|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الإسلام والمعارضة السياسية...!!
د. عمر الحضرمي ![]() كَثُر الحديث هذه الأيام عن مفهوم «المعارضة» خاصة في المنطقة العربية التي شهدت شوارعها، ولا تزال، حراكاً سياسياً هادئاً متزناً أحياناً، وشرساً مضطرباً ومملوءاً بالفوضى أحياناً أخرى، وكل ذلك تحت مسمى المعارضة. وللتأصيل الفكري والفلسفي فإن من المُدْرك أن المعارضة السياسية في معناها الواسع الفضفاض نشأت مع نشأة السلطة في المجتمعات الإنسانية، ومنذ أن انقسم الأفراد إلى حكام ومحكومين. أما المعارضة في الفكر السياسي الحديث فقد ارتبطت بتطور الأنظمة الانتخابية والحزبية وباقتصاد السوق. وهنا لا بد أن نذكّر بمفهوم المعارضة السياسية في الإسلام. فلقد كان مجيء الإسلام بحد ذاته معارضة للنظام الجاهلي المتخلف وثورة على الاستبداد والظلم. وقد بدأ دعوته جهراً على أنه ثورة ضد الأوضاع غير الإنسانية التي كانت سائدة والتي كانت المجتمعات في ظلها مقهورة ومستعبدة، ولكنه أخذ طيلة ثلاثة عشر عاماً نهجاً سلمياً لم يحمل خلالها السلاح، بالرغم من أنه تعرّض للاضطهاد الفكري والعقلي والمنطقي والجسدي، ومع ذلك فقد استطاع إنشاء دولة مستقلة حديثة تعتمد أسمى مبادئ الديمقراطية والحرية والتعددية. وإذا ما ذهبنا إلى التفصيل فإن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد وضع الأسس الموضوعية للمعارضة السياسية، وذلك حين أقام دولة المدينة المنورة على مرتكزات الاعتراف بضرورة حفظ كرامة الإنسان وصيانة حرياته، واحترام الرأي والرأي الآخر، وإعطاء فسحة للصواب أن يأخذ مركزه في السياق الواسع والعام للدولة. وتلاه سادتنا الخلفاء الراشدون الذين فتحوا المجال واسعاً أمام المعارضة، وأكدوا لكل الناس أنهم مستعدون للاعتراف بالخطأ السياسي أو الاقتصادي أو التنظيمي إنْ ثبت أنهم جانبوا الصواب. فقالوا وُّلينا عليكم ولسنا بخيركم، فإنْ أحسنّا فأعينونا، وإنْ أسأنا فقومونا. وهذا سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه يقاطع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه شكّ في أن هناك عدم عدالة في توزيع قطع القماش، بعد أن رأى أن ذلك خروج عن المساواة، فما كان من سيدنا عمر إلاّ أن حاوره بالحسنى وبالأدب والتقدير. وهذا هو سيدنا أبو ذرٍ الغفاري رضي الله عنه يشكل معارضة سياسية علنية ضد سيدنا معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه، ممارساً ذلك في شوارع دمشق ذاتها. لقد فهم الإسلام المعارضة السياسية على أنها حوار مشروع يتحرك في موقعه لترشيد الحكم وتصحيح الأخطاء بالاستناد إلى شرعية إسلامية قائمة على العدل والمساواة والحرية المسؤولة واحترام التعددية الفكرية ضمن الالتزام بكلية الدولة. وهي منطلقة في تحركها من اختيار الإنسان وإدراكه ومسؤوليته الشرعية، على أن لا يؤدي ذلك إلى تجاوز الثوابت أو تعريض الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة للخطر. كما يربط الفكر السياسي الإسلامي بين «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وبين مشروعية قيام المعارضة في الدولة الإسلامية التي وضعت المسؤولية على عاتق الأفراد لإجراء التغيير والتطوير. وفي الإجمال فإن المفهوم الإسلامي الأصيل للسلطة يجعل من نصرة الحق الهدف المركزي له، ويجعل الصدق والاستماع إلى كل الآراء والاجتهادات واحترامها، أمانة في عنق الحاكم إن حاد عنها أصبح خائناً. ولكن، ومع الأسف، فإن الفكر الإسلامي الحديث قد تحول في كثير من مرتكزاته بين اعتماد ثنائية السلطة والمعارضة ليس بالمفهوم الأصيل، ولكن بمفهوم الإصلاح وقبوله، وبين استبداد الحاكم، الأمر الذي أدى إلى انفصاله عن الناس. ولقد تحولت هذه الثنائية إلى صراع بين المدافعين عن الهوية الإسلامية وبين أنصار «التغريب»، حتى دخلنا مؤخراً في نزاع حول مفاهيم الديمقراطية والحرية والشورى وأهل الحل والعقد، دون الوصول إلى الحسم الصحيح. ومن هنا يجب علينا إعادة الفكر السياسي الإسلامي على قياسات الأصل والابتعاد عن التشويه والتزوير والضغوطات والتأثيرات الخارجية التي، للأسف ثانية، قد بدأت تنجح، إلى حد ما، في خلق فكر سياسي إسلامي مشوه وقاصر عن التماهي مع الفكر الحديث للدولة والمعارضة والسلطة. وقد جرى ذلك تحت سمع المبادئ القيم الإسلامية وبصرها التي لم تتغير في جوهرها منذ بداية انطلاق الدين الحنيف. إن مجتهدينا وعلماءنا وقادتنا الإسلاميين، مطالبون بالعمل على العودة بتعريف الفكر السياسي الإسلامي على منهجية المدقق والعالم والمتفحص والواعي للموروث ولمدى تطابقه مع أحداث النظرية السياسية الحديثة حتى نستطيع تصحيح المسيرة. ولعل معظم الأزمة التي نعيشها متأتية من عدم إنتاج المثقف السياسي الإسلامي ومن الفصل بين دراسة الدين كحدود وفقه وبين دراسته كفكر سياسي راقٍ. |
العلامات المرجعية |
|
|