اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > ركن الغـذاء والـدواء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-02-2011, 09:07 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
Thumbs up الإعجاز فى خلق السموات

مجموعة من كلمات علمائنا فى الإعجاز فى خلق السماء وهو منقول للفائدة . أسألكم الدعاء


من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم

من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم


السرّ الأول :

ظاهرة النسبية في القرآن الكريم

ما أردنا قوله: (عند نظرنا في القرآن الكريم.. لماذا نحتكم للمعاني الاصطلاحية الشائعة، ولا نحتكم إلى جملة المعاني اللغوية للفظ؟!.. إن أخذ جملة المعاني اللغوية للفظ بالحسبان (وهي متعددة) يفتح آفاقا جديدة للانفتاح على النص الكريم)



بين يدي الظـاهرة

مع ازدياد تعقيدات الحياة وتشعباتها تزداد حاجتنا لفهم أنفسنا، ولفهم الواقع من حولنا، وهي المهمة التي يمكن أن نوكلها لأنفسنا بجدارة إن نحن أحسنا التعامل مع كتاب الله تعالى، لكن ذلك التعامل يحتاج منا إمعان نظر ، بحيث لا تبقى معارفنا الدينية مجرد تكرار لمعارف آبائنا وأجدادنا.

ولدى تمعننا في آيات الله فقد جذب انتباهنا جانب اعتبرناه في حينه جديرا بالدراسة، بل اعتقدنا بأنه يخفي خلفه ظاهرة أصيلة من الظواهر التي يوحي بها النص القرآني الكريم، وتلك الظاهرة هي "ظاهرة النسبية في القرآن الكريم"، لكن وقبل أن نخوض في أمر تلك الظاهرة ؛ فلابد من بعض التقديم بين يديها..



القرآن: كلامُ الله

يُعرّف القرآن الكريم بأنه كلامُ الله العربيّ المثبت في اللوح المحفوظ للإنزال، ثم المنزّل بواسطة جبريل الأمين على سيدنا محمدe للهداية والإعجاز، وهو المنقولُ إلينا بالتواتر؛ والمكتوب في المصاحف.

وفي تعريف مبسط له يمكن القول بأنه: كلام الله المنزّل على محمدٍ e؛ المتعبد بتلاوته.

والقرآنُ لغةً: مشتقٌ من مادة الفعل "قرأ"(1) والذي يأتي بمعنى: الجمع والضمّ. والقراءةُ هي: ضمُّ الحروفِ والكلماتِ إلى بعضها. والقرآن في الأصل كالقراءة، مصدر: قرأ؛ قراءة؛ وقرآناً. قال تعالى: {إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}(القيامة:17-18) أي قراءته. وهو مصدرٌ على وزن "فُعلان" ،بالضم، كالغُفران، والشُكران. تقول: قرأته قرءاً وقُرآناً، بمعنى واحد.

ويُطلقُ "القرآن" بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن، وكذلك على كلّ آيةٍ من آياته، فإذا سمعتَ من يتلو آيةً من القرآن الكريم صحّ أن تقول: إنه يقرأُ القرآن، مثال ذلك قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(الأعراف:204).

وقد ذُكر كذلك بأن تسميته "قرآناً" إنما جاءت لجمعِهِ ثمرةَ كتبِ الله كلِها، ولجمعِهِ ثمرةَ جميعِ العلوم، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء}(النحل:89).. وقد سُمي القرآنُ "قرآناً" كونه متلواً بالألسنة، كما روعي في تسميته "كتاباً" كونه مدوناً بالأقلام.

وللعلماء في تعريفِ "القرآن" قولاً يميزه عن غيره من الكتب المنزّلة، فهو (كلامُ الله المنزّل على محمدe، المتعبد بتلاوته).



إعجازُ القرآن الكريم وسحرُ بيانه

وللقرآن الكريم وجوه من الإعجاز التي لا تعد ولا تحصى بحيث تعجز الكلمات عن الإحاطة بكل تلك الوجوه، لكنّ بعضاً من الكلمات التي أوجزت في وصفه تناولت "الغاية الموضوعية" التي جاء القرآن الكريم لأجل تحقيقها، فهو ،من هذا المتناوَل، حجةُ الله على العالمين، والمستندُ الأكبرُ لشريعة الإسلام، وبثبوت حجة الله على البشر ثبتت الحجةُ بضرورة العمل..

وقد ثبتت حجةُ الله على البشر بثبوتِ إعجاز القرآن الكريم لكل من تحداهم الله من العقلاء، وهذه الحجة لا تقتصر على من نزل القرآن الكريم فيهم في العصر الأول للنبوة، بل ثبتت كذلك في حق من نُقل إليهم فيما بعد ،بالتواتر، وإلى يومنا هذا. وقد ثبتت حجة الله عزّ وجلّ على البشر بثبوت عجزهم أمامه وحيرتهم في مواجهته.

و"العجز" حسبما هو مُتعارفٌ عليه: اسمٌ للقصور وعدم الاستطاعة عن فعل الشيء. وهو ضد "القدرة"، وإذا ثبت الإعجاز ظهرت قدرة المُعجِز، ويكون الهدف من الإعجاز: إظهارُ صدق النبيّ e في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة؛ وهي القرآن الكريم، وعجز الأجيال المتتابعة من بعدهم، فالقرآن الكريم ،من هذه الناحية، جاء بالتحدي الدائم والمستمر إلى يوم القيامة؛ في مواجهة الجنِّ والإنس؛ وذلك عندما تحداهم أن يأتوا بمثله: {وإن كنتم في ريبٍ مما نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}(البقرة:23).. كذلك فقد تحدّاهم أن يأتوا ببعضٍ من مثله: {قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات}(هود:13)..

وعندما ثبتَ عجزُهم أمام هذا التحدي؛ كان القول الفصل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً}(الإسراء:88)

وأمام هذا الإعجاز؛ وذلك التحدّي.. تعددت الآراء حول إعجاز القرآن الكريم؛ والقدرِ المعجز منه، فقد ذهب المعتزلةُ إلى أن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن الكريم لا ببعضه أو بكل سورة برأسها. لكنّ آخرين ذهبوا إلى أن القليل والكثير منه مُعجِز؛ دون تقييد بسورة معينة، لقوله تعالى: {فليأتوا بحديثٍ مثله}(الطور:34).

وذهبت فئةٌ ثالثةٌ إلى أن الإعجازَ يتعلقُ بسورةٍ تامةٍ ولو كانت قصيرة، أو قدْرِها من الكلام؛ كآيةٍ واحدةٍ أو آيات.

كذلك وجدنا من ذهب إلى أن إعجاز القرآن الكريم لا يقعُ في قدرٍ معينٍ منه فحسب؛ بل نجد ذلك الإعجاز كذلك في (أصواتِ حروفِه، ووقعِ كلماتِه، كما نجده في الآية والسورة، فالقرآن كلام الله وكفى)(2).. وهي حجةٌ ،ولا شكّ قوية تسترعي الانتباه إلى حقيقةٍ في غاية الأهمية؛ وهي أن إعجاز القرآن الكريم لم يقتصر ، فقط، على الحقائق الموضوعية التي يطرحها، ولا في قدراته البلاغية وحسب، بل في تمتعه كذلك بإعجازٍ غيرِ عاديّ حتى على مستوى تناسقِ حروفِ الكلمة الواحدة.



سحرٌ يأخذ بالقلوب والألباب

لقد كان تأثيرُ القرآن الكريم على كلّ من سمعه تأثيراً عجيباً؛ إذ سحرت(3) كلماتُه قلوبَهم؛ وسلبتهم عقولهم وألبابهم، وكان أعجب ما فيه أن خاصيته تلك كانت بالنسبة لهم أمراً غامضاً غيَر معتاد، ووجدوا فيه ظاهرةً تكاد تكون ،بالنسبة لهم، غيرَ مفهومةِ الأسباب!!.. (ونزل القرآن فظنّه العربُ أولّ وهلةٍ من كلام النبيّ e، وروحوا عن أنفسهم بانتظار ما أَمِلوا أن يطلعوا عليه في آياته البيّنات..)(4) ولم يكن عجيباً حينها أن تتباينَ ردودُ أفعالهِم تجاهه، فمنهم من اطمأن إليه فآمن به، ومنهم من جحد فكفر، ومنهم من لم يحسم الأمر فآثر الانتظار لعل الأيام تأتي بالخَبَرْ!.

ولقد أثار القرآن الكريم ،ومنذ بداياته الأولى، ردودَ فعلٍ تميزت بالحيرة، فلم يكن من السهل ،بدايةً، استيعابُ حقيقة إرسال نبيّ افترضوا وجوب أن يكون واحداً من أرفعِهم مكانةً، أو أكثرِهم مالاً وولداً!!.. أما محمد e وما تميز به من مكانةٍ رفيعةٍ ،سواءً من حيث نَسَبِه أو أخلاقه ،والتي لم يعرفوا لها مثيلاً، فقد كان بالنسبة لهم آخر من يصلح لتلك المهمة! {وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم}(الزخرف:31)...

ولم يكن مهماً ،بالنسبة لبعضهم، ما كان يتمتعُ به محمدٌ e من رفيعِ خصالٍ وصِدْقِ حديث، إذ أضمروا له التكذيب حتى وإن كان صادقاً! (ومرّوا ينتظرون وهم مُعِدّون له التكذيب، مُتربصون به حالةً من تلك الأحوال؛ فإذا هو قَبِيلٌ(5) غيرِ قبيلِ الكلام، وطبعٌ غيرِ طبعِ الأجسام، وديباجةٌ كالسماء في استوائها لا وهيٌ ولا صدعٌ، وإذا عصمةٌ قويةٌ، وجمرةٌ متوقدةٌ، وأمرٌ فوق الأمر، وكلامٌ يحارون فيه بدءاً وعاقبة)(6).

وباختصار؛ فإن الشكّ في تلك اللحظات كان شريعةَ الجميع ،إلا من رحم ربُك، والشكُ ،في حدّ ذاته، حقٌ مشروعٌ يمكن من خلاله التمييز بين الأصيل وبين ما كان ادعاءً، لذا؛ فلم يكن مستغرباً أن يجمعَ الشكُ تجاه محمدe ودعوته بين عمر بن الخطاب والوليد بن المغيرة، إضافة إلى ما أصابهما من صدعٍ وذهول بالتأثير المحكم لآيات القرآن الكريم!.

وتنقلُ لنا كتبُ التاريخ روايتين متشابهتين تؤرخان لإسلام عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه وأرضاه، الأولى منهما لعطاء ومجاهد، نقلها ابن إسحق وقد جاء فيها على لسانه: (كنتُ للإسلام مُباعداً، وكنتُ صاحبَ خمرٍ في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلسٌ يجتمعُ فيه رجال قريش... فخرجتُ أريدُ جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحداً. فقلت: لو أنني جئت فلاناً الخمّار. فخرجتُ فجئته، فلم أجِدْه. قلت: لو أنني جئتُ الكعبةَ فطفتُ بها سبعاً أو سبعين، فجئتُ المسجدَ أريدُ أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللهe قائمٌ يصلي، وكان إذا صلّى استقبلَ الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، واتخذ مكانه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني. فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعتُ لمحمدٍ الليلةَ حتى أسمعَ ما يقول. وقام بنفسي أنني لو دنوتُ منه أسمع؛ لأروّعنه، فجئتُ من قِبَل الحِجْر؛ فدخلتُ تحت ثيابِها، وما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعتُ القرآنَ رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام!.

والرواية الأخرى تشير إلى أن عمر ،رضي الله عنه، خرجَ مُتوشحاً سيفه؛ يريدُ رسولَ اللهe ورهطاً من أصحابه قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصفا، وهم قريبٌ من أربعين بين رجالٍ ونساء، وفي الطريق لقيه نعيم بن عبد الله فسأله عن وجهته؛ فأخبره بغرضه، فحذّره (أي نعيم) بني عبد مناف، ودعاه أن يرجع إلى بعض أهله؛ خِتنه(7) سعيد بن زيد بن عمرو، وأخته فاطمة بنت الخطاب زوج سعيد، فقد صبئا عن دينهما. فذهب إليهما عمر، وهناك سمع "خَبّاباً" يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب، وبطشَ بِخِتْنِهِ سعيد، وشجّ أخته فاطمة... ثم أخذ الصحيفة ،بعد حوار، وفيها سورة "طه"، فلما قرأ صدراً منها قال: (ما أحسن هذا الكلام وأكرمه) ثم ذهب إلى النبيّ e فأعلن إسلامه، فكبّر النبيّ e تكبيرةً عرف أهلُ البيتِ من أصحابِه أن عمر قد أسلم(8).

كذلك فقد واجهت المعاندين والمستكبرين من قريش مواقفُ مشابهة، وذلك من خلال ما أحدثه القرآنُ الكريمُ من تأثيرٍ مزلزلٍ في نفوسهم، فقد حدثَ مثلُ ذلك مع الوليد بن المغيرة؛ والذي أذهلته الآياتُ بِسِحْرِها وأَلَقِها، فتصرفَ مقهوراً مُنساقاً تحت وطأة تأثيرها، حتى وجدناه لا يقوى على إنكار ما أصابه!، ووجدناه يصفُ القرآنَ الكريمَ والحيرةُ تأخذُ بلبّه وجنانه، فأصبح لا يمتلك لنفسه حولاً ولا قوة، وسمعناه يُقرُ مُعترفاً: (فوا لله ما منكم رجلٍ أعلمَ مني بالشعر ولا بِرَجَزِهِ ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبهُ الذي يقولُه شيئاً من هذا، والله إنّ لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يُعلى عليه)!!.

لكنّ اعترافه هذا لم يكن ليقنعَ قريشاً، فهو ،أي الوليد، لم يذمّ القرآن، بل امتدحه!!.. فلما زادوا عليه من ضغوطهم؛ لم يجدْ مخرجاً إلا أن يلويَ أعناقَ الألفاظ، وأن يتلاعب بالكلمات، فبدلاً من أن يعترف بأن هذا السحر إنما يدل ،بالضرورة، على عدم بشرية مصدره، وجدناه يتجاوب مع دعوة أبي جهلٍ له؛ والتي قال له فيها: (والله لا يرضى قومُك حتى تقول فيه(9))...

وهنا تتجلّى قدرةُ بعض البشر على التحايل!، واتباع الأساليبِ الملتويةِ لوصفِ حقيقةٍ ما بغيرِ ما يجبُ أن توصفَ به!.. فجاءَ ردّ الوليد هذه المرة: (دعني أفكر فيه). فلما أنْ فكّر قال: (إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه)؟!.

وبهذا الرد يكون الوليد قد أفشى لنا ،عن غير قصدٍ بالطبع، سراً من الأسرار التي استأثر بها القرآنُ الكريم دون غيره من كلام العرب، ذلك هو الاستحواذُ الغريب؛ والسطوةُ التي لا تردّ؛ لكلمات الله على كلّ من سمعها، بل لعل الوليد في استخدامه لتلك الألفاظ قد أسدى لنا خدمةً أخرى كبيرة، فهو باستخدامه لألفاظٍ من قبيل "سِحْرْ" قد أشار إلى ذلك المصدر الغامض؛ والمجهول لسحر القرآن الكريم، والذي لا يمكن إلا أن يكون وجهاً من الوجوه التي استأثر بها القرآن الكريم؛ فتميزت به لغته عن لغة البشر!.

وفي قولٍ ،يمكنُ تعميمه، فإن ذلك التأثير الاستحواذي للقرآن الكريم لم يكن أمراً مقصوراً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو الوليد بن المغيرة، فلطالما ارتبط ذلك الانفعال تجاه القرآن الكريم بعلاقةٍ جدليةٍ مع عامل آخر كان له أبلغ الأثر في تجلية تلك الميزة وذلك السحر، ولم يكن ذلك العامل إلا تلك المقدرةِ اللغويةِ العالية التي طالما تميزّ بها العرب في ذلك الوقت، والتي مكّنت لهم سُبُلَ التفريق بين الأصيل وما هو غير ذلك، تلك المقدرة التي لو لم تُوجد ،في حينه، لما أمكن لنا ،أبداً، أن نشعر بإعجاز القرآن الكريم، ولاستوى لدينا حينها الغث والسمين!..

وأمام تلك السطوة المثيرة للانفعال؛ فلم يكن أمام بعض المستكبرين إلا اختراع الحجج؛ الواحدة تلو الأخرى، وشقّ سُبُلِ الإنكار، سبيلاً في إثر آخر؛ فاتجه البعضُ لوصف القرآن الكريم بأنه: {أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا}(الفرقان:5)..

لكنهم ،هنا أيضاً، لم يفلحوا في إخفاء الأثر العميق الذي أحدثه القرآن الكريم في نفوسهم.. فبوصفهم للقرآن الكريم بـ "الأساطير" ،بعد أن أطلقوا عليه صفة "السحر"، وجدناهم قد أثبتوا عجزَهُم عن ردّه إلى أصلٍ بيّنٍ واضح، فهو بالنسبة لهم سحرٌ غير معلوم المصدر!، أو أسطورةٌ تأتيهم من أعماق التاريخ المجهول، فهم لا يملكون لها ردّا، ولا يعرفون لها تفسيراً!.



بيانٌ يورثُ الحيرة

من هنا؛ فقد تدرجت بهم الحيلةُ لابتداعِ الطرقِ الكفيلةِ بالتغلب على هذا السحر ومواجهة سطوته، وعلى تلك الأساطير ،بزعمهم، والتغلب عليها، وقادهم ذلك إلى تفكيرٍ جديد: فما دام تأثيرهُ غامضاً لا يجدي معه التعامل العقلي البحت؛ فليكن السبيل لمواجهته عدمُ الاستماعِ إليه أصلاً!!: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن، والغَوْا فيه لعلكم تغلبون}(فصلت:26) فغايةُ غَلَبِهِمْ هنا أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم فِراراً منه.. وإنه لغلبٌ؛ وأي غلب؟!.

باختصار؛ فقد تجلت الحيرةُ في كلّ ردود الأفعال التي فوجئت بِنَظْمِهِ البديع، فمن آمن كان في حيرةٍ من أمره؛ قبل أن يشرح الله صدره للإيمان، ولعل من آمن ،فيما بعد، كان دائم التساؤل مُتعجباً: ما الذي فعله القرآن بي؟!... ومن كذب على نفسه وخدعها بوصفه للقرآن بالسحر ،ليخلُص إلى نتيجة مفادها أن محمداً ليس أكثر من ساحر، كان في حيرةٍ من أمرهِ كذلك، ولعله قضى لياليه مُسَهَدّا(10) متعجباً يسائل نفسه: أيةُ قوةٍ تلك التي سيطرت عليّ فجعلتني أذهب إلى ما ذهبت إليه؟!...

وقد بيّن القرآنُ الكريم ،في لقطاتٍ نادرةٍ، ردودَ أفعال الفئة الأخيرة، فَصَوّرَها في حيرتها لا تكاد تثبت على حال، فهي متقلبةُ الفكر، مبلبلةُ الخاطر والوجدان، تتناوشها الوساوسُ؛ وتختلطُ عليها الأفكارُ بغير ما انضباط!، ولننظر إلى اللقطات النفسية العجيبة، والتي تجلت في حججهم المبتورة: {قد سمعنا...} ... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...} {إن هذا إلا أساطير الأولين...}(الأنفال:31) {أضغاث أحلام...} {بل افتراه...} {بل هو شاعر}(الأنبياء:5)..

ولنتأمل الجُمَلِ القصيرةِ؛ والعباراتِ القلقةِ التي صوّرت حالهم، فهي لا تكاد تقذفها الألسِنةُ حتى تنقطع!!... وكأن القرآن الكريم ،وهو يرسم لنا ردود أفعالهم تلك؛ إنما يصوّر لنا حالةً تنطبقُ على البشرِ جميعاً عندما يتنكرون لما هو واضحٌ جليّ، تلك الحالة التي إذا ما تلبست قوماً حوّلتهم إلى حالةٍ من القلق تُفقدهم توازنهم، فنراهم يتلجلجون في الوصف على غيرِ هدىً: {قد سمعنا...}... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...}... الخ.. لكنهم ما إن يبدأوا باستعادة توازنهم، والسيطرة على انفعالاتهم؛ حتى نجدَهم يبدأون مرحلةً جديدةً من مراحل الكَذِبِ؛ لكنه كذب صُراح هذه المرة؛ كذبٌ مع سبق الإصرار؛ وبغيرما خجلٍ أو حياء!... وهي المرحلة التي انتهى إليها بعض من تنكر للرسالة المحمدية في مراحلها الأولى؛ حيث لجأوا إلى الادعاء ببشرية المصدر الذي أُخذ عنه القرآن الكريم، والادعاء بعدم اختلافه عن أقوال البشر في شيء؟!: {فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر، إن هذا إلا قول البشر}(المدثر:24-25)..

من هنا أمكننا أن ندرك عُمق ما أحدثه القرآن الكريم من تأثيٍر غير مسبوق في النفس المتلقية لآياته، تلك التي آمنت، أو هاتيك التي كَفَرَتْ به على حدٍ سواء، لكن تظلُ أشدّ صورِ ذلك التأثير وضوحاً تلك الحيرة الكاملة؛ وذلك الجهل المطبق بماهية السرّ الذي مكّنّ للقرآن أن يُحدث كلّ ذلك الأثر، ولعل ذلك السرّ هو ما ترك الجميع يتساءلون وهم حائرون: أين يكمن السر؟!..



أين يكمن السر؟!

فأين يكمنُ سرّ تلك الزلزلة التي أحدثها القرآن الكريم في كياناتٍ لغويةٍ رفيعة؛ ذاتِ حسٍّ جماليٍّ مُرهف؟!..

... فهل كان السرّ كامناً في الموضوعات ذاتها؛ والتي تناولها القرآن الكريم في أول عهده؟!...

...أم كان السرّ في صُلب التشريعات التي أرساها؟...

... أو لعله كان موجوداً في تلك النبوءات المستقبلية التي تنبأ بها قبل حدوثها بسنوات؟!...

فإذا ما رحنا نستقرئُ الآياتِ الكريمةِ الأولى التي تنزّلت في مكة فلن نجد فيها هذا ولا ذاك، فهي لم تكن تحتوي تشريعاً مُحكماً، ولا علوماً كونيةً سابقة(11) ولن نجد فيها إخباراً بالغيب يقع بعد سنين، مثل ذلك الذي ورد في سورة "الروم"(12).

