائية على نحو 31،6 مليار جنيه، مقابل 34،6 مليارا مصروفات فعلية خلال السنة المالية السابقة.
ولم يغفل البيان المالى للموازنة التذكير بأن هذا التخفيض للإنفاق على الدعم قد قابله من جانب الحكومة توفير شبكة حماية اجتماعية للمواطنين تمثلت فى الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور فى الجهاز الحكومى، فضلا عن رفع المعاشات، ورفع أجور الأطباء والمعلمين، وزيادة المبالغ المخصصة لمعاش الضمان الاجتماعى إلى 10،7 مليار جنيه بما يمثل أكثر من ثلاثة أمثال المبلغ المعتمد فى موازنة العام السابق، وأن هذه الزيادة تعكس كلا من رفع قيمة المتوسط الشهرى لمعاش الضمان وزيادة عدد المستفيدين الذين يستهدف أن يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين أسرة.
وهكذا تم خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو 2014 رفع أسعار المنتجات البترولية وأسعار الكهرباء، وذلك ضمن خطة لخفض دعم الطاقة تدريجيا على مدى ثلاث سنوات، كما تم تطبيق منظومة جديدة لدعم السلع التموينية تمثل تحولا للدعم النقدى وتحدد لكل فرد مسجل فى بطاقة التموين مبلغ 15 جنيها، يستخدمها فى شراء ما يختاره من بين نحو 20 سلعة، أسعارها تنخفض قليلا عن مستوى أسعار السوق، وتم الإعلان عن التوسع فى تطبيق النظام الجديد لتوزيع الخبز المدعم من خلال البطاقات الإلكترونية بحيث يغطى كل المحافظات قبل نهاية ديسمبر 2014.
وحرصت تصريحات كل من رئيس الوزراء ووزير المالية على التأكيد بأن تلك الإجراءات تنحاز للفقراء والفئات محدودة الدخل. فالمستفيد الأساسى من دعم الطاقة الذى تم تخفيضه هو الأغنياء، والمبالغ التى يتم توفيرها من ذلك الدعم سيتم توجيهها لزيادة الإنفاق على خدمات الصحة والتعليم، كما أن الدولة قد قامت بتوفير شبكة حماية اجتماعية تمكن الفقراء من مواجهة تداعيات خفض الدعم من خلال رفع الأجور، المعاشات، وزيادة معاش الضمان الاجتماعى، ناهيك عن زيادة السلع المدعمة المدرجة فى بطاقات التموين إلى 20 سلعة، وطرح سلع غذائية بأسعار مخفضة فى المجمعات الاستهلاكية.
وعلى صعيد آخر تضمنت إجراءات إعادة هيكلة النفقات العامة صدور القانون رقم 63 لسنة 2014 الذى ينص على وضع حد أقصى للأجور لكافة العاملين لدى الدولة لا يتجاوز 42 ألف جنيه شهريا، ويلغى الاستثناء الذى سبق أن قررته حكومة الدكتور الببلاوى للعاملين فى البنوك العامة وشركات البترول وبعض الجهات الأخرى، بحيث أصبح الاستثناء الوحيد من ذلك القانون هو العاملين بالسلك الدبلوماسى وغيرهم ممن يمثلون الدولة أثناء مدة عملهم بالخارج .
وعلى الرغم من الطرح الذى يقدمه البيان المالى للموازنة والتصريحات الحكومية المختلفة، فإن التعديلات المتعلقة بكل من بنود الإيرادات والمصروفات، والتنفيذ الفعلى على أرض الواقع لتخفيض دعم الطاقة والتحول إلى الدعم النقدى للسلع التموينية، توضح جميعها أن الجزء الأكبر من تكلفة تخفيض عجز الموازنة العامة قد وقع على عاتق الفقراء والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة.
فعلى صعيد أرقام الموازنة العامة، تم تقدير الالتزامات الجديدة الحتمية التى يتعين مواجهتها بنحو 57 مليار جنيه ( تمثل تكلفة رفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين دخول الأطباء والمعلمين، ونقل وتثبيت العمالة، ومعاش الضمان الاجتماعى، والوفاء بالتزامات الصحة، والتعليم والبحث العلمى) ويوضح البيان المالى أن الجزء الأكبر من تغطية تلك الالتزامات قد تم من خلال تخفيض دعم الطاقة الذى تكفل بتوفير نحو 41 مليار جنيه، فى حين أن الزيادة فى الإيرادات الناتجة عن تعديلات قانون الضرائب على الدخل لم تتجاوز 13.5 مليار جنيه .
