اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-12-2009, 03:28 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي عقيدة أبي الحسن الأشعري

دكتور محمود عبد الرازق الرضواني - استاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة

عقيدة أبي الحسن الأشعري

المحاضرة الأولي
الحمد لله الذي من تواضع له رفعه ، ومن تكبر عليه أذله ووضعه ، ومن أخلص واتبع نجاه عمله ونفعه ، أحمده حمد من أحسن الله إليه ، وأشكره بشكر من أنعم الله عليه ، وأسأله الأمن يوم الوقوف بين يديه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الأول بلا بداية ، والآخر بلا نهاية ، والذي له في كل شيء آية ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي أرسله للكافة بآياته ، وأيده بخوارق عاداته ومعجزاته ، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته ، وصلى الله عليه كما ذكر ربنا فقال : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (الأحزاب:56) فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين ، أما بعد ..
ففي خضم المعمعة الفكرية ، بين فرق المشبهة والفرق الاعتزالية ، التي أعقبت عصر السلف الصالح ، ولد الإمام أبو الحسن الأشعري ، الذي تنسب إليه فرقة الأشعرية ، واسمه علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري ، مات أبوه إسماعيل بن إسحاق الأشعري ، فنشأ بالبصرة يتيما ، وتزوجت أمه رجلا من شيوخ الضلال الاعتزالي ، يقال له أبو علي الجبائي ، فتربى في حجره ، وتعلم من فنه ، وبرع في فهم الواقع الفكري ، وكان واقع المسلمين الفكري ، واقعا ملوثا كما وصفناه في البدعة الكبرى ، فقد وجد أبو الحسن الأشعري ، ساحة من الفكر الاعتزالي ، أخذ ينظر فيها ويقيمها ، ويجمع أقوال الضالين ويدققها ، حتى ألف في ذلك كتابا كبيرا سماه مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، ووصل إلى نتيجة مقنعة بين فيها بصورة واضحة ، أن الأدلة العقلية تكافأت عنده في العقائد الغيبية ، ولم يترجح عنده شيء من الآراء الاعتزالية ، بل وجدها آراء سقيمة ، واعتقادات جاهلية عقيمة .
وقد ذكر أبو الحسن الأشعري ، أنه كان نائما في ليلة من شهر رمضان ، فرأي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال له : يا على انصر المذاهب المروية عنى فإنها الحق ، فلما استيقظ دخل عليه أمر عظيم ، ولم يزل مفكرا مهموما حزين ، ما المقصود بهذه الرؤية وما المراد منها ؟ ثم بعد أيام رأي النبي في المنام مرة ثانية ، فقال له : يا على ما فعلت فيما أمرتك به ؟ فقال أبو الحسن الأشعري : يا رسول الله ، وما عسى أن أفعل ، وقد خرجت مذاهب الفقه المروية عنك على محامل صحيحة ، فقال لي : انصر المذاهب المروية عنى فإنها الحق ، فاستيقظ وهو شديد الأسف والحزن ، وعلم أن النبي يقصد نصرته في باب العقيد ، والدفاع عما ورد في الكتاب والسنة ، فأجمع على عدم الخوض في تتبع الآراء الكلامية ، والنظر في الطريقة السلفية ، وأن يكثر من تلاوة الآيات القرآنية ، ويلم بالأحاديث النبوية في سائر الأمور الاعتقادية ، يقول أبو الحسن الأشعري : فلما كانت ليلة سبع وعشرين ، وكان من عادتي أن أسهر في تلك الليلة أخذني من النعاس ما لم أتمالك معه السهر ، فنمت وأنا أتأسف على ترك القيام ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثالثة فقال لي : يا على ما صنعت فيما أمرتك به ؟ فقالت : يا رسول الله قد تركت الكلام والمتكلمين ، ولزمت كتاب الله وسنتك ، فقال لي : أنا أمرتك بنصرة المذاهب المروية عنى فإنها الحق ، قال فقلت يا رسول الله : كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت دلائله منذ ثلاثين سنة لرؤيا رأيتها ، فقال لي : إن الله سيعينك ويمدك بمدد من عنده ، فاستيقظت وقلت في نفسي : وماذا بعد الحق إلا الضلال ، وأخذ في نصرة الآيات والأحاديث التي وردت في إثبات علو الله على خلقة ورؤية المؤمن لربه ، وأنواع الشفاعة بعد الممات وإثبات سائر الصفات ، وفتح الله عليه من الأدلة والبراهين ، بما لم يسمعه أحد من المعاصرين .
وروى أنا أبا الحسن الأشعري أنه أقام على المذهب الاعتزالي أربعين سنة ، بحكم تربيته في حجر أبى على الجبائى ، فلما شرح الله صدره لاتباع المذهب السلفي ، غاب عن الناس في بيته أسبوعين ، ثم خرج إلى المسجد الجامع ، وصعد المنبر وقال : معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة ، لأني نظرت فاستهديت الله تعالى ، فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتابي هذا – كتاب الإبانة عن أصول الديانة - وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده ، كما انخلعت من ثوبي هذا ، وخلع ثوبا كان عليه ورمى به .
يقول ابن كثير رحمه الله : ذكروا للشيخ أبي الحسن الشعري ثلاثة أحوال : أولها : حال الاعتزال ، وقد رجع عنها بلا شك ، الحال الثاني : إثبات الصفات العقلية السبعة ، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وتأويل الخبرية كالوجه والقدم والساق ونحو ذلك وهذا ما عليه الأشعرية اليوم ، الحال الثالث : إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه التزاما بطريقة السلف ، وهي طريقته في كتابه الإبانة عن أصول الديانة التي صنفها في آخر أيامه .
وقد ذكر البيهقى في ترجمة أبى الحسن الأشعري أنه لم يحدث في دين الله حدثا ، ولم يأت فيه ببدعة ، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين والأئمةِ من بعدهم في أصول الدين فنصرها ، وأيدها بزيادة شرح وتبيين ، وأن ما قالوا وجاء به الشرع في الأصول صحيح في العقول ، بخلاف ما زعم أهل الأهواء ، أن بعضه لا يستقيم في الآراء ، فكان يعمل في بيانه وثبوته ، ونصرة أقاويل من مضى من الأئمة ، كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة ، والأوزاعى وغيره من أهل الشام ، ومالك والشافعي من أهل الحرمين ، ومن نحا نحوهما من أهل الحجاز ، وغيرها من سائر البلاد ، وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث ، والليث بن سعد وغيره ، وأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، وأبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى ، إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع .
وحين كثرت المبتدعة في هذه الأمة ، وتركوا ظاهر الكتاب والسنة ، وأنكروا ما ورد من صفات الله تعالى ، وجحدوا المعراج وعذاب القبر والميزان ، وأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأن أهل الإيمان يخرجون من النيران ، وما لنبينا من الحوض والشفاعة ، وما لأهل الحنة من الرؤية ، وأن الخلفاء الأربعة كانوا محقين فيما قاموا به من الولاية ، وزعموا أن شيئا من ذلك لا يستقيم على العقل ، ولا يصح على الرأي ، أخرج الله من نسل أبى موسى الأشعري رضي الله عنه إماما ، قام بنصرة دين الله ، وجاهد بلسانه وبيانه ، كل من صد عن سبيل الله ، وزاد في التبيين لأهل اليقين ، أن ما جاء به الكتاب والسنة ، وما كان عليه سلف هذه الأمة ، أمر مستقيم على العقول الصحيحة .
قال أحد أصحاب أبى الحسن الأشعري : حضرت معه مجلسا في جماعة من المبتدعة ، فقام فيه لله مقاما حسنا ، وكسر حجتهم ، فلما خرج قلت له : جزاك الله خيرا ، قال : وما ذاك ؟ قلت : لمقامك هذا لله تعالى ونصرة دينه ، فقال : يا أخي إنا ابتلينا بأمراء سوء ، أظهروا بدع المخالفين ونصروها ، فوجب علينا القيام لله ، والذب عن دينه حسب الطاقة ، فمسألة من معرفة ربك ، وما تطيعه به وتتقرب به إليه أجدى من هذا .
وهنا قضية هامة في بيان مذهب الأشعري والفرق بينه وبين المنتسبين إليه من الأشعرية ، من بعده حتى عصرنا الحالي ، هذه القضية تكشف لنا طامة كبرى ، وبلوة عظمى ، وقع فيها أغلب الدارسين للعقيدة من المسلمين ، فما هي القضية التي نرغب في بيانها وتحديد أركانها ؟
القضية أن الأشعري نصر ما كان عليه السلف ودافع عن مذهبهم وحارب البدعة بالعقل ، أو استخدم عقله وخبرته في علم الكلام لنصرة النصوص وإثباتها ، أما الأشعرية فقالوا نصالح أو نوفق أو نقرب بين السلف والمعتزلة ، فأخذوا منهج المعتزلة في تقرير أصول الدين وعقيدة المسلمين بالمنهج العقلي ، ثم نظروا به إلى نصوص الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوه وما خالفها عطلوه ، فأظهروا لنا منهجا مسخا مشوها ، أشد تعقيدا من مذهب المعتزلة .
فعلى بن إسماعيل الأشعري أو الإمام أبو الحسن الأشعري ، كان دائما كان ينقض المعتزلة ليثبت السنة ، ولم يكن ينقض المعتزلة ليعدل رؤيتهم ممتطيا طريقتهم ، دخل رجل على الجبائى فقال : هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلا ؟ فقال الجبائى : لا لأن العقل مشتق من العقال ، والعقال هو المانع ، والمنع في حق الله محال ، فامتنع إطلاق العقل على الله ، قال أبو الحسن الأشعري فقلت له : فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما ، لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهى الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه : فنحكم بالقوافي من هجانا - ونضرب حين تختلط الدماء ، وقول الآخر : أبنى حنيفة حكموا سفهاءكم - إني أخاف عليكم أن أغضبا ، أي نمنع بالقوافي من هجانا وامنعوا سفهاءكم ، فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع والمنع على الله محال لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه سبحانه وتعالى ، قال فلم يجد جوابا إلا أنه قال لي : فلم منعت أنت أن يسمى الله سبحانه عاقلا ، وأجزت أن يسمى حكيما قال فقلت له : لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي ، فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه ، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه ، ولو أطلقه الشرع لأطلقته .
