|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أنواع المسؤولية في الإسلام سجاد أحمد بن محمد أفضل وبعد أن عرفنا المسؤولية لغةً واصطلاحاً، وبعد أن عرفنا أهم خصائصها وبعد أن وقفنا على شروط المسؤولية ومناطها يمكننا الآن التعرف على أنواع المسؤولية وأهدافها. ويمكن إجمال هذه الأنواع المسؤولية في المجالات الثلاثة وهي: 1. المسؤولية تجاه الخالق. 2. المسؤولية تجاه الاسرة. 3. المسؤولية تجاه المجتمع. 1. المسؤولية تجاه الخالق: إن الله عز وجل لا تنفعه عبادة العابدين، ولا يضره صدود المعرضين والكافرين، ولا يزيد في ملكه حمد الحامدين، ولا ينقصه جحود الجاحدين، ولو كانوا على أفجر قلب واحد ما نقص ذلك من ملكه شيئا ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل واحد لم يزد ذلك في ملكه شيئا، ولم يبلغوا ضره فيضروه، ولم يبلغوا نفعه فينفعوه، فهو الغني والكل فقراء إليه، هو الغني عن الوسطاء والحجاب والأنداد. كما قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ï´¾ [1]. فهم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات، هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه. إذاً علاقة الإنسان مع ربه أسمى العلاقات وميدان المسؤولية فيها أقدس الميادين وذلك؛ لأنها علاقة العبد مع ربه، والمخلوق مع خالقه. وتشمل المسؤولية في هذا الجانب إلى ناحيتين: جانب الاعتقاد وجانب السلوك. أما المسؤولية في جانب الاعتقاد: فتشمل في المحافظة على أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل عليه السلام «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» وفي المحافظة على ما يتعلق بهذه الأركان من مسائل فرعية عقدية. أما المسؤولية في جانب السلوك: فتشمل في المحافظة على أركان الإسلام الخمسة، وما يلحق بها من عبادات فرعية. وفيما يلي أذكر هذين الجانبين بنوع من التفصيل: 1. جانب الاعتقاد: تعريف العقيدة: مأخوذ من العقد بمعنى الربط، والتوثق، والإثبات، ومنه اليقين والجزم. وتطلق كذلك على الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده.[2]، ويمكن أن نقول بأن هذه المعاني تدور في جملتها على معاني الشدة والقوة والثبات والصلاة والوثوق. وفي ذلك يقول ابن فارس[3]: «العين والقاف والدال» أصل واحد يدل على شدّ وشدّة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها[4]. ولم ترد كلمة العقيدة في القرآن الكريم ولا في السنة ولا في أمهات المعاجم ولا في الصدور الأول وإنما وردت مادتها في صيغ مختلفة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ï´¾[5]، وقوله تعالى: ï´؟ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ï´¾[6]، وقوله تعالى: ï´؟ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ï´¾[7]، وغير ذلك. وكلها تدور حول معنى التوثيق والربط والالتزام. والعقيدة في الدين: ما يُقْصَدُ به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعثة الرسل[8]، والجمع: عقائد. وخلاصته: ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به فهو عقيدة سواءً كانت حقاً، أو باطلاً. وفي الإصطلاح: هي الأمور التي يجب أن يصدِّق بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. وسميت العقيدة عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليه قلبه والعقيدة الإسلامية: هي الإيمان الجازم بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، وأصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم. أهمية العقيدة: ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾[9]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾[10]. والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد دلّ كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب، وجميع ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرةٌ جداً، فمن ذلك قول الله سبحانه: ï´؟ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ï´¾[11]، وقوله سبحانه: ï´؟ آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ï´¾[12]، وقوله سبحانه: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ï´¾[13]، وقوله سبحانه: ï´؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ï´¾[14]. وأما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرةٌ جداً، منها الحديث المشهور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه[15] أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال له: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ...»[16]. وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه تعالى، وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب. أركان العقيدة: أولاً: الإيمان بالله: ومن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ï´¾[17]، وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾[18]. وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا الحق والدعوة إليه والتحذير مما يضاده، كما قال سبحانه: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾[19]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ï´¾[20]. وقال عز وجل: ï´؟ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ï´¾[21]. وحقيقة هذه العبادة: هي إفراد الله سبحانه بجميع ما يعبد العباد به من دعاءٍ، وخوفٍ، ورجاءٍ، وصلاةٍ، وصومٍ، و***ٍ، ونذرٍ، وغير ذلك من أنواع العبادة، على وجه الخضوع له والرغبة، والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته، وغالب القرآن الكريم نزل في هذا الأصل العظيم، كقوله سبحانه: ï´؟ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ï´¾[22]، وقوله سبحانه: ï´؟ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ï´¾[23]، وقوله عز وجل: ï´؟ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ï´¾[24]، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا»[25]. ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وغير ذلك من الفرائض التي جاء بها الشرع المطهر، وأهم هذه الأركان وأعظمها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فشاهدة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ونفيها عما سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك، فكله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده، كما قال سبحانه: ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ï´¾[26]. وقد سبق بيان أن الله سبحانه خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به، وأرسل به رسله وأنزل به كتبه، فتأمل ذلك جيداً وتدبره كثيراً ليتضح لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع الله غيره، وصرفوا خالص حقه لسواه. ومن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان أنه خالق العالم ومدير شؤنهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة ورب العالمين جميعا لا خالق غيره، ولا رب سواه، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك، قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ï´¾[27]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ï´¾. ومن الإيمان بالله أيضا. الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف لله عز وجل يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ï´¾. وقال تعالى: ï´؟ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ï´¾[28]. يتبع |
#2
|
||||
|
||||
![]() أنواع المسؤولية في الإسلام
سجاد أحمد بن محمد أفضل ثانيا: الإيمان بالملائكة: وأما الإيمان بالملائكة فيتضمن الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته، ووصفهم بأنهم: ﴿ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾[29]، وهم أصناف كثيرة منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنة والنار، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم، كجبريل وميكائيل ومالك (خازن النار) وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وقد جاء ذكرهم في أحاديث صحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»[30]. ثالثاً: الإيمان بالكتب: يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه أنزل كتباً على أنبيائه ورسله، لبيان حقه والدعوة إليه، كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾[31]، وقال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾[32]. ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور (وأنها تمت تحريفها ثم نسخت بمجيء القرآن الكريم) والقرآن، والقرآن هو أفضلها وخاتمها، وهو المهيمن والمصدق لها، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه، وتحكيمه مع ما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم، وجعله شفاءً لما في الصدور، وتبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً للمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[33]، وقال سبحانه: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾[34] وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾[35]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. رابعاً: الإيمان بالرسل: وهكذا الرسل يجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فنؤمن أن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق، فمن أجابهم فاز بالسعادة، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾[36]، وقال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾[37]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾[38]. ومن سمى الله منهم أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميته آمنا به على سبيل التفصيل والتعيين، كنوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم صلى الله وسلم عليهم وعلى آلهم وأتباعهم. خامساً: الإيمان باليوم الآخر: وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وما يكون يوم القيامة من الأهوال، والشدائد، والصراط، والميزان، والحساب، والجزاء، ونشر الصحف بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره، ويدخل في ذلك أيضا الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالجنة والنار، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتكليمه إياهم، وغيرهم ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بذلك كله وتصديقه على الوجه الذي بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. سادساً: الإيمان بالقدر: وأما الإيمان بالقدر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة: أولها: أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون، وعلم أحوال عباده، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شؤونهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[39] وقال عز وجل: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾[40]. ثانيها: الإيمان بكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾[41]. وقال تعالى: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾[42] وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾[43]. ثالثها: الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾[44] وقال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾[45] وقال سبحانه: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾[46]. رابعها: الإيمان بخلقه سبحانه حيث لا خالق غيره ولا رب سواه، كما قال سبحانه: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾[47] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾[48]. فالإيمان بالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربعة عند أهل السنة والجماعة. 2. جانب السلوك: إن من أهم آثار الإيمان القلبي، والتصديق اليقيني بوحدانية الله تعالى ووجوده، أن ينعكس ذلك على سلوك الفرد ونتاج عمله. كما أن الإنسان إذا أعتقد شيئا يجد في نفسه التوقان إلى تطبيق ذلك في حياته العملية، وبهذا التطبيق الذي هو أثر من آثار الاعتقاد القلبي يرسخ هذا الاعتقاد حتى يغلب على مشاعر الإنسان. فشرع الله تعالى على الناس عبادات سلوكية عملية فيها صلاح لنفوسهم، واستقامة قلوبهم، مما يؤدي إلى سلوك الطريق الصحيح لشكر ربهم والقيام بما يبلغهم رضا ربهم ويكسبهم سعادة الآخرة. وفيها أيضا صلاح لأمرهم في اجتماعهم في هذه الحياة الدنيا مما يعينهم على إقامة دينهم ونشره بين الناس، ومما يكفل لهم العيش الحسن والسعادة الاجتماعية في هذه الدنيا. فشرع الله تعالى الصلاة سلوكا عمليا معبرا عن صدق الاعتقاد، والزكاة سلوكا عمليا لإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي والصوم لتربية النفس البشرية، والحج مؤتمرا جعلها لصلاح حال المسلمين. وجعلها الله تعالى فروضا وواجبات من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد ضل واتبع الهوى. وفيما يلي سأضرب بعض الأمثلة لهذه العبادات السلوكية بنوع من التفصيل. أولاً: الصلاة: الصلاة هي الركن الثاني بعد الشهادتين اللتين هما عنوان الإيمان القلبي، والإقرار به من أركان الإسلام معبرا عن صدق الاعتقاد، وسلوكا عمليا لمحبة الله تعالى، يتجه الإنسان إلى خالقه يناجيه في خضوع وخشوع ومحبة وخوف ورجاء، يلقي عن كاهله أدران الدنيا وحطامها ويسمو بروحه إلى عالم لخلود، فتصفو روحه وتسمو عن أزمات هذه الدنيا فينتهي من الصلاة وكأنما اغتسل من جميع أدرانه النفسية والروحية، فيقبل على الحياة العملية بقلب مطمئن، ونفس منشرحة متصل بالله تعالى في كل أموره، فتنعكس آثارها على سلوكه في الحياة اليومية فيبتعد عن فواحش الأمور، وتستقيم سريرته وعلانيته. وصدق الله تعالى حيث قال: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾[49]. وبتلك السعادة الروحية التي يجنيها الإنسان من صلاته، من استغفاره وطلبه ودعائه ومناجاته يبدأ عمله في جماعته فيكون عضوا صالحا في مجتمعه ولبنة من لبنات تقدمه وحضارته المستقيمة. فالصلاة الحقيقية في الإسلام تمد المؤمن بقوة روحية نفسية تعينه على متاعب الحياة ومصائب الدنيا، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾[50]. ثانيا: الزكاة: والزكاة هي العبادة المالية الاجتماعية معروفة إجماليا لكافة المسلمين، فهي تؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم، فلا تجب إلا على من يملك النصاب بشروطه، وهي طهرة للنفس والمال. يزكى بها الإنسان ماله وروحه، ويشكر بها نعمة ربه عليه، وفي هذا يقول القرآن ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[51]. ولهذا سميت "زكاة" لما توحي به هذه الكلمة من معاني الطهارة والنماء والبركة. ولهذا يطلب من المسلم أن يؤديها طيبة بها نفسه، داعيا ربه أن يتقبلها منه قائلا: «اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما». يتبع |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|