يجب إذنْ (أن نبحث عن "منبع السحر في القرآن" قبل التشريع المحكم، وقبل النبوءة الغيبية، وقبل العلوم الكونية، وقبل أن يصبح وحدةً مكتملةً تشمل هذا كله)(13)..

وهنا لابد لنا من إعادة السؤال كَرّةً أخرى: ما الذي احتواه القرآن الكريم من أسرار مكّنَتْ له كلّ ذلك التأثير الذي لا يردّ؛ وجعلت له تلك السطوة التي لا تقهر؟!..

لعل ما أحدث كلّ ذلك كان يتمثل في شحناتِ الانفعال التي دفعتها الآياتُ الكريمة في قلوب من استمع إليها، بغضّ النظر عن الموضوع المراد الإخبار عنه...

...ولعله كان متمثل
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-02-2011, 09:10 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

أين السموات السبع؟
ذكر القرآن في الكثير من المواضع السماء والسموات، ويتساءل بعض الإخوة عن وجود هذه السموات وهل هي الكون أم الفراغ بين النجوم... فيما يلي وجهة نظر حول هذا الموضوع....





هذا السؤال يتكرر كثيراً حيث يقول أحد السائلين: أين هي السموات السبع؟ وإذا كان العلماء يتحدثون عن الفراغ بين النجوم وعن المجرات وعن الدخان والغبار الكوني وغيرها من نيازك ومذنبات وأشعة كونية... فأين السماء؟

القرآن يا أحبتي يفرِّق بين النجوم وبين السماء، يقول تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) [الملك: 5]. وهذا يعني أن السماء مزيَّنة بالنجوم، والسماء هي بناء محكم لأن الله يقول: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) [البقرة: 22]. وهذا البناء شديد وقوي لأن الله يقول في آية أخرى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [النبأ: 12]. أما المجرات والنجوم فهي تشكل نسيجاً تم حبكه بإحكام، وذلك لقوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7].

من هذه الصفات نستطيع أن نقول إن السماء ليست الفراغ بين المجرات، والسماء ليست الكون أو Universe بل هي بناء قوي يسيطر على الكون وتتوسطه النجوم والمجرات وتسبح عبره. وهذه المواصفات تنطبق على ما يعتقد العلماء بوجوده ويسمونه المادة المظلمة Dark Matter ويقولون إن الكون مليء بالمادة التي لا نراها وهي تشكل أكثر من 96 % منه، وهي قوية جداً وتشكلت مباشرة بعد نشوء الكون من الدخان والغازات الناتجة عن الانفجار الكبير.

ونحن نقول لا يوجد انفجار بل هو فتق ورتق كما حدثنا القرآن عن ذلك بقوله: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: 30]. فقد خلق الله الكون من كتلة ابتدائية واحدة ليدلنا على أن الخالق واحد! ثم انفلقت وتفتق عنها الذرات وتشكل الدخان الكوني الذي تكثَّف فيما بعد وشكل السماء والأرض بأمر الله تعالى، يقول عز من قائل: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 11-12].والقرآن يا إخوتي دقيق في تعابيره، فبعد تأمل طويل في آياته وجدتُ أن القرآن لا يأمرنا أن ننظر إلى السماء مباشرة بل أن ننظر إلى ما تحويه السماء، يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]. وعندما يطلب من البشر أن يتأملوا السماء يأمرهم أن يدرسوا بناءها وكيف بُنيت، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6].
ولذلك يمكن القول:

1- السماء تحيط بالكون بل وتملأ الكون ولكننا لا نراها إنما نستطيع معرفة الكيفية التي بنيت بها، وكيف رفعها الله تعالى وفق قوانين الجاذبية المحكمة، وأن كل ما نراه هو النجوم والمجرات التي تزين السماء.

2- قد يتطور العلم يوماً ما ونتمكن من رؤية السماء، فلا يوجد آية تمنع من حدوث مثل هذا الأمر، والأمر مرهون بمشيئة الله تعالى القادر على كل شيء، فكما أنه عز وجل سمح للبشر أن يخرجوا خارج الغلاف الجوي كذلك قد يمكنهم من رؤية السماء، ولكنهم لن يستطيعوا الخروج من أقطارها، فالله تعالى يقول: ([img] إن كل الحقائق الكونية التي كشفها العلماء لا تتناقض أبداً مع ما جاء في القرآن الكريم. والسماء ذُكرت في 120 موضعاً، أما السموات فتكررت 190 مرة، والمجموع 310 مرات، وجميع الآيات جاءت متفقة مع العلم الحديث، فلا يوجد أي تناقض بشرط ألا نخلط بين مفهوم الكون (وهو كل شيء موجود من نجوم ومجرات وكواكب...) وبين مفهوم السماء وهي مادة قوية تشكل بناء محكماً وتنتشر في الكون





من اللطائف العددية

هناك أمر يستدعي الوقوف طويلاً، فلماذا جعل الله عدد السموات سبعاً؟ لماذا هذا العدد بالذات؟ لقد وجدتُ بعد بحث طويل أن الله تعالى أراد من وراء هذا العدد أن يعطينا إشارة خفية ودليلاً واضحاً على أنه هو خالق السموات السبع كما يلي:

- الله تعالى جعل عدد طبقات كل ذرة من ذرات الكون سبعاً، وبالتالي ليدلنا على أن مصمم الكون واحد، وهو نفسه خالق السموات السبع. فالذي اختار للذرة الرقم سبعة هو نفسه الذي اختار للسموات الرقم سبعة، فتأملوا هذه الإشارة الرائعة.

- إن عدد السموات سبع، والعجيب أن ذكر السموات السبع تكرر في القرآن بالضبط سبع مرات!! وتأملوا معي هذه الآيات:

1ـ (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة : 29] .

2ـ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) [الإسراء : 44].

3ـ (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [المؤمنون : 86] .

4ـ (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : 12] .

5ـ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق : 12] .

6ـ (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [الملك : 3] .

7ـ (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [نوح : 15] .إن هذا التوافق بين عدد السموات السبع وبين عدد مرات ذكرها في القرآن، ليدل دلالة قطعية على أن خالق السموات السبع هو نفسه منزل القرآن!!
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-02-2011, 09:11 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

انكسار الأشعة الضوئية

انكسار الأشعة الضوئية




قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً) (الفرقان:46)

فالظل هنا هو الظل بمعناه العام ، سواء كان ظل حيوان أو نبات أو جماد بما في ذلك الليل الذي هو ظل الأرض .

تدعو الآية الكريمة أن نرى صنع الله الذي أتقن كل شيء صنعه ، فيما نرى ، في الظل . فهو الذي خلقه و خلق أسبابه و مده ، و لو شاء سبحانه لغير في أسبابه فجعله ساكناً لا يتحول و لا يزول ، كما يحدث في بعض الكواكب ، كعطارد مثلاً ، ذلك الكوكب القريب من الشمس ، و الذي يقابلها بوجه واحد فقط . فنهاره نهار أبدي ، و ليله ليل أبدي ،و الظل فيه ساكن .

و جعل سبحانه الشمس دليلاً على الظل فبها عرف و بها حدد .

ثم يعرض سبحانه واحدة من آياته في الآفاق . و إحدى معجزات هو الظل لعصرنا : " ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً".

و يجب أن ننتبه هنا إلى أن الظل الذي ( قبضناه قبضاً يسيراً) هو الظل الذي دليله ضوء مصباح مثلاً ، أو ضوء نار ،لا يدخل في حكم الآية .

إن الله سبحانه لم يترك الظل الناتج في الأرض عن الشمس على امتداده الذي كان من الممكن أن يكون عليه . بل قبضه قليلاً ،و جعله أصغر أو أقل من ذلك .

لتفسير الآية و فهمها جيداً ، يجب أن ندرس حادثة انكسار الأشعة عندما تمر من وسط إلى آخر مختلف الكثافة .

ـ تسير الأشعة الضوئية بخطوط مستقيمة ما دامت في وسط متجانس ذي كثافة ثابتة ، حتى إذا صادفت طبقة أخرى مختلفة الكثافة ، اجتازتها ـ إن كان ذلك ممكنا ً ـ بعد أن ينحرف خط سرها انحرافاً يتناسب مع الفرق بين الكثافتين .

أظن أن كل واحد منا رأى هذه الحادثة عندما رأى صدفة ، أو غير صدفة ، قضيباً موضوعاً بشكل مائل في الماء ، و القسم الأعلى منه بارز في الهواء ، فإن سحبه من الماء وجده مستقيماً و إن أرجعه وجده معقوفاً . و لعل البعض لم يستطع أن يجد تعليلاً لهذه الحادثة .

إن تعليلها هو أن الأشعة تنحرف عندما تنتقل من الماء إلى الهواء بسبب اختلاف الكثافتين ، فيظهر القضيب و كأنه معقوف .

نعود إلى الظل الذي دليله الشمس .

ينبعث الضوء من الشمس ، و يسير عبر الفراغ الكوني بخطوط مستقيمة ، حتى إذا اصطدم بعضه بالهواء الأرضي ، ذي الكثافة العالية بالنسبة للفضاء ، انحرف ليسير في خط مستقيم آخر يشكل خط سيره في الفراغ زاوية ما .

هكذا يظهر لنا بوضوح كيف ان حادثة الانكسار سبب قبض الظل قبضاً يسيراً .

المرجع :

الإسلام و الحقائق العلمية تأليف محمود القاسم دار الهجرة بيروت
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-02-2011, 09:12 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

شبهة: سجود الشمس تحت العرش
نحاول الإجابة عن سؤال أو شبهة طالما رددها الملحدون في حديث النبي عليه الصلاة والسلام حول سجود الشمس تحت العرش، لنقرأ......


إنها شبهة أثارها أعداء الإسلام بهدف التشكيك في صدق نبينا عليه الصلاة والسلام، فقالوا إن الشمس تجري بقوانين كونية محكمة، ومع أننا نراها تغرب وتتحرك إلا أن الحقيقة أن الأرض هي التي تدور حولها. لقد شككوا بصدق حديث النبي الأعظم عندما قال لأبي ذر حين غربت الشمس: (أتدري أين تذهب)، فيقول أبو ذر: الله ورسوله أعلم، فيقول الحبيب: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: 38]، والحديث رواه البخاري.
إن المؤمن يؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله، وأول صفة للمتقين أوردها الله في كتابه هي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 2]، فقد حدثنا الله عن كثير من الأشياء الغيبية مثل الجن والملائكة والقيامة والجنة والنار ومعجزات الأنبياء، وكل هذه الأشياء لا يوجد إثبات علمي ملموس عليها، فهل ننكرها كما يفعل الملحدون؟
إن العلم لم يصل إلى نهايته، بل كلما كشف العلماء حقيقة علمية جديدة زاد إحساسهم بجهلهم أكثر وتبين لهم أن الكون أعقد مما كانوا يظنون، وقد يكشف العلماء حقائق حول سجود الشمس في المستقبل، وبالتالي نكون أمام دليل مادي ملموس على صدق قول النبي عليه الصلاة والسلام.

لقد أراد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يذكرنا بأن هذه الشمس هي مخلوق من مخلوقات الله يسجد له ولا يعصي أمره، لقد صحح المعتقدات السائدة في زمنه حيث كان الناس يعتقدون أن الشمس هي إله فيسجدون لها. ولو كان النبي يريد الشهرة أو المال كما يدَّعون لكان الأجدر به أن يقرَّ قومه على شركهم وعقيدتهم الفاسدة في ألوهية الشمس، ولكنه رسول من عند الله.
ولكن الحديث يؤكد على سجود الشمس وأنها تجري في فلكها وهي ساجدة لخالقها تعالى. ويمكننا أن نفهم هذه النقاط لنتمكن من فهم الحديث أكثر:
1- إن كل شيء يسجد لله وبالتالي فإن الشمس تسجد لله في كل لحظة، وهذا لا يتناقض مع نص الحديث، بل إن النبي الأعظم عندما قال: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش) يعني أن الشمس في رحلتها تبقى ساجدة، فالعرش يحيط بالكون كله من جميع جوانبه، فأينما تكون الشمس فهي تحت العرش، وكل المخلوقات هي تحت العرش أيضاً!
2- إن عمل الشمس الدائم في توليد الطاقة والحرارة هو امتثال لأمر الله وسجود له، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج: 18].
3- إن أفضل طريقة للرد على المشككين في مثل هذه الشبهات أن نزداد إيماناً ويقيناً وتمسكاً بهذا الدين، ولا نفسح مجالاً لهم أن يشككوا في ديننا الحنيف، فالله تعالى يريد أن يختبر إيماننا وصدقنا وثقتنا به، فالمؤمن لا يطلب الدليل الملموس على كل شيء، بل لسان حاله يقول: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) [آل عمران: 7]. وليس ضرورياً أن نأتي بالدليل العلمي على كل شيء.
فلو جاء ملحد وأنكر وجود الملائكة وطلب الدليل العلمي، فما هو العمل؟ ببساطة نقول إننا نؤمن بكل ما جاء في القرآن والسنة، فإذا كان هناك دليل علمي زادنا إيماناً وتسليماً، وإذا لم يوجد دليل علمي فهذا لن يؤثر في إيماننا. ولذلك فإن أول صفة للقرآن وردت هي (لَا رَيْبَ فِيهِ) وأول صفة للمتقين وردت هي (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فتأملوا معي هاتين الصفتين:
1- القرآن لا ريب فيه أي لا شك فيه.
2- المتقون يؤمنون بالغيب أي بالأشياء غير الملموسة والتي لا يوجد عليها دليل مادي.
ولكن الله تعالى أودع في كتابه الكثير من المعجزات العلمية لتثبتنا على الحق، وترك أشياء ليختبر صدق إيماننا، فلو قدم الله لنا الدليل المادي على كل شيء فما فائدة الإيمان إذاً، وكيف نتميز عن الملائكة أو عن الجمادات، فهذه لا تعصي أمر خالقها لأنها ليست مخيرة، ولكن الله أعطانا حرية الاختيار، ولذلك قال في أول سورة العنكبوت: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت: 1-6].
ملاحظة:
أرسل لي أحد الإخوة الأفاضل مقالة تفسر حديث النبي في سجود الشمس تحت العرش، ووجدتُ شيئاً مفيداً وهو أنه إذا جاء أحد الملحدين وذكر هذا الحديث وقال إنه يخالف العلم، نقول له: إن الحديث يحوي حقيقتين الأولى علمية والثانية غيبية!
فقد اشتمل الحديث عن حقيقة علمية تؤكد بأن الشمس في رحلتها فإنها تسجد، وهذا ما نراه حولنا من نظام ودقة في عمل الشمس، لأن سجود الشمس ليس كسجود البشر، بل سجودها هو امتثالها لأمر الله وما أودعه فيها من قوانين كونية لا تحيد عنها.
أما الحقيقة الثانية فهي حقيقة غيبية تؤكد سجود الشمس تحت العرش، والعرش هو أمر غيبي مجهول بالنسبة لنا، لا نعرف مكانه ولا طبيعة مادته ولا حجمه ولا شكله... ولذلك فإننا نرتكب خطأً عندما نفسر حقيقة غيبية بحقيقة علمية، ينبغي أن نميز بينهما، فنحن نعلم حجم الشمس ومادتها وآلية عملها وسرعة جريانها وغير ذلك بدقة تامة، أما ما يتعلق بالعرش فليس لدينا علم حوله، وبالتالي نقول إن هذا الحديث صحيح ونحن كمسلمين نؤمن به كإيماننا بالله تعالى.
ملاحظة ثانية:
هناك الكثير من الأمور التي تشتبه على بعض الناس، والملحدون يسعون دائماً للحديث عن المتشابهات في القرآن، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 6- 7]، ولذلك يجب أن ننتبه من مثل هذه الأقاويل التي يسوقها المشككون حول كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلة والسلام، وأقول إن أفضل طريقة للرد على المشككين أن نظر لهم تمسكنا وإيماننا بالله تعالى وهذا أمر يجعلهم أكثر ضعفاً وارتباكاً.
وقد علَّمنا الله دعاء عظيماً يمكن أن ندعو به عندما نجد أي شك أو ارتياب أو تساؤل لا نجد إجابة له، مثلاً إذا كان الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ لماذا خلق الله البشر ثم يعذبهم؟ لماذا خلق الله الشر والمرض وجهنم... وغير ذلك من الأسئلة التي يسوقها الشيطان ليشككنا في ديننا. نقول: (آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، ولذلك علمنا الله دعاء عظيماً وهو: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21-02-2011, 09:13 PM
الصورة الرمزية مسترسمير إبراهيم
مسترسمير إبراهيم مسترسمير إبراهيم غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 5,807
معدل تقييم المستوى: 21
مسترسمير إبراهيم is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله كل الخير أستاذ عمرو عبدة
نفعك الله تعالى بالعلم وزادك من فضلة
مع خالص التحية
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21-02-2011, 09:15 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

السقف المحفوظ

السقف المحفوظ




يلفت الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن الكريم انتباهنا إلى خاصية مهمة من خصائص السماء في قوله : (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:32)، هذه الخاصية قد أثبتتها الأبحاث العلمية التي أجريت في القرن العشرين .




طبقة الماغناتوسفير تتشكل من حقول الأرض المغناطيسية و تشكل درعاً واقيا للأرض من الأجرام السماوية و الأشعة الكونية و الجزيئات الضارة . في الصورة أعلاه يمكن مشاهدة طبقة الماغناتوسفير و حزام فان الن . هذه الأحزمة التي تعلو الأرض بمسافة آلاف الكيومترات تحمي الكائنات الحية منا الطاقة التي عرفتها عليها القرآن الكريم منذ 1400عام من خلال قوله تعالى : " وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً


فالغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يؤدي وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة ، فهو حين يدمر الكثير من النيازك الكبيرة و الصغيرة فإنه يمنعها من السقوط على سطح الأرض و إيذاء الكائنات الحية .


بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية . و الملفت أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي و الأشعة فوق البنفسجية و موجات الراديوا بالمرور . و كل هذه الإشعاعات أساسية للحياة .




هذه الصورة التوضيحية تظهر النيازك و هي على وشك الارتطام بالأرض إن كل الأجرام السماوية التي تسبح في الفضاء قد تشكل تهديداً خطيراً على الأرض ولكن الله سبحانه وتعالى الذي خلقها بأكمل خلق جعل الغلاف الجوي سقفاً حامياً لها . و بفضل هذه الحماية الخاصة فإن معظم النيازك لا تؤذي الأرض ، إذ أنها تتفتت في الغلاف الجوي


فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرور ها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي ، ضروري جداً لعملية التمثيل في النباتات و لبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة التي نبتعد من الشمس يتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي و لا تصل إلا كمية محدودة و ضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.


هذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر .


و ليس الغلاف الجوي فقط هو الذي يحمي الأرض من التأثيرات الضارة ، فبالإضافة إلى الغلاف الجوي فإن ما يعرف بحزام فان ألن وهو طبقة نتجت عن حقول الأرض المغناطيسية ، تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا . هذه الإشعاعات ( التي تصدر عن الشمس و غيرها من النجوم باستمرار ) مميتة للكائنات الحية . و لولا وجود حزام فان ألن ، لكانت الانفجاريات العظيمة للطاقة المسماة التموجات أو الانفجارات الشمسية ( التي تحدث بشكل دائم في الشمس ) قد دمرت الأرض .






الصورة أعلاه تعود إلى فجوة أحدثها سقوط أحد النيازك في أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية .ولولا وجود الغلاف الجوي لسقطت ملايين النيازك على الأرض جاعلة منها مكاناً غير قابل للعيش فيه . ولكن خاصية الحماية التي يتمتع بها الغلاف الجوي تسمح للكائنات بالبقاء آمنة على قيد الحياة . و هذا بالطبع من لطف الله بالناس ، و معجزة كشف عنها القرآن الكريم .

يقول دكتور هوغ روس عن أهمية حزام فان آلن ما يأتي :" في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي ، و هذا القلب الغظيم للأرض المكون من الحديد و النيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير ، و هذ1 الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الإنفجارات الإشعاعية . ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض .و لا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض و كوكب المريخ الصخري ، ولكن قوة حقله المغناطيسي أقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي ، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي . إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض [1].

إن الطاقة التي ينقلها انفجار واحد فقط من هذه الانفجاريات التي تم حساب قوتها مؤخراً تعادل قوة مائة بليون قنبلة ذرية شبيهة بتلك التي ألقيت فوق هيروشيما . بعد خمس و ثمانين ساعة من انفجارها لوحظ أن الإبر المغناطيسية في البوصلة أظهرت حركة غير عادية ، ووصلت الحرارة فوق الغلاف الجوي على ارتفاع مائتين وخمسين كيلومتراً إلى 1500درجة مئوية .


و باختصار فإن هناك نظاماً متكاملاً يعمل فوق الأرض و هو يحيط عالمنا و يحميه من التهديدات الخارجية . إلا أن العلماء لم يعلموا بوجوده إلا مؤخراً ، ولكن الله سبحاه و تعالى أخبرنا منذ قرون بعيدة من خلال القرآن الكريم عن غلاف الأرض الجوي الذي يشكل درعاً واقياً .



معظم الناس ينظرون إلى السماء دون أن يتفكروا بأوجه الحماية التي يوفرها الغلاف الجوي . و عادة لا يفكرون في الحال التي يكون عليها العالم لولا وجود هذا الغلاف .




و حين تنتقل بالحديث عن الأرض نجدها ملائمة تماماً للحياة البشرية ، عندما ننفذ من الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي نصادف فيه برودة شديدة تصل 270درجة تحت الصفر ، حمي منها العالم بفضل الغلاف الجوي .






الطاقة التي تنتجها الشمس تتفجر كقنبلة هائلة يصعب على العقل البشري تصور مداها . فانفجار واحد كقنبلة هائلة يصعب على العقل البشري تصور مداها . فانفجار واحد يساوي مائة بليون قنبلة ذرية مشابهة لتلك التي ألقيت على مدينة هيروشيما . إن العالم محمي من الآثار الهدامة لمثل هذه الطاقة بفضل الغلاف الجوي و حزام فان الن .


المرجع : كتاب معجزة القرآن الكريم تأليف هارون يحيى
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21-02-2011, 09:18 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

حركة القمر وولادته

و القمر قدرناه منازل






المتأمل في نظام الكون و حركاته ، ينقلب إليه البصر خاسئاً و هو حسير ، إذ لا يجد في هذه الحركات و الأفلاك إلا النظام التام و الدقة الكاملة يقول تعالى :


(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ {4}[ سورة الملك ].