ويا ليت الأشعرية يتبعون نهج الأشعري ، الأشعرية يثبتون سبع صفات نفسية أو معنوية ، ويعطلون أو يأولون بغير دليل باقي الصفات الخبرية ، فإذا قيل لهم : لم أثبتم قدرته وإرادته وعلمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره مع أنها وردت في الكتاب والسنة ، ونفيتم عنه صفة المحبة والرضى والغضب والاستواء والعلو والمجئ وسائر الصفات الخبرية ، مع أنها أيضا وردت في الكتاب والسنة ؟ قالوا : لأن الصفات التي أثبتناها لا تدل على التشبيه ، أما الصفات التي نفيناها تدل على التشبيه ، فيقال لهم : العقلاء لا يقرون هذا ، فالقول في الصفات كالقول في بعض ، فإما أن تقولوا بالتمثيل الباطل في الذات وجميع الصفات كما فعلت الممثلة وقالت : إرادة الله مثل إرادة المخلوق ، ومحبته ورضاه وغضبه واستواءه وعلوه وسائر الصفات الخبرية مثل أوصاف المخلوق ومعلوم أن هذا كذب على الله وقياس باطل محرم ، وإما أن تقولوا كما قال أهل التوحيد : إرادة الله تليق به ، وإرادة المخلوق تليق به ، والله ليس كمثله شيء في إرادته ومحبته ورضاه وغضبه واستواءه وعلوه وسائر الصفات الثابتة في الكتاب والسنة كما هو اعتقاد أهل الحق ، ونحن أثبتنا الصفات لأن الشرع أثبتها .
أما أن يأتي صاحب المذهب الأشعري بحجج عقلية سقيمة ، ينفي بها ما يشاء ويثبت من صفات الله تعالى ، فالعقل لن يسأم من مقارعة الحجة بالحجة ، فإن قال : نفيت الغضب لأنه غليان دم القلب لطلب الانتقام ، وهذا لا يجوز على الخالق سبحانه وتعالى ، قيل له : والإرادة التي أثبتها ميل القلب إلى جلب منفعة أو دفع مضرة ، وهذا لا يجوز على الخالق سبحانه وتعالى ، فإن قال : هذه إرادة المخلوق أما إرادة الخالق فليست كذلك ، قيل له : وهذا الغضب الذي وصفته غضب المخلوق ، أما غضب الخالق فليس كذلك ، وهذا لازم في كل صفة أثبتها أو نفاها فالقول في الصفات كالقول في بعض .
إذا هناك فرق كبير بين الأشعري والمذهب الأشعري ، فالأشعرى لم يترك مذهبا عقليا متكاملا ، فيه ما يجب وما يجوز من الصفات الله ، أو ما يمنعونه أو يحيلونه على الله ، لم يترك الأشعري مذهبا عقليا متكاملا مؤصلا ، كما هو موجود في جوهرة التوحيد ، أو تحفة المريد في شرح جوهرة التوحيد ، كما هو الحال عند الأشعرية ، وكل ما تركه اجتهادات في إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، أما الأشعرية بعد وفاة أبو الحسن الأشعري ، فأئمة مذهبهم الذين وضعوا أصوله وأركانه ، طوروا مذهبا جديدا هجينا نسبوه لأبى الحسن الأشعري وهو منه ومنهم براء ، لكن هذا المذهب الجديد تعددت فيه اجتهاداتهم ومناهجهم في تكوين عقائده ، وما ذلك إلا لأن المذهب لم يبن في البداية على منهج مؤصل ، أو كلام واضح في أصوله الاعتقادية ، ولا كيفية التعامل مع النصوص الإلهية بل اتفق موقفهم على استخدام علم الكلام والأصول العقلية للتوفيق بين عقيدة المعتزلة و عقيدة السلف ، فبدا مذهبهم مذهبا مسخا ، مترهلا هشا ، يعبر عن معتزلة جدد هيمنوا على العالم الإسلامي من وقتها إلى الآن ، يستحسنون الفلسفة والتصوف .
ومن أبرز أئمة المذهب ، القاضي أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب بن محمد: (402هـ) وهو من كبار علماء الكلام وأبو إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي : (476هـ ) ، وأبو حامد الغزالي الصوفي : (505هـ) وأبو إسحاق الإسفراييني : ( ت418هـ) وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني : (478هـ ) ، وأبو القاسم القشيرى صاحب الرسالة القشيرية ، ومن أشدهم وأخطرهم الإمام فخر الدين الرازي ( 606هـ) وهو أبو عبد الله محمد بن عمر الطبرستاني الرازي الملقب فخر الدين المعروف بابن الخطيب ، كان فقيها شافعيا قال عنه صاحب وفيات الأعيان : ( إنه فريد عصره ونسيج وحده ، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات ) وهو المعبر عن المذهب الأشعري في مرحلته الأخيرة ، والموجودة الآن في البلاد الإسلامية ، والمقررة على طلاب المعاهد والجامعات الأزهرية ، في مصر وغيرها من البلاد الإسلامية ، حيث خلط الكلام بالفلسفة ، وقدم عقول اليونان على ما ورد في القرآن ، قال فيه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان :
( كان له تشكيكات على السنة على غاية من الوهن ) فمصدر التلقي عند الأشاعرة ليس مبدأه الكتاب والسنة كما هو الحال عن الأشعري وعلماء السلف ، بل أساسه قواعد علم الكلام ولذلك ، فإنهم يقدمون العقل على النقل عند التعارض ، صرح بذلك الرازي في كتابه أساس التقديس ، والآمدي وابن فورك والغزالي والجويني وغيرهم ، كما أنهم لا يحتجون بأحاديث الآحاد التي ثبتت في الصحاح لأنها عندهم لا تفيد العلم اليقيني في العقيدة ، ولا مانع عندهم من الاحتجاج بها في الصلاة وبقية الأحكام ، أو فيما لا يعارض قوانين علم الكلام ، أما الأحاديث المتواترة عندهم فيجب تأويلها بأي وسيلة مقبولة أو غير مقبولة ، ولا يخفي مخالفة هذا لما كان عليه السلف الصالح ، أصحاب القرون الفاضلة ، ومن سار على دربهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسل فرادى ، يبلغون الإسلام أحادى ، كما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن ، روى الإمام الترمذي ، وصححه الشيخ الألباني ، من حديث زَيْد بْن ثَابِتٍ ، رضي الله عنه ، أن رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ ، قال : ( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً ، سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا ، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ ، إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ) ، وروى الإمام أبو داود ، وصححه الشيخ الألباني ، من حديث عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه ، أن رَسُول اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ قال :
( تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ ) ، وفي حديث تحويل القبلة 818 الذي رواه مسلم من حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ صَليْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ التِي فِي البَقَرَةِ ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ ) ، فَنَزَلَتْ بَعْدَمَا صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَحَدَّثَهُمْ فَوَلوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ البَيْتِ ، وفي رواية : ( وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الفَجْرِ وَقَدْ صَلوْا رَكْعَةً فَنَادَى أَلا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ القِبْلَةِ) ، ورواه أيضا من حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ : بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الليْلَةَ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ .
فجميعهم صدقوا بخبر الواحد ولم يكذبوه ، يقول أبو طاب المكي في : ( فإنا قوم متبعون نقفوا الأثر غير مبتدعين بالرأي والمعقول نرد به الخبر ، وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام من قبل أن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلو شرائع الدين وأحكام الإيمان ، فإن كانوا عدولا فيما نقلوه من الشريعة ، فالعدل مقبول القول في كل ما نقلوه ، وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من إخبار الصفات ، فالكذب مردود القول في كل ما جاء به ) .
كما أن كثيرا من رموز الأشعرية اعتنقوا مذهب الصوفية في مصدر التلقي كالغزالي والجامي ، حيث قدموا الكشف والذوق على النص ، وأولوا النص ليوافق كشفهم وأذواقهم ، ويسمون ذلك علما لدنيا ، جريا على قاعدة الصوفية :
( حدثني قلبي عن ربي ) ، ولا يخفي ما في هذا من البطلان ، والمخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، وما الفائدة إذا من إرسال الرسل وإنزال الكتب ؟
ومن المؤسف أن الأشعرية اليوم يمثلون الأغلبية في العالم الإسلامي ، ليس عن رغبة معتنقيه من أهل العلم في هذا المذهب ، ولكن لكونه واقعا مفروضا في المؤسسات التعليمية ، منذ الصغر في المرحلة الابتدائية ، مرحلة التلقي والتعليم ، فهذا المذهب ما زال مقررا في المعاهد الأزهرية ، وأغلب الجامعات في البلاد الإسلامية ، وطالب العلم يدخل منذ نعومة أظفاره إلى المدارس والمعاهد وهو خالي الذهن ، فيجد مقررا مسخا ، غريبا منفرا في مادة التوحيد ، ويجد المدرسين يلقنونه ويحفظونه أنواعا من التوحيد ، مبنية على أصول عقلية ، بعيدة عن الطريقة السلفية ، المعتمدة على الكتاب والسنة ويستمر الطالب في دراسته حتى يصبح أستاذا جامعيا ، وهو يجهل حقيقة مذهب السلف .
ولو نوقش في ذلك ، إما أن يستنكف عن الخضوع للحق ، لأنه أستاذ صاحب هيبة ومكانة ، وقبول الحق عنده يعنى إقراره بلوازم ، يصعب تصورها أو الالتزام بها ، وإما يزداد إصرارا على صدق الطريقة الأشعرية ، ويتمادى في الدفاع عنها بحجج عقلية حتى يستحيل معه النقاش .
