#1
|
||||
|
||||
![]() من أيام رمضان
في الدولة الغزنوية محمود ثروت أبو الفضل يمتلئ التاريخ الإسلامي على امتداد أيامه بكثير من الانتصارات والفتوحات والبطولات والأيام المشهودة، ويقع شهر رمضان في بؤرة تلك الأحداث والأيام التاريخية وعلى رأسها؛ حيث وقعت فيه العديد من تلك المشاهد.. وفي هذه الصفحات نواصل معكم مطالعة أحداث شهر رمضان على امتداد أيام ممالك ودول الخلافة الإسلامية الزاهرة. في هذه الحلقة نطالع معكم أحداث شهر رمضان في أيام الدولة الغزنوية، والتي حكمت ما يزيد على قرنين من الزمان (351 - 582 هـ / 962 - 1186 م)؛ حيث تقلد الأتراك مقاليد الأمور في خراسان بعد اعتماد السامانيين عليهم في صفوف الجيش، وبتقلد المناصب الكبيرة في "الدولة السامانية"، فعلاَ شأنُ الأتراك، وازداد نفوذهم، وقام "البتكين" الذى ولي منصب صاحب الحجابة للأمير "عبدالله بن نوح" الساماني بالتمرد على خلفه "منصور بن نوح"، وتوجه إلى "غزنة" واستولى عليها من حاكمها الساماني، وأسس بها إمارة مستقلة عن السامانيين، ثم جعلها مركز حكمه وعاصمة دولته المناهضة للدولة السامانية. وفي سنة 367هـ تولى سبكتكين السلطة في غزنة، واعترف بسيادة السامانيين وقدم لهم العون في حروبهم ضد أعدائهم، كما وجه اهتمامه إلى الدويلات الهندية في البنجاب، واستولى على عدد من القلاع على الحدود الهندية، وبذلك أرسى سبكتكين - هذا الحاكم السني القوي - قواعد واحدة من أكثر الإمبراطوريات دوامًا في مناطق الحدود الأفغانية الهندية، وهي الدولة الغزنوية.. وقد سادت أسرته من بعده لتسطر لنا أعظم الصفحات في تاريخ الفتوحات الإسلامية للهند. ويعد ابنه "محمود بن سبكتكين" من أعظم حكام الهند المسلمين الذين أذاقوا حكام الهند المجوس أمرَّ الهزائم؛ حيث بلغت الدولة الغزنوية في عهده أعظم اتساع لها، وقام بفتح معظم الولايات الهندية بدافع حب الجهاد والرغبة في مد سلطان الإسلام، وعندما توفي سنة 421هـ/ 1030م كانت إمبراطوريته تضم البنجاب وأقسامًا من السند ومجموعة من الولايات الهندية في وادي نهر الغانج التي اعترفت بسلطانه، إضافة إلى أفغانستان بما فيها غزنة وغور وسجستان وخراسان وفارس حتى ميديا (منطقة الجبال) وطخارستان، ومع ذلك كان يدين بالولاء للخلافة العباسية، ويوالي إرسال الهدايا للخليفة العباسي "القادر بالله"، الذي أنعم عليه بلقب يمين الدولة وأمين الملّة؛ تقديرًا لولائه. وسيرة السلطان "محمود بن سبكتكين" يحق لها أن تكتب بحروف من ذهب، فقد حكم محمود الممالك التي كانت تحت يديه بعدل وصلاح حال، وكان من بقية السلف الصالح، وهو شامة في التاريخ الإسلامي لم تحظ بالدراسة المتأنية لسيرة حياته الباهرة. وقد تعاقب حكام الدولة الغزنوية على حكم السند والهند وما جاورها من ممالك، وعانوا من النزاعات داخل البيت المالك إلى جانب محاربة السلاجقة لهم، الذين تعاظمت قوتهم حتى صاروا شوكة في حلق الغزنويين، ثم تحولوا إلى أكبر قوة في خراسان، وفي عهد خسرو ملك آخر حكام الدولة الغزنوية تضاءلت ممتلكاته شيئًا فشيئًا، حتى لم يبق للدولة الغزنوية من وجود، فقد استولى الغوريون على غزنة، ونجح أحد أفراد الأسرة الغورية - وهو شهاب الدين الغوري - في الاستيلاء على الملتان سنة 571هـ، وعلى بيشاور سنة 575هـ، ثم أجبر خسرو ملك سنة 583هـ على الاستسلام بعد أن