و المتأمل في نظام الشمس و القمر و الأرض ، لا يلبث أن تأخذه الدهشة و الذهول من تلك الأجرام المتحركة في تقدير عجيب و توافق غريب ، و ما ينشأ عن ذلك من ظواهر الليل و النهار ، و الشروق و الغروب ، و تطورات الهلال من محاق إلى هلال إلى بدر ، ثم ظواهر الخسوف و الكسوف ، و ما يرافقها من رهبة و دهشة ، و تضرع و إذعان . فمن هذا الذي خلق هذا الكون كله و قدره تقديراً ، و قرر أنظمته تقديراً . سيقولون الله ، فقل أفلا تتقون ؟ يقول تعالى في سورة الرحمن : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {5} وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ {6} وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7}[سورة الرحمن ].


فكل ما خلق الله سبحانه من شمس و قمر ، و زرع و شجر ، وسماء و أرض ، بعيدة عن العجز و النقصان ، و الخلل و الطغيان .


و يقول سبحانه في (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} [سورة يس ].


معلومات عامة عن القمر :


يأخذ القمر نوره من أشعة الشمس ، ثم يعود فيعكس على الكرة الأرضية ،بحيث ترى الأرض دائماً نفس الوجه من القمر .


يبعد القمر عن الأرض 356410كم ، ويصل بعده في أدنى اقتراب من الأرض 356400كم ، يبلغ قطره 3476كم ، و سرعته على مداره 3680 كم في الساعة . و حرارته القصوى 117 مئوية ، و حرارته الدنيا 162.7 تحت الصفر . أعلى جبل فيه هو قمة ديورفيف في القطب الجنوبي القمر ، ويبلغ ارتفاعه 10.5كم بالنسبة إلى سطحه .


منازل القمر :


يتحرك القمر باعتباره تابعاً للأرض ، يتحرك حول الأرض فيتم دورته حولها في مدة تقارب 29.5يوماً . و هو ما يسمى بالشهر القمري أو العربي ، لتفريقه عن الشهر الشمس أو الغربي ، الذي مدته حوالي 30.5يوماً ، و هو مشتق من حركة الأرض حول الشمس ، التي تتم في اثني عشر شهراً شمسياً ، و تقدر بحوالي 365يوماً ، و هي السنة الشمسية . أما السنة القمرية التي تعادل اثني عشر شهراً قمرياً فتقدر بحوالي 354يوماً.



و لو كانت الأرض لا تدور حول نفسها ، لرأينا القمر يسير ببطء زائد ، حتى أنه يدور دورة واحدة فقط حول الأرض في مدة 29.5يوماً . و لكن حركة الأرض حول نفسها تجعلنا لا نلحظ مقدار حركة القمر الصحيحة إلا إذا راقبناه يومياً في نفس الوقت ، مثلاً عند الغروب ، فبمقدار ما يكون قد علا على الأفق يكون مقدار مسيره الحقيقي . و بما أنه يتم دورته الكاملة في حوالي 30يوماً ، و هي تعادل على الأرض 24ساعة ، إذن يتأخر غروب القمر كل يوم عن اليوم السابق بمقدار 30/24من الساعة أي 5/4 الساعة ’ أي نحو 48دقيقة ، أي بمعدل ثلاثة أرباع الساعة كل يوم تقريباً .


و هذا الارتفاع التدريجي للقمر نحو كبد السماء باتجاه الشرق يوماً بعد يوم ، يسمح له باظهار نصفه المضيء بالتدريج ، الذي يستمد نوره من الشمس بالنسبة للأرض ، والأرض بينهما تقريباً ، و ظهر بدراً كاملاً يطلع من الشرق عند المغرب . ثم بعد نصف الشهر ينتابه النقصان من جديد حتى يعود إلى المحاق ، حيث يقع بين الشمس و الأرض ، ويكون وجهه المضيء تجاه الشمس ، ووجهه العاتم تجاه الأرض.


ولبيان منازل القمر و كيف يصير هلالاً بعد المحاق ، قال سبحانه مصرواً ذلك (و القمر قدرناه منازل حتى ....


أي حتى صار كالعرجون القديم ، و هو عرق النخل الذي تشكل منذ عام أو أكثر ، فالهلال يكون مقوساً مثله .


ما معنى ولادة القمر علمياً :


و الآن نتساءل كيف يلد القمر ، و كيف يتحول إللا هلال ثم بدر ؟ إن القمر أثناء دورانه حول لأرض يمر بوضعية ينطبق فيها ظاهرياً على الشمس ، و هذا يوافق المحاق . فإذا علا قليلاً عنها بالنسبة للناظر من الأرض قلنا أنه ولد ( أنظر الشكل التالي ) لأن الجزء السفلي من وجهة المضيء يبدأ بالظهور . وفي هذه الحالة نحصل على الهلال بشكل حرف (ن) . لكن هذا لا يحدث إلا نادراً ، و ذلك عندما تقع الأرض والقمر و الشمس على استقامة واحدة ، و هي حالة كسوف الشمس . أما في الحالة العامة فيكون القمر منزاحاً إلى أحد جانبي الشمس . ففي بلادنا يكون منزاحاً إلى جهة يسار الناظر (جنوب ) .


فإذا صار القمر أثناء دورانه على خط أفقي واحد مع الشمس يكون في المحاق .


و بمجرد انزياحه عن هذه الوضعية و ارتفاعه عن أفق الشمس ، يبدأ طرفه المضيء بالظهور و نقول أن القمر قد ولد . ويكون شكل الهلال عندها مثل الحرف (ر) .


بيد أن العين البشرية لا تستطيع رؤية القمر بعد ولادته إذا كان عمره أقل من ثماني ساعات ، وذلك لشدة قربه من الشمس و تأثير ضوئها على وضوحه . وبما أن الولادة للقمر متعلقة برؤيته ، فإذا التمسنا القمر عند غروب الشمس و كان عمره أكثر من ثماني ساعات و استطعنا رؤيته نقول إنه ولد شرعاً.


القمر ساعة كونية :


فانظر في هذه الآية الربانية و المعجزة الإلهية ( القمر ) كيف خلقها الله وسواها ، و أحكم صنعها وسيرها .


لا بل انظر إلى هذه الساعة الكونية التي تبزغ في سمائنا كل يوم متزايدة في نورها ، لتعطينا تأريخا شهرياً منتظماً دورته ، 30 يوماً تقريباً ، فبما أن القمر يكتمل نوره 16 يومأً تقريباً ، فإن إضاءة نصفه تعادل 8 أيام تقريباً و إضاءة ربعه تعادل 4 أيام تقريباً و هكذا .. فمن نظرة سريعة إلى الجزء المضيء من القمر نستطيع معرفة التأريخ الشهري القمري بخطأ لا يتجاوز اليوم الواحد .


و قد أشار سبحانه إلى هذه النعمة و المعجزة بقوله :


هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {5}[سورة يونس ].


الفرق بين السنة الشمسية و السنة القمرية :


ذكرنا أن السنة الشمسية تعادل 365 يوماً ، و أن السنة القمرية تعادل 354 يوماً ، الفرق بينهما 365 – 354 = 11 يوماً .


و يتراكم هذا الفرق مع توالي السنين ( كل سنة 11يوماً ) ، فيصبح كل ثلاثة سنوات شهراً تقريباً ، فذا وقع أول المحرم في أول نيسان مثلاً فبعد ثلاث سنوات يصبح أول المحرم في أول آذار ، و بعد ثلاثة سنوات في أول شباط .. و هكذا يتراجع إلى الوراء شهراً كل ثلاث سنوات . و يعود التطابق بين التقويمين الشمسي و القمري كل 33 سنة حيث أن كل 32 سنة شمسية تعادل 33 سنة قمرية ، بفرق يومين فقط . أي يعود الوضع النسبي بين الشمس و القمر و الأرض متماثلاً كل 33سنة . و من هذا المنطلق لا حظ علماء الجو أن الأحوال الجوية التي تطرأ على الأرض تحدث على نمط متشابه كل 33سنة فإذا حصل قحط على الأرض ، فإنه يحدث قحط مشابه له بعد 33سنة .


وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التعادل بين السنة الشمسية و السنة القمرية ، و أنه كلما مضى مائة سنة شمسية تمضي 103 سنة قمرية ، أي بزيادة ثلاثة سنوات كل مائة سنة ، و ذلك في معرض حديثه عن أهل الكهف حيث قال عن مدة لبثهم في الكهف .


( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا {25} [سورة الكهف ].


فإذا حسبنا المدة على حساب السنة الشمسية تكون 300سنة ، و إذا حسبنا ها على السنة القمرية تكون 309 أي بفارق تسع سنين .


فسبحان من سير النجوم في أفلاكها ، وقدر سرعتها و سنواتها ، و هو العالم بحركاتها ، تبارك الله أحسن الخالقين .


المصدر : كتاب " الله و الإعجاز العلمي في القرآن " تأليف لبيب بيضون ماجستير في العلوم
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21-02-2011, 09:24 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

و السماء ذات الحبك

‏والســماء ذات الحبك‏



قال تعالى : (والسماء ذات الحبك‏*‏ إنكم لفي قول مختلف‏*‏ يؤفك عنه من أفك‏*‏ قتل الخراصون‏*‏الذين هم في غمرة ساهون‏*‏ يسألون أيان يوم الدين‏*‏ يوم هم علي النار يفتنون‏*‏ ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون‏) (‏ الذاريات‏:7‏ ـ‏14).‏

يستهل ربنا الله تعالى سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية‏,‏ الدالة علي طلاقة قدرته‏,‏ وكمال علمه‏,‏ وتمام حكمته‏,‏ وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب‏,‏ هو وعد صادق‏,‏ وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق‏,‏ واقع‏,‏ لا فكاك منه‏,‏ ولا هروب عنه‏...!!!‏
ثم يعاود ربنا‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ القسم مرة أخري‏,‏ في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس ـ بصفة عامة ـ وكفار قريش ـ بصفة خاصة ـ مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا‏,‏ وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون‏,‏ والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة‏,‏ والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوى والضلال‏,‏ فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله‏(‏ تعالى ‏)‏ هو خالق السماوات والأرض‏,‏ وخالق كل شيء‏,‏ ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوى أنها تقربهم إلى الله زلفى‏,‏ وبزعم أنها تشفع لهم عند الله‏(‏ تعالى ‏),‏ كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه الصادق الأمين‏,‏ وصاحب الخلق العظيم‏,‏ ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء‏,‏ فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافى مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه‏(‏ شرفه الله تعالى وكرمه‏)‏ بالسحر‏,‏ والشعوذة‏,‏ وبالشعر‏,‏ والكهانة‏,‏ بل بالجنون‏,‏ وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق ـ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ـ وعن التسليم لهذا الدين الخاتم‏,‏ ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب‏,‏
ثم الخلود في حياة أبدية قادمة‏,‏ إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!‏
وصرف الناس عن الحق إضلال لهم‏,‏ وهدر لحياتهم‏,‏ وإفشال لدورهم في هذه الحياة‏,‏ ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله‏,‏ ولذلك وصفها‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ بـ الإفك‏,‏ وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق إلى الباطل في الاعتقاد‏,‏ وعن الصدق إلى الكذب في المقال‏,‏ وعن الجميل إلى القبيح في الأفعال‏...!!!‏
ومن هنا‏,‏ كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله‏,‏ أي ضاع عقله منه‏,‏ فأصبح فاقد العقل والمنطق‏.‏ ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني‏:‏
(والسماء ذات الحبك‏*‏ إنكم لفي قول مختلف‏*‏ يؤفك عنه من أفك‏*‏ قتل الخراصون‏*‏الذين هم في غمرة ساهون‏*‏ يسألون أيان يوم الدين‏*‏ يوم هم علي النار يفتنون‏*‏ ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون‏) (‏ الذاريات‏:7‏ ـ‏14).‏
ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف‏,‏ مضطرب‏,‏ وحيرة بالغة‏,‏ وقلق دائم‏,‏ وأوهام مفزعة‏,‏ وظنون مضيعة في أمر الدين ـ بصفة عامة ـ وفي أمر الآخرة ـ بصفة خاصة ـ وما تستلزمه من بعث وحساب‏,‏ وجنة ونار‏...!!!‏

ومع التسليم الكامل بأن الله‏(‏ تعالى ‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون‏,‏ واستقامة الحياة علي الأرض‏,‏ أو فيهما معا يبقي السؤال‏:‏ ما المقصود بـالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟

وللإجابة علي ذلك‏,‏ نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك
الحبك في اللغة العربية
لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ مستمدة من الفعل‏(‏ حبك‏),‏ بمعني شد وأحكم يقال‏‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏),‏ كما يقال‏‏ أحبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏إحباكا‏)‏ أي شده وأحكمه‏.‏
ويقال‏‏ حبك‏)‏ النساج الثوب‏,‏ أي أجاد نسجه‏,‏ و‏(‏حبك‏)‏ الحائك الثوب أي أجاد صنعه‏,‏ وضبط أبعاده‏,‏ فالأمر‏(‏ المحبوك‏)‏ المحكم الصنعة‏,‏ وكذلك‏(‏ الحبيك‏)‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ أي‏(‏ المحبوك‏)‏ و‏(‏المحبوكة‏),‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ أحبكته‏).‏
كذلك يقال في اللغة‏‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ تحبيكا‏),‏ أي وثقه وشدده ويقال‏‏ تحبك‏)‏ ثوبه أي التف به وشد‏(‏ الحبكة‏),‏ و‏(‏احتبك‏)‏ الثوب أي‏(‏ حبكه‏)‏ حول جسده‏,‏ و‏(‏احتبك‏)‏ بالإزار أي احتزم به‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط‏,‏ و‏(‏المحبك‏)‏ هو مكان شد الإزار من الجسم‏,‏ و‏(‏الاحتباك‏)‏ شد الإزار‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة‏,‏ والجمع‏(‏ حباك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ و‏(‏حبائك‏),‏ فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي‏(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏حبائك‏)‏ ومفردها‏(‏ حبيكة‏)‏ أو ما يطلق عليه إلى وم اسم علامات النيم‏,‏ ودرع الحديد لها حبك‏.‏
و‏(‏الحبيكة‏)‏ وجمعها‏(‏ حبائك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ هي الطريق من خصل الشعر ونحوه‏,‏ فالشعرة الجعدة تكسرها‏(‏ حبك‏),‏ وفي حديث الدجال أن شعره‏(‏ حبك‏),‏ وعلي ذلك يقال‏:‏ فلان رأسه‏(‏ حبك‏)‏ أي شعر رأسه متكسر من الجعودة‏.‏
وقد جاءت لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط‏,‏ وذلك في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى ‏):‏ والسماء ذات الحبك‏*‏
ومن الاستعراض اللغوي السابق‏,‏ يتضح أن من معاني ذلك‏:‏




‏1‏ ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق‏.‏ ‏2‏ ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم‏.‏ ‏3‏ ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها‏.‏ ‏4‏ ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها‏.‏
آراء المفسرين
في تفسير القسم القرآني‏:‏ والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ قول ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏):‏ ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء‏,‏ والحسن والاستواء‏,‏ أي ذات الخلق الحسن المستوي‏,‏ وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد‏,‏ وعكرمة‏,‏ وسعيد بن جبير‏,‏ والسدي‏,‏ وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين‏(‏ يرحمهم الله جميعا‏).‏
كذلك أشار ابن كثير إلى قول الضحاك‏(‏ يرحمه الله‏):‏ الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق‏,‏ فذلك الحبك‏,‏ وإلى قول أبي صالح‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ان ذات الحبك أي ذات الشدة‏,‏ وإلى قول خصيف‏(‏ رحمة الله عليه‏)‏ ان ذات الحبك‏,‏ تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة‏,‏ وإلى قول الحسن البصري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنها حبكت بالنجوم‏,‏ وإلى قول عبدالله بن عمرو‏(‏ رحمه الله‏):‏ والسماء ذات الحبك‏,‏ يعني السماء السابعة‏,‏ ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏),‏ فإنها من حسنها مرتفعة‏,‏ شفافة‏,‏ صفيقة‏,‏ شديدة البناء‏,‏ متسعة الأرجاء‏,‏ أنيقة البهاء‏,‏ مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات‏,‏ موشحة بالكواكب الزاهرات‏.‏
وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏)‏ أن الله‏(‏ تعالى ‏):‏ أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب‏,‏ وهي من بدائع الصنع‏,‏ جمع‏(‏ حبيكة‏),‏ كطريقة وزنا ومعني‏,‏ أو‏(‏ حباك‏)‏ كمثل ومثال‏,‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ و‏(‏الحباك‏):‏ الطريقة في الرمل ونحوه‏,‏ ويقال‏‏ حبك‏)‏ لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني‏,‏ أو ذات الخلق السوي الجيد‏,‏ من قولهم‏(‏ حبك‏)‏ الثوب‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏),‏ أجاد نسجه‏,‏ وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ احتبكته‏),‏ وجواب القسم‏:‏ إنكم لفي قول مختلف‏*....‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب‏,‏ كتنسيق الزرد‏(‏ أي الدرع‏)‏ المتشابك المتداخل الحلقات‏...,‏ وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد‏,‏ مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح‏,‏ وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة‏.‏
وذكر الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏)‏ في شرح قول الحق‏(‏ سبحانه وتعالى ‏):‏
والسماء ذات الحبك‏:‏ أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن‏.‏

السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي

تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا‏,‏ أن لتلك السماء من الصفات مايلي‏:‏
‏(‏أ‏)‏ أنها شاسعة الاتساع‏,‏ عظيمة البناء‏,‏ متقنة الخلق والصنعة‏.‏
‏(‏ب‏)‏ أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها‏.‏
‏(‏ج‏)‏ أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها‏.‏
‏(‏د‏)‏ أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها‏,‏ علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها‏.‏

‏(‏أ‏)‏ والسماء ذات الحبك‏,‏ بمعني ذات الإحكام في الخلق

يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل‏,‏ وتتفاوت هذه المجرات في الشكل‏,‏ وفي الحجم‏,‏ وفي الكتلة‏,‏ وفي سرعة الدوران حول محورها‏,‏ وسرعة الجري في تباعدها عنا‏,‏ وفي مراحل تطور نجومها‏,‏ وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها‏,‏ فمنها المجرات البيضانية‏,‏ والحلزونية‏,‏ وغير المنتظمة والغريبة في الشكل‏,‏ ومنها المجرات القزمة‏(‏ التي لا يكاد قطرها يتعدى‏3200‏ سنة ضوئية‏),‏ ومنها المجرات العملاقة‏(‏ التي يصل طول قطرها إلى ‏750,000‏ سنة ضوئية‏),‏ وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون‏(‏ أي مليون مليون‏)‏ مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ وتبلغ كتلة مجرتنا‏(‏ الطريق اللبني‏)‏ حوإلى ‏230‏ بليون مرة قدر كتلة شمسنا‏.‏
وتتجمع المجرات في مجموعات محلية ‏(LocalGroups)‏
تضم العشرات من المجرات ‏(Galaxies),‏
وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية ‏GalacticClusters),‏
التي تضم مئات إلى عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات‏,‏ والتي تعرف العلماء علي آلاف منها‏,‏ وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم
(‏ المجموعات المحلية العظمي‏) (TheLocalSupergrups)‏
التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي
‏(GalacticSuperclusters)‏
والتي تحوي مائة تجمع مجري‏,‏ وقد حصي علماء الفلك منها‏16‏ تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا‏,‏ وترتقي التجمعات المجرية العظمي إلى وحدات أعظم‏,‏ تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي ‏(ClustersofGalacticSuperclusters)‏
إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ تعالى ‏).‏

أ ـ شدة تماسك أجزاء السماء من مرحلة الايونات إلى مرحلة الذرات إلى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات

ب ـ مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام

والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إلى مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية‏,‏ وسمكه عشر ذلك‏(‏ أي عشرة ملايين من السنين الضوئية‏)‏ وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها‏.‏

وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية‏,‏ ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده‏.‏
وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي‏150‏ مليونا‏*100‏ مليون‏*15‏ مليونا من السنين الضوئية‏,‏ ووصل أطولها إلى ‏250‏ مليون سنة ضوئية‏,‏ وتسمي باسم الحائط العظيم ‏(TheGreatWall)‏
وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة‏1989‏ م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون‏,‏ وذلك علي النحو التإلى ‏:‏
‏(1)‏ نطاق الانفجار العظيم‏(‏ نطاق كرة النار الأولي‏):‏
ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم‏.‏
‏(2)‏ النطاق الغامض‏:‏ ويضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل إلى بليوني سنة ضوئية‏.‏
‏(3)‏ النطاق بعد النطاق الغامض‏:‏ ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين إلى ثلاثة بلايين من السنين الضوئية‏.‏
‏(4)‏ نطاق أشباه النجوم السحيقة‏:‏ ويضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق‏.‏

‏(5)‏ نطاق أشباه النجوم القديمة‏:‏ ويضم أقرب أشباه النجوم إلينا ‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة‏.‏

