خطيئة حسن نصر الله
عندما أعلنت السلطات الأمنية المصرية نبأ القبض على خلية تابعة لتنظيم حزب الله اللبناني في مصر، وتقوم هذه الخلية بحشد الأعضاء، وجمع السلاح، ورصد أماكن حيوية في سيناء وقناة السويس، ومناطق أخرى، كما ترصد حركات بعض الشخصيات الهامة، و تروّج للمذهب الشيعي في مصر- انتفض كثير من "المناضلين" في القاهرة وعواصم عربية أخرى يتهمون الجهاز الأمني المصري بأنه افتعل هذه "القصة" لتصفية حسابات سياسية مع تنظيم حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله، كما زاد بعضهم بالاتهام الصريح بتلفيق القضية كلها وصناعتها من الوهم، ثم زاد آخرون بأن طلبوا من السلطات المصرية أن تعتذر عما حدث، وأن تفرج "فوراً" عن المقبوض عليهم من المتهمين "المزعومين" الأبرياء!!
مع الأسف كان من بين هؤلاء قيادات أحزاب مصرية معارضة وكتاب ورؤساء تحرير صحف ومثقفين وغيرهم، الأمر الذي يكشف إلى أي مدى وصل الاختراق إلى عقل النخبة المصرية، وخاصة تلك التي تتصل بالملف اللبناني والإيراني، ثم انتظر الناس الكلمة التي أعلن عنها تنظيم حزب الله لأمينه العام، والتي أكد فيها على أنه سوف يكشف الحقائق كلها حول هذه المسألة، ويردّ على "النظام المصري"، وفي كلمته الحاسمة التي نقلتها الفضائيات العربية أكد حسن نصر الله على "صدق" البيان الرسمي المصري، وأعاد ـ في حقيقة الأمر ـ الاعتبار إلى المؤسسة الأمنية المصرية من جهة أنه نفى عنها "تلفيق" القضية، واختراعها، وردّ ـ نيابة عنها ـ على "المناضلين" الذين نفوا القضية، واتهموا النظام السياسي المصري بأنه افتعلها لتصفية الحسابات السياسية مع التنظيم وأمينه العام.
حسن نصر الله أكّد في كلمته على أن هناك بالفعل خلية لحزب الله في مصر، وأنه هو شخصياً الذي أمر بتشكيلها ودعمها وزرعها في مصر، ولا يعنينا في شيء بعد ذلك كل ما قاله من محاولات تفسير "نواياه" من تلك العملية الخطيرة؛ لأن النوايا لا يمكن الحكم عليها وفق النظم ورصد الواقع، وإنما الناس تحكم على الواقعة الفعلية بمفرداتها وشبكاتها العملية.
حسن نصر الله حاول تفسير "الجريمة" بأنها محاولة لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة، وأن السلاح الذي يتم جمعه إنما هو لدعم المقاومة وتعزيز قدراتها، ولكنه بطبيعة الحال لم يفسر لنا أسباب رصد الأماكن الحساسة في قناة السويس وفي سيناء وفي القاهرة، كما أنه لم يفسر لنا أسباب عمليات الترويج للمذهب الشيعي التي كانت تقوم بها الخلية التي تم القبض عليها، كما أنه ـ بهذا المنطق الجديد ـ يريد أن يقول بأن "ذراعه" طويلة، وأن نفوذه يمتد من المحيط إلى الخليج، وأنه يستبيح الكرامة الوطنية والسيادة لأي دولة عربية وأمنها السياسي والاجتماعي تحت ذريعة دعم المقاومة، وهي نفس الذريعة التي كدس بها السلاح في لبنان، وادّعى أنه سلاح يعده لصدور العدو، ولن يُوجَّه في أي يوم إلى صدور اللبنانيين، قبل أن يفاجَأ العالم بسلاح حزب الله يحصد أرواح خصومه من أهل السنة في بيروت، وينتهك حرمات البيوت، ويدمر المؤسسات الإعلامية والمتاجر وغيرها.
خطاب حسن نصر الله يعني أنه يعتبر جميع الدول العربية فضاءً أمنياً وتنظيمياً له ولحزبه يفعل فيه ما يشاء وقتما يشاء، وبالطريقة التي يشاء، تحت ذريعة دعم المقاومة، ومن الطبيعي أن يتم تفعيل هذه الخلايا وتوجيهها بعد ذلك للقيام بعمليات تخريب أو اغتيال أو تدمير محسوبة سياسياً في الدولة المخترقة، وسوف يتم تفسير الأمر يومها أيضاً بأنه أعمال قتالية لدعم المقاومة وتخفيف الضغط عليها، وهذا كله فوضى لا تحمل أي منطق، فضلاً عن المصداقية التي انكشفت أثناء العدوان الأخير على غزة، حيث لم يسمع أحد شيئاً عن السلاح الذي كدّسه حزب الله في لبنان، ولم تُطلَق طلقة بارود واحدة تجاه "العدو"، بل إنه حينما أطلق بعض النشطاء الفلسطينيين صواريخ بدائية على إسرائيل سارع قادة تنظيم حزب الله إلى نفي مسؤوليتهم والبراءة من هذا "العمل".
حسن نصر الله أراد من خطابه أن "يركب" موجة دعم المقاومة، وأن يتاجر بالقضية التي كشف عنها الجهاز الأمني المصري، فباع رجاله في مصر من أجل تحقيق ربح إعلامي تصور أنه يحصل عليه باعترافاته، ولكنه في الحقيقة كان يعترف بارتكابه هو نفسه خطيئة في حق مصر الدولة والشعب، قبل أن تكون في حق النظام السياسي؛ لأنه لا يوجد ولن يوجد الشعب أو الدولة أو النظام السياسي الذي يبيح لأي تنظيم مسلح أن يستبيح أرضه ومقدراته وسلامه الاجتماعي تحت أي ذريعة كانت.
|