والحق يقال أن بعض من يقوم على التدريس للطلاب ، أو يلخص لهم بعض ما جاء في المقررات أو الكتاب ، ربما يشعر بشيء من المسئولية عند فهمه للطريقة السلفية ، فينبه طلابه على أن ما يدرسونه يجب أن يكون للنجاح في الامتحان ، وليس موضوعا للاعتقاد والإيمان ، الذي يقابل به رب العزة والجلال يوم القيامة ، وقد رأيت ذلك بعيني في الملخصات الخارجية التي تباع للطلاب مما أثلج صدري وأثار في نفسي العجب والاستغراب .
ومن هنا كانت أهمية التعرف على عقيدة الأشعري ، والفرق بينها وبين العقيدة الأشعرية المنشرة في البلاد الإسلامية ، فالأشعري اعتمد على الاستسلام لأمر الله ، وتنفيذه على وجه الكمال ، والتصديق بخبره وإثبات ما أثبته الله لنفسه ، وما أثبته رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، فالله أعلم بنفسه ووصفه منا ، ونحن ما رأيناه وما رأينا له مثيلا ، فكيف نحكم عليه بعقولنا القاصرة ؟ وليس هناك من خيار أمام من يدافع بإصرار ، عن استخدام عقله في وصف ربه ، إلا أن يقع في المحذور ، ويستخدم أقيسة التمثيل والشمول ، فيقيس أوصاف ربه ويقول : لو كان الله كذا لكان كذا ، ويجب عليه كذا لأجل كذا ، ولو قلنا في وصفه بكذا لكان كذا وكذا ، وهو في حقيقة مبدئه يعتبر ربه فردا من أفراد هذا القياس ، ينطبق عليه ما ينطبق على سائر الناس ، ولذلك كان مذهب الأشعري في التوحيد ، مذهبا يقطع الطريق على هؤلاء بمنع الأقيسة العقلية ، المبنية على اجتهادات عقلية في التعرف على الحقائق الغيبية ، أو كيفية الذات والصفات ، سواء كانت أقيسة تمثيلية أو شمولية .
فاسمعوا وقارنوا معي ، بين عقيدة الأشعري ، وما عليه المنتسبون للأشعري ، ودقق معي أخي الأزهري ، لتعلم أن ما يدرس لك لا علاقة له بعقيدة الأشعري ، يقول أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة : ( الحمد لله الواحد الأحد ، العزيز الماجد ، المتفرد بالتوحيد ، والمنفرد بالتمجيد ، الذي لا تبلغه صفات العبيد ، ليس له مثل ولا نديد وهو المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، جل عن اتخاذ الصواحب والأولاد ، وتقدس عن ملابسة الأجناس والأرجاس ، ليست له عثرة تقال ، ولا حد يضرب له مثال ، لم يزل بصفاته أولا قديرا ( ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ) ، ولا يزال عالما خبيرا ، استوفي الأشياء علمُه ، ونفذت فيها إرادته ، فلم تعزب عليه خفيات الأمور ، ولم تغيره سوالف صروف الدهور ، ولم يلحقه في خلق شيء مما خلق كلل ولا تعب ، ولا مسه لغوب ولا نصب ، خلق الأشياء بقدرته ، ودبرها بمشيئته ، وقهرها بجبروته ، وذللها بعزته ، فذل لعظمته المتكبرون ، واستكان لعز ربوبيته المتعظمون ، وانقطع دون الرسوخ في علمه العالمون ، وذلت له الرقاب ، وحارت في ملكوته فطن ذوى الألباب ، وقامت بكلمته السماوات السبع واستقرت الأرض المهاد ، وثبتت الجبال الرواسي ، وجرت الرياح اللواقح ، وسار في جو السماء السحاب ، وقامت على حدودها البحار ، وهو الله الواحد القهار ، فنحمده كما حمد نفسه ، وكما هو أهله ومستحقه ، وكما حمده الحامدون من جميع خلقه .
ونستعينه استعانة من فوض الأمر إليه ، وأقر أنه لا منجى ولا ملجأ إلا إليه ، ونستغفره استغفار مقر بذنبه ، معترف بخطيئته ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارا بوحدانيته ، وإخلاصا لربوبيته ، وأنه العالم بما تظن الضمائر ، وتنطوي عليه السرائر ، وما تخفيه النفوس ، وما تجن البحار ، وما تواريه الأسراب ، ( وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8) ، لا تتوارى عنه كلمة ، ولا تغيب عنه غائبة ، ( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام: من الآية59) ، ويعلم ما يعمل العاملون وما ينقلب إليه المنقلبون ، ونستهديه بالهدى ، ونسأله التوفيق لمجانبة الردى ، ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، ونبيه وأمينه وصفيه ، أرسله إلى خلقه بالنور الساطع ، والسراج اللامع ، والحجج الظاهرة ، والبراهين والآيات الباهرة ، والأعاجيب القاهرة ، فبلّغ رسالة ربه ، ونصح لأمته ، وجاهد في الله حق جهاده ، حتى تمت كلمة الله عز وجل وظهر أمره ، وانقاد الناس إلى الحق خاضعين ، حتى أتاه اليقين ، لا وانيا ولا مقصرا ، فصلوات الله عليه من قائد إلى هدى مبين ، وعلى أهل بيته الطيبين ، وعلى أصحابه المنتخبين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، عرَّفنا الله به الشرائع والأحكام ، والحلال والحرام ، وبيَّن لنا به شريعة الإسلام ، حتى انجلت عنا طخياء الظلام ، وانحسرت عنا به الشبهات ، وانكشفت عنا به الغيابات ، وظهرت لنا به البينات .
وجاءنا بكتاب عزيز ( لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42) جمع فيه علم الأولين والآخرين ، وأكمل به الفرائض والدين ، فهو صراط الله المستقيم ، وحبل الله المتين ، فمن تمسك به نجا ، ومن خالفه ضل وغوى ، وفي الجهل تردى ، وحثنا الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (الحشر: من الآية7) وقال عز وجل : ( فَليَحْذَرِ الذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63) ، وقال تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (النساء: من الآية83) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (النساء: من الآية59) ، ويقول عن كتاب الله وسنة رسوله : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) (لنجم:4) ، وقال تعالى : ( قُل مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى ) (يونس: من الآية15) وقال :
( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) (النور:51) ، فأمرهم أن يسمعوا قوله ، ويطيعوا أمره ، ويحذروا مخالفته ، وقال : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ، فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه كما أمرهم بالعمل بكتابه ، فنبذ كثير ممن غلبت عليهم شقوته ، واستحوذ عليهم الشيطان سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم ، ومالوا إلى أسلاف لهم قلدوهم دينهم ، ودانوا بديانتهم وأبطلوا سنن نبي الله عليه الصلاة والسلام ، ودفعوها وأنكروها وجحدوها افتراء منهم على الله ، ( قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) (الأنعام: من الآية140) أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحذركم الدنيا ، فإنها حلوة خضرة ، تغر أهلها وتخدع سكَّانها ، قال الله تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) (الكهف: من الآية45) ، من كان فيها في حيرة أعقبته بعدها عبرة ، ومن أعطته من سرائها بطنا ، أعقبته من ضرائها ظهرا ، غرارة غرور ما فيها ، فانية فَانٍ ما فيها ، كما في قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (الرحمن:26) ، فاعملوا رحمكم الله للحياة الدائمة ، ولخلود الأبد ، فإن الدنيا تنقضي على أهلها ، وتبقى الأعمال قلائد في رقاب أهلها ، واعلموا أنكم ميتون ، ثم إنكم من بعد موتكم إلى ربكم راجعون ، ( يَجْزِيَ الذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى ) (النجم: من الآية31) ، فكونوا بطاعة ربكم عاملين ، وعما نهاكم منتهين .
ماذا ذكر الأشعري في الإبانة ؟ نلتقي معكم بإذن الله في المحاضرة القادمة ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين ، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

آخر تعديل بواسطة خالد مسعد . ، 27-12-2009 الساعة 03:32 PM
  #2  
قديم 27-12-2009, 03:33 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

عقيدة أبي الحسن الأشعري
المحاضرة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
يقول أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة : الحمد لله الواحد الأحد ، العزيز الماجد ، المتفرد بالتوحيد ، والمنفرد بالتمجيد ، الذي لا تبلغه صفات العبيد ، ليس له مثل ولا نديد ، وهو المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد جل عن اتخاذ الصواحب والأولاد ، وتقدس عن ملابسة الأجناس والأرجاس ، ليست له عثرة تقال ، ولا حد يضرب له مثال ، لم يزل بصفاته أولا قديرا ، ولا يزال عالما خبيرا ، استوفي الأشياء علمُه ، ونفذت فيها إرادته ، فلم تعزب عليه خفيات الأمور ، ولم تغيره سوالف صروف الدهور ، ولم يلحقه في خلق شيء مما خلق كلل ولا تعب ، ولا مسه لغوب ولا نصب .
خلق الأشياء بقدرته ، ودبرها بمشيئته ، وقهرها بجبروته ، وذللها بعزته ، فذل لعظمته المتكبرون ، واستكان لعز ربوبيته المتعظمون ، وانقطع دون الرسوخ في علمه العالمون ، وذلت له الرقاب ، وحارت في ملكوته فطن ذوى الألباب ، وقامت بكلمته السماوات السبع ، واستقرت الأرض المهاد ، وثبتت الجبال الرواسي ، وجرت الرياح اللواقح ، وسار في جو السماء السحاب ، وقامت على حدودها البحار ، وهو الله الواحد القهار ، فنحمده كما حمد نفسه ، وكما هو أهله ومستحقه ، وكما حمده الحامدون من جميع خلقه ، ونستعينه استعانة من فوض الأمر إليه ، وأقر أنه لا منجى ولا ملجأ إلا إليه ، ونستغفره استغفار مقر بذنبه ، معترف بخطيئته ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارا بوحدانيته ، وإخلاصا لربوبيته ، وأنه العالم بما تظن الضمائر ، وتنطوي عليه السرائر ، وما تخفيه النفوس ، وما تجن البحار ، وما تواريه الأسراب ، ( وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8) ، لا تتوارى عنه كلمة ، ولا تغيب عنه غائبة ، ( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(الأنعام: من الآية59) ، ويعلم ما يعمل العاملون وما ينقلب إليه المنقلبون ، ونستهديه بالهدى ، ونسأله التوفيق لمجانبة الردى .
ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، ونبيه وأمينه وصفيه ، أرسله إلى خلقه بالنور الساطع ، والسراج اللامع ، والحجج الظاهرة ، والبراهين والآيات الباهرة ، والأعاجيب القاهرة ، فبلّغ رسالة ربه ، ونصح لأمته ، وجاهد في الله حق جهاده ، حتى تمت كلمة الله عز وجل ، وظهر أمره ، وانقاد الناس إلى الحق خاضعين ، حتى أتاه اليقين ، لا وانيا ولا مقصرا ، فصلوات الله عليه من قائد إلى هدى مبين ، وعلى أهل بيته الطيبين ، وعلى أصحابه المنتخبين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، عرَّفنا الله به الشرائع والأحكام ، والحلال والحرام ، وبيَّن لنا به شريعة الإسلام ، حتى انجلت عنا طخياء الظلام ، وانحسرت عنا به الشبهات ، وانكشفت عنا به الغيابات ، وظهرت لنا به البينات .
أحبتي في الله من الدعاة وطلاب العلم ، وكل من يبتغى منهج الحق وحقيقة الأمر ، لا زلنا نقارن بين عقيدة الأشعري وعقيدة الأشعرية ، بين ما كان عليه أبو الحسن الأشعري ، والمنسبون لمذهبه من الخلف الأشعرية ، لنين للناس أن ما يدرس في المعاهد والجامعات الأزهرية ، وغيرها من المؤسسات التعليمية في سائر البلاد الإسلامية ، يختلف تماما عن العقيدة السلفية التي عليها الإمام أبو الحسن الأشعري ، يقول أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة :
( وجاءنا بكتاب عزيز ( لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42) جمع فيه علم الأولين والآخرين ، وأكمل به الفرائض والدين ، فهو صراط الله المستقيم ، وحبل الله المتين ، فمن تمسك به نجا ، ومن خالفه ضل وغوى ، وفي الجهل تردى ، وحثنا الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (الحشر: من الآية7) وقال عز وجل : ( فَليَحْذَرِ الذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (النور:63) ، وقال تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (النساء: من الآية83) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (النساء: من الآية59) .
ويقول عن كتاب الله وسنة رسوله : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) (لنجم:4) ، وقال تعالى : ( قُل مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى ) (يونس: من الآية15) وقال : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) (النور:51) فأمرهم أن يسمعوا قوله ، ويطيعوا أمره ، ويحذروا مخالفته ) .
ثم يمهد الأشعري لوصف المنهج الاعتزالي ، وما ارتكبته المعتزلة من مخالفات ، وتطاول على النقل والآيات ، وتأخير الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية ، فيقول : ( فأمرهم أن يسمعوا قوله ، ويطيعوا أمره ، ويحذروا مخالفته وقال : ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (المائدة: من الآية92) فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته ، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه كما أمرهم بالعمل بكتابه ، فنبذ كثير ممن غلبت عليهم شقوته ، واستحوذ عليهم الشيطان ، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم ، ومالوا إلى أسلاف لهم قلدوهم دينهم ، ودانوا بديانتهم ، وأبطلوا سنن نبي الله عليه الصلاة والسلام ، ودفعوها وأنكروها وجحدوها افتراء منهم على الله ، ( قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين ) .
أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحذركم الدنيا ، فإنها حلوة خضرة ، تغر أهلها وتخدع سكَّانها قال تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) (الكهف: من الآية45) ، من كان فيها في حيرة أعقبته بعدها عبرة ، ومن أعطته من سرائها بطنا ، أعقبته من ضرائها ظهرا ، غرارة غرور ما فيها ، فانية فَانٍ ما فيها ، كما في قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (الرحمن:26) ، فاعملوا رحمكم الله للحياة الدائمة ، ولخلود الأبد ، فإن الدنيا تنقضي على أهلها ، وتبقى الأعمال قلائد في رقاب أهلها ، واعلموا أنكم ميتون ، ثم إنكم من بعد موتكم إلى ربكم راجعون ، ( يَجْزِيَ الذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى )(النجم: من الآية31) فكونوا بطاعة ربكم عاملين ، وعما نهاكم منتهين ) .
هذه مقدمة الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة ، انظروا كيف بدأ حملته على المنهج العقلي والعقل الاعتزالي فيقول : ( أما بعد : فإن كثيرا من الزائغين عن الحق ، من المعتزلة وأهل القدر ، مالت بهم أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم ، ومن مضى من أسلافهم ، فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل به الله سلطانا ، ولا أوضح به برهانا ، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين ، ولا عن السلف المتقدمين ، وخالفوا روايات الصحابة رضي الله عنهم ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، في رؤية الله عز وجل بالأبصار .
وقد جاءت في ذلك الروايات من الجهات المختلفات ، وتواترت بها الآثار ، وتتابعت بها الأخبار ، وأنكروا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين ، ودفعوا الروايات في ذلك عن السلف المتقدمين ، وجحدوا عذاب القبر ، وأن الكفار في قبورهم يعذبون ، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون ، رضي الله عنهم أجمعين ، ودانوا بخلق القرآن نظيرا لقول إخوانهم من المشركين ، الذين قالوا : ( إن هذا إلا قول البشر ) وأثبتوا أن العباد يخلقون الشر ، نظيرا لقول المجوس الذين أثبتوا خالقين :أحدهما الخير ، والآخر يخلق الشر ، وزعمت القدرية أن الله تعالى يخلق الخير ، والشيطان يخلق الشر ، وزعموا أن الله تعالى يشاء ما لا يكون ، ويكون ما لا يشاء ، خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وردا لقول الله تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) فأخبر تعالى أنا لا نشاء شيئا إلا وقد شاء الله أن نشاءه ، ولقوله : (ولو شاء الله ما اقتتلوا) ، ولقوله تعالى : ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) ، ولقوله تعالى : ( فعال لما يريد ) ، لقوله تعالى مخبرا عن نبيه شعيب صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ، وسع ربنا كل شيء علما) ، ولهذا سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة ، لأنهم دانوا بديانة المجوس ، وضاهوا أقاويلهم ، وزعموا أن للخير والشر خالقين ، كما زعمت المجوس ذلك ، وأنه يكون من الشرور ما لا يشاء الله كما قالت المجوس .
ويقول أيضا : ( ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله عز وجل : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وأنكروا أن يكون له يدان مع قوله سبحانه : ( لما خلقت بيدي ) ، وأنكروا أن يكون له عينان مع قوله سبحانه : ( تجري بأعيننا ) ، وقوله : ( ولتصنع على عين ي) ، وأنكروا أن يكون له سبحانه علم مع قوله : ( أنزله بعلمه ) ، وأنكروا أن يكون له قوة مع قوله سبحانه : ( ذو القوة المتين ) ، ونفوا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ) وغير ذلك مما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك جميع أهل البدع )
يقول أبو الحسن الأشعري : ( فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة ، فإن قال لنا قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة ، فعرفونا قولكم الذي به تقولون ، وديانتكم التي بها تدينون ، قيل له : قولنا الذي نقول به ، وديانتنا التي ندين بها ، التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل ، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون ، ولما خالف قوله مخالفون ، لأنه الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل ، الذي أبان الله به الحق ، ودفع به الضلال ، وأوضح به المنهاج ، وقمع به بدع المبتدعين ، وزيع الزائغين ، وشك الشاكين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدم ، وجليل معظم ، وكبير مفهم ، وجملة قولنا : أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبما جاءوا به من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا نرد من ذلك شيئا ، وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو ، فرد صمد ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق .
وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله ، وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق العرش ، وفوق كل شيء ، إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش ، كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى ، وهو مع ذلك قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، وهو على كل شيء شهيد ، وأن له سبحانه وجها بلا كيف ، كما قال : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وأن له سبحانه يدين بلا كيف ، كما قال سبحانه : ( خلقت بيدي ) ، وكما قال : ( بل يداه مبسوطتان ) ، وأن له سبحانه عينين بلا كيف ، كما قال سبحانه : ( تجري بأعيننا ) وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا ، وأن لله علما كما قال : ( أنزله بعلمه ) ، وكما قال : ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) ونثبت لله السمع والبصر ، ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ، ونثبت أن لله قوة ، كما قال : ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) .
ونقول : ( إن كلام الله غير مخلوق ، وأنه سبحانه لم يخلق شيئا إلا وقد قال له كن ، كما قال : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير أو شر إلا ما شاء الله ، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عز وجل )
ويقول أيضا في مجمل عقيدته : ( ونقول : إن كلام الله غير مخلوق ، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر ، وندين بأن الله يُرى في الآخرة بالأبصار ، كما يُرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقول : إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة ، كما قال سبحانه : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ، وإن موسى صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل الرؤية في الدنيا ، وأن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا ، فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا .
وندين بأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه ما لم يستحله ، كالزنا والسرقة وشرب الخمر ، كما دانت بذلك الخوارج ، وزعمت أنهم كافرون ، ونقول : إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبهها مستحلا لها ، غير معتقد لتحريمها كان كافرا ، ونقول : إن الإسلام أوسع من الإيمان ، وليس كل إسلام إيمانا .
وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه ، وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ، وندين بأن لا ننزل أحدا من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا نارا ، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين أجارنا الله منها بشفاعة سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونقول : ( إن الله عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض ، وأن الميزان حق ، والصراط حق ، والبعث بعد الموت حق ، وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ، ويحاسب المؤمنين ، وأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل ، حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وندين بحب السلف الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم ، ونتولاهم أجمعين )
ونقول : إن الإمام الفاضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وأن الله سبحانه وتعالى أعز به الدين ، وأظهره على المرتدين ، وقدمه المسلمون بالإمامة ، كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة ، وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأن الذين قتلوه قتلوه ظلما وعدوانا ، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلافتهم خلافة النبوة ، ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ونتولى سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكف عما شجر بينهم ، وندين بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون ، مهديون فضلاء ، لا يوازنهم في الفضل غيرهم .
ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل عن النزول إلى سماء الدنيا ، وأن الرب عز وجل يقول : (هل من سائل هل من مستغفر) ، وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لما قاله أهل الزيغ والتضليل ، ونعوِّل فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا عز وجل ، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين ، وما كان في معناه ، ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا ، ولا نقول على الله مالا نعلم ، ونقول : إن الله عز وجل يجيء يوم القيامة ، كما قال سبحانه : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) وأن الله يقرب من عباده ، كيف شاء بلا كيف ، كما قال تعالى : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ، وكما قال سبحانه : (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) .
ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد ، وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر ، كما روى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم كان يصلي خلف الحجاج ، وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر ، خلافا لقول من أنكر ذلك ، ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم ، وتضليل من رأي الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة ، وندين بإنكار الخروج بالسيف ، وترك القتال في الفتنة ، ونقر بخروج الدجال - أعاذنا الله من فتنته - كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونؤمن بعذاب القبر ، ومنكر ونكير عليهما الصلاة والسلام ، ومساءلتهما المدفونين في القبور ، ونصدق بحديث المعراج ، وتصحيح كثير من الرؤيا في المنام ، ونقر أن لذلك تفسيرا ، ونرى الصدقة على موتى المسلمين ، والدعاء لهم ، ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك ، ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحرا ، وأن السحر كائن موجود في الدنيا ، وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة ، برهم وفاجرهم ، وتوارثهم ، ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان ، وأن من مات وقتل فبأجله مات وقتل ، وأن الأرزاق من قبل الله سبحانه ، يرزقها عباده حلالا وحراما ، وأن الشيطان يوسوس الإنسان ، ويشككه ويخبطه ، خلافا للمعتزلة والجهمية ، كما قال تعالى :
( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) ، وكما قال : ( من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) ، ونقول : إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات يظهرها عليهم ، وقولنا في أطفال المشركين أن الله تعالى يؤجج لهم في الآخرة نارا ، ثم يقول لهم اقتحموها ، كما جاءت بذلك الرواية ، وندين الله عز وجل بأنه يعلم ما العباد عاملون ، وإلى ما هم صائرون ، وما كان وما يكون ، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ، وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين ، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعة ، ومجانبة أهل الأهواء ، وسنحتج لما ذكرناه من قولنا ، وما بقى منه مما لم نذكره بابا بابا ، وشيئا شيئا إن شاء الله عز وجل ) ، ونحن معه إن شاء الله .
هل الأشعري يدين لله في مسألة الاستواء بما يدين به الأشعري ؟ نجيب عن هذا في المحاضرة القادمة ، ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما ً) (الأحزاب:56) فاللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




  #3  
قديم 27-12-2009, 03:33 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

عقيدة أبي الحسن الأشعري
المحاضرة الثالثة
( الحَمْدُ لِلهِ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) ، ( وَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) ، ( قُلِ الحَمْدُ لِلهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفي آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل:59) ، ( الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) (سبأ:1) ، ( الحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فاطر:1) اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق وأن الله يبعث من في القبور .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ، ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ، أما بعد .
فمحاضرة اليوم تدور حول المقارنة بين عقيدة أبى الحسن الأشعري وبين مذهب الأشعرية في قضية العلو والفوقية فمذهب الأشعرية كما هو معلوم مقرر على المعاهد الأزهرية ، وفي الكليات التابعة للجامعات الأزهرية ، كما أنه معتمد في مناهج العقيدة عند كثير من المؤسسات التعليمية في البلاد الإسلامية ، وأغلب من يدرِّسون هذا المنهج أو يدرسون ، يظنون أنهم على عقيدة الإمام أبى الحسن الأشعري ، وأن الأشعري يوافقُهم فيما يعتقدون ، وهو في الحقيقة برئ مما يدرسون ، ولذلك أردنا أن نبين الفرق بين عقيدة الأشعري ومذهب الأشعرية ؟ في أبرز قضية من القضايا الاعتقادية ، وهى قضية العلو والاستواء والفوفية ، ماذا يقول أبو الحسن الأشعري في استواء الله على عرشه ؟ وماذا يقول الأشعرية في علو الله على خلقه ؟ ماذا يوجد في تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ، الكتاب المقرر على المعاهد الأزهرية ؟ ، ماذا يوجد في كتاب الدين الخالص الذي يدرس في معاهد إعداد الدعاة في الجمعيات الشرعية ؟
أولا : لابد أن نبين أن السلف الصالح اعتمدوا في اعتقادهم على الاستسلام لأمر الله وتنفيذه على وجه الكمال والتصديق بخبره وإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله s من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، فالله أعلم بنفسه ووصفه منا ونحن ما رأيناه وما رأينا له مثيلا فكيف نحكم عليه بعقولنا القاصرة ؟ ، وليس هناك من خيار أمام من يدافع بإصرار عن استخدام عقله في وصف ربه إلا أن يقع في المحذور ويستخدم أقيسة التمثيل والشمول ، فيقول : لو كان الله كذا لكان كذا ، ويجب عليه كذا لأجل كذا ، ولو قلنا في وصفه بكذا لكان كذا وكذا .
وهو في حقيقة مبدئه يعتبر ربه فردا من أفراد هذا القياس ينطبق عليه ما ينطبق على سائر الناس ، ولذلك كان مذهب السلف في التوحيد قطع الطريق على هؤلاء بمنع الأقيسة العقلية المبنية على اجتهادات فكرية في التعرف على الغيبيات أو كيفية الذات والصفات ، سواء كانت أقيسة تمثيلية أو شمولية ، وقد تقدم ذلك في ذكر العناصر الأساسية لمذهب السلف الصالح في توحيد الصفات ، لكن إصرار الأشعرية على استخدام حصيلتهم العقلية في وصف الله ، وأن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، أداهم إلى أن يقسموا التوحيد إلى ثلاثة أنواع أساسية لا زالت تدرس في المعاهد الأزهرية :
1- أن الله واحد في ذاته لا قسيم له .
2- أن الله واحد في صفاته لا شبيه له .
3- أن الله واحد في أفعاله لا شريك له .
والسؤال الذي يطرح نفسه على العقلاء : على أي أساس عقلي قسم هؤلاء التوحيد إلى ثلاثة أنواع ؟ هل استندوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ؟ أو أنهم استندوا إلى عقول الصحابة والتابعين وأئمة السنة المقبولين عند جميع المسلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ؟ هل استندوا لشيء نتركه لهم الإمام أبو الحسن الأشعري ؟ في الحقيقة أنهم لم يستندوا في تقسيمهم للتوحيد لا إلى هذا ولا إلى ذاك ، وإنما جعلوا الأمر بعد أبى الحسن الأشعري مشاعا عقليا لكل من يدلى بدلوه في الموضوع ، فأشبه الأمر استفتاءا شعبيا واستبيانا فكريا لسائر العقلاء في صناديق الاقتراع ، كان مضمونه : أيها العقلاء الذين لم تروا ربكم ولم تروا له مثيلا ، خمنوا وبينوا لنا ما يجب في حق الله وما يجوز له وما يستحيل عليه ، وسنأخذ في النتيجة النهائية برأي الأغلبية ، لأننا نعلم أنه من المستحيل اتفاق الكل على استفتاء عادى فضلا عن استفتاء فكرى ولكن سنعتبر رأي الأغلبية أصولا عقلية ، ثم نعتبرها بعد ذلك أصولا لديننا وعقيدتنا .
فقبلت مجموعة كبيرة من الدارسين تراث عقلاء اليونان الكافرين ، من كبار المتكلمين العقلاء المشاركة في هذا الاستفتاء ثم خرج بعضهم بنتيجة غريبة لا يعرف فيها مقياس لفرز الآراء ولا عدد الذين اتفقوا عليها من ذوى الأصوات الصحيحة ، لكن المهم أن رأيا عاما ظهر في هذه النتيجة ، ونسبوه ظلما وزورا إلى أبى الحسن الأشعري ، ظنوا أنه شارك معهم في هذا الاستفتاء ، والواقع أنه لم يكن معهم أصلا في ظهور هذه الآراء ، لكنهم على كل حال توصلوا إلى هذه النتيجة واعتبروا أنها تمثل الدستور الحق في باب الاعتقاد ، وأن من دان بها فهو من أهل الحق وأهل السنة والجماعة ، فكان من بنود هذا الاتفاق على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع عقلية باطلة النوع الأول : أن الله واحد في ذاته لا ينقسم ، وليس له أجزاء وأبعاض ، النوع الثاني : أن الله واحد في صفاته لا شبيه له ، النوع الثالث : أن الله واحد في أفعاله لا شريك له ، هذا هو التوحيد الذي نتج عن هذا الاستفتاء من قبل أصحاب الدين الخالص من عقلاء المتكلمين من الأشعرية ، وقد اعتبروها أصول الدين والفيصل المبين في النظر إلى كتاب الله وسنة رسوله s ، فما وافق تلك الأصول من النصوص والآيات فهو دليل لهم ، يقدمونه فقط عند الكتابة في المؤلفات أو عند المحاجة في المخاصمات والمناظرات حتى يشعر المخاطب أنهم يعتمدون على نصوص الوحي في إثبات الصفات والاعتقادات ، وما خالف أصولهم وتقسيمهم للتوحيد فينبغي التعامل معها بأي وسيلة وأن يبذل لها المرء كل حيلة ، بادعاء مجاز أو تأويل أو تهوين وتعطيل أو تقبيحها في نفس السامع حتى تبدو ضربا المستحيل ، المهم أن يقر بأن ظهارها الذي ورد في التنزيل باطل ومستحيل ويجب صرفه إلى شيء آخر .