‏(6)‏ نطاق المجرات‏:‏ ويحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية‏.‏
وعلي ذلك‏,‏ فإن قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي‏23‏ بليون سنة ضوئية علي الأقل‏.‏
ومجرتنا‏(‏ سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني‏)‏ تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء الدنيا‏,‏ التي لا يعلم حدودها إلا الله‏(‏ تعالى ‏).‏ وهي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية‏,‏ ويضم ما بين مائة بليون إلى تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم في مراحل مختلفة من العمر‏,‏ منها نجوم النسق العادي كشمسنا‏,‏ ومنها العمإلى ق الحمر‏,‏ والعمإلى ق الكبار‏,‏ ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة‏,‏ ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا‏,‏ ومنها النجوم النيوترونية‏,‏ والنجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏)‏ ومنها أشباه النجوم وغيرها‏.‏
وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية‏,‏ فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به‏.‏
وتقدر كتلة مجرتنا‏(‏ سكة التبانة‏)‏ بحوالي ‏4,6*3810‏ طن‏,[‏ أي بمائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا‏(‏ والمقدرة بحوالي ‏333,000‏ مرة قدر كتلة الأرض والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏)].‏
وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي ‏250‏ مليون سنة من سنيننا‏,‏ وهذا هو يومها‏.‏
والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة‏,‏ وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة‏.‏
ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم‏,‏ وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله‏,‏ ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة‏,‏ والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير إلى وجود نجم خانس كانس‏(‏ ثقب أسود‏)‏ في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري‏,‏ كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل إلى ستين ألف سنة ضوئية‏,‏ ويتكون من نجوم و غازات وأتربة‏(‏ دخان‏)‏ تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة‏,‏ وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية‏,‏ وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية‏,‏ وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية‏(‏ شمس‏+‏ تسع كواكب علي الأقل‏+61‏ قمرا‏+‏ عدد من الكويكبات والمذنبات‏)‏ حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية‏,‏ لتتم دورتها في مائتي مليون سنة‏,‏ ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها‏2600‏ من السنين الضوئية‏,‏ ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد إلى مائتي ألف سنة ضوئية طولا‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا‏.‏
وهالة مجرتنا تنقسم إلى نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض‏,‏ ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة و غازات منخفضة الكثافة‏,‏ ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد إلى مسافات شاسعة‏.‏
وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة‏,‏ دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة‏.‏
ويعتقد بوجود أكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا‏,‏ بالإضافة إلى الموجود في مركزها‏,‏ تم اكتشاف أحدها في سنة‏1971‏ م في كوكبة الدجاجة مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مرة قدر كتلة الشمس‏.‏
وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا ـ من أجرام تلك السماء إلى دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام‏,‏ فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئية فتنكمش تلك السحب الكثيفة‏,‏ وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف‏,‏ ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة‏,‏ فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص‏,‏ وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد‏,‏ حتى تصل إلى الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية‏,‏ فيولد النجم‏.‏
ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحلة الأساسية في حياة نجوم السماء الدنيا‏(‏ حيث تمثل‏90%‏ من حياة النجم‏),‏ وعند الشيخوخة تسلك النجوم الهرمة مسلكا من اثنين حسب كتلة المادة والطاقة فيها‏,‏ فإذا كانت كتلة النجم في حدود‏1,4‏ من كتلة الشمس‏,‏ فإنه يتوهج بدرجة فائقة علي هيئة عملاق أحمر ثم يتحول إلى نجم أزرق شديد الحرارة وسط هالة من الايدروجين المتأين‏(‏ أي الحامل لشحنة كهربائية‏)‏ يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة تعرف باسم القزم الأبيض‏,‏ وقد تدب الحياة مرة أخري في ذلك القزم الأبيض‏,‏ فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر‏,‏ ويعود قزما أبيض أكثر من مرة حتى ينتهي به العمر فينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الأول وتنتهي مادته وطاقته إلى دخان السماء فتدخل أو لا تدخل في دورة ميلاد نجم جديد‏.‏
أما اذا تراوحت كتلة النجم بين‏1,4‏ من كتلة الشمس إلى ثلاثة أضعاف كتلة الشمس‏,‏ فإن توهجه يزداد زيادة ملحوظة في شيخوخته متحولا إلى عملاق أعظم
‏(Supergiant),‏ ثم ينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الثاني ‏(TypeIISupernova)‏
عائدا جزئيا إلى دخان السماء علي هيئة بقايا المستعر الأعظم
‏(SupernovaRemnants),‏
ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئة ما يعرف باسم النجم النيوتروني ‏(NeutronStar)‏
وهو نجم قزم‏,‏ منكدر‏,‏ لا يتعدى قطره ستة عشر كيلومترا‏,‏ سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقة‏,‏ تنتج أحيانا تيارا من الموجات الراديوية التي يمكن الاستدلال عليه بها‏,‏ لما تبثه من نبضات راديوية منتظمة يمكن تسجيلها بواسطة المرقاب الراديوي‏.‏
واذا تعدي حجم النجم ثلاثة أضعاف كتلة الشمس‏,‏ فإن ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا‏(‏ ثقبا أسود‏).‏
هذه الصورة للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامة ذلك البناء‏,‏ ودقة بنائه‏,‏ وشساعة أبعاده‏,‏ وإتقان صنعته‏,‏ وروعة خلقه‏,‏ وإحكام كل جزئية فيه وهي من معاني‏(‏ حبك‏)‏ الصنعة‏,‏ ومن هنا كان وصف السماء بأنها ذات‏(‏ حبك‏).‏

‏(‏ب‏)‏ السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد‏

ج ـ شدة الترابط في داخل نواة ذرة الكربون 10ـ 11 ملليمتر
د ـ مجرة حلزونية بها بلاين النجوم المرتبطة بالجاذبية هذه الأعداد المذهلة مما عرفنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا‏(‏ وهي لا تمثل أكثر من‏10%‏ من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك‏),‏ لابد لها من قوي تعمل علي إحكام تماسكها بشدة‏,‏ وتماسك مختلف الأجرام وصور المادة وأشكال الطاقة فيها‏,‏ و إلا لزالت وانهارت‏,‏ وسبحان القائل‏:‏
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا‏*)(‏ فاطر‏:41).‏
ولله في إمساك السماوات والأرض عدد من السنن‏,‏ والقوي التي استطاع الإنسان التعرف علي شيء منها‏,‏ كمايلي‏:‏
‏(1)‏ القوة الشديدة أو القوة النووية
وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة‏(‏ من مثل البروتونات والنيوترونات‏),‏ وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي‏(‏ التي تتم بداخل النجوم‏),‏ وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا في مادة الجزء المدرك من الكون‏,‏ ولو أن هذه الشدة البالغة عبر الأبعاد الضئيلة تتضاءل بشدة عبر المسافات الكبيرة‏,‏ فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات‏,‏ وبين تلك النوى ومثيلاتها‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي اللاحمة أو جليون
‏(Gluon)‏ لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين‏.‏
‏(2)‏ القوة الضعيفة‏:‏ وتساوي‏10‏ ـ‏13‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة‏,‏ كما يحدث في تحلل العناصر المشعة‏,‏ وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات ‏(Bosons)‏
وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة‏.‏
‏(3)‏ القوة الكهرومغناطيسية‏:‏ وتساوي‏137/1‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتؤدي إلى حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية‏.‏
‏(4)‏ قوة الجاذبية‏:‏ وهي أضعف القوي المعروفة علي المدى القصير‏(10‏ ـ‏39‏ من القوة النووية الشديدة‏),‏ ولكن نظرا لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار علي البعد حتى تصبح القوة الحاكمة علي اتساع السماء والأرض‏(‏ أي علي اتساع الكون‏)‏ بعد إرادة الله الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏),‏ حيث تمسك بمختلف أجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها‏,‏ والنجوم ومجموعاتها‏,‏ والتجمعات النجمية بمختلف مراتبها‏(‏ المجرات‏,‏ التجمعات المحلية‏,‏ التجمعات المجرية‏,‏ التجمعات المحلية العظمي‏,‏ التجمعات المجرية العظمي إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏),‏ وأشباه النجوم‏,‏ و السدم‏,‏ وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ صفحة السماء‏,‏ ولولا هذا الرباط الذي أوجده الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏)‏ لانفرط عقد الكون‏.‏
ويفترض وجود قوة الجاذبية علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد‏,‏ اقترح لها اسم الجسيم الجاذب أو الجرافيتون
‏(Graviton),‏ ويعتقد أنه يتحرك بسرعة الضوء‏.‏
وسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق‏:‏
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها‏...*‏ ‏(‏الرعد‏:2)‏
وذلك قبل تعرف الإنسان علي قوة الجاذبية بأكثر من عشرة قرون‏.‏
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية‏,‏ يحاول العلماء جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة‏,‏ حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا‏,‏ كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبرى‏,‏ وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي يعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق‏,‏ ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا إلى وم‏,‏ والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة‏,‏ التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏.‏
وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية‏,‏ ما يعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود‏10‏ ـ‏35‏ من المتر‏,‏ تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر‏,‏ وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية‏.‏
وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء‏,‏ بأنها ذات حبك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏,‏ من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏,‏ إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي إلى كل الكون‏.‏

‏(‏ج‏)‏ والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينة في مختلف أجزائها‏.‏

يتفاوت متوسط كثافة المادة في صفحة السماء الدنيا‏,‏ بين واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏(1*10‏ ـ‏15‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في أشباه النجوم‏,‏ إلى حوالي ‏14‏ من ألف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام‏(‏ أي واحد من مائة من كثافة الشمس‏)‏ إلى ‏1,41‏ جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا‏,‏ إلى طن واحد للسنتيمتر المكعب‏(610‏ جرامات‏/‏سم‏3)‏ في الأقزام البيض‏,‏ إلى بليون طن للسنتيمتر المكعب‏(1510‏ جرامات‏/‏سم‏3)‏ في النجوم النيوترونية‏,‏ إلى أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏).‏
واذا انتقلنا من أجرام السماء إلى المادة بين كل من النجوم والمجرات‏,‏ والمادة في السدم وفي دخان السماء‏,‏ وجدنا درجة أخري من التباين في كثافة المادة السماوية‏,‏ يجعلها تبدو مجعدة كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري‏,‏ إذا مرت به أمواج المياه المندفعة‏,‏ أو تيارات الرياح اللينة فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظة‏(‏ الحبك‏).‏
وتتجسد هذه الصورة في داخل مختلف هيئات تجمع المادة في صفحة السماء من المجموعات النجمية من مثل مجموعتنا الشمسية إلى المجرات‏,‏ إلى التجمعات المجرية العظمي في داخل كل وحدة من تلك الوحدات البانية للسماء الدنيا‏,‏ وبين كل وحدة والوحدات المشابهة لها والأعلي منها رتبة‏.‏

‏(‏د‏)‏ والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات‏(‏ الطرق‏)‏ المحددة لكل جرم من أجرامها‏.‏

من الأمور المبهرة حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا‏,‏ كثرة الأجرام فيها بصورة لا يكاد الإنسان يحصيها‏,‏ وتعدد مسارات تلك الأجرام‏,‏ وتباين مستوياتها‏,‏ دون أدني قدر من التضارب أو الاصطدام إلا بالقدر المقنن والمحسوب بدقة بالغة لحكمة بالغة‏,‏ حتى في لحظات احتضار النجوم وانكدارها‏,‏ وطمسها‏,‏ ثم انفجارها وتناثر أشلائها‏,‏ وتبخر مادتها‏,‏ وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثرة المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد‏.‏
ومن هنا نفهم من القسم القرآني بـ والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططة بدقة فائقة‏,‏ بالإضافة إلى روعة البناء‏,‏ وإحكام الترابط‏,‏ وتباين الكثافات‏,‏ وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك‏.‏
فسبحان الذي أنزل هذا الوصف القرآني من فوق سبع سماوات‏,‏ ومن قبل ألف وأربعمائة من السنين‏,‏ أنزله بعلمه الشامل‏,‏ الكامل‏,‏ المحيط‏,‏ ليصف بلفظة‏(‏ الحبك‏)‏ هذا الكم من صفات السماء‏,‏ التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لها غير الإله الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏).‏
وقد يري القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن‏,‏ لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد‏,‏ وليس هذا لغير كلام الله‏...!!!‏
وتبقي هذه اللمحات الكونية في كتاب الله ـ في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد ـ مصدقة لقول الحق‏(‏ تبارك و تعالى ‏):‏
ولتعلمن نبأه بعد حين‏*(‏ ص‏:88)‏ ولقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون‏*(‏ الأنعام‏:67)‏ ولقوله‏(‏ سبحانه‏):‏
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد‏*(‏ فصلت‏:53)‏
وتبقي أيضا تصديقا لنبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في وصفه للقرآن الكريم بأنه لا يخلق علي كثرة الترداد‏,‏ ولا تنقضي عجائبه‏.‏

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21-02-2011, 09:27 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

القمر كان كوكباُ مشتعلاً

القمر كان كوكباً مشتعلاً




قال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الاسراء:12) .


قال المفسرون آية الليل هي القمر و آية النهار هي الشمس .


قال ابن عباس : عن قوله تعالى : فمحونا آية الليل " لقد كانت القمر يضيء كالشمس فطمسنا ضوءه ".


الحقيقة أن القمر و الأرض و المريخ و كل كواكب المجموعة الشمسية عندما بدأت كانت كلها مشتعلة و سبب هذا هو المواد عندما أخذت تتجمع مع بعضها بعد انفجار الشمس الأم و تكوِّن محيطاً فتندفع إليها القطع الباقية حولها بسرعة جبارة بسبب الجذب و يزداد ارتطام هذه القطع على الكوكب المتكون فتزيد من حرارته زيادة كبيرة حتى تصل إلى درجة انصهار سطحه كله ، وهذا الانصهار يصح أن يمتد إلى سمك حوالي 300 كيلومتر في عمق الكوكب المتكون مع جميع الجهات .


هذا في حالة القمر أما في حالة الأرض فإننا لا نعرف ذلك لآن الأرض تغيرت كثيراً جداً عن يوم خلقها أما القمر فتغير قليلاً جداً من يوم خلقه الله .


و هذا الصهير يكون لونه احمر مثل النار و الصخور تكون منصهرة و سائلة ، و هذا يعني أن درجة الحارة أكبر بكثير من درجة حارة النار التي تعرفها فنحن لا نستطيع أن نصل بدرجة حارة النار لدرجة صهر الصخور لتصبح سائلة أبداً ...


و في هذا الصهر الصخري أو الصخور السائلة تبدأ عمليات انفصال المعادن فتأخذ المعادن الثقيلة في الغوص إلى تحت و تطفوا العناصر الخفيفة إلى فوق ، و نعلم أن هذا قد حدث في قشرة القمر .


و معنى هذا أن الكوكب أو الجسم السماوي يكون ملتهباً في بدء خلقه ، نتيجة ما يتراكم على سطحه من طبقات و قطع المجموعة الشمسية الصلبة و حتى تنصهر المنطقة العلوية كلها في سمك 300 كيلومتر و تبدأ العناصر الثقيلة في الرسوب و تطفوا العناصر الخفيفة و تبرد وتكون القشرة من عناصر خفيفة فوق و عناصر أو معادن ثقيلة تحت .


المصدر :


ندوة بين الشيخ عبد المجيد الزنداني و الدكتور فاروق البارز مدرب رواد الفضاء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21-02-2011, 09:30 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

خلق السماوات و الأرض في ستة أيام

خلق السماوات و الأرض في ستة أيام




قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54)


في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها‏,‏ جاء القرآن الكريم بالتأكيد علي جريها وسبحها‏,‏ وعلي جري كافة أجرام السماء وسبحها في فسحة الكون الرحيب‏,‏ ولكن لما كانت هذه الحقائق


صورة للدكتور زغلول النجار


خافية علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الإشارات القرآنية إليها بصياغة لطيفة‏,‏ رقيقة‏,‏ غير مباشرة حتى لا تصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرسالة الخاتمة‏,‏ ويكون ذلك سببا في حرمان البشرية من هديها‏..!!‏


من هنا جاءت الإشارات القرآنية إلي عدد من الحقائق الكونية التي كانت غائبة عن علم الناس في زمن الوحي ـ ومنها حركات الأرض ـ بصياغة مجملة‏,‏ غير مباشرة‏,‏ ولكنها في نفس الوقت صياغة بالغة الدقة في التعبير‏,‏ والشمول في الدلالة‏,‏ و الاحاطة بالحقيقة الكونية‏,‏ لتبقي مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها‏,‏ وشاهدة للقرآن الكريم بأنه كلام ا لله الخالق‏,‏ وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ بأنه كان معلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ ومؤكدة علي وصفه‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ للقرآن الكريم بأنه لا تنتهي عجائبه‏,‏ ولا يخلق علي كثرة الرد‏.‏


الإشارات القرآنية إلى حركات الأرض‏


استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلي حركات الأرض بغشيان‏ ( ‏ أو بتغشية‏ ) ‏ كل من الليل والنهار للآخر‏,‏ واختلافهما‏,‏ وتقلبهما‏,‏ وولوج كل منهما في الآخر‏,‏ وبسلخ النهار من الليل‏,‏ وبمرور الجبال مر السحاب‏,‏ وبالتعبير القرآني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كناية عن الحركات الانتقالية للأرض‏,‏ وذلك علي النحو التالي‏ : ‏


أولا‏ : ‏ آيات غشيان الليل النهار‏


وجاء ذكرها في آيتي الأعراف رقم‏ ( 54 ) ,‏ والرعد رقم‏( 3 ) ‏ كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل‏.




ثانيا‏ : ‏ آيات اختلاف كل من الليل والنهار‏

تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها مع الزمن مدون فى أجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحية والبائدة


وهي خمس آيات كريمة تؤكد كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي‏ : ‏


‏ ( 1 ) ‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار‏........‏ لآيات لقوم يعقلون


‏ ( ‏البقرة‏ : 164 ) ‏


‏ ( 2 ) ‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ‏ ( ‏آل عمران‏ : 190 ) ‏


‏ ( 3 ) ‏ إن في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ‏ ( ‏يونس‏ : 6 ) ‏


‏ ( 4 ) ‏ وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون‏ ( ‏ المؤمنون‏ : 80 ) ‏


‏ ( 5 ) ‏ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين‏*‏ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون‏*‏ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون


‏ ( ‏الجاثية‏ : 2‏ ـ‏5 ) ‏


ويؤكد القرآن الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير آخر يقول فيه ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏


‏ ( 6 ) ‏ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو اراد شكورا


‏ ( ‏الفرقان‏ : 62 ) ‏


وبتعبير ثالث يقول فيه‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) : ‏


‏ ( 7 ) ‏ والليل إذ أدبر‏*‏ والصبح إذا أسفر‏* ( ‏ المدثر‏ : 34,33 ) ‏


وبتعبير رابع يقول فيه ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏


‏ ( 8 ) ‏ والليل إذا عسعس‏*‏ والصبح إذا تنفس‏ ( ‏ التكوير‏ : 18,17 ) ‏.


ثالثا‏ : ‏ آية تقليب الليل والنهار‏


وقد جاءت في سورة النور حيث يقول الخالق‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) : ‏ يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار‏ ( ‏ النور‏ : 44 ) ‏


وفيها إشارة واضحة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏.‏


رابعا‏ : ‏ آيات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل‏


وهي خمس آيات يقول فيها ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏


‏ ( 1 ) ‏ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل‏. ( ‏ آل عمران‏ : 27 ) ‏


‏ ( 2 ) ‏ ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير


‏ ( ‏الحج‏ : 61 ) ‏


‏ ( 3 ) ‏ ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏.... ( ‏ لقمان‏ : 29 ) ‏


‏ ( 4 ) ‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏... ( ‏ فاطر‏13 ) ‏


‏ ( 5 ) ‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور


‏ ( ‏الحديد‏ : 6 ) ‏


والولوج لغة هو الدخول‏,‏ ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن آخر‏,‏ اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه أي الأرض‏,‏ بمعني ان الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار‏,‏ كما يدخل نصف الأرض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل‏,‏ وهو ما يشير إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بطريقة غير مباشرة‏,‏ ولكنها تبلغ من الدقة والشمول والاحاطة مايعجز البيان عن وصفه‏.‏


خامسا‏ : ‏ آية سلخ النهار من الليل‏


ويقول فيها ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون‏ ( ‏ يس‏ : 37 ) ‏


ومعني ذلك ان الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج‏,‏ ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها امام الشمس‏,‏ وفي هذا النص القرآني سبق بالإشارة إلى رقة طبقة النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت إن سمك طبقة النهار حول الأرض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر‏,‏ واذا نسب ذلك إلى المسافة التي تفصل بيننا وبين الشمس‏ ( ‏ والمقدرة بحوالي المائة والخمسين مليونا من الكيلو مترات‏ ) ‏ فإنها لا تتجاوز الواحد الي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا‏,‏ واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون‏ ( ‏ والمقدر بأكثر من عشرة آلاف مليون من السنين الضوئية‏*9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏ ) ‏ اتضحت ضآلته‏,‏ واتضحت كذلك لمحة الاعجاز القرآني في تشبيه انحسار طبقة النهار الرقيقة عن ظلمة الليل بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها‏,‏ وفي التأكيد علي ان الظلام هو الأصل في الكون‏,‏ وان نور النهار ظاهرة رقيقة عارضة لاتظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس‏.‏


سادسا‏ : ‏ آيتا سبح كل من الليل والنهار كناية عن سبح الأرض في مداراتها المختلفة‏


ويقول فيهما ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ : ) ‏


‏ ( 1 ) ‏ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون‏ ( ‏ الأنبياء‏ : 33 ) ‏


‏ ( 2 ) ‏ لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون


‏ ( ‏يس‏ : 40 ) ‏


سابعا‏ : ‏ آية مرور الجبال مر السحاب‏


وفيها يقول الخالق‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) : ‏


وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ إنه خبير بما تعملون‏ ( ‏ النمل‏ : 88 ) ‏


ومرور الجبال مر السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها‏,‏ وعن جريها وسبحها في مداراتها‏,‏ وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض برباط الجاذبية‏,‏ وحركته منضبطة مع حركة كل من الأرض‏,‏ والسحاب المسخر فيه‏.‏


غشيان‏ ( ‏ تغشية‏ ) ‏ الليل النهار‏ : ‏


جاء ذكر هذه الحقيقة الكونية في آيتين كريمتين من آيات القرآن العظيم يقول فيهما ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏


‏ ( 1 ) ‏ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين‏* ) ( ‏ الأعراف‏ : 54 ) ‏


‏ ( 2 ) ‏ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون‏ ( ‏ الرعد‏3 ) ‏


كذلك جاء ذكر تجلية النهار للشمس‏,‏ وتغشيتها بالليل في قول الحق‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏ والشمس وضحاها‏*‏ والقمر إذا تلاها‏*‏ والنهار إذا جلاها‏*‏ والليل إذا يغشاها‏ ( ‏ الشمس‏ : 1‏ ـ‏4 ) ‏


وجاء ذكر تغشية الليل وتجلية النهار دون تفصيل في قول ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏


والليل إذا يغشي‏*‏ والنهار إذا تجلي‏ ( ‏الليل‏ : 2,1 ) ‏


والفعل‏ ( ‏ يغشي‏ ) ‏ مستمد من‏ ( ‏ الغشاء‏ ) ‏ وهو الغطاء‏,‏ يقال غشي بمعني غطي وستر‏,‏ ويقال‏ ( ‏ غشاه‏ ) ‏ و‏ ( ‏ تغشاه‏ ) ( ‏ تغشية‏ ) ‏ أي غطاه تغطية‏,‏ و‏ ( ‏أغشاه‏ ) ‏ إياه غيره‏,‏ و‏ ( ‏ الغشوة‏ ) ‏ بفتح الغين وضمها وكسرها و‏ ( ‏ الغشاوة‏ ) ‏ مايتغطي أو يغطي به الشيء‏,‏ ويقال‏ ( ‏ غشية‏ ) ( ‏ غشيانا‏ ) ‏ و‏ ( ‏ غشاوة‏ ) ‏ و‏ ( ‏غشاء‏ ) ‏ أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره‏,‏ و‏ ( ‏استغشي‏ ) ‏ بثوبه و‏ ( ‏ تغشي‏ ) ‏ به أي تغطي به‏,‏ و‏ ( ‏الغاشية‏ ) ‏ كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج‏,‏ و‏ ( ‏الغاشية‏ ) ‏ تستخدم كناية عن القيامة التي‏ ( ‏ تغشي‏ ) ‏ الخلق بأهوالها وجمعها‏ ( ‏ غواش‏ ) ,‏ و‏ ( ‏غاشية تغشاهم‏ ) ‏ أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم‏.‏


من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا‏,‏ ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا‏,‏ وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته‏24‏ ساعة‏,‏ يتقاسمها ـ بتفاوت قليل ـ الليل والنهار‏,‏ في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة‏,‏ فلو لم تكن الأرض كروية الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها‏,‏ ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ماتبادل الليل والنهار‏.‏


والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض‏,‏ كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور ـ علي التوالي ـ وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله‏ ( ‏ تعالي‏ ) : ‏


والشمس وضحاها‏*‏ والقمر إذا تلاها‏*‏ والنهار إذا جلاها‏*‏ والليل إذا يغشاها


‏ ( ‏الشمس‏ : 1‏ ـ‏4 ) ‏


وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي‏ ( ‏ وهو الغني عن القسم‏ ) ‏ بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين‏,‏ حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس‏,‏ وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض‏,‏ بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض‏,‏ ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس‏,‏ وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتى يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس‏,‏ بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه‏,‏ وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء‏,‏ ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس‏,‏ بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار‏,‏ فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه‏,‏ والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين‏...!!!‏


كذلك يقسم ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ في سورة الليل ـ وهو‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ غني عن القسم ـ بقوله عز من قائل‏ : ‏ والليل إذا يغشي والنهارإذا تجلي‏ ( ‏ الليل‏ : 2,1 ) ‏ وهو قسم بالليل‏ ( ‏ أي ليل الأرض‏ ) ‏ الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس‏,‏ وقسم بالنهار‏ ( ‏ أي نهار الأرض‏ ) ‏ الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار‏,‏ وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض‏,‏ ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث‏.‏


وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض‏,‏ البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام‏,‏ وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر‏.‏


ويمن علينا ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ بتبادل كل من الليل والنهار فيقول‏ ( ‏ سبحانه‏ ) : ‏ قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون‏*‏ قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون‏*‏ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏ ( ‏ القصص‏ : 71‏ ـ‏73 ) ‏


ويقول‏ ( ‏ عز من قائل‏ ) : ‏


وجعلنا الليل لباسا‏,‏ وجعلنا النهار معاشا‏ ( ‏ النبأ‏ : 11,10 ) ‏


يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا


يتساءل قاريء القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الآية‏ ( ‏ رقم‏54 ) ‏ من سورة الأعراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية الليل النهار‏,‏ أو التغشية بغير تحديد‏,‏ وللإجابة علي ذلك أقول إن آية سورة الأعراف مرتبطة بالمراحل الأولي من خلق السماوات والأرض‏,‏ بينما بقية الآيات تصف الظاهرة بصفة عامة‏.‏


واللفظة‏ ( ‏ حثيثا‏ ) ‏ تعني مسرعا حريصا‏,‏ يقال‏ ( ‏ حثه‏ ) ‏ من باب رده و‏ ( ‏استحثه‏ ) ‏ علي الشيء أي حضه عليه‏ ( ‏ فاحتث‏ ) ,‏ و‏ ( ‏حثثه تحثيثا وحثحثة‏ ) ‏ بمعني حضه‏,‏ و‏ ( ‏تحاثوا‏ ) ‏ بمعني تحاضوا‏.‏


والدلالة الواضحة للآية الكريمة‏ ( ‏ رقم‏54 ) ‏ من سورة الأعراف أن حركة تتابع الليل والنهار‏ ( ‏ أي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏ ) ‏ كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة بمعدلات أعلي من سرعتها الحالية وإلا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏,‏ وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الأشجار المعمرة والمتأحفرة‏,‏ وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع الأشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم تحديد الأزمنة بواسطة الأشجار أو


‏ ( Dendrochronology ) ‏ وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع الأشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتالية في حياة النبات‏ ( ‏ من مركز الساق حتى طبقة الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء‏ ) ,‏ وذلك من أجل التعرف علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك الأشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار تنتج بواسطة التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنة المتتابعة‏ ( ‏ الربيع‏,‏ والصيف‏,‏ والخريف‏,‏ والشتاء‏ ) ‏ فترق رقة شديدة في فترات الجفاف‏,‏ وتزداد سمكا في الآونة المطيرة‏.‏


وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات المناخية المسجلة في جذوع عدد من الأشجار الحية المعمرة مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم


‏ ( Pinusaristata ) ‏ إلي أكثر من ثمانية آلاف سنة مضت‏,‏ ثم انتقلوا إلي دراسة الأحافير عبر العصور الأرضية المتعاقبة‏,‏ وطوروا تقنياتهم من أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار‏ ( AnnualRings ) ‏ وخطوط النمو في هياكل الحيوانات ( LinesofGrowth ) ‏ يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية‏,‏ بفصولها الأربعة‏,‏ وشهورها الاثني عشر‏,‏ وأسابيعها الستة والخمسين‏,‏ وأيامها‏,‏ ونهار كل يوم وليلة وأن عدد الأيام في السنة يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة‏,‏ ومعني ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها اليوم‏,‏ وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الآية رقم‏ ( 54 ) ‏ من سورة الأعراف‏.‏


تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الأرض وعلاقتها بالسرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها عند بدء الخلق في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة أتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية وخطوط النمو زاد عدد الأيام في السنة‏,‏ وزيادة عدد الأيام في السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏.‏


وبتطبيق هذه الملاحظة المدونة في الأحافير‏ ( ‏ البقايا الصلبة للكائنات البائدة‏ ) ‏ بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر الكمبري CambrianPeriod ) ) ‏


أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت ـ كان‏425‏ يوما‏,‏ وفي منتصف العصر الأوردوفيشي ( OrdovicianPeriod ) ‏ أي منذ حوالي‏450‏ مليون سنة مضت ـ كان‏415‏ يوما‏,‏ وبنهاية العصر التراياسي ( TriassicPeriod ) ‏ أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت ـ كان‏385‏ يوما‏,‏ وهكذا ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة‏ ( ‏ والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعة دوران الأرض حول محورها‏ ) ‏ حتى وصل عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي‏365,25‏ يوم تقريبا‏ ( 365‏ يوما‏,5‏ ساعات‏,49‏ دقيقة‏,12‏ ثانية‏ ) .‏ وباستكمال هذه الدراسة اتضح أن الأرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام الشمس واحدا من الألف من الثانية في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لاتجاه دوران الأرض حول محورها‏,‏ وكلاهما يعمل عمل الكابح‏ ( ‏ الفرامل‏ ) ‏ التي تبطيء من سرعة دوران الأرض حول محورها‏.‏ وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للأرض‏ ( ‏ أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية‏ ) ‏ منذ حوالي‏4,600‏ مليون سنة مضت وصل عدد الأيام بالسنة إلي‏2200‏ يوم تقريبا‏,‏ ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الأربع ساعات‏,‏ ومعني هذا الكلام أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية‏..!!‏ فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏ : ‏


إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏... ( ‏ الأعراف‏ : 54 ) ‏


وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما يؤكد تلك الحقيقة الكونية‏,‏ حتى تبقي هذه الإشارة القرآنية الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم‏,‏ وبأنه كلام الله الخالق‏,‏ وبأن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والأرض‏,‏ وأنه‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ ما كان ينطق عن الهوى‏...!!‏


ارتباك دوران الأرض قبل طلوع الشمس من مغربها


بمعرفة كل من سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في أيامنا الراهنة‏,‏ ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن‏,‏ توصل العلماء إلي الاستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من الاضطراب‏,‏ فمنذ اللحظة الأولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق‏,‏ فتبدو الشمس طالعة من الشرق‏,‏ وغاربة في الغرب‏,‏ فإذا انعكس اتجاه دوران الأرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات المصطفي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏


فعن حذيفة بن أسيد الغفاري‏ ( ‏ رضي الله عنه‏ ) ‏ أنه قال‏ : ‏


اطلع النبي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ علينا ونحن نتذاكر‏,‏ فقال‏ : ‏ ما تذاكرون؟‏,‏ قلنا‏ : ‏ نذكر الساعة‏,‏


فقال‏ : ‏ إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات


فذكر‏ : ‏ الدخان‏,‏ الدجال‏,‏ والدابة‏,‏ وطلوع الشمس من مغربها‏,‏ ونزول عيسي بن مريم‏,‏ ويأجوج ومأجوج‏,‏ وثلاثة خسوف‏ : ‏ خسف بالمشرق‏,‏ وخسف بالمغرب‏,‏ وخسف بجزيرة العرب‏,‏ وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم


وعن عبدالله بن عمرو‏ ( ‏ رضي الله عنه‏ ) ‏ قال‏ : ‏ سمعت رسول الله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ يقول‏ : ‏ إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها‏,‏ وخروج الدابة علي الناس ضحي‏,‏ وأيهما ما كانت قبل صاحبتها‏,‏ فالأخرى علي إثرها قريبا‏.‏


وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان‏ ( ‏ رضي الله عنه‏ ) ‏ قال‏ : ‏ ذكر رسول الله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ الدجال‏..‏ قلنا يا رسول الله‏ : ‏ وما لبثه في الأرض؟ قال‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) : ‏ أربعون يوما‏,‏ يوم كسنة‏,‏ ويوم كشهر‏,‏ ويوم كجمعة‏,‏ وسائر أيامه كأيامكم‏,‏ قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) : ‏ لا‏,‏ أقدروا له‏...‏


ومن الأمور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها‏,‏ وفي فترة الاضطراب تلك ستطول الأيام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك‏.‏


ويعجب الإنسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ وما أثبته العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين‏,‏ والسؤال الذي يفرض نفسه‏ : ‏ من الذي علم ذلك لهذا النبي الأمي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا أن الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلي اكتشاف تلك الحقائق الكونية فتكون هذه الإشارات المضيئة في كتاب الله وفي أحاديث خاتم أنبيائه ورسله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ شهادة له بالنبوة وبالرسالة‏,‏ في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه‏.‏


خطأ شائع يجب تصحيحه‏


يظن بعض الناس أننا إذا أدركنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء عددا من معدلات التغيير الآنية في النظام الكوني الذي نعيش فيه فإنه قد يكون من الممكن أن نحسب متي ينتهي هذا النظام‏,‏ وبمعني آخر متي تكون الساعة‏...!!‏


وهذا وهم لا أساس له من الصحة لأن الآخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا‏,‏ وأنها تأتي فجأة بقرار إلهي كن فيكون‏,‏ دون انتظار لرتابة السنن الكونية الراهنة التي تركها لنا ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ رحمة منه بنا‏,‏ إثباتا لإمكان حدوث الآخرة‏,‏ وقرينة علمية علي حتمية وقوعها والتي جادل فيها أهل الكفر والإلحاد عبر التاريخ‏,‏ والذين كانت حجتهم الواهية الإدعاء الباطل بأزلية العالم‏,‏ وهو ادعاء أثبتت العلوم الكونية في عطاءاتها الكلية بطلانه بطلانا كاملا‏...!!!‏


فعلي سبيل المثال ـ لا الحصر ـ تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانية علي هيئة طاقة مايساوي‏4,6‏ مليون طن من المادة‏ ( ‏ أي نحو أربعة بلايين طن في اليوم‏ ) ,‏ ونحن نعرف كتلة الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل أن يتصور إمكان استمرار الشمس حتى آخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمة كتلة الشمس علي ما تفقده في اليوم أن ندرك كم بقي من عمرها؟


هذا كلام يرفضه العقل السليم‏,‏ لأن الساعة قرار إلهي غير مرتبط بفناء مادة الشمس‏,‏ وإن أبقي لنا ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ هذه الظاهرة من الإفناء التدريجي للشمس‏,‏ ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتمية الآخرة‏,‏ أما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله‏,‏ لا يعلمه إلا هو‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) .‏


وبالمثل فإن الحرارة تنتقل في كوننا المدرك من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة‏,‏ ويفترض قانون انتقال الحرارة استمرارتلك العملية حتى تتساوي درجة حرارة كل أجرام الكون وينتهي كل شئ‏,‏ فهل يمكن لعاقل أن يتصوراستمرار الوجود حتى تتساوي درجة حرارة كل الأجرام في الكون‏,‏ أم أن هذا قرار إلهي‏ : ‏ كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحرارة من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة‏,‏ وإن أبقاها الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ قرينة مادية ملموسة علي حتمية الآخرة؟ وعلي أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا ولا أبديا‏,‏ فقد كانت له بداية‏,‏ ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية؟ وهذا ما أثبتته جميع الدراسات العلمية في عصر تفجر المعرفة الذي نعيشه‏,‏ وأن تلك النهاية لن تتم برتابة الأحداث الدنيوية في الجزء المدرك من الكون‏,‏ بل هي قرار إلهي فجائي لا يعلم وقته إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك أنزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) : ‏


يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاهو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏ ) ‏ الأعراف‏ : 187 ) ‏


كما أنزل‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) ‏ كذلك في المعني نفسه‏ : ‏


يسألونك عن الساعة أيان مرساها‏*‏ فيم أنت من ذكراها‏*‏ إلي ربك منتهاها‏*‏ إنما أنت منذر من يخشاها‏*‏ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها‏ ( ‏ النازعات‏ : 42‏ ـ‏46 ) ‏


وعلي ذلك جاء رد المصطفي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ علي جبريل‏ ( ‏ عليه السلام‏ ) ‏ حين سأله في جمع من الصحابة‏ : ‏ فأخبرني عن الساعة؟ بقوله الشريف‏ : ‏ ما المسئول عنها بأعلم من السائل‏.‏


فسبحان الله الذي أنزل القرآن الكريم بالحق‏,‏ أنزله بعلمه‏,‏ وجعله معجزة خاتم أنبيائه ورسله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ إلي قيام الساعة‏,‏ وجعله مهيمنا علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها في كل أمر ذكر فيه‏,‏ وجعل كل آية من آياته‏,‏ وكل كلمة من كلماته‏,‏ وكل حرف من حروفه‏,‏ وكل إشارة‏,‏ ودلالة‏,‏ ووصف فيه مما يشهد بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ بالنبوة والرسالة الخاتمة‏.‏


المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 21-02-2011, 09:32 PM
الصورة الرمزية إلهام صلاح لاشين
إلهام صلاح لاشين إلهام صلاح لاشين غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 678
معدل تقييم المستوى: 15
إلهام صلاح لاشين is on a distinguished road
افتراضي

زادك الله علما وجزاك عنا خيرا
__________________
لاإله إلا الله
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 21-02-2011, 09:34 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

إشارات قرآنية لتحديد عمر الكون

إشارات قرآنية لتحديد عمر الكون




لقد ذكر القرآن الكريم في كثير من آياتـه أن الله تعالى خلق الكون في ستـة أيام كمـا في قوله سبحانـه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (قّ:38)


أما عن الأيام فالمقصود بها مراحل أو حقب زمنية لخلق الكون و ليست الأيام التي نعدها نحن البشر بدليل عدم وجود عبارة " مم تعدون " في جميع الآيات التي تتحدث عن الأيام الستة للخلق كما في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (هود:7) .


(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4) .


و هنا نلاحظ أن اليوم في سورة السجدة آية (4) يمثل مرحلة من مراحل الخلق أما اليوم في الآية (5) فهو من آياتنا التي نعدها بطلوع الشمس كل يوم والسؤال الآن هو ما هي هذه الأيام أو المراحل الستة و كيف يمكن تقسيمها كونياً ؟ .


و العلم يقدر عمر الكون بين 10 ـ 20 مليار سنة .


الإشارة القرآنية :


قال تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت:9) .


طبقاً لهذه الآيات فإن الأيام الستة للخلق قسمت كما أجمع المفسرون إلى ثلاثة أقسام متساوية كل قسم يعادل يومين من أيام الخلق بالمفهوم النسبي للزمن .


أولاً : يومان لخلق الأرض من السماء الدخانية الأولى
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت:9) .

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30 )


ثانياً : يومان لتسوية السماوات السبع :


(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)


و هذا يشير إلى الحال الدخانية للسماء بعد الانفجار الكوني العظيم بيومين حيث بدأ تشكل السماوات فقضاهن سبع سماوات في يومين .


ثالثاً : يومان لتدبير الأرض جيولوجياً و تسخيرها للإنسان : قال تعالى :


(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) (فصلت:10) .


مما يشير إلى جبال نيزكية سقطت و استقرت في البداية على قشرة الأرض فور تصلبها بدليل قوله " من فوقها " ،" و بارك فيها أقواتها " أي قدر أرزاق أهلها .


" في أربعة أيام سواء للسائلين " أي تمام أربعة أيام كاملة متساوية بلا زيادة و لا نقصان للسائلين من البشر عن مدة خلقها و ما فيها و يرى جميع المفسرين أن هذه الأيام الأربعة تشمل يومي خلق الأرض و يومي التدبير الجيولوجي لها ويتضح مما سبق :






و حيث أن التدبير الجيولوجي للأرض منذ بدء تصلب القشرة الأرضية و حتى ظهور الإنسان قد استغرق زمناً قدره 4.5 مليار سنة طبقاً لدراسة عمر الأرض إذاً عمر الكون =4،5 × 3= 13،5 مليار سنة و هذا الرقم يقارب ما توصلت إليه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مؤخراً و ذلك باستخدام مكوك فضائي مزود بمجسات متطورة جداً لدراسة الكون حيث قدرت عمر الكون بـ 13،7 مليار سنة *.

المصدر : الكون و الإعجاز العلمي للقرآن تأليف الأستاذ منصور حسب النبي


*موقع قناة الجزيرة( ناسا تعلن تمكنها من كشف عمر الكون) الأربعاء 11/12/1423هـ الموافق 12/2/2003م.
1 ـ تساوي الأيام زمنياً و إلا لما أمكن جمعها و تقسيمها إلى ثلاثة مراحل متساوية . 2 ـ التدبير الجيولوجي للأرض حتى وصول السائلين (الإنسان ) أستغرق يومين من أيام الخلق الستة أي أستغرق ثلث عمر الكون .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 21-02-2011, 09:38 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الكيمياء ومنهج استقراء العلوم الطبيعية في القرآن

العلوم الطبيعية ومنهج تدبر القرآن الكريم

الولوج للإسلام من باب العلم يعتبر قصة بحد ذاته، كثيراً ما تجلت من خلالها أهمية الاستعانة بالعلوم الطبيعية لإقرار الإيمان وتثبيت الفؤاد، فأمام عاصفة الشك التي يمكن أن تعصف بإيمان المرء يمكن أن تكون العلوم الطبيعية ودراستها بابا صالحا للولوج منه إلى عالم يتميز بالاستقرار.. وفي مثل تلك الأجواء العاصفة قد يجد المرء من العلوم الطبيعية وسيلة صالحة لإدراك اليقين، وهي الوسيلة القادرة ،ولا شك، على إثبات حقيقة أن ديننا هو من عند الله، وبأن ما نزل من عند الله هو الحق بالفعل.


ولسبب كامن في طبيعة العصر الذي نحيا فيه؛ فقد أمست محاولة الولوج إلى الإيمان من باب العلم حاجة ماسة، إذ لم يعد ممكنا تجاهل كل هذا الكم المتراكم من المعلومات التي تخص العلوم المختلفة، ولا ذلك التقدم المادي الناتج عن تلك الثورة، والتي باتت تواجه إيمان الإنسان بالتحدي.


ومثلما كانت السمة المادية لهذا العصر ،في وقت من الأوقات، وكذلك الاكتشافات العلمية التي حققها الغرب في القرن الأخير؛ عقبة في طريق استقرار الإيمان بالله وبالغيب في النفوس؛ فقد كانت الهزيمة السياسية الماحقة التي أصابت الأمة الإسلامية -والمتمثلة بسقوط نظامها السياسي- كانت دافعاً آخر باتجاه اللجوء إلى العلوم الطبيعية وذلك للتغلب على آثار تلك الأزمة؛ والتي تعطل قبلها دماغ الأمة عن التفكير؛ فتوقفت بعدها ملكاتها عن الإبداع.


لكل ذلك فقد شكل الاتجاه إلى العلوم الطبيعية المختلفة نوعاً من التوازن الداخلي في أعماق الفرد والجماعة؛ مما مكن الفرد والمجتمع -في وقت من الأوقات- من المحافظة على ثقته بدينه وبحضارته.


إن حالة "رد الفعل" التي تمثلت في اتجاهنا في وقت من الأوقات ناحية العلوم الطبيعية، وجعْلِها دليلاً على الحقيقة الدينية كان يمثل حالةً غير عادية، وغير أصلية، إذ الأصل أن يُستدل بالحقيقة الدينية على ما عداها لا العكس، لكن مع ذلك فقد ساهم التوجه نحو تلك العلوم في إيجاد زوايا جديدة يُنظر للنص القرآني من خلاها، مما مكّن ،في نهاية المطاف، من إحداث الأثر المطلوب؛ والمتمثل في إدراك الحاجة لتجاوز الأزمة الحضارية، لكن مع كل ذلك فقد بقي التوجه للعلوم الطبيعية ،لإثبات صدق الحقيقة الدينية، بقي مُعبراً عن جانب غير أصيل، ولا يمثل "الفعل" بقدر ما يعبر عن "رد الفعل"، وظل معبراً عن الاستجابة لمواجهة حالة الأزمة التي لازمت الأمة خلال القرن الأخير.


