#1
|
|||
|
|||
![]()
"الهجر" تلك الكلمة القاسية على قلوب المحبِّين؛ لأنه ما من مُحبٍّ إلا ويهفو لمجالسة مُحبِّه ومسامرته، والتنعُّم منه بقُرب الوصال والتلاقي، ففي ذلك - ولا شكَّ - الأُنس لنفسه، والفرح لقلبه، والسعادة لحياته كُلِّها، ولكن يأخذنا العجبُ عندما تنقلب المفاهيم لنجد مُحبًّا يهجر مُحبَّه، وينأى عنه، وتشغله عنه المشاغلُ رغم صِدْقه معه وإخلاصِه له.
* وهذه حالتنا مع كتابنا "القرآن"، فما من أحدٍ منَّا إلَّا ويحلف اليمين المغلَّظة بأن "القرآن" أحبُّ إليه من كلِّ محبوب، وأغلى على قلبه من كل غالٍ. * وفي هذا يطرح السؤال مستنكرًا: "إذًا ما تفسير هجره وإبعادِه من حياتنا وأيَّامنا وليالينا؟!"، * ولا نجد الجواب عند المعنيِّ بالسؤال! فلو ملكنا*الجوابَ، لهُدِينَا*إلى اصطحاب "القرآن" وملازمته وتلاوته آناءَ الليل وأطرافَ النهار، ولم نعش الحرمان من بركته وثوابه وهُداه. * أما السبب في تركه، فيعود لجهل قَدْرِه وعَظَمته وعطاياه. * وهكذا استوجبنا شكوى نبيِّنا عليه السلام لله*يوم القيامة حين يقول: ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، والشكوى لا تكون إلَّا من كربٍ وحزن، وأسًى وحسرة. * فواخجلتاه يا رسول الله! فما أشدَّ كربَنا! وأعمقَ حزنَنا! وأقسى حسرتَنا وأسانا! أن نكون يومًا شكواك، وأي يوم؟! إنه يوم القيامة، وما أدراك ما يوم القيامة! * ومِن ماذا؟! أمِنْ هجر "قرآننا... نورنا" الذي نزَّله علينا ﴿ اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[النور: 35]، فكنتَ لنا به ﴿ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46]. * إنه النور الربَّانيُّ الذي حجبناه عن أرواحِنا فأظلَمَتْ، وأطفأناه في*قلوبنا فقسَتْ، وغيَّبناه عن عقولنا فضلَّتْ، إنه الضياع في حياتنا كُلِّها*الذي تملَّكَنا بفقدانه، فمعذرةً يا رسول الله، معذرة يا مَنْ تقول يوم القيامة ((أُمَّتي))، في الحين الذي يقول فيه كلُّ فرد من أُمَّتِنا*"نفسي"؛ فما أحناكَ يا رسول الله! وما أرقَّكَ وأرقاكَ وأزكاكَ! * وإنَّ العين لَتَدمع، والقلب لَيَحزن، والفؤاد لَيَصدع؛ أن نهجر كتابنا وندَّعي حُبَّه، "هذا لعمري في القياس شنيع"! * فصدق سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما قال: "لو طهرتْ قلوبُكم، ما شبعَتْ من كلام الله عز وجل". أم محمد عياطي
__________________
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|