وقول الأشعرية في التوحيد إن الله واحد في ذاته لا قسيم له ، وواحد في صفاته لا شبيه له ، وواحد في أفعاله لا شريك له ، وهذا الكلام ضرب من التلبيس والتدليس الذي اختلط فيه الحق بالباطل لأن الإنسان لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه ، وأقر بأنه وحده خالق كل شىء ، لم يكن موحدا بل ولا مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله ، ويقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له .
فإنهم إذا قالوا : واحد في ذاته لا قسيم له ولا جزء له ولا شبيه له ، فهذا اللفظ وإن كانت نيتهم تحمل معنى صحيحا فإن الله ليس كمثله شيء في ذاته أو صفاته أو أفعاله ، وهو سبحانه منزه عن تفرق ذاته أو فسادها أو تحولها إلى ذات أخرى ، بل هو أحد صمد ، والصمد هو الذي لا جوف له وهو السيد الذي كمل سؤدده .
لكنهم يدرجون تحت هذا التوحيد المزعوم وتحت شعار أنه لا ينقسم نفي علو الله على خلقه ومباينته لمصنوعاته ونفي ما ينفونه من صفاته ، ويقولون إن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما مشابها للحوادث ، يقول الرازي وهو من أعمدة المذهب الأشعري في نفي علو الله على خلقه وتعطيل استوائه على عرشه : ( لو كان الله مختصا بالمكان لكان الجانب الذي في يمينه يلي ما على يساره ، فيكون مركبا منقسما فلا يكون أحدا في الحقيقة ، فيبطل قوله : } قل هو الله أحد ) ، وهم لما نفوا الاستواء وعطلوا علو الفوقية بهذه الحجج العقلية ساءت سمعتهم عند عامة المسلمين ، فالله يقول صراحة هو على العرش وهم يقولون صراحة ليس على العرش ، فما المخرج من هذه الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها ؟ والجواب في قول أحدهم : ( لو سئلنا عن قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ) ، لقلنا المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو ، ومنه قول العرب استوى فلان على المملكة أي استعلى عليها واطردت له ، ومنه قول الشاعر : قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق )
انظروا ماذا يقول أحدهم عضد الدين الإيجي في حكم الاستدلال بالظواهر الموهمة بالتجسيم من الآيات والأحاديث نحو قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وجاء ربك والملك صفا صفا فإن استكبروا فالذين عند ربك إليه يصعد الكلم الطيب تعرج الملائكة والروح إليه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وحديث النزول وقوله الخرساء أين الله فأشارت إلى السماء فقرر فالسؤال والتقرير يشعران بالجهة ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات الدالة على نفي المكان والجهة ، ومهما تعارض دليلان وجب العمل بهما ما أمكن فتؤول الظواهر ، فنقول الاستواء الاستيلاء نحو قد استوى عمرو على العراق والعندية بمعنى الاصطفاء والإكرام كما يقال فلان قريب من الملك وجاء ربك أي أمره وإليه يصعد الكلم الطيب أي يرتضيه فإن الكلم عرض يمتنع عليه الانتقال و من في السماء أي حكمه أو سلطانه أو ملك موكل ، ثم يقول والله ليس في جهة من الجهات ولا في مكان من الأمكنة وخالف فيه المشبهة وخصصوه بجهة الفوق اتفاقا ) .
تعالوا نرى ماذا يقول المعاصرون ، اسمعوا أحد المعاصرين من الأشعرية من دعاة الجمعية الشرعية ؟ يقول في كتابه حق الله على العباد وحق العباد على الله :
( قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) ( طه : 5 ) يقول فيه السلف : هو مصروف عن ظاهره ويفوضون علم المراد منه إلى الله تعالى ، والخلف يقولون : هو مصروف عن ظاهره والمراد من استوى استولى ) ، ( ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية : أين الله ؟ فقالت : في السماء ، هو مصروف عن ظاهره ، وإنما اكتفي صلى الله عليه وسلم منها بقولها في السماء ، لأنه كان يكفي في صدر البعثة بالنسبة للعامة اعتقاد وجود الله تعالى ووحدانيته ، فعامل الجارية بما ألفته وأقرها على اعتقاد وجود الله تعالى وانفراده بالإلهية ، ولما أشارت إلى السماء علم النبي صلى الله عليه وسلم أنها تعظم الله تعالى وتعتقد وحدانيته وتنفر من آلهة الأرض التي كانوا يعبدونها ) .
( وهنا سؤال : هل الله سبحانه وتعالى في السماء ؟ احتج المشبهة بهذه الآية على إثبات المكان لله وهى قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ) ( الملك : 16 ) والجواب : أن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لأن كونه سبحانه في السماء يقتضى كون السماء تحيط به من جميع الجوانب ، فيكون سبحانه أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير بل وأصغر من الكرسي الذي وسع السماوات والأرض ، فيلزم أن يكون شيئا صغيرا بالنسبة إلى العرش وذلك محال لأنه تعالى قال : ( قل من رب السماوات والأرض قل الله ) ( الرعد : 16 ) .
وقال تعالى : ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) ( الأنعام : 3 ) فهل يعقل أن تكون الذات الواحدة في مكانين في آن واحد ؟ إذن يجب صرف هذه الآية وأمثالها عن ظاهرها ) ( والمراد من كونه تعالى في السماوات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته وجريان مشيئته في السماوات والأرض ) فهو سبحانه ليس في جهة من الجهات لأن ذلك من صفات الأجسام ) ( وليت شعري أيثبت هؤلاء الجاهلون كل ما ورد من تلك الظواهر ؟ فيقولون : إن الله في السماء بمقتضى قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ) ( الملك : 16 ) ، أم على العرش بمقتضى قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) ( طه : 5 ) أم في الأفاق بمقتضى قوله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) ( الحديد : 4 ) ) ( وأما رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء فلكونها محل البركات وقبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة ) .
( وماذا يضيرنا لو قلنا : إننا نؤمن بالله وبوجوده المتيقن المؤكد وبهيمنته على الخلق ولكننا لا ندرى أين هو ؟! وهل لو سألني سائل عن رئيس من الرؤساء أموجود هو ؟ فقلت هو موجود يأمر وينهى ويصرف الأمور فإذا سألني وأين هو ؟ فقلت لا أدرى ، غير أنى أؤمن أنه موجود أيكون جوابي هذ1حكما بعدم وجود الرئيس المسئول عنه ؟ اللهم إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .
ويروى عن يحي الرازي وقد قيل له : ( أخبرنا عن الله تعالى فقال : إنه واحد ، فقيل : كيف هو ؟ فقال : ملك قادر فقيل : أين هو ؟ فقال : بالمرصاد ، قال السائل : لم أسألك عن هذا ؟ ، فقال : ما كان غير هذا فهو صفة المخلوق فأما صفته فما أخبرت عنه ، وقال جعفر الصادق رضي الله عنه من زعم أن الله سبحانه وتعالى في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك بالله ، إذ لو كان على شيء لكان محمولا ولو كان من شيء لكان محصورا ولو كان من شيء لكان محدثا تعالى الله عن ذلك ، وقال بعض العلماء لتلميذ يمتحنه : لو قال لك أحد : أين معبودك ؟ فأي شيء تقول ؟ قال : كنت أقول : حيث لم يزل قال : فإن قال لك : فأين كان في الأزل ؟ فأي شيء تقول ؟ قال أقول : حيث هو الآن ولا مكان فهو الآن على ما عليه كان ، قال التلميذ : فارتضى الشيخ ذلك .
وسوف نرد على هذه الشبه الكلامية جملة جملة ولكن لنرى الآن عقيدة الأشعري في الاستواء ، فلا زلنا نقارن بين عقيدة الأشعري وعقيدة الأشعرية لنين للناس أن ما يدرس في المعاهد والجامعات الأزهرية وغيرها من المؤسسات التعليمية يختلف تماما عن عقيدة أبى الحسن الأشعري العقيدة السلفية ، فماذا قال الأشعري مسألة علو الفوقية أو استواء الله على عرشه بعد أن علمنا قول الأشعرية ، يقول أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة :
( إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له : نقول : إن الله عز وجل يستوي على عرشه ، استواء يليق به كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) ، وقد قال تعالى : (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، وقال تعالى : (بل رفعه الله إليه) ، وقال تعالى : (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) ، وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله : (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا) ، كذب موسى عليه السلام في قوله : إن الله سبحانه فوق السماوات ، وقال تعالى : (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ، فالسماوات فوقها العرش ، فلما كان العرش فوق السماوات قال : (أأمنتم من في السماء) لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات ، وكل ما علا فهو سماء ، والعرش أعلى السماوات ، وليس إذا قال : (أأمنتم من في السماء) يعني جميع السماوات ، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات ، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات ، فقال تعالى : (وجعل القمر فيهن نورا) ، ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا ، وأنه فيهن جميعا ، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء ، لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات ، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش ، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض .
وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية : إن معنى قول الله تعالى : (الرحمن على العرش استوى) أنه استولى وملك وقهر ، وأن الله تعالى في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه ، كما قال أهل الحق ، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة .
ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة ، لأن الله تعالى قادر على كل شيء والأرض لله سبحانه قادر عليها ، وعلى الحشوش ، وعلى كل ما في العالم ، فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء ، وهو تعالى مستو على الأشياء كلها لكان مستويا على العرش ، وعلى الأرض ، وعلى السماء ، وعلى الحشوش ، والأقدار ، لأنه قادر على الأشياء مستول عليها ، وإذا كان قادرا على الأشياء كلها لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله تعالى مستو على الحشوش والأخلية ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها ، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها .
وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله تعالى في كل مكان ، فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية ، وهذا خلاف الدين . تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
ويقال لهم : إذا لم يكن مستويا على العرش بمعنى يختص العرش دون غيره ، كما قال ذلك أهل العلم ، ونقله الأخبار ، وحملة الآثار ، و إذا كان الله عز وجل في كل مكان فهو تحت الأرض التي السماء فوقها ، وإذا كان تحت الأرض والأرض فوقه ، والسماء فوق الأرض فيلزمكم أن تقولوا إن الله تحت التحت ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى عفان ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن نافع ، عن جبير ، عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر) ، روى عبيد الله بن بكر قال : ثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي جعفر ، أنه سمع أبا حفص يحدث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا بقى ثلث الليل ينزل الله تبارك وتعالى فيقول : من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفه عنه ؟ من ذا الذي يسترزقني فأرزقه ؟ حتى ينفجر الفجر ) ، وروى عبد الله بن بكر السهمي ، قال : ثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، قال : ثنا عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال : فكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كفا بالكديد - أو قال بقديد - حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( إذا مضى ثلث الليل - أو قال ثلثا الليل - نزل الله عز وجل إلى السماء ، فيقول : من ذا الذي يدعوني أستجيب له ؟ من ذا الذي يستغفرني أغفر له ؟ من ذا الذي يسألني أعطيه ؟ حتى ينفجر الفجر ) ، نزولا يليق بذاته ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
دليل آخر : قال الله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) ، وقال تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ، وقال تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) ، وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) .
وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش مالكم من ولي ولا شفيع ) ، فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه ، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض ، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته ، مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد .
وروت العلماء أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أعتقها في كفارة فهل يجوز عتقها ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله ؟ قالت : في السماء ، قال فمن أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعتقها فإنها مؤمنة ، وهذا يدل على أن الله تعالى على عرشه فوق السماء .
ولنا لقاء آخر إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله .
  #4  
قديم 27-12-2009, 03:34 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

عقيدة أبي الحسن الأشعري 4
المحاضرة الرابعة
( الحَمْدُ لِلهِ الذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنذِرَ الذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا فَلَعَلكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا إِنَّا جَعَلنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) (الكهف:1) .
أحمده وأستعينه وأستغفره ، وأومن به وأتوكل عليه ، وأستهدي الله بالهدى ، وأعوذ به من الضلالة والردى ، من يهد الله فهو المهتدى ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أرسله إلى الناس كافة ، رحمة لهم ورأفة بهم ، والناس يومها على شر حال ، في ظلمات الجاهلية يتقلبون ، وفي الشرك والوثنية غارقون ، دينهم بدعة ، ودعوتهم فرية ، فأعز الله الدين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وألف بين قلوبهم وأصبحوا بنعمة الله إخوانا ، عباد الله أطيعوا ربكم ، واستنوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل قال :
( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلى فَمَا أَرْسَلنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (النساء:80) ، أما بعد ..
فما زلنا نقارن بين عقيدة أبى الحسن الأشعري وبين مذهب الأشعرية المقرر على المعاهد الأزهرية ، وفي الكليات التابعة للجامعات الأزهرية ، المعتمد في مناهج العقيدة عند كثير من المؤسسات التعليمية في البلاد الإسلامية ، وقد علمنا أغلب من يدرِّسون هذا المنهج أو يدرسون ، يظنون أنهم على عقيدة أبى الحسن الأشعري ، وأن الأشعري يوافقُهم فيما يعتقدون ، وهو في الحقيقة برئ مما يدرسون ، ولذلك أردنا أن نبين المزيد في الفرق بين عقيدة الأشعري ومذهب الأشعرية ؟ وسوف نذكر عقيد الأشعري في صفة من صفات الذات وهى صفة اليدين ، فما هو اعتقاد الأشعرية وما الذي ذكره الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة ؟
ماذا يقول الأشعرية في صفة اليدين ؟ ماذا يوجد في تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد المقرر على المعاهد الأزهرية ؟ ماذا يوجد في كتاب الدين الخالص الذي يدرس في معاهد الجمعية الشرعية ؟ الأشعرية لا يثبتون لله صفة اليد بحجة أن إثباتها يدل على التشبيه والتجسيم وظاهر الآيات التي وردت في صفة اليد يدل على التناقض والتشبيه ، كقوله تعالى ( يد الله فوق أيديهم ) ( بل يداه مبسوطتان ) ( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها ملكون ) اسمعوا ماذا يقول الشيخ طه عبد الله عفيفي في كتابه حق الله على العباد وحق العباد على الله : ( وليت شعري أيثبت هؤلاء الجاهلون كل ما ورد من تلك الظواهر فيثبتون له يدا بمقتضى قوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) (الفتح : 10) أم يدين بمقتضى قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) (المائدة : 64) أم أيد عديدة بمقتضى قوله تعالى : ( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ) (يس : 71) ) .
هل هذه الآيات متعارضة ؟ مذهب السلف الصالح في اليدين ليس فيه ما يحاول الخلف إثباته من التناقض ، بل هو الحق الذي اجتمعت عليه الأدلة الجلية ، فهم يحاولون أن يجعلوا صفة اليدين شيئا معنويا لا حقيقة له ، مستترين خلف ستار مكشوف وهو ادعاؤهم أن نصوص القرآن والسنة ظاهرها باطل يوهم التشبيه والجسمية .
والحقيقة أن مذهب السلف الصالح هو عين الكمال والتنزيه ، فمذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم ، أن لله تعالى يدين حقيقيتين ، من غير تمثيل ولا تكييف ، ولا تعطيل ولا تحريف .
وقد تنوعت الأدلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على إثبات اليدين لله وإثبات الأصابع لهما وإثبات القبض بهما وتثنيتهما فمن ذلك : قول الله تعالى : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ) (صّ:75) (ص : 35) وهذه الآية نص صريح في بيان مذهب أهل السنة ولا يقبل التأويل بأي وجه من الوجوه ، وقال تعالى :
( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) (المائدة : 64) فالله لم ينكر على اليهود وصفهم له باليد ، وإنما أنكر عليهم وصف اليد بالغلول وهذه الآية من الأدلة الواضحة على إثبات يدين لله على الحقيقة ، والآيات في ذلك كثيرة ، وفي حديث الشفاعة المشهور الذي رواه البخاري قوله صلى الله عليه وسلم فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أما ترى الناس خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ) فجعلوا خلق الله لآدم بيده ميزة له من بين الخلق فدل على أن اليد على ظاهرها كما يليق بجلال الله .
ومن الأحاديث الدالة على أن للّه يدين حقيقة ما رواه البخاري عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يد الله ملأي لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار قال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده وقال : عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع ) ، كما أن اليد وصفت بأوصاف تدل على أنها حقيقية منها القبض وهو في اللغة : إمساك الشئ بجميع كف اليد فقبض اليد على الشئ جمعها له بعد تناوله ، وفي الحديث : ( إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك ) .
وقد وردت رواية أخرى في صحيح الإمام مسلم فيها ذكر الشمال لله تعالى وإن كان لفظ الشمال فيه مقال ، فعن عبد الله بن عمر قال : ( يطوى الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوى الأرضين بشماله ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ المتكبرون ؟ ) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على إثبات صفة اليدين لله تعالى وأما ما ذكر في الحديث : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين ) فلا تعارض بينه وبين ذكر اليمين والشمال في الحديث السابق فقوله صلى الله عليه وسلم : ( وكلتا يديه يمين ) بالنسبة للكمال فإحدى يديه تبارك وتعالى فيها الفضل ، كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( يد الله ملأي لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار قال : ( أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده ) الذي سبق ، والأخرى فيها العدل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع ) ، ومعلوم أن الفضل يمن والعدل يمن ، وكلاهما كمال لله تعالى ، أما بالنسبة لتفاضل صفاته فالفضل أيمن من العدل ، فاليمين فيها الفضل والشمال فيها العدل ، هذا إذا صح لفظ الشمال .
ووصفت اليد أيضا بالأصابع التي تدل على أن اليد حقيقية وليست مجازية كما ادعى أهل التأويل الباطل ففي الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود : ( أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الملك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قرأ : وما قدروا الله حق قدره ) ، وفي رواية : ( فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (الزمر:67) .
والأشعرية المفتونون بالتأويل يؤولون اليدين إما بالقدرة أو النعمة تارة أو الخزائن تارة أخرى فيقولون في قوله تعالى : ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) (ص : 35) أي بنعمتي أو بقدرتي ، وقد أرادوا بذلك أن يجعلوها لا تدل على يدين حقيقيتين كما أراد الله من الآية بل أرادوا أن يجعلوها شيئا معنويا ويخترعوا لها أي معنى يوافق قواعدهم وأصولهم ولو كان ذلك باطلا ولا دليل عليه ، وهذا قول على الله بلا علم ولا لم يقل به أحد من السلف ، فالأصل عدم صرف اللفظ عن ظاهره إلا بدليل واضح ، وقد تنوعت النصوص كما يقدم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على إثبات يدين لله تبارك وتعالى ووصفها بأوصاف تمنع تأويلها بالقدرة أو النعمة كما تقدم .
ومن المعروف في لغة العرب استعمال الواحد في الجمع كقوله تعالى : ( إن الإنسان لفي خسر ) (العصر : 2) ، والجمع في الواحد :كقوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) (آل عمران : 173) ، والجمع في الاثنين :كقوله تعالى : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) (التحريم : 4) ، ولكنها لم تستعمل الواحد في الاثنين فلا تقول عندي رجل وأنت تعنى رجلين ، ولم تستعمل الاثنين في الواحد فلا تقول عندي رجلان وأنت تعنى به جنس الرجال ، فلا يجوز تأويل اليدين بالقدرة لأن القدرة صفة واحدة ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد ، ولا يجوز تأويل اليدين بالنعمة لأن نعم الله لا تحصى ولا تعد ، وعند ذلك فلا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الجمع مما يبطل تأويل اليدين بالنعمة أو القدرة .