وفي الآونة الأخيرة فإن اختلافاً ما قد طرأ على تلك الحالة، حالة "رد الفعل"، إذ بدأنا ،شيئاً فشيئاً، نستعيدُ الثقة بالذات، وبدأنا ،شيئاً فشيئاً، نفقد الثقة في الحضارة المادية برمتها، ابتداء بالفكر الذي وضع الدين موضع الاتهام؛ ورَبَطَه بعلاقة تناقض ومواجهة مع العلم، وقد بدأ الدين في استعادة ما فقده من اعتبار؛ وقد جاء ذلك كنتيجة مباشرة لاتضاح الحدود الحقيقية لأدوات تحصيل المعرفة، وحدود إمكانيات أدوات الاستكشاف، وبالتالي فإن العلم قد ساهم مساهمة مباشرة في رد الاعتبار للأدوات المقترحة من قبل الدين، بل إن العلم قد أثبت بأن "الإيمان بالغيب" إنما هو حقيقة "موضوعية" بحتة تفرضها محدودية الوسائل، ومحدودية القدرات البشرية، وذلك حين تم الكشف عن أن ما يمكن لحواس الإنسان أن تحيط به من محسوسات لا يتعدى أن يكون نسبة ضئيلة جداً مما يمكن للإنسان أن يدركه. والإضافة ذات المغزى هنا هي أن الحقيقة الدينية قد أصبحت مقبولة، ليس فقط من وجهة نظر أصحابها (ممن يؤمنون بالغيب) بل من وجهة نظر علمية بحتة كذلك!!.


جدلية العلاقة بين الإيمان والوعي


حين أنزل الله عز وجل كتابه الكريم على نبيه محمد e وُوجهت دعوة الإسلام بالمعارضة التقليدية التي كانت تواجَه بها كل دعوة جديدة، وقد حملت دعوةُ الإسلام في حينه الكثير مما يمكن أن يثير حفيظة رجالات المجتمع التقليديين؛ الذين كثيراً ما حركتهم مصالحهم الشخصية، وقد احتج المعارضون للدعوة الجديدة بما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من دين، وقد نَعَى القرآنُ الكريم عليهم الاحتجاجَ بذلك الميراث دون تفكر أو تدبر، فقال عز وجل في محكم التنزيل:


{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}(البقرة:170)


وفي آية أخرى يشير القرآن الكريم إلى حالة الإصرار من قبلهم على مواصلة السير على ذلك النهج من الضلال {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون}(الزخرف:22)


ولم يكن ذلك النهج من المعاندة فريداً!!، إذ ووجه به وبمثله كلُّ نبي من الأنبياء؛ وكل رسول من الرسل، بل أصبح سُنةً بشريةً؛ كثيراً ما رسمت صورة العلاقة بين الإيمان ونقيضه، وقد دعا الله عز وجل القوى الفاعلة في مسيرة الإيمان وسماها بـ "النذير" وهي القوى التي قد يمثلها: (الرسول، النبي، المؤمن) بينما جُعل "المترف" ممثلاً للنقيض في هذه العلاقة، والذي قد يمثله (الكافر والمشرك...) فقال عزّ اسمه:


{وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون}(الزخرف:23)


وكأن أولئك لم يكْفِهِمْ عار اتباع الكفر بغير هُدىً؛ بل أضافوا إليه عاراً جديداً؛ يتمثل في ادعائهم الأجوف بالهدى {وإنا على آثارهم مهتدون}، وكأنه لم يكفهم أن يعلنوا اتباع آبائهم هدياً أو ضلالاً؛ بل ازدادوا ضلالاً على ضلالتهم حين ادعوا أن ذلك الاتباع إنما هو من قبيل الاقتداء!!. والاقتداء من "القدوة"؛ والتي من المفترض ألا تكون إلا في حسن!!. لذلك فقد وجدنا الآيات الكريمة تبين ماهية الاتباع؛ ووجوب ألا يكون إلا فيما عُرفت هدايته من رسالةٍ أو تنزيل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله}، وقد نعى القرآن الكريم على نقيضه فقال عز من قائل:


{وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنا لكم تبعا}(إبراهيم:21)


ويقول في آية أخرى:


{وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا}(غافر:47)


وهذا التفريق بين معنيين من "الاتباع" تؤكده الآيات الكريمة حينما تتحدث عن النوع الآخر منه:


{واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون}(الأعراف:157)


وكذلك: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين}(يوسف:108)


فالنموذج الذي تقدمه الآيات للاتباع المقبول هو "اتباع النور"، و "اتباع الرسول"، واتباعٌ "على بصيرة"، وقد وجدنا الآيات الكريمة تقدم نموذجاً متكاملاً لما يدعوه القرآن الكريم بـ "السبيل"، وهو يجمع الصُوَرَ المثُلى لكلٍ من "الداعي" و"الدعوة" و"الاستجابة"، فهو سبيلٌ تظلله الهداية؛ لأن هدفه وغايته هو الله، وهو سبيل تسبق فيه "البصيرةُ" "الدعوةَ" ذاتها، ويسبق فيه الفهمُ والإدراكُ الحركةَ نفسها، وهذا السبيل من الاتباع هو الذي يرتقي بالأمة؛ فيحول الكمّ المهمل فيها إلى كيفية فاعلة، ولن يتم كلُ هذا إلا بالوقوف الدائم والمستمر على ضفة الإيمان مستحضرين كل أدوات "التفكر" و "التدبر" و "التبصر".


والتفكر والتدبر هما أداتان لبلوغ الصواب، لكن الإصابة ليست هدفاً مضموناً في كل الحالات، والأمة التي تتوقع الإصابة في كل حالات اجتهادها؛ هي أمة لا تدرك حقيقة الإنسان ودوره في هذه الحياة...


كما أن معرفة الإمكانيات الحقيقية للإنسان تعزز حقيقة وجود كون خارج الحواس؛ وقد حبا الله الإنسان بمجموعة من الحواس مكّنته من إدراك جزءٍ من الحقيقة التي تحيط به، وما يميز تلك الحواس هو محدودية قدرتها، فالعين البشرية ،على سبيل المثال، تدرك المرئيات حسب طول الموجة المنبعثة منها، وما الألوان التي تراها العين إلا تعبيراً عن أطوال مختلفة للموجات المنبعثة من تلك الأجسام. وتقع تلك الموجات المرئية بين (4000-7600) أنجستروم([1])؛ والتي تمثلُ ما يمكن رؤيته من أشياء، ومعنى ذلك أن كل الأجسام التي تنبعث منها موجات تحت ذلك الطول الموجي، وتقع بين (3000-4000) أنجستروم، وتعرف بالأشعة فوق البنفسجية لا يمكن رؤيتها بواسطة العين البشرية، وينطبق الأمر كذلك على الأشعة تحت الحمراء التي يقع الطول الموجي لها فوق (7600) أنجستروم؛ فلا يمكن رؤيتها بالعين المجرد كذلك.


إن محدودية الإمكانيات والقدرات البشرية على إدراك الحقائق من حولنا تمثل عجزاً متأصلا في الإنسان، ويُبررُ هذا العجز -جزئياً- حاجةَ الإنسانِ الدائمة إلى "التوبة"؛ والتي يعرضها الدينُ كفعلٍ بشريٍ لتدارك النقص والخطأ الناشئين عن الضعف الموروث في جبلة هذا المخلوق، ويُنظر إليها كاجتهادٍ إنسانيٍ للتغلب على السلبيات الناشئة عن الحيود والانحراف عن طريق الرشاد... وإن الأديان السماوية لم تأتِ الأديان لتعذيب الإنسان بقدر ما جاءت لتضع أمامه سبيلاً سوياً يسير عليه، ولتضع نُصْبَ عينيه علامات الهداية والرشاد.


إن إدراكنا لحدود بشريتنا وإنسانيتنا يفرضُ علينا القبول بحقيقة إمكانية وقوعنا -كبشر- في الأخطاء، لذلك فقد أطلق أسلافنا على هذا النشاط البشري اسم "الاجتهاد" وهي التسمية الموضوعية المعبرة عن بذل أقصى الجهد لترجيح تحقيق الصواب دون نفي إمكانية الوقوع في الخطأ.


إن المطلوب من الأمة اليوم هو أن تعود لسيرتها الأولى؛ بما حباها عزّ وجل من قدرة على إحداث الفعل والمبادرة به، وتتمثل تلك العودة في إعادة تفعيل أدمغة أبناء الأمة لتبدأ بالتفكير الحر والمبدع من جديد، لكن تلك العودة تظل تُواجَه بعدد من العقبات...


إن تلك العودة تقتضي منا الانسحاب من الاضطراب إلى الثبات، وهذا يقتضي منا تحليل كل ما يقع تحت أيدينا إنطلاقاً من قاعدة ثابتة، .


عقبات في طريق الوعي


أما العقبة الأولى التي تواجه قارئ القرآن وتمنعه من الولوج إلى أسرار جماله فهي فقدان حس التذوق للغة، وقد أدى ذلك إلى فقدان مفردات القرآن لمعانيها، وتحوُل أُخرى إلى كلمات غريبة على قارئه؛ مع أنها تحمل مضامين النص القرآني، وقد أدّى ذلك كله إلى حالة من الضبابية وعدم الفهم لما يطرحه القرآن الكريم من أحكام وتوجيهات، فكانت النتيجة النهائية هجران القرآن من الناحية الفعلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحالة حين قال:


{وقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}(الفرقان:30)


وقد أدى تلك الحالة إلى أن أصبحت عملية القراءة غير مقترنةٍ دائماً بالفهم، وأصبح عدم فهم القرآن عاملا من عوامل التثبيط لعملية القراءة، وقد أدت تلك الحالة إلى تكريس شبه دائم لحالة الجفاء والهجران بين الإنسان المسلم والقرآن.


ولعل تلك المشكلة المتمثلة بحالة "الهجران"؛ والتي أصبحت تغلف علاقة المسلم بدينه وبكتاب ربه، لعلها تلقي بظلال كثيفة من المسئولية تدفع كل مهتم لإيجاد السبل الكفيلة بالتغلب على تلك الحالة، والتي تعتبر مظهرا من مظاهر السقوط الحضاري؛ والتي تعني في أفدح وجوهها فقدان أداة الفهم، أداة التعبير، وأداة التفاعل مع المحيط أخذاً وعطاءً...


لكن المشكلة ،وبسبب طبيعتها المعقدة، فإننا لا نرى شيئا واحدا يمكن أن نفعله منفردا يكون كفيلا بحلها، لكن قد يكون جزء من الحل هو في تغيير المناهج الدراسية بكاملها، وإعادة بنائها من جديد على أسس مستقيمة، خصوصاً تلك المناهج الخاصة بمراحل التعليم الأساسي، بحيث تتم إعادة اكتشاف وتأهيل الألفاظ الواردة في القرآن الكريم؛ بما يعنيه ذلك من دمجٍ لها في المناهج المختلفة، وإذا ما حدث ذلك فسوف يكون سهلاً على التلميذ، الطالب، الموظف، العامل، ربة البيت، سوف يكون من السهل عليهم جميعاً قراءة القرآن، وإدراك الحد الأدنى المطلوب توفره لإحداث عملية الفهم له، مما سيضعنا ،حتماً، في المكان السليم الذي نستطيع من خلاله استعادة القدرة على "تدبر" النص والانفعال به والتفاعل معه.


وطلب الوصول إلى حالة "التدبر" يجب ألا يفهم منه أننا نسعى لإيصال الجميع إلى مواقع "الاجتهاد"، بل غرضنا منه العودة للتذكير بحقيقة أن القرآن الكريم هو كتاب منزّل من عند الله تعالى؛ ليتم فهمه والتعامل معه بصورة مباشرة من قبل المؤمنين به، وألا يستقر أمر فهمه على مجرد طبقة من رجال الدين التي تحتكر فهمه، وتملي كيفية تطبيقه، كما حدث مع الأديان الأخرى.


أما العقبة الثانية التي تقف في طريق التفاعل بين العقل والنص القرآني الكريم فهي عقبة من نوعٍ آخر، إنها العقبة النفسية والتي تتمثل في خوف بعض قراء القرآن من إعمال العقل فيه وتدبر آياته، اعتقادا منهم بأن من شأن ذلك التدبر إفساد قداسة النص، وقد أدى الحرص المبالغ فيه على عدم المس بقداسة النص القرآني إلى التضحية بالمحصلة المتوخاة من وراء تلك القراءة؛ وهي إحداث حالة من التفاعل مع النص والانفعال به؛ بحيث يتسنى للنص فيما بعد أن يكون عامل تأثير في مجريات حياة الإنسان.


وعلى الرغم من صحة القول بأن للنص القرآني قداسة تفرض محاذير خاصة عند التعامل معه، إلا أنه لمما يتنافى مع طبيعته كذلك أن تؤدي تلك المحاذير إلى إخماد روح التفاعل ما بين القرآن الكريم وقارئه، وإن من شأن تلك الحساسية أن تكون أمراً مقبولاً إذا ما مورست في حدود تؤدي إلى المحافظة عليه من العبث، لكن لا يجوز -ولا بأي حال من الأحوال- السماح لتلك المحاذير أن توقفَ حالة انفعال العقل مع النص، والتي ستؤدي حتماً إلى تعطيل حركة الإنسان باتجاه ربه.


إنه لمما يؤسف له أن تلك الحساسية في التعامل مع النص القرآني -وفي ظل حالة الضعف التي عانت منها الأمة- قد أدت إلى حالة فعلية من الجفاء بين الأمة ومصدر قوتها، وقد ساهمت تلك الحالة في توقف حركة "الاجتهاد" والتي يعني توقفها توقف الحياة ذاتها بالنسبة للأمة.


إذن؛ فإن محاولات تحقيق الهدف المرجو من وراء "تدبر" آيات القرآن الكريم يمكن أن تضع "القارئ" بين محذوري "اقتحام النص" بدون امتلاك ناصية العلم، وفهم اللغة العربية على وجه الخصوص، والآخر: محذور قراءة النص -فقط- ابتغاء تحصيل الأجر، والقراءة -فقط- لغرض تحصيل الأجر من الله عز وجل إن جاءت من العامة كانت مقبولة، لكن لا يمكن قبولها من العلماء الذين أعطاهم الله عزّ وجل نعمة العلم، إذ على أولئك أن يقرأوا النص القرآني الكريم بتدبر وتفكر وفهم.




الغنى الموضوعي في النص القرآني


إنّ محمداً e نبي آخر الزمان، ومعجزته القرآن الكريم، وهي المعجزة الباقيةُ؛ المستمرةُ؛ الخالدة... فكان لابد وأن تتسع آياته لكل ما يطرأ أو يستجد في حياة البشر وفي دنيا الناس من تغيرات، والعلم والاكتشافات هي جزء من تلك التغيرات...


والقرآن الكريم كتابُ تعبدٍ وهداية، لكنه لم يخلُ من شذرات وإشارات إلى أشياء أخرى في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية المختلفة، فهو لم يخلُ من إشاراتٍ تمَتُّ بصلة لعلم الفلك، أو الجيولوجيا... الخ، لذلك فهي تُعدُّ وجهاً آخر متجدداً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل الإثبات بأن هذا القرآن لم يأتِ به بشرٌ من عند نفسه، وقد جاءت الإشارات لتغطي المعارف الإنسانية كافة؛ بحيث يصعب على بشرٍ عادي أن يحيط بمجال تنوعها؛ فضلاً عن إدراك أسرارها!!، والسر في ذلك كما توضحه هذه الآية وأخواتها: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} (آل عمران:44)


والآيات تأتي في تمام الوضوح وكمال التعبير؛ معبرةً عن أن ما جاء به محمد e لم يكن لبشر أن يحيط به لولا فضل الله في أن يرسل للبشر نوراً يهديهم:


{وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}(الشورى:52)


وتتعدد المواضيع التي تغطيها الآيات الكريمة، لكن القصص القرآني يجمعه جامع الإحاطة بكل معاني الكمال والتمام؛ ذلك أنه مثلما وصفه عز وجل بأنه {أحسن القصص}...


وهو أحسن القصص في كل سورةٍ من سوره، وكل آيةٍ من آياته، وكل كلمةٍ من كلماته، وكل حرفٍ من حروفه ... فالحُسن هنا إنما ينسحب على القرآن الكريم بتمامه، وقد جاء في افتتاح سورة "يوسف":


{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}(يوسف:3)


إن واحدة من الدلالات المذهلة لهذه المعجزة الخالدة يشي بها فهرس سور القرآن الكريم؛ والذي يتناول مواضيع متعددة ومختلفة... فهو يذكر من الحيوانات: البقرة، الأنعام، الفيل!!...


ومن الأسماء والأجناس: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، طه، مريم، النساء، الأنبياء، المؤمنون، لقمان، يس، محمد، نوح، الإنسان، قريش، الناس!!...


أما الظواهر الطبيعية والفلك فسجلّها في فهرس القرآن الكريم جدُّ حافل، فضلاً عما احتوته الآيات ذاتها من إشارات، فمن أسماء السور التي حملت تلك الإشارات: الرعد، الدخان، النجم، القمر، المعارج، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الفجر، الشمس، الليل، الضحى، الزلزلة، العصر، الفلق!!!..


وفي الأحداث ذات الدلالة في مسيرة الإيمان البشرية جاءت سور: الإسراء، الكهف، الروم، الأحزاب، الفتح!!...


ومن أسماء الحشرات اختيرت أعلام السور: النحل، النمل، العنكبوت!!... وهناك سور كاملة حملت أسماءً لشعائر تعبدية مثل: الحج والجمعة!!... إضافة إلى العديد من السور التي صورت أخلاقاً بعينها يمكن أن تتلبس الإنسان؛ فجاءت السور: المطففين، المنافقون، الماعون، الكافرون!!... لكن سورة عجيبة حملت اسماً أشد إثارة للعجب، هي سورة "الحديد"!!!... إذ لم تحمل سورة أخرى من سور القرآن الكريم اسماً لمسمىً يجمعه والحديد وجه شبه، مما يقطع بأن الحديد فيه ما ليس في غيره مما يعلمه الله ولا نعلمه([2])، وكل ما نعلمه من تلك الحكمة أن الله عزّ وجل قال فيه:


{وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافعُ للناس}(الحديد:25)


لقد كان مما شدّ انتباهي إلى أهمية إجراء هذا البحث وجود ذلك الاسم العجيب لتلك السورة... سورة "الحديد"... ثم ما لبثت لفظة "نحاس" أن أضيفت إلى مخزون ما هو جاذبٌ للنظر من مفرداتٍ حفل بها القرآن الكريم، فزادت من تأثير ذلك الاسم لتلك السورة، سورة "الحديد"، وما لبثت ألفاظٌ جديدةٌ أن أضيفت إلى قائمة الحيرة والاندهاش!!، إذ وردت -على سبيل المثال- لفظة ذرّة، وقد وردت بمعناها المباشر الذي هو أقرب ما يكون إلى الاستخدام العلمي والعملي في عالم اليوم، بعد أن انصرفت عن معناها اللغوي الذي فُهمت به حين تنزلها أو كادت أن تنصرف عنه، لندرك بعد هنيهة أنها وردت بصورة أشد عجباً؛ فقد وردت في كل مواضع ورودها بلفظ "مثقال ذرّة"... ولم ترد كلمة "ذرّة" مجردة ولو لمرة واحدة، وهما المصطلحان اللذان يمكن لمختص في علم الكيمياء أن يفرق بينهما بسهولةً؟!!.


إنها تلك الألفاظ -وغيرها كثير- مما له علاقة وثيقة بعلم الكيمياء؛ والتي دفعتني جميعها باتجاه البحث عنها؛ وعن مواطن الارتباط بين ما عرفناه عنها وبين ما جاء به القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرناً من الزمان؛ حيث ضم بين دفتيه العديد من الألفاظ ذات الإيحاء الموضوعي، تلك الألفاظ التي يمكن أن تمس علماً من العلوم الحياتية، والتي تنتظر أن نسلط عليها أضواء التخصص؛ لنفهم المراد منها، دون أن يؤثر ذلك على المهمة الأساسية التي نَزَلَ القرآن من أجلها... أن يكون كتاب هداية يحمل بين طياته رسالة الرحمة.


إننا ومن خلال ما ذهبنا إليه في هذا البحث أردنا أن نثبت أمراً صار في حكم البَدَهِي، ألا وهو أنه ليست لدى البشر -في زمن بعينه- قدرة مطلقة لتفسيركل ما ورد في القرآن الكريم، بل إن هناك ضرورة لأخذ عامل الزمن بعين الاعتبار، ومن هنا يمكن فهم ما ذهب إليه بعض العلماء حين قال: (من هنا ندرك أن مفسري القرآن قد أخطأوا حتماً، وطيلة قرون في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق، إنّ ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكناً إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا، ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي لفهم هذه الآيات القرآنية، بل يجب، بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع)([3]).


وعلى الرغم من اتفاقنا مع الاقتباس الأخير؛ والذي يفيد بعدم استبعاد حدوث أخطاء في إصابة مرامي القرآن الكريم؛ بسبب محدودية ما يحمله زمن معين من انكشاف لعلوم ومعارف بعينها؛ إلا أننا نجد أن من الإنصاف التأكيد هنا على أن تلك الأخطاء لا تقلل من قيمة جهودهم واجتهاداتهم في محاولاتهم لفهم مرامي النص، بل يجب علينا هنا التركيز على ضرورة استيعاب حقيقة هامة، وهي أن الجهد البشري مجبول دائماً باحتمالات الإصابة أو الخطأ، وأن احتمال الخطأ ليس سبباً كافياً لوقف الاجتهاد ومحاولة متابعة ما بدأوه من جهود.


وأخيرا: فإن نظرتنا لما يقدمه القرآن الكريم من لمحات تمتُ إلى بعض العلوم بصلة؛ يجب أن تكون محكومة بإدراك حقيقي لعدم وجود علاقة بين تلك الإيحاءات التي وردت فيه؛ وبين أية معرفة بشرية يكون قد حققها العرب في تلك الحقبة من تاريخهم، حيث لم يكن العرب قد حققوا تلك النتائج في مجال العلوم التجريبية، بل على العكس من ذلك؛ فلقد برعوا في فنون اللغة وأساليب البيان، التي كانت مناط تحدي القرآن الكريم لهم، بل إن الحقيقة الثابتة اليوم يوردها السيد موريس بوكاي وتتحدث عن أن: (فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقاً لنهاية تنزيل القرآن، إن الجهل بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي سمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت -الكلام لازال للسيد بوكاي- بعضهم يصوغونه أحيانا، والذي يقول: إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصرهم، وأن محمداً e بالتالي قد استلهم دراساتهم... إن من يعرف، ولو يسيراً، تاريخ الإسلام؛ ويعرف أيضاً أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحِق لمحمد e ولن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية)([4]).