أما على صعيد الواقع الفعلى لتداعيات تخفيض دعم الطاقة والتحول إلى الدعم النقدى للسلع التموينية فيمكن رصد مايلى:
أ- فيما يتعلق بدعم الطاقة:
يتمثل المستخدم الرئيسى للغاز الطبيعى والمازوت والسولار والبنزين فى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة (الأسمنت، الأسمدة، حديد التسليح، الألومنيوم، السيراميك، الصناعات الغذائية ..) يليها قطاع الكهرباء ، وقطاع النقل والمواصلات، وبالتالى فإن رفع أسعار المنتجات البترولية يعنى رفع تكلفة إنتاج السلع المصنوعة ورفع فاتورة الكهرباء، ورفع تكلفة نقل البضائع، وتكلفة التاكسى والميكروباص ووسائل النقل العام. وعلى صعيد الواقع أدى رفع أسعار البنزين والسولار بشكل فورى إلى ارتفاع تعريفة الركوب لوسائل المواصلات الرئيسية للفقراء، الميكروباص والتوكتوك، بنسب تتراوح بين 50 % و 100 %، مع محاولات من الدولة لفرض تعريفة محددة ومراقبة تفعيلها، وتلى ذلك موجة من ارتفاعات أسعار الخضر والفاكهة، وإرهاصات لزيادة المصروفات, والتبرعات الإجبارية بالمدارس.
طبيعة الانحيازات الاجتماعية لقرارات الحكومة تتأكد من الامتناع عن وضع حد أقصى لهامش ربح قطاعات النشاط المختلفة, وعلى رأسها الصناعات الاحتكارية كثيفة الاستخدام للطاقة، كى تحول دون قيام تلك المشروعات بنقل عبء الزيادة فى أسعار المنتجات البترولية على المواطن المصرى. تحاشت الحكومة وضع حد أقصى لهامش الربح واكتفت بالإعلان عن حصولها على وعود من اتحاد الغرف التجارية, ومن رجال الأعمال بأنهم لن يقوموا برفع أسعار منتجاتهم.
أما فيما يتعلق بمجموعة الإجراءات التى اتخذتها الحكومة لتوفير شبكة حماية للمواطنين فإنها لا تكفى للسيطرة على الأسعار، ولا تحول دون تخفيض مستويات المعيشة للشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، والعصف بالحاجات الأساسية لأكثر من 26 % من السكان يقعون تحت خط الفقر. فالحد الأدنى للأجور لم يطبق على العاملين فى القطاع الخاص، ناهيك عن العمال الزراعيين، الذين يشكلون وحدهم أكثر من 27 % من إجمالى العاملين. ولم تعلن الحكومة عن أى إجراءات للسيطرة على تكاليف الإنتاج الزراعى بعد ارتفاع أسعار السولار وأسعار الأسمدة على نحو يهدد بشكل مباشر مستوى معيشة 4ر6 مليون مواطن مصرى يعملون بالزراعة ويشكلون مع أسرهم ما لا يقل عن 25 مليون نسمة. أما المنظومة الجديدة لدعم السلع التموينية فقد تضمنت تخفيضا فعليا لكمية السلع المدعومة التى يحصل عليها المواطن، وذلك على النحو الذى سنتعرض له تفصيلا.
ب- فيما يتعلق بالمنظومة الجديدة لدعم السلع التموينية:
كان المتصور مع إعلان الحكومة عن رفع أسعار المنتجات البترولية أن يكون دعم السلع الغذائية إحدى الأدوات الرئيسية التى يتم الاعتماد عليها لتخفيف وطأة ذلك الإجراء على الفقراء ومحدودى الدخل، وهو الأمر الذى لم يحدث فى ظل المنظومة الجديدة لتوزيع دعم السلع التموينية والتى تمثل تحولا فى اتجاه تطبيق الدعم النقدى. فوفقا للمنظومة القديمة كان كل مواطن مسجل فى البطاقة التموينية يحصل على كميات محددة من الزيت والسكر والأرز بسعر منخفض، يمثل فى المتوسط ما يتراوح بين 20 % و 25 % فقط من سعر السوق. وكان السعر المنخفض يعكس فى معظم الأحيان رداءة السلع المطروحة على المواطنين (خاصة الأرز)، مقارنة بما يتم بيعه فى السوق. أما فى النظام الجديد فقد تحدد لكل فرد مسجل فى بطاقة التموين مبلغ 15 جنيها، يستخدمها فى شراء ما يختاره من بين نحو 20 سلعة، تماثل فى جودتها السلع المطروحة فى السوق.