وأما عن الآيات التي زعم فيهل الشيخ العفيفي أنها متعارضة وقال : (وليت شعري أيثبت هؤلاء الجاهلون كل ما ورد من تلك الظواهر فيثبتون له يدا بمقتضى قوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) (الفتح : 10) ، أم يدين بمقتضى قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) (المائدة : 64) أم أيد عديدة بمقتضى قوله تعالى : ( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ) (يس : 71) ) ، فقد أمرنا الله برد المبهم إلى المحكم ، وقد أحكم الله ورسوله يدين حقيقتين فعلينا أن نرد الآيات إلى ما أحكم فالمحكم من الآيات الثلاث التي أوردها هو : قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) (المائدة : 64) أما قوله تعالى : ( أو لم يرو أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ) (يس : 71 ) فالمقصود من الجمع التعظيم وهذا وارد في لغة العرب ، فلما قال في بداية الآية : خلقنا ، قال : أيدينا ولما قال : خلقت ، قال : بيدي ، وأما قوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) (الفتح : 10) ، وقوله : ( بيدك الخير ) (آل عمران : 26) ، وقوله : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة ) (المائدة : 64) .
فإطلاق اليد هنا تفسير للشئ بسببه ، فقد تكون بمعنى القدرة لأن القدرة نابعة عن تحرك اليد ، يقال : فلان له يد في كذا وكذا أي له قدرة ، ومن لوازم اليد للرحمن القوة والخير والسح .. الخ ولا يقال يد لمن ليس له يد ، أما قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) (المائدة : 64) ، وقوله : ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) (ص : 35) فلا يمكن أن تأول بالقدرة أو النعمة لأن لغة العرب تمنع تأويله في حال التثنية فتركيب السياق عندهم يمنع ذلك .
هذه عقيدة السلف وعقيدة الأشعرية في عصرنا ، السلف يثبتون لله صفة اليدين لأن الله أثبتها لنفسه ونحن ما رأينا كيفية اليدين وليس لله مثيل نقيس عليه وصف كيفية اليدين ، فالله تعالى يقول : (ليس كمثله شيء ) (فَلا تَضْرِبُوا لِلهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74) (ولم يكن له كفوا أحد ) .
أما عقيدة الأشعرية فإثبات اليدين عندهم تشبيه وتجسيم وظاهر الآيات القرآنية باطل ومستحيل ، ولابد من تغييره لمعنى القدرة أو النعمة بأي سبيل ، فماذا يقول أبو الحسن الأشعري ؟ الذي ينتسبون إليه ظلما وزورا ؟ يقول : ( قد سئلنا أتقولون إن لله يدين ؟ قيل : نقول ذلك بلا كيف ، وقد دل عليه قوله تعالى : (يد الله فوق أيديهم ) ، وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته ) .
فثبتت اليد بلا كيف ، وجاء في الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن الله تعالى خلق آدم بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس شجرة طوبى بيده ) ، وقال تعالى : (بل يداه مبسوطتان) وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كلتا يديه يمين) وقال تعالى : (لأخذنا منه باليمين) ، وليس يجوز في لسان العرب ، ولا في عادة أهل الخطاب ، أن يقول القائل : عملت كذا بيدي ، ويعني به النعمة ، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها ، ومعقولا في خطابها ، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل : فعلت بيدي ، ويعني النعمة ، بطل أن يكون معنى قوله تعالى : (بيدي) النعمة ، وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل : لي عليه يدي ، بمعنى لي عليه نعمتي ، ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة ، إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة ، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها ، لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى : (بيدي) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين ، وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل : بيدي يعني نعمتي ، وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ، ولن يجد له سبيلا .
ويقال لأهل البدع : ولِم زعمتم أن معنى قوله : (بيدي) نعمتي أزعمتم ذلك إجماعا أو لغة ؟ فلا يجدون ذلك إجماعا ولا في اللغة ، وإن قالوا : قلنا ذلك من القياس ، قيل لهم : ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى : (بيدي) لا يكون معناه إلا نعمتي ؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل تفسير الآيات ، مع أنا رأينا الله عز وجل قد قال في كتابه العزيز ، الناطق على لسان نبيه الصادق : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) ، وقال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) ، وقال تعالى : (إنا جعلناه قرآنا عربيا) ، وقال تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) ، ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ، ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه ، فمن لا يحسن لسان العرب لا يحسنه ، والعرب إذا سمعوه علموه ، لأنه بلسانهم نزل ، وليس في لسانهم ما ادعوه من تفسير قوله تعالى : (بيدي) نعمتي .
وقد اعتل معتل بقول الله تعالى : (والسماء بنيناها بأيد) قالوا : الأيد القوة ، فوجب أن يكون معنى قوله تعالى : (بيدي) بقدرتي ، قيل لهم : هذا التأويل فاسد فلو كان الله تعالى عنى بقوله : (لما خلقت بيدي) القدرة لم يكن لآدم صلى الله عليه وسلم على إبليس مزية في ذلك ، والله تعالى أراد أن يرى فضل آدم صلى الله عليه وسلم عليه ، إذ خلقه بيديه دونه ، ولو كان خالقا لإبليس بيده كما خلق آدم صلى الله عليه وسلم بيده لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه ، وكان إبليس يقول محتجا على ربه : فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم صلى الله عليه وسلم بهما ، فلما أراد الله تعالى تفضيله عليه بذلك ، وقال الله تعالى موبخا له على استكباره على آدم صلى الله عليه وسلم أن يسجد له : (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ؟) ، دل على أنه ليس معنى الآية القدرة ، إذ كان الله تعالى خلق الأشياء جميعا بقدرته ، وإنما أراد إثبات يدين ، ولم يشارك إبليس آدم صلى الله عليه وسلم في أن خلق بهما .
وليس يخلو قوله تعالى : (لما خلقت بيدي) أن يكون معنى ذلك إثبات يدين نعمتين ، أو يكون معنى ذلك إثبات يدين جارحتين ، تعالى الله عن ذلك ، أو يكون معنى ذلك إثبات يدين قدرتين ، أو يكون معنى ذلك إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا قدرتين ، لا توصفان إلا كما وصف الله تعالى ، فلا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين ، لأنه لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول القائل : عملت بيدي وهو نعمتي ، ولا يجوز عندنا ولا عند خصومنا أن نعني جارحتين ، ولا يجوز عند خصومنا أن يعني قدرتين ، وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع ، وهو أن معنى قوله تعالى : (بيدي) إثبات يدين ليستا جارحتين ، ولا قدرتين ، ولا نعمتين لا يوصفان إلا بأن يقال : إنهما يدان ليستا كالأيدي ، خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت .
ويقال لهم : لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله : (بيدي) يدين ليستا نعمتين ؟ فإن قالوا : لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة ، قيل لهم : ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة ؟ وإن رجعونا إلى شاهدنا ، أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق فقالوا : اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة ، قيل لهم : إن عملتم على الشاهد – يعنى المشهود من البشر أو الأقيسة التي تحكمه - وقضيتم به على الله تعالى ، فكذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك - وإلا كنتم لقولكم تاركين و لاعتلالكم ناقضين .
وإن أثبتم حيا لا كالأحياء منا فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالأيدي ؟ وكذلك يقال لهم : لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا ثم أثبتم أن للدنيا مدبرا حكيما ليس كالإنسان ، وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد اسمعوا رد أبى الحسن الأشعري على كل معتنق للمذهب الأشعري ، ينفي صفة اليدين ويدعى التعارض بين الآيات كما قال الشيخ طه عبد الله عفيفي ( وليت شعرى أيثبت هؤلاء الجاهلون كل ما ورد من تلك الظواهر فيثبتون له يدا بمقتضى قوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) (الفتح:10) أم يدين بمقتضى قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) (المائدة:64) أم أيد عديدة بمقتضى قوله تعالى : ( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ) (يس:71) ) .
فإن قالوا لنا إذا أثبتم لله عز وجل يدين لقوله تعالى : (لما خلقت بيدي) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى : (مما عملت أيدينا) ؟ قيل لهم : قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي ، فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك ، وجب أن يكون الله تعالى ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين ، لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع ، وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين ، لأن القرآن على ظاهره ، ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة ، فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ، ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة ، فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز وجل الأيدي وأراد يدين ، فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟ ، قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين ، لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة ، وقول من قال يدا واحدة ، فقلنا يدان ، لأن القرآن على ظاهره ، إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر .
فإن قال قائل : لماذا أنكرتم أن يكون قوله تعالى : (مما عملت أيدينا) ، وقوله تعالى : (لما خلقت بيدي) على المجاز ؟ قيل له : حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ، ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ، ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم ، فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر ، وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة ، كذلك قوله تعالى : (لما خلقت بيدي) على ظاهره وحقيقته من إثبات اليدين ، ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة .
ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص ، وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة ، وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة ، بل واجب أن يكون قوله تعالى : (لما خلقت بيدي) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم : فعلت بيدي ، وهو يعني النعمتين .
هذه عقيدة الأشعري في صفة اليدين ولو طالعتم كتابه الإبانة لرأيتم وجوها أخرى ينسف بها آراء هؤلاء المبتدعة من الأشعرية أبناء المعتزلة وأحفاد الجهمية ، وهذه أيضا عقيدة الأشعري في سائر صفات الذات والأفعال عقيدة تتبنى المنهج السلفي ، وليس فيها إلا تقديم النصوص وإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .
ماذا حدث للعقيدة السلفية بعد موت الأشعري وظهور الأشعرية ، هذا ما نتحدث عنه في المحاضرة القادمة إن شاء الله سبحانك الللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:06 PM.