قد يكون فيما استعرضناه وما سنعرض له في سياق هذا الكتاب ما يعيد التذكير بحقيقة أن الإلمام بكل ما جاء به القرآن الكريم من مواضيع لم يكن ليتسنَ لبشر دون أن يكون على اتصالٍ مباشرٍ بخالقٍ مطلعٍ على الغيب؛ متصفٍ بالعلم والحكمة، لكن الأمر لا يقتصر على تلك الفائدة وحدها، بل يمكن له أن يحمل لنا المزيد من الدلالات.


إن وجود مثل تلك الإشارات يؤكد حقيقة الحالة الخاصة للنص القرآني الكريم؛ وقدرته الفائقة على الاتساع واستيعاب الزمن الحادث بكل ما يحفل به من تطورات واكتشافات، لكن ذلك الاستيعاب لا يعني أن يصبح الغرض من قراءة القرآن الكريم وتعلمه أن نعلم الناس علوم الحياة كعلم الذرّة أو الفلك!!؛ بل يجب النظر إليها على أنها إشارات إلهية مستمرة ومتواصلة على مدى الدهر لإثبات صدق الرسالة، ولتثبيت قلوب المؤمنين بالإيمان:


{وليربط على قلوبكم، ويثبت به الأقدام}(الأنفال:11)


وبذلك يقطعُ النصُ القرآنيُ سلاسلَ الرتابةِ والجمود التي يمكن أن يحفل بها أيُ نصٍ آخر نتيجةً لجمود تعبيراته، فالنص القرآني إنما هو نص متجدد، ويمكن للمتدبر لآياته أن يرى المزيد من إعجازه طالما كان هناك ما يمكن أن تطلع عليه الشمس.





جوانب من الكيمياء في القرآن الكريم


إذا أخذنا بالمنهج الذي قمنا ببسطه في الصفحات السابقة، وقمنا بتطبيقه في مجال علم الكيمياء كنموذج لاستقراء العلوم الطبيعية في القرآن الكريم ودراسته في ضوء الحقائق العلمية المعروفة في علم الكيمياء([5])؛فإن أول ما يسترعي الانتباه في هذا المجال هو أن القرآن الكريم قد غطى طيفاً واسعاً من تفرعات هذا العلم؟!... مبتدئين بالذرّة ذاتها والتي استأثرت وحدها بفرع مستقل من فروع علم الكيمياء هو (الكيمياء الذرية)، وتعتبرالذرة أصغر جزء من أجزاء العنصر ويستمد منها صفاته، بل إن القرآن الكريم قد جذب النظرَ إلى حقيقة وجود ما هو أصغر من ذلك الجزء:


{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(يونس:61)


وكأنه يريد أن يسترعي انتباهنا إلى بُنية الذرّة ذاتها!؛ من حيث احتواؤها على الكترونات، وبروتونات، ونيوترونات... الخ... ثم ارتقى القرآن الكريم بنا درجة فشدّ انتباهنا إلى مجموعة العناصر!!، ومن الناحية الكيميائية فإن العنصر الواحد يمتلك ذرات متشابهة، لكن القرآن الكريم وهو يعرض لنا نماذج لبعض العناصر فقد أعطى اهتماماً خاصاًلبعضها، والتي تعرف علمياً بمجموعة "المعادن"، فذكر منها : الذهب، الفضة، الحديد، النحاس...


ثم عاد القرآن الكريم ليرتقيّ بنا درجةً أخرى على سلّم المعارف العلمية الخاصة بعلم الكيمياء؛ فأورد بعد "العناصر" بعضاً من "المركبات"!!؛ فقد وردت لفظة "ملح"، ووردت كذلك لفظة "ماء"([6])، وهما لفظتان تعبران عن مركبين من المركبات الكيماوية.


إن القرآن الكريم وهو يتناول كل هذه الطُرَف؛ لم يتناولها بوصفه كتاباً شارحا للكيمياء، وهذا الأمر متوقع في ضوء ما ذكرناه من حقيقة أن القرآن الكريم ليس كتاباً مهمته تعليم الناس علوم الطبيعة وما شابه، لكن من المقاصد التي يجب أن تؤخذ بالحسبان لدى التعامل مع القرآن الكريم؛ أن تنجذب عقولُنا وأرواحُنا إلى هذا التنوع الواسع، وهذا التعدد العجيب، وهذا التدرج اللامتناهي في شتى درجات اللون؛ والعمق؛ والاتساع... لنبدأ -من ثم- رحلة البحث عن التفاصيل!.


وفي هذا البحث فقد حاولنا أن نقتطف من جِنان القرآن ورودا، ومن بساتينه قطوفاً تراءت لنا متناثرة في ثناياه.. تنوعت بين الذرة، والماء، والحديد والنحاس، والذهب، والفضة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تجمعها الكيمياء في عقد واحد...


وقد قصدنا أن نورد في ثنايا بحثنا عدداً من الإضاءات؛ كانت كل واحدة منها تتناول سرا من أسرار الإعجاز القرآني، حيث كشفت كل واحدة منها عن سر لابد من بذل المحاولات الإضافية الجادة لتتبعه واستجلائه في سور القرآن الكريم وآياته كلها.


وقد قصدنا حين تناولنا للموضوعات الواردة في هذا البحث، إيراد الآيات الكريمة المتعلقة بها جميعها، مع إيراد بعض الملاحظات والشرح ،إن أمكن، ومن المأمول أن يكون واضحاً بأن إيراد تلك الآيات بهذا الشكل إنما قصد منه أن تكون هادياً لمن أراد تناول تلك الموضوعات بعد ذلك بمزيد من التفصيل.
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 21-02-2011, 09:47 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الكيمياء ومنهج استقراء العلوم الطبيعية في القرآن

العلوم الطبيعية ومنهج تدبر القرآن الكريم

الولوج للإسلام من باب العلم يعتبر قصة بحد ذاته، كثيراً ما تجلت من خلالها أهمية الاستعانة بالعلوم الطبيعية لإقرار الإيمان وتثبيت الفؤاد، فأمام عاصفة الشك التي يمكن أن تعصف بإيمان المرء يمكن أن تكون العلوم الطبيعية ودراستها بابا صالحا للولوج منه إلى عالم يتميز بالاستقرار.. وفي مثل تلك الأجواء العاصفة قد يجد المرء من العلوم الطبيعية وسيلة صالحة لإدراك اليقين، وهي الوسيلة القادرة ،ولا شك، على إثبات حقيقة أن ديننا هو من عند الله، وبأن ما نزل من عند الله هو الحق بالفعل.


ولسبب كامن في طبيعة العصر الذي نحيا فيه؛ فقد أمست محاولة الولوج إلى الإيمان من باب العلم حاجة ماسة، إذ لم يعد ممكنا تجاهل كل هذا الكم المتراكم من المعلومات التي تخص العلوم المختلفة، ولا ذلك التقدم المادي الناتج عن تلك الثورة، والتي باتت تواجه إيمان الإنسان بالتحدي.


ومثلما كانت السمة المادية لهذا العصر ،في وقت من الأوقات، وكذلك الاكتشافات العلمية التي حققها الغرب في القرن الأخير؛ عقبة في طريق استقرار الإيمان بالله وبالغيب في النفوس؛ فقد كانت الهزيمة السياسية الماحقة التي أصابت الأمة الإسلامية -والمتمثلة بسقوط نظامها السياسي- كانت دافعاً آخر باتجاه اللجوء إلى العلوم الطبيعية وذلك للتغلب على آثار تلك الأزمة؛ والتي تعطل قبلها دماغ الأمة عن التفكير؛ فتوقفت بعدها ملكاتها عن الإبداع.


لكل ذلك فقد شكل الاتجاه إلى العلوم الطبيعية المختلفة نوعاً من التوازن الداخلي في أعماق الفرد والجماعة؛ مما مكن الفرد والمجتمع -في وقت من الأوقات- من المحافظة على ثقته بدينه وبحضارته.


إن حالة "رد الفعل" التي تمثلت في اتجاهنا في وقت من الأوقات ناحية العلوم الطبيعية، وجعْلِها دليلاً على الحقيقة الدينية كان يمثل حالةً غير عادية، وغير أصلية، إذ الأصل أن يُستدل بالحقيقة الدينية على ما عداها لا العكس، لكن مع ذلك فقد ساهم التوجه نحو تلك العلوم في إيجاد زوايا جديدة يُنظر للنص القرآني من خلاها، مما مكّن ،في نهاية المطاف، من إحداث الأثر المطلوب؛ والمتمثل في إدراك الحاجة لتجاوز الأزمة الحضارية، لكن مع كل ذلك فقد بقي التوجه للعلوم الطبيعية ،لإثبات صدق الحقيقة الدينية، بقي مُعبراً عن جانب غير أصيل، ولا يمثل "الفعل" بقدر ما يعبر عن "رد الفعل"، وظل معبراً عن الاستجابة لمواجهة حالة الأزمة التي لازمت الأمة خلال القرن الأخير.


وفي الآونة الأخيرة فإن اختلافاً ما قد طرأ على تلك الحالة، حالة "رد الفعل"، إذ بدأنا ،شيئاً فشيئاً، نستعيدُ الثقة بالذات، وبدأنا ،شيئاً فشيئاً، نفقد الثقة في الحضارة المادية برمتها، ابتداء بالفكر الذي وضع الدين موضع الاتهام؛ ورَبَطَه بعلاقة تناقض ومواجهة مع العلم، وقد بدأ الدين في استعادة ما فقده من اعتبار؛ وقد جاء ذلك كنتيجة مباشرة لاتضاح الحدود الحقيقية لأدوات تحصيل المعرفة، وحدود إمكانيات أدوات الاستكشاف، وبالتالي فإن العلم قد ساهم مساهمة مباشرة في رد الاعتبار للأدوات المقترحة من قبل الدين، بل إن العلم قد أثبت بأن "الإيمان بالغيب" إنما هو حقيقة "موضوعية" بحتة تفرضها محدودية الوسائل، ومحدودية القدرات البشرية، وذلك حين تم الكشف عن أن ما يمكن لحواس الإنسان أن تحيط به من محسوسات لا يتعدى أن يكون نسبة ضئيلة جداً مما يمكن للإنسان أن يدركه. والإضافة ذات المغزى هنا هي أن الحقيقة الدينية قد أصبحت مقبولة، ليس فقط من وجهة نظر أصحابها (ممن يؤمنون بالغيب) بل من وجهة نظر علمية بحتة كذلك!!.


جدلية العلاقة بين الإيمان والوعي


حين أنزل الله عز وجل كتابه الكريم على نبيه محمد e وُوجهت دعوة الإسلام بالمعارضة التقليدية التي كانت تواجَه بها كل دعوة جديدة، وقد حملت دعوةُ الإسلام في حينه الكثير مما يمكن أن يثير حفيظة رجالات المجتمع التقليديين؛ الذين كثيراً ما حركتهم مصالحهم الشخصية، وقد احتج المعارضون للدعوة الجديدة بما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من دين، وقد نَعَى القرآنُ الكريم عليهم الاحتجاجَ بذلك الميراث دون تفكر أو تدبر، فقال عز وجل في محكم التنزيل:


{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}(البقرة:170)


وفي آية أخرى يشير القرآن الكريم إلى حالة الإصرار من قبلهم على مواصلة السير على ذلك النهج من الضلال {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون}(الزخرف:22)


ولم يكن ذلك النهج من المعاندة فريداً!!، إذ ووجه به وبمثله كلُّ نبي من الأنبياء؛ وكل رسول من الرسل، بل أصبح سُنةً بشريةً؛ كثيراً ما رسمت صورة العلاقة بين الإيمان ونقيضه، وقد دعا الله عز وجل القوى الفاعلة في مسيرة الإيمان وسماها بـ "النذير" وهي القوى التي قد يمثلها: (الرسول، النبي، المؤمن) بينما جُعل "المترف" ممثلاً للنقيض في هذه العلاقة، والذي قد يمثله (الكافر والمشرك...) فقال عزّ اسمه:


{وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون}(الزخرف:23)


وكأن أولئك لم يكْفِهِمْ عار اتباع الكفر بغير هُدىً؛ بل أضافوا إليه عاراً جديداً؛ يتمثل في ادعائهم الأجوف بالهدى {وإنا على آثارهم مهتدون}، وكأنه لم يكفهم أن يعلنوا اتباع آبائهم هدياً أو ضلالاً؛ بل ازدادوا ضلالاً على ضلالتهم حين ادعوا أن ذلك الاتباع إنما هو من قبيل الاقتداء!!. والاقتداء من "القدوة"؛ والتي من المفترض ألا تكون إلا في حسن!!. لذلك فقد وجدنا الآيات الكريمة تبين ماهية الاتباع؛ ووجوب ألا يكون إلا فيما عُرفت هدايته من رسالةٍ أو تنزيل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله}، وقد نعى القرآن الكريم على نقيضه فقال عز من قائل:


{وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنا لكم تبعا}(إبراهيم:21)


ويقول في آية أخرى:


{وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا}(غافر:47)


وهذا التفريق بين معنيين من "الاتباع" تؤكده الآيات الكريمة حينما تتحدث عن النوع الآخر منه:


{واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون}(الأعراف:157)


وكذلك: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين}(يوسف:108)


فالنموذج الذي تقدمه الآيات للاتباع المقبول هو "اتباع النور"، و "اتباع الرسول"، واتباعٌ "على بصيرة"، وقد وجدنا الآيات الكريمة تقدم نموذجاً متكاملاً لما يدعوه القرآن الكريم بـ "السبيل"، وهو يجمع الصُوَرَ المثُلى لكلٍ من "الداعي" و"الدعوة" و"الاستجابة"، فهو سبيلٌ تظلله الهداية؛ لأن هدفه وغايته هو الله، وهو سبيل تسبق فيه "البصيرةُ" "الدعوةَ" ذاتها، ويسبق فيه الفهمُ والإدراكُ الحركةَ نفسها، وهذا السبيل من الاتباع هو الذي يرتقي بالأمة؛ فيحول الكمّ المهمل فيها إلى كيفية فاعلة، ولن يتم كلُ هذا إلا بالوقوف الدائم والمستمر على ضفة الإيمان مستحضرين كل أدوات "التفكر" و "التدبر" و "التبصر".


والتفكر والتدبر هما أداتان لبلوغ الصواب، لكن الإصابة ليست هدفاً مضموناً في كل الحالات، والأمة التي تتوقع الإصابة في كل حالات اجتهادها؛ هي أمة لا تدرك حقيقة الإنسان ودوره في هذه الحياة...


كما أن معرفة الإمكانيات الحقيقية للإنسان تعزز حقيقة وجود كون خارج الحواس؛ وقد حبا الله الإنسان بمجموعة من الحواس مكّنته من إدراك جزءٍ من الحقيقة التي تحيط به، وما يميز تلك الحواس هو محدودية قدرتها، فالعين البشرية ،على سبيل المثال، تدرك المرئيات حسب طول الموجة المنبعثة منها، وما الألوان التي تراها العين إلا تعبيراً عن أطوال مختلفة للموجات المنبعثة من تلك الأجسام. وتقع تلك الموجات المرئية بين (4000-7600) أنجستروم([1])؛ والتي تمثلُ ما يمكن رؤيته من أشياء، ومعنى ذلك أن كل الأجسام التي تنبعث منها موجات تحت ذلك الطول الموجي، وتقع بين (3000-4000) أنجستروم، وتعرف بالأشعة فوق البنفسجية لا يمكن رؤيتها بواسطة العين البشرية، وينطبق الأمر كذلك على الأشعة تحت الحمراء التي يقع الطول الموجي لها فوق (7600) أنجستروم؛ فلا يمكن رؤيتها بالعين المجرد كذلك.


إن محدودية الإمكانيات والقدرات البشرية على إدراك الحقائق من حولنا تمثل عجزاً متأصلا في الإنسان، ويُبررُ هذا العجز -جزئياً- حاجةَ الإنسانِ الدائمة إلى "التوبة"؛ والتي يعرضها الدينُ كفعلٍ بشريٍ لتدارك النقص والخطأ الناشئين عن الضعف الموروث في جبلة هذا المخلوق، ويُنظر إليها كاجتهادٍ إنسانيٍ للتغلب على السلبيات الناشئة عن الحيود والانحراف عن طريق الرشاد... وإن الأديان السماوية لم تأتِ الأديان لتعذيب الإنسان بقدر ما جاءت لتضع أمامه سبيلاً سوياً يسير عليه، ولتضع نُصْبَ عينيه علامات الهداية والرشاد.


إن إدراكنا لحدود بشريتنا وإنسانيتنا يفرضُ علينا القبول بحقيقة إمكانية وقوعنا -كبشر- في الأخطاء، لذلك فقد أطلق أسلافنا على هذا النشاط البشري اسم "الاجتهاد" وهي التسمية الموضوعية المعبرة عن بذل أقصى الجهد لترجيح تحقيق الصواب دون نفي إمكانية الوقوع في الخطأ.


إن المطلوب من الأمة اليوم هو أن تعود لسيرتها الأولى؛ بما حباها عزّ وجل من قدرة على إحداث الفعل والمبادرة به، وتتمثل تلك العودة في إعادة تفعيل أدمغة أبناء الأمة لتبدأ بالتفكير الحر والمبدع من جديد، لكن تلك العودة تظل تُواجَه بعدد من العقبات...


إن تلك العودة تقتضي منا الانسحاب من الاضطراب إلى الثبات، وهذا يقتضي منا تحليل كل ما يقع تحت أيدينا إنطلاقاً من قاعدة ثابتة، .


عقبات في طريق الوعي


أما العقبة الأولى التي تواجه قارئ القرآن وتمنعه من الولوج إلى أسرار جماله فهي فقدان حس التذوق للغة، وقد أدى ذلك إلى فقدان مفردات القرآن لمعانيها، وتحوُل أُخرى إلى كلمات غريبة على قارئه؛ مع أنها تحمل مضامين النص القرآني، وقد أدّى ذلك كله إلى حالة من الضبابية وعدم الفهم لما يطرحه القرآن الكريم من أحكام وتوجيهات، فكانت النتيجة النهائية هجران القرآن من الناحية الفعلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحالة حين قال:


{وقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}(الفرقان:30)


وقد أدى تلك الحالة إلى أن أصبحت عملية القراءة غير مقترنةٍ دائماً بالفهم، وأصبح عدم فهم القرآن عاملا من عوامل التثبيط لعملية القراءة، وقد أدت تلك الحالة إلى تكريس شبه دائم لحالة الجفاء والهجران بين الإنسان المسلم والقرآن.


ولعل تلك المشكلة المتمثلة بحالة "الهجران"؛ والتي أصبحت تغلف علاقة المسلم بدينه وبكتاب ربه، لعلها تلقي بظلال كثيفة من المسئولية تدفع كل مهتم لإيجاد السبل الكفيلة بالتغلب على تلك الحالة، والتي تعتبر مظهرا من مظاهر السقوط الحضاري؛ والتي تعني في أفدح وجوهها فقدان أداة الفهم، أداة التعبير، وأداة التفاعل مع المحيط أخذاً وعطاءً...


لكن المشكلة ،وبسبب طبيعتها المعقدة، فإننا لا نرى شيئا واحدا يمكن أن نفعله منفردا يكون كفيلا بحلها، لكن قد يكون جزء من الحل هو في تغيير المناهج الدراسية بكاملها، وإعادة بنائها من جديد على أسس مستقيمة، خصوصاً تلك المناهج الخاصة بمراحل التعليم الأساسي، بحيث تتم إعادة اكتشاف وتأهيل الألفاظ الواردة في القرآن الكريم؛ بما يعنيه ذلك من دمجٍ لها في المناهج المختلفة، وإذا ما حدث ذلك فسوف يكون سهلاً على التلميذ، الطالب، الموظف، العامل، ربة البيت، سوف يكون من السهل عليهم جميعاً قراءة القرآن، وإدراك الحد الأدنى المطلوب توفره لإحداث عملية الفهم له، مما سيضعنا ،حتماً، في المكان السليم الذي نستطيع من خلاله استعادة القدرة على "تدبر" النص والانفعال به والتفاعل معه.


وطلب الوصول إلى حالة "التدبر" يجب ألا يفهم منه أننا نسعى لإيصال الجميع إلى مواقع "الاجتهاد"، بل غرضنا منه العودة للتذكير بحقيقة أن القرآن الكريم هو كتاب منزّل من عند الله تعالى؛ ليتم فهمه والتعامل معه بصورة مباشرة من قبل المؤمنين به، وألا يستقر أمر فهمه على مجرد طبقة من رجال الدين التي تحتكر فهمه، وتملي كيفية تطبيقه، كما حدث مع الأديان الأخرى.


أما العقبة الثانية التي تقف في طريق التفاعل بين العقل والنص القرآني الكريم فهي عقبة من نوعٍ آخر، إنها العقبة النفسية والتي تتمثل في خوف بعض قراء القرآن من إعمال العقل فيه وتدبر آياته، اعتقادا منهم بأن من شأن ذلك التدبر إفساد قداسة النص، وقد أدى الحرص المبالغ فيه على عدم المس بقداسة النص القرآني إلى التضحية بالمحصلة المتوخاة من وراء تلك القراءة؛ وهي إحداث حالة من التفاعل مع النص والانفعال به؛ بحيث يتسنى للنص فيما بعد أن يكون عامل تأثير في مجريات حياة الإنسان.


وعلى الرغم من صحة القول بأن للنص القرآني قداسة تفرض محاذير خاصة عند التعامل معه، إلا أنه لمما يتنافى مع طبيعته كذلك أن تؤدي تلك المحاذير إلى إخماد روح التفاعل ما بين القرآن الكريم وقارئه، وإن من شأن تلك الحساسية أن تكون أمراً مقبولاً إذا ما مورست في حدود تؤدي إلى المحافظة عليه من العبث، لكن لا يجوز -ولا بأي حال من الأحوال- السماح لتلك المحاذير أن توقفَ حالة انفعال العقل مع النص، والتي ستؤدي حتماً إلى تعطيل حركة الإنسان باتجاه ربه.