حوصرت لاهور عاصمة البنجاب مرارًا، فأُخذ سجينًا ثم أُعدم مع أبنائه في أواخر سنة 585هـ/1190م، وانتهت بذلك سلالة سبكتكين، ولم يبق من هؤلاء الحكام العظام إلا ذكراهم التاريخية. وقد حكم الدولةَ الغزنوية 15 حاكمًا، مؤسس هذه السلالة سبكتكين من قادة السامانيين وولاتهم، اتخذ لنفسه لقب أمير، فلما كان عهد إبراهيم - وهو الحاكم الثاني عشر - اتخذ لنفسه لقب سلطان، وهو أول من اتخذ هذا اللقب، وقائمة حكامها على النحو التالي: رقم ومن جملة أحداثها الرمضانية:الحاكم الحياة الحكم 1 ناصر الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين 971-1030 998-1030 2 جلال الدولة محمد بن محمود ....-.... 1030-1030 3 شهاب الدولة مسعود بن محمود ....-.... 1030-1041 2-2 جلال الدولة محمد بن محمود ....-.... 1041-1041 4 مودود بن مسعود ....-.... 1041-1049 5 علي بن مودود ....-.... 1049-1049 6 بهاء الدولة علي بن مسعود ....-.... 1049-1050 7 عز الدولة عبدالرشيد بن محمود ....-.... 1050-1052 8 جمال الدولة فروخ زاده بن مسعود ....-.... 1052-1060 9 ظهير الدولة إبراهيم بن مسعود ....-. 1060-1099 10 مسعود بن إبراهيم ....-.... 1099-1115 11 شير زاده بن مسعود ....-.... 1115-1115 12 أرسلان شاه بن مسعود ....-.... 1115-1118 13 بهرام شاه بن مسعود ....-.... 1118-1152 14 خسرو شاه بن مسعود ....-.... 1152-1156 15 خسرو ملك بن خسرو ....-.... 1156-1186 فتح سومنات في الهند (رمضان 416 هـ): في سنة ست عشرة وأربعمائة هجرية (1025 م) قرر السلطان محمود الغزنوي التجهز للتوسع في غزو بلاد الهند، ففتح محمود الكثير من الولايات الهندية والحصون والمدن، وكان لأهل الهند صنم يعظمونه أشد التعظيم، ويقدمون له من القرابين ما لا يقدم لصنم غيره، وكان كلما فتح من الهند فتحًا، وكسر صنمًا يقول الهنود: إن هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات، ولو أنه راضٍ عنها لأهلَك من تقصدها بسوء، فلما بلغ ذلك السلطان محمودًا عزم على غزوه وإهلاكه؛ ظنًّا منه أن الهنود إذا فقدوه، ورأوا كذب ادعائهم الباطل، دخلوا في الإسلام، فاستخار الله تعالى وسار عن غزنة عاشر شعبان، في ثلاثين ألف فارس من عساكره سوى المتطوعة، وسلك سبيل الملتان، فوصلها منتصف شهر رمضان، وقصد أنهلوارة، فرأى صاحبها المدعو بهيم قد أجفل عنها وتركها، وأمعن في الهرب وقصد حصنًا له يحتمي به، فاستولى على المدينة، وسار إلى سومنات، فلقي في طريقه عدة حصون ففتحها وخربها، وكسر أصنامها، وسار إلى سومنات في مفازة قليلة الماء، فوصلها يوم الخميس منتصف ذي القعدة، فرأى حصنًا حصينًا مبنيًّا على ساحل البحر بحيث تبلغه أمواجه، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين، واثقين أن معبودهم يقطع دابرهم ويهلكهم، فلما كان من الغد، وهو يوم الجمعة، زحف وقاتل من به، فرأى الهنود من المسلمين قتالًا لم يعهدوا مثله، ففارقوا السور، فنصب المسلمون عليه السلالم، وصعدوا إليه، فحينئذٍ اشتد القتال، وعظم الخطب وتقدم جماعة الهنود إلى سومنات، يسألونه النصر، ولما كان الغد بكر المسلمون إليهم وقاتلوهم، فأكثروا في الهنود ال***، وأجلوهم عن المدينة إلى بيت صنمهم سومنات، فقاتلوا على بابه أشد قتال، وكان الفريق منهم بعد الفريق يدخلون إلى سومنات فيعتنقونه