#1
|
||||
|
||||
![]() قراءة التاريخ ... لماذا ؟
أ. د. جمال عبدالهادي الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين . ماهو التاريخ ؟ التاريخ لغة هو الإعلام بالوقت ، واصطلاحا : اختلفت عبارات العلماء المسلمين في تحديد تعريف له ولعل ذلك راجع إلى سعة الموضوعات التي تدخل في مفهوم التاريخ. قال خليفة بن خياط "هذا كتاب التاريخ . وبالتاريخ عرف الناس أمر حجهم وصومهم وانقضاء عِدَدْ نسائهم ومَحِلّ ديونهم . وقال عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته : إن التاريخ - في ظاهره - لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى . تنمو فيها الأقوال ، وتضرب فيها الأمثال ، وتطرف بها الأندية إذا غّصها الاحتفال . وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال ، واتسع للدول فيها النطاق والمجال . وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال ، وحان منهم الزوال ، وفي باطنه نظرٌ وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق ، وعِلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق ، فهو لذلك أصيل في الحكمة وعريق ، وجدير بأن يعد في علومها وخليق . لقد نظر ابن خلدون إلى علل الحوادث وأسبابها ، وحاول اكتشاف السنن التي تنتظمها ، وأكد على بداية الحوادث وقيام الدول وتعليل سقوطها . كما عّرف المؤرخ الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي التاريخ بقوله : هو التعريف بالوقت الذي تُضبط به الأحوال ، من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة ، وعقل وبدن ، ورحلة وحج ، وحفظ وضبط ، وتوثيق وتجريح ، وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة من ظهور ملحمة ، وتجديد فرض وخليفة ووزير وغزوة وملحمة وحرب وفتح بلد ، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء وغير ذلك من أمور الأمم وأحوال القيامة ومقدماتها (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) . إلى أن قال : والحاصل أن التاريخ فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم" . وقال : "أما موضوعه فالإنسان والزمان" في العصر الحديث عّرف سيد قطب بغاية التاريخ فقال : التاريخ ليس هو الحوادث إنما هو تفسير هذه الحوادث ، واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها ، وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات ، متفاعلة الجزئيات ، ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان . فالحاصل كما يقول محمد بن صامل السلمي : إن التاريخ علم نظري إنساني ، يبحث فيه عن حوادث الزمان من حيث التعيين والتوقيت والتفسير والتعليل . ويشمل جانبين هما : 1. نقل الحدث بالرواية أو المشاهدة . 2. تعليل الحدث . والتاريخ فرع من فروع العلم ، وقد صنفه العلماء الذين كتبوا في مراتب العلوم ضمن العلوم التي تخدم الشريعة الإسلامية . قال سفيان الثوري : "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ." ولذلك اعتنى كبار المحدثين مثل البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وابن زرعة وأبي حاتم والترمذي بجوانب من علم التاريخ ، وصنفوا كتباً في ذلك . ما دام علم التاريخ بهذه المنزلة من عناية العلماء به ، وخدمته للشريعة الإسلامية فإنه ينبغي على دارسه أن يتحرى الإفادة منه ، وأن يتلقى تعليمه على منهاج سليم (المنهج الإسلامي للدراسات التاريخية). ولقد ازدادت أهمية التاريخ في العصر الحديث ، واستخدامه كأداة لتوجيه الشعوب وتربيتها ، كما استعان به أصحاب المذاهب الفكرية في فلسفة مذاهبهم وتأييدها ومحاولة إيجاد سند تاريخي لها . بل إن الإوروبيين ينظرون له نظرة تقديس وإجلال ، ويطلبون منه تفسير الوجود وتعليل النشأة الإنسانية . ولما كان المرء المسلم لا يطلب العلم إلا لغاية وهدف يخدم دينه وعقيدته ، فلا بد أن يحدد ما هي الأهداف والثمرة المرجوة من دراسة التاريخ . وهل يكون ذلك لمجرد المعرفة أو التسلية ، أو حفظ الحكايات والأخبار أو إشباع رغبة وغريزة حب الاستطلاع . إن دراسة التاريخ بوجه عام _ وتاريخ الأمة المسلمة على وجه الخصوص - لا ينبغي أن يكتفى في دراسته بتحقيق هذه الرغبات والحاجات القريبة ، لأنه علم أجلّ من أن ينظر له هذه النظرة . ثمرات دراسة التاريخ إن لدراسة التاريخ ثمرات وفوائد متعددة : 1. الأهداف التربوية (ولها تفصيل) . 2. معرفة السنن الربانية . وأنواع السنن : سنن خارقة وسنن جارية . نماذج من السنن الجارية : أ. سوء عاقبة المكذبين . ب. أن البشر يتحملون مسؤوليتهم في الرقي والانحطاط . ج. مداولة الأيام بين الناس . د. زوال الأمم بانتشار الترف والفساد . هـ . هلاك الأمم بتفشي الظلم وترك العدل . و. انهيار الأمم وزوالها له أجل . ز. استحقاق المؤمنين لنصر الله . ح. الابتلاء للمؤمنين سنة جارية (وللإنسان على وجه العموم كذلك) . ط. سنة التدافع أو الصراع بين الحق والباطل . 3. التعرف على معالم تاريخ الإنسانية ومنها : أ. معرفة تاريخ الأنبياء عليهم السلام (منهج الأنبياء في مواجهة تحديات العصر) . ب. التعرف على سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (منهجه في مواجهة تحديات العصر) . ج. التعرف على تاريخ الخلفاء الراشدين (منهجهم في مواجهة التحديات) . د. الاطلاع على سير العلماء والمجاهدين والمصلحين (دورهم في مواجهة التحديات) . هـ . التعرف على تاريخ دول الإسلام : الأموية والعباسية والعثمانية وعلاقتهم بالدول الأخرى وتاريخ الإنسانية . ز. معرفة أثر الإسلام في حياة البشرية . 4 . تأكيد جملة من الحقائق الهامة في حياة البشرية وهي : أ. أن توحيد الله عز وجل وإفراده وحده بالعبادة ، أول ما عرفت البشرية . ب. أن الإنسان مستخلف في هذا الكون لغاية . ج. أن الإنسان خلق خلقاً سوياً من أول لحظة . د. إن الإنسان بحاجة دائمة إلى من يذكره . هـ . أن الأمة المسلمة هي صاحبة الدور المؤثر في حياة البشرية . 5. ومن ثمرات دراسة التاريخ الصبر على المشاق . 6. لدراسة التاريخ قيمة مادية نفعية . 7. ويعطي حصانة ضد الخرافات والبدع . 8. ولدراسة التاريخ فضائل أخلاقية . 9. ودراسة التاريخ تساعد على فهم الحاضر . 10. وتمكن من معرفة القرون الفاضلة . والأدلة على ذلك كثيرة ، ولكن المقام قد لا يسمح بذلك ، ومع هذا لا بد من التفصيل في موضع آخر إن شاء الله |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|