ولأن انشغال الحكومة الحقيقى هو تخفيض الدعم، وتخفيض عجز الموازنة، فقد تعجلت فى طرح النظام الجديد قبل أن تمتلك أدوات تنفيذه. وبغض النظر عن التداعيات على الفقراء ومحدودى الدخل. فالتعاقدات على المواد التموينية الجديدة كان مقررا لها أن تكتمل فى شهر أكتوبر2014، إلا أن الحكومة بادرت إلى تطبيق النظام الجديد اعتبارا من شهر يوليو2014 لتصبح الشكوى العامة هى عدم توافر السلع لدى بقالى التموين، بالتالى عدم صرف المستحقات المقررة.
القضية الأهم هى أن النظام الجديد يؤدى ببساطة إلى تخفيض الدعم الحقيقى الذى يحصل عليه الفقراء. فالنظام القديم كان يضمن حصول المواطن على كميات محددة من السلع مقابل 10 جنيهات، أما النظام الجديد فيعطيه 15 جنيها، بينما تبلغ تكلفة نفس الكميات 32 جنيها، بما يعنى أن الفقير صار يتعين عليه إما أن يتحمل الفرق الكبير فى التكلفة أو يخفض كمية السلع التى يشتريها.
ج- النظام الجديد لتوزيع الخبز المدعم:
يقوم النظام الجديد لتوزيع الخبز المدعم على أنه من حق كل مواطن حائز لبطاقة تموينية أو كارت ذكى للخبز، الحصول على خمسة أرغفة يوميا بسعر خمسة قروش للرغيف. و هكذا قررت الحكومة أن هذا هو الحد الأقصى لدعم الخبز الذى توفره للمواطن، وإذا لم يكفه فعليه استكمال شراء ما يلزمه بسعر السوق.
وفى البداية تم تحديد 30 رغيفا للأسرة كحد أقصى بواقع ستة أفراد، ثم تم رفعها إلى أربعين رغيفا بواقع ثمانية أفراد فى الأسرة، بعد تصاعد الشكاوى والاحتجاجات التى اقترنت بتطبيق النظام الجديد فى محافظة الجيزة. إلا أن الأمر الهام هو أن تطبيق النظام الجديد قد اقترن بتخفيض وزن الرغيف من 130 جراما إلى 90 جراما، ثم تم التخفيض مرة ثانية بعد ارتفاع أسعار السولار ليتراوح بين 70 و 80 جراما، بحيث صار الوزن الفعلى للخبز المقرر لكل فرد يعادل ثلاثة أرغفة فقط. وأصبحت المعضلة هى كيف يتمكن مواطن تحت خط الفقر من الاكتفاء برغيف واحد فى الوجبة. وإذا كان لا يمكنه الوفاء باحتياجاته الأساسية فى ظل رغيف بخمسة قروش، فكيف يفعل إذا كان سعر الرغيف فى السوق قد صار 50 قرشا؟ وماذا تفعل أسرة لديها أبناء فى سن النمو والشباب يأكل الواحد منهم أكثر من رغيف فى الوجبة؟
الخلاصة:
يشير العرض السابق إلى أنه على الرغم أن الخطاب السياسى لا يكف عن التأكيد على الانحياز للفقراء، فإن تحليل التوجهات الرئيسية لكل من خطة التنمية الاقتصادية والموازنة العامة للدولة وما ترتب عليهما من قرارات اقتصادية يشير إلى أن الانحياز الرئيسى لايزال للشرائح العليا للدخل، بحجة أن كبار رجال الأعمال هم المنوط بهم زيادة الاستثمار، ودفع معدلات النمو الاقتصادى. القرارات التى تمس دخول رجال الأعمال والشريحة العليا تتخذ ببطء وتروِ شديدين، وفى إطار الحد الأدنى، أما القرارات التى تمس الفقراء والشريحة الدنيا للطبقة المتوسطة فتتخذ بحسم وبسرعة وحتى دون اكتمال شبكة الأمان المفترضة للتخفيف من حدة آثارها. بالتأكيد هناك وعى بأهمية تحسين وضع الفقراء، إلا أنه لا يزال يأتى فى إطار الإيمان بنظرية تساقط الثمار، بمعنى أن زيادة النمو مع مراعاة انتشار التوزيع الجغرافى للاستثمارات العامة، وللمشروعات القومية سوف يؤدى إلى زيادة فرص العمل وتحسين الدخول. إلا أنه حتى ذلك الحين فلا غضاضة فى أن يتحمل الفقراء تكلفة تخفيض عجز الموازنة حتى لو كان الثمن ارتفاع تكلفة المعيشة. وانخفاض الكمية الحقيقية لما يحصلون عليه من السلع التموينية، بل وحتى الخبز.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
اقتصاد / مصر / مستقبل


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:46 PM.