ويبكون، ويتضرعون إليه، ويخرجون فيقاتلون إلى أن ي***وا، حتى كاد الفناء يستوعبهم، فبقي منهم القليل، فدخلوا البحر إلى مركبين لهم لينجوا فيهما، فأدركهم المسلمون ف***وا بعضًا وغرق بعض، ثم دخل السلطان محمود إلى بيت سومنات فكسره، وأحرق بعضه، وأخذ بعضه معه إلى غزنة، فجعله عتبة الجامع، ثم إن يمين الدولة ورد عليه الخبر أن بهيم صاحب أنهلوارة قد قصد قلعة تسمى كندهة في البحر، بينها وبين البر من جهة سومنات أربعون فرسخًا، فسار إليها يمين الدولة من سومنات، وخاض البحر هو ومن معه، فخرجوا سالمين، فرأوا بهيم وقد فارق قلعته وأخلاها فعاد عنها، وقصد المنصورة، وكان صاحبها قد ارتد عن الإسلام، فلما بلغه خبر مجيء يمين الدولة فارقها واحتمى بأشبة، فقصده يمين الدولة من موضعين، فأحاط به وبمن معه، ف*** أكثرهم، وغرق منهم كثير، ولم ينج منهم إلا القليل، ثم سار إلى بهاطية، فأطاعه أهلها، ودانوا له، فرحل إلى غزنة، فوصلها عاشر صفر من سنة سبع عشرة وأربعمائة. وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا أموالاً جزيلة للملك محمود بن سبكتكين ليترك لهم هذا الصنم الأعظم، فأشار من أشار من الأمراء بقبول تلك الأموال الجزيلة، فقال: حتى أستخير الله تعالى، فلما أصبح قال: إني فكرت في الأمر فرأيت إذا نوديت يوم القيامة، فيقال: أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إلي من أن يقال: أين محمود الذي ترك الصنم؟ ثم عزم فكسره، فوجد عليه وفيه من الذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه بأضعاف مضاعفة، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة محمود بن سبكتكين: ".. واستولى على إقليم خراسان، ونفذ إليه القادر بالله خلع السلطنة، ففرض على نفسه كل سنة غزو الهند، فافتتح بلادًا شاسعة، وكسر الصنم سومنات؛ الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيي ويميت ويحجونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفَا نفس، ومائة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفًا، فيسر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى محمود على أموال لا تحصى" [سير أعلام النبلاء ط الرسالة (17/ 485)]. غنم الغزنوي من هذا الفتح أموالًا عظيمة، قُدرت بنحو عشرين مليون دينار، وعاد إلى غزنة سنة (417هـ=1026م)، وظلت ذكرى هدم معبد سومنات عالقة في ذاكرة الهندوس لم يمحها كرُّ السنين، ولم تغيرها الأحول، حتى إذا ما ظفرت الهند باستقلالها، عمدت إلى بناء هذا المعبد من جديد في احتفال مهيب. تغلب مسعود بن محمود بن سبكتكين على أخيه محمد (رمضان 421 هـ): لما توفي يمين الدولة السلطان محمود بن سبكتكين، وكان قد عهد بالحكم لابنه محمد دون مسعود، وكان ابنه مسعود بأصبهان، فلما بلغه الخبر سار إلى خراسان، واستخلف بأصبهان بعض أصحابه، فحين فارقها ثار أهلها بالوالي عليهم ف***وه و***وا من معه من الجند، وأتى مسعودًا الخبرُ، فعاد إليها، وحصرها، وفتحها عنوة، و*** فيها فأكثر، ونهب الأموال، واستخلف فيها آخر، وكتب إلى أخيه محمد يعلمه بذلك، وأنه لا يريد من البلاد التي وصى له أبوه بها شيئًا، وأنه يكتفي بما فتحه من بلاد طبرستان، وبلد الجبل، وأصبهان، وغيرها، ويطلب منه الموافقة، وأن يقدمه في الخطبة على نفسه، فأجابه محمد جواب مغالط، وكان مسعود قد وصل إلى الري، فأحسن إلى أهلها، وسار منها إلى نيسابور ففعل مثل ذلك، وأما محمد، فإنه أخذ على عسكره العهود والمواثيق على المناصحة له، والشد منه، وسار في عساكره إلى أخيه مسعود محاربًا له، وكان بعض عساكره يميل إلى أخيه مسعود لكبره وشجاعته، ولأنه قد اعتاد التقدم على الجيوش، وفتح البلاد، وبعضها يخافه لقوة نفسه، وكان محمد قد جعل مقدم جيشه عمه يوسف بن سبكتكين، وكان من أعيان أصحاب أبيه محمود من يشير عليه بموافقة أخيه وترك مخالفته، فلم يصغ إلى قوله، وسار فوصل إلى تكناباذ أول يوم رمضان، وأقام إلى العيد، فعيد هناك، فلما كان ليلة الثلاثاء، ثالث شوال، ثار به جنده، فأخذوه وقيدوه وحبسوه، وكان مشغولًا بالشراب واللعب عن تدبير المملكة، والنظر في أحوال الجند والرعايا، فلما قبضوا عليه نادوا بشعار أخيه مسعود، ورفعوا محمدًا إلى قلعة تكناباذ، وكتبوا إلى مسعود بالحال، فكان اجتماع الملك له واتفاق الكلمة عليه في ذي القعدة، وكان وصول مسعود إلى غزنة ثامن جمادى الآخرة من سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، فلما وصل إليها وثبت ملكه بها، أتته رسل الملوك من سائر الأقطار إلى بابه، واجتمع له ملك خراسان، وغزنة، وبلاد الهند والسند، وسجستان، وكرمان، ومكران، والري، وأصبهان، وبلد الجبل، وغير ذلك. وقام مسعود بن محمود بن سبكتكين بالتصدق بألف ألف درهم، وأجرى أرزاقًا للفقهاء والعلماء ببلاده، على عادة أبيه من قبله، وفتح بلدانًا كثيرة، في وثبته تلك. انتصار السلاجقة على جيش الدولة الغزنوية في معركة دندانكان (رمضان 431 هـ): كان السلاجقة شوكة في حلق الدولة الغزنوية، واستغلوا فرصة موت السلطان "محمود بن سبكتكين" القوي، وتنازُع ولديه مسعود ومحمود من بعده على الحكم، وقاموا بالتحرش بالغزنويين، واستولوا على نيسابور عام 429 هجرية، حيث اندفعوا بقيادة زعيمهم طغرل بك السلجوقي نحو نيسابور، التي دخلها وأعلن نفسه سلطانًا على السلاجقة، وجلس على عرش السلطان مسعود الغزنوي في السنة نفسها؛ نتيجة ذلك قرر مسعود بن محمود الزحف بجيوشه نحو خراسان واشتبك مع السلاجقة بمعركة حاسمة في مكان يعرف باسم دَنَدانقان، انتهت بهزيمة الغزنويين، وكان ذلك في رمضان عام 431هـ، ولم يلبث السلطان مسعود أن لقي مصرعه عام 432هـ، فخلفه ابنه مودود، وقد أصبح السلاجقة بعد معركة دَنَدانقان أكبر قوة في خراسان في حين كان الغزنويون قد ضعفوا بعد أن فقدوا غالبية جيوشهم، وخسروا العديد من ممتلكاتهم، وطاردت القوات السلجوقية القوات الغزنوية المنهزمة حتى شواطئ نهر جيحون بهدف قسرهم على الهرب إلى ما وراء النهر؛ حتى يقدموا برهانًا ملموسًا على النصر. يقول د. علي محمد محمد الصَّلاَّبي عن أثر هذه المعركة في مؤلفه "دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي": وقد وضعت معركة دندانقان حدًّا نهائيًّا لحكم الغزنويين في خراسان، ونصب طغرل بك التخت في مكان المعركة وجلس عليه، وجاء الأعيان يسلِّمون عليه بإمارة خراسان. وأتاحت المعركة قيام سلطنة إسلامية جديدة، وانحسار ظل واحدة، كما تُعدُّ إحدى المعارك الكبرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي، بل إن نتائجها تعدت العالم الإسلامي وأثرت على عالم العصور الوسطى. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|