إنه لمما يؤسف له أن تلك الحساسية في التعامل مع النص القرآني -وفي ظل حالة الضعف التي عانت منها الأمة- قد أدت إلى حالة فعلية من الجفاء بين الأمة ومصدر قوتها، وقد ساهمت تلك الحالة في توقف حركة "الاجتهاد" والتي يعني توقفها توقف الحياة ذاتها بالنسبة للأمة.


إذن؛ فإن محاولات تحقيق الهدف المرجو من وراء "تدبر" آيات القرآن الكريم يمكن أن تضع "القارئ" بين محذوري "اقتحام النص" بدون امتلاك ناصية العلم، وفهم اللغة العربية على وجه الخصوص، والآخر: محذور قراءة النص -فقط- ابتغاء تحصيل الأجر، والقراءة -فقط- لغرض تحصيل الأجر من الله عز وجل إن جاءت من العامة كانت مقبولة، لكن لا يمكن قبولها من العلماء الذين أعطاهم الله عزّ وجل نعمة العلم، إذ على أولئك أن يقرأوا النص القرآني الكريم بتدبر وتفكر وفهم.




الغنى الموضوعي في النص القرآني


إنّ محمداً e نبي آخر الزمان، ومعجزته القرآن الكريم، وهي المعجزة الباقيةُ؛ المستمرةُ؛ الخالدة... فكان لابد وأن تتسع آياته لكل ما يطرأ أو يستجد في حياة البشر وفي دنيا الناس من تغيرات، والعلم والاكتشافات هي جزء من تلك التغيرات...


والقرآن الكريم كتابُ تعبدٍ وهداية، لكنه لم يخلُ من شذرات وإشارات إلى أشياء أخرى في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية المختلفة، فهو لم يخلُ من إشاراتٍ تمَتُّ بصلة لعلم الفلك، أو الجيولوجيا... الخ، لذلك فهي تُعدُّ وجهاً آخر متجدداً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل الإثبات بأن هذا القرآن لم يأتِ به بشرٌ من عند نفسه، وقد جاءت الإشارات لتغطي المعارف الإنسانية كافة؛ بحيث يصعب على بشرٍ عادي أن يحيط بمجال تنوعها؛ فضلاً عن إدراك أسرارها!!، والسر في ذلك كما توضحه هذه الآية وأخواتها: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} (آل عمران:44)


والآيات تأتي في تمام الوضوح وكمال التعبير؛ معبرةً عن أن ما جاء به محمد e لم يكن لبشر أن يحيط به لولا فضل الله في أن يرسل للبشر نوراً يهديهم:


{وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}(الشورى:52)


وتتعدد المواضيع التي تغطيها الآيات الكريمة، لكن القصص القرآني يجمعه جامع الإحاطة بكل معاني الكمال والتمام؛ ذلك أنه مثلما وصفه عز وجل بأنه {أحسن القصص}...


وهو أحسن القصص في كل سورةٍ من سوره، وكل آيةٍ من آياته، وكل كلمةٍ من كلماته، وكل حرفٍ من حروفه ... فالحُسن هنا إنما ينسحب على القرآن الكريم بتمامه، وقد جاء في افتتاح سورة "يوسف":


{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}(يوسف:3)


إن واحدة من الدلالات المذهلة لهذه المعجزة الخالدة يشي بها فهرس سور القرآن الكريم؛ والذي يتناول مواضيع متعددة ومختلفة... فهو يذكر من الحيوانات: البقرة، الأنعام، الفيل!!...


ومن الأسماء والأجناس: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، طه، مريم، النساء، الأنبياء، المؤمنون، لقمان، يس، محمد، نوح، الإنسان، قريش، الناس!!...


أما الظواهر الطبيعية والفلك فسجلّها في فهرس القرآن الكريم جدُّ حافل، فضلاً عما احتوته الآيات ذاتها من إشارات، فمن أسماء السور التي حملت تلك الإشارات: الرعد، الدخان، النجم، القمر، المعارج، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الفجر، الشمس، الليل، الضحى، الزلزلة، العصر، الفلق!!!..


وفي الأحداث ذات الدلالة في مسيرة الإيمان البشرية جاءت سور: الإسراء، الكهف، الروم، الأحزاب، الفتح!!...


ومن أسماء الحشرات اختيرت أعلام السور: النحل، النمل، العنكبوت!!... وهناك سور كاملة حملت أسماءً لشعائر تعبدية مثل: الحج والجمعة!!... إضافة إلى العديد من السور التي صورت أخلاقاً بعينها يمكن أن تتلبس الإنسان؛ فجاءت السور: المطففين، المنافقون، الماعون، الكافرون!!... لكن سورة عجيبة حملت اسماً أشد إثارة للعجب، هي سورة "الحديد"!!!... إذ لم تحمل سورة أخرى من سور القرآن الكريم اسماً لمسمىً يجمعه والحديد وجه شبه، مما يقطع بأن الحديد فيه ما ليس في غيره مما يعلمه الله ولا نعلمه([2])، وكل ما نعلمه من تلك الحكمة أن الله عزّ وجل قال فيه:


{وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافعُ للناس}(الحديد:25)


لقد كان مما شدّ انتباهي إلى أهمية إجراء هذا البحث وجود ذلك الاسم العجيب لتلك السورة... سورة "الحديد"... ثم ما لبثت لفظة "نحاس" أن أضيفت إلى مخزون ما هو جاذبٌ للنظر من مفرداتٍ حفل بها القرآن الكريم، فزادت من تأثير ذلك الاسم لتلك السورة، سورة "الحديد"، وما لبثت ألفاظٌ جديدةٌ أن أضيفت إلى قائمة الحيرة والاندهاش!!، إذ وردت -على سبيل المثال- لفظة ذرّة، وقد وردت بمعناها المباشر الذي هو أقرب ما يكون إلى الاستخدام العلمي والعملي في عالم اليوم، بعد أن انصرفت عن معناها اللغوي الذي فُهمت به حين تنزلها أو كادت أن تنصرف عنه، لندرك بعد هنيهة أنها وردت بصورة أشد عجباً؛ فقد وردت في كل مواضع ورودها بلفظ "مثقال ذرّة"... ولم ترد كلمة "ذرّة" مجردة ولو لمرة واحدة، وهما المصطلحان اللذان يمكن لمختص في علم الكيمياء أن يفرق بينهما بسهولةً؟!!.


إنها تلك الألفاظ -وغيرها كثير- مما له علاقة وثيقة بعلم الكيمياء؛ والتي دفعتني جميعها باتجاه البحث عنها؛ وعن مواطن الارتباط بين ما عرفناه عنها وبين ما جاء به القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرناً من الزمان؛ حيث ضم بين دفتيه العديد من الألفاظ ذات الإيحاء الموضوعي، تلك الألفاظ التي يمكن أن تمس علماً من العلوم الحياتية، والتي تنتظر أن نسلط عليها أضواء التخصص؛ لنفهم المراد منها، دون أن يؤثر ذلك على المهمة الأساسية التي نَزَلَ القرآن من أجلها... أن يكون كتاب هداية يحمل بين طياته رسالة الرحمة.


إننا ومن خلال ما ذهبنا إليه في هذا البحث أردنا أن نثبت أمراً صار في حكم البَدَهِي، ألا وهو أنه ليست لدى البشر -في زمن بعينه- قدرة مطلقة لتفسيركل ما ورد في القرآن الكريم، بل إن هناك ضرورة لأخذ عامل الزمن بعين الاعتبار، ومن هنا يمكن فهم ما ذهب إليه بعض العلماء حين قال: (من هنا ندرك أن مفسري القرآن قد أخطأوا حتماً، وطيلة قرون في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق، إنّ ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكناً إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا، ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي لفهم هذه الآيات القرآنية، بل يجب، بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع)([3]).


وعلى الرغم من اتفاقنا مع الاقتباس الأخير؛ والذي يفيد بعدم استبعاد حدوث أخطاء في إصابة مرامي القرآن الكريم؛ بسبب محدودية ما يحمله زمن معين من انكشاف لعلوم ومعارف بعينها؛ إلا أننا نجد أن من الإنصاف التأكيد هنا على أن تلك الأخطاء لا تقلل من قيمة جهودهم واجتهاداتهم في محاولاتهم لفهم مرامي النص، بل يجب علينا هنا التركيز على ضرورة استيعاب حقيقة هامة، وهي أن الجهد البشري مجبول دائماً باحتمالات الإصابة أو الخطأ، وأن احتمال الخطأ ليس سبباً كافياً لوقف الاجتهاد ومحاولة متابعة ما بدأوه من جهود.


وأخيرا: فإن نظرتنا لما يقدمه القرآن الكريم من لمحات تمتُ إلى بعض العلوم بصلة؛ يجب أن تكون محكومة بإدراك حقيقي لعدم وجود علاقة بين تلك الإيحاءات التي وردت فيه؛ وبين أية معرفة بشرية يكون قد حققها العرب في تلك الحقبة من تاريخهم، حيث لم يكن العرب قد حققوا تلك النتائج في مجال العلوم التجريبية، بل على العكس من ذلك؛ فلقد برعوا في فنون اللغة وأساليب البيان، التي كانت مناط تحدي القرآن الكريم لهم، بل إن الحقيقة الثابتة اليوم يوردها السيد موريس بوكاي وتتحدث عن أن: (فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقاً لنهاية تنزيل القرآن، إن الجهل بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي سمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت -الكلام لازال للسيد بوكاي- بعضهم يصوغونه أحيانا، والذي يقول: إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصرهم، وأن محمداً e بالتالي قد استلهم دراساتهم... إن من يعرف، ولو يسيراً، تاريخ الإسلام؛ ويعرف أيضاً أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحِق لمحمد e ولن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية)([4]).


قد يكون فيما استعرضناه وما سنعرض له في سياق هذا الكتاب ما يعيد التذكير بحقيقة أن الإلمام بكل ما جاء به القرآن الكريم من مواضيع لم يكن ليتسنَ لبشر دون أن يكون على اتصالٍ مباشرٍ بخالقٍ مطلعٍ على الغيب؛ متصفٍ بالعلم والحكمة، لكن الأمر لا يقتصر على تلك الفائدة وحدها، بل يمكن له أن يحمل لنا المزيد من الدلالات.


إن وجود مثل تلك الإشارات يؤكد حقيقة الحالة الخاصة للنص القرآني الكريم؛ وقدرته الفائقة على الاتساع واستيعاب الزمن الحادث بكل ما يحفل به من تطورات واكتشافات، لكن ذلك الاستيعاب لا يعني أن يصبح الغرض من قراءة القرآن الكريم وتعلمه أن نعلم الناس علوم الحياة كعلم الذرّة أو الفلك!!؛ بل يجب النظر إليها على أنها إشارات إلهية مستمرة ومتواصلة على مدى الدهر لإثبات صدق الرسالة، ولتثبيت قلوب المؤمنين بالإيمان:


{وليربط على قلوبكم، ويثبت به الأقدام}(الأنفال:11)


وبذلك يقطعُ النصُ القرآنيُ سلاسلَ الرتابةِ والجمود التي يمكن أن يحفل بها أيُ نصٍ آخر نتيجةً لجمود تعبيراته، فالنص القرآني إنما هو نص متجدد، ويمكن للمتدبر لآياته أن يرى المزيد من إعجازه طالما كان هناك ما يمكن أن تطلع عليه الشمس.





جوانب من الكيمياء في القرآن الكريم


إذا أخذنا بالمنهج الذي قمنا ببسطه في الصفحات السابقة، وقمنا بتطبيقه في مجال علم الكيمياء كنموذج لاستقراء العلوم الطبيعية في القرآن الكريم ودراسته في ضوء الحقائق العلمية المعروفة في علم الكيمياء([5])؛فإن أول ما يسترعي الانتباه في هذا المجال هو أن القرآن الكريم قد غطى طيفاً واسعاً من تفرعات هذا العلم؟!... مبتدئين بالذرّة ذاتها والتي استأثرت وحدها بفرع مستقل من فروع علم الكيمياء هو (الكيمياء الذرية)، وتعتبرالذرة أصغر جزء من أجزاء العنصر ويستمد منها صفاته، بل إن القرآن الكريم قد جذب النظرَ إلى حقيقة وجود ما هو أصغر من ذلك الجزء:


{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(يونس:61)


وكأنه يريد أن يسترعي انتباهنا إلى بُنية الذرّة ذاتها!؛ من حيث احتواؤها على الكترونات، وبروتونات، ونيوترونات... الخ... ثم ارتقى القرآن الكريم بنا درجة فشدّ انتباهنا إلى مجموعة العناصر!!، ومن الناحية الكيميائية فإن العنصر الواحد يمتلك ذرات متشابهة، لكن القرآن الكريم وهو يعرض لنا نماذج لبعض العناصر فقد أعطى اهتماماً خاصاًلبعضها، والتي تعرف علمياً بمجموعة "المعادن"، فذكر منها : الذهب، الفضة، الحديد، النحاس...


ثم عاد القرآن الكريم ليرتقيّ بنا درجةً أخرى على سلّم المعارف العلمية الخاصة بعلم الكيمياء؛ فأورد بعد "العناصر" بعضاً من "المركبات"!!؛ فقد وردت لفظة "ملح"، ووردت كذلك لفظة "ماء"([6])، وهما لفظتان تعبران عن مركبين من المركبات الكيماوية.


إن القرآن الكريم وهو يتناول كل هذه الطُرَف؛ لم يتناولها بوصفه كتاباً شارحا للكيمياء، وهذا الأمر متوقع في ضوء ما ذكرناه من حقيقة أن القرآن الكريم ليس كتاباً مهمته تعليم الناس علوم الطبيعة وما شابه، لكن من المقاصد التي يجب أن تؤخذ بالحسبان لدى التعامل مع القرآن الكريم؛ أن تنجذب عقولُنا وأرواحُنا إلى هذا التنوع الواسع، وهذا التعدد العجيب، وهذا التدرج اللامتناهي في شتى درجات اللون؛ والعمق؛ والاتساع... لنبدأ -من ثم- رحلة البحث عن التفاصيل!.


وفي هذا البحث فقد حاولنا أن نقتطف من جِنان القرآن ورودا، ومن بساتينه قطوفاً تراءت لنا متناثرة في ثناياه.. تنوعت بين الذرة، والماء، والحديد والنحاس، والذهب، والفضة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تجمعها الكيمياء في عقد واحد...


وقد قصدنا أن نورد في ثنايا بحثنا عدداً من الإضاءات؛ كانت كل واحدة منها تتناول سرا من أسرار الإعجاز القرآني، حيث كشفت كل واحدة منها عن سر لابد من بذل المحاولات الإضافية الجادة لتتبعه واستجلائه في سور القرآن الكريم وآياته كلها.


وقد قصدنا حين تناولنا للموضوعات الواردة في هذا البحث، إيراد الآيات الكريمة المتعلقة بها جميعها، مع إيراد بعض الملاحظات والشرح ،إن أمكن، ومن المأمول أن يكون واضحاً بأن إيراد تلك الآيات بهذا الشكل إنما قصد منه أن تكون هادياً لمن أراد تناول تلك الموضوعات بعد ذلك بمزيد من التفصيل.
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21-02-2011, 09:49 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

و السماء و ما بناها

والســــماء وما بناهـــا‏



في مطلع سورة الشمس يقسم ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
(والشمس وضحاها‏*‏ والقمر إذا تلاها‏*‏ والنهار إذا جلاها‏*‏ والليل إذا يغشاها‏*‏ والسماء وما بناها‏*‏ والأرض وما طحاها‏*‏ ونفس وما سواها‏*‏ فألهمها فجورها وتقواها‏*‏) ‏(‏الشمس‏:1‏ ـ‏8)‏
ثم يأتي جواب القسم صادعا‏,‏ جازما بالقرار الإلهي الذي منطوقه‏:‏
قد أفلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏*‏ ‏(‏ الشمس‏:9:10)‏
وكثيرا ما يوجه القرآن الكريم الأنظار إلى التفكر في عملية الخلق‏:‏ خلق الكون بسماواته وأراضيه‏,‏ خلق الحياة بمختلف أشكالها‏,‏ وخلق الإنسان‏,‏ بكل ما في جسده ونفسه من أسرار ومعجزات‏,‏ وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات‏,‏ وهي وإن كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له‏(‏ تعالى‏)‏ بطلاقة القدرة‏,‏ وكمال الصنعة‏,‏ وشمول العلم والاحاطة فهي تؤكد صدق كل ما جاء في القرآن الكريم لأنه هو كتاب الله المقروء‏,‏ في صفائه الرباني‏,‏ و إشراقاته النورانية‏.‏ وصدق إخباره في كل أمر‏,‏ وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بحفظه فحفظ بنفس لغة الوحي‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وبنفس تفاصيل الوحي الذي أنزل بها سورة سورة‏,‏ وآية آية وكلمة كلمة وحرفا حرفا‏,‏ تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا‏(‏ سبحانه‏)‏ علي ذاته العلية فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ‏(‏ الحجر‏:9)‏
وبقي هذا الوحي الخاتم ـ ولأنه الوحي الخاتم ـ محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وسوف يبقي إن شاء الله‏(‏ تعالى‏)‏ بصفائه الرباني‏,‏ وتمامه وكماله إلى أن يرث الله‏(‏ تعالى‏)‏ الأرض ومن عليها‏...!!!‏
وسورة الشمس مليئة بالإشارات الكونية التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد‏,‏ ولذا فسوف أركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السورة المباركة ألا وهو‏:‏ والسماء وما بناها‏(‏ الشمس‏:‏ الآية الخامسة‏)‏
وقبل البدء في ذلك أود أن أكرر ما أكدته مرارا من قبل أن القسم في القرآن الكريم يأتي من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في استقامة الوجود‏,‏ وانتظام حركة الحياة‏,‏ لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ غني عن القسم لعباده‏.‏
ما في اللغة العربية‏
الوحدات الرئيسية في بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا تأتي ما في اللغة العربية علي تسعة أوجه‏,‏ أربعة منها أسماء‏,‏ والخمسة الباقية حروف‏.‏
والأسماء تأتي بمعني الذي‏,‏ أو للاستفهام‏,‏ أو للتعجب أو تأتي للتعبير عن نكرة يلزمها النعت‏.‏
والحروف تأتي نافية بمعني‏(‏ ليس‏),‏ وتأتي جزائية‏(‏ مسلطة‏)‏ إذا أدخل عليها إذ‏(‏ إذما‏)‏ أو حيث‏(‏ حيثما‏),‏ وتأتي كذلك بصيغة إما و مهما‏,‏ كما تأتي مع الفعل لتأويل المصدر‏(‏ مصدرية‏)‏ أي لتجعل ما بعدها بمنزلة المصدر‏,‏ وتأتي كافة عن العمل إذا دخلت عليها إن وأخواتها ورب ونحو ذلك من مثل إنما‏,‏ كأنما‏,‏ ربما‏,‏ قلما‏,‏ طالما‏,‏ كما تأتي غير كافة من مثل بما‏,‏ وتأتي محذوفا منها الألف إذا ضم إليها حرف آخر من مثل لم‏,‏ بم‏,‏ عم‏,‏ كما تأتي زائدة لتوكيد اللفظ إذا دخلت عليها حروف أخري من مثل إذما‏,‏ فإما‏,‏ إما‏.‏

السماء في اللغة العربية
السماء لغة اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو‏,‏ تقول‏‏ سما يسمو سموا فهو سام‏)‏ بمعني علا يعلو علوا فهو عال أو مرتفع‏,‏ لأن السين والميم والواو‏..‏ أصل يدل علي الارتفاع والعلو‏,‏ يقال‏(‏ سموت وسميت‏)‏ بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو‏,‏ وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه‏,‏ ولذلك قيل‏:‏ كل ما علاك فأظلك فهو سماء‏.‏
ويقال فلان لا يسامى أي لا يباري‏,‏ وقد علا من ساماه أي الذي باراه‏,‏ وتساموا أي تباروا‏(‏ في اكتساب المعالي عادة‏).‏
ولفظة السماء في العربية تذكر وتؤنث‏(‏ وإن اعتبر تذكيرها شاذ‏),‏ وجمعها سماوات‏,‏ واسمية‏,‏ وسماو‏,‏ وسمي‏,‏ وإن كان أشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقرآن الكريم‏.‏
وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه‏,‏ وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب‏,‏ وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء‏.‏
والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون‏,‏ والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الأجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات‏,‏ والنجوم والبروج‏,‏ والسدم والمجرات‏,‏ وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية‏,‏ أو مستترة خفية‏.‏
وقد خلق الله‏(‏ تعالى‏)‏ السماء ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها‏,‏ وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق‏,‏ وحرسها من كل شيطان مارد من الإنس والجن‏,‏ فهي محفوظة بحفظه‏(‏ تعالى‏)‏ إلى أن يرث‏(‏ سبحانه‏)‏ هذا الكون بمن فيه وما فيه‏.‏

آراء المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالى‏)‏ والسماء وما بناها قال المفسرون برأيين يكمل أحدهما الآخر‏,‏ فقال ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏):‏ يحتمل أن تكون‏(‏ ما‏)‏ ها هنا مصدرية بمعني‏:‏ والسماء وبنائها‏,‏ وهو رأي قتادة‏(‏ رضي الله عنه‏),‏ ويحتمل أن تكون بمعني‏(‏ من‏)‏ يعني‏:‏ والسماء وبانيها‏,‏ وهو قول مجاهد‏(‏ رضي الله عنه‏),‏ وكلاهما متلازم‏,‏ والبناء هو الرفع‏...‏ وقال صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):...(‏ ما‏)‏ هنا مصدرية‏,‏ ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلى الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا‏,‏ تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها‏,‏ فأما حقيقة السماء فلا ندريها‏,‏ وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه‏,‏ أما كيف هو مبني‏,‏ وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولا ولا آخرا‏...‏ فذلك مالا ندريه‏.....,‏ إنما نوقن من وراء كل شيء أن يد الله هي تمسك هذا البناء‏.....‏
وقال مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏)‏ والسماء ومابناها‏)‏ أي ومن أوجدها وأنشأها بقدرته وأضاف‏:‏ وإيثار‏(‏ ما‏)‏ علي‏(‏ من‏)‏ لارادة الوصفية تفخيما وتعظيما‏,‏ كأنه قيل‏‏ والسماء والإله‏)‏ القادر العظيم الذي بناها‏,‏ وزاد بعد ذلك بقليل‏:‏ وقيل إن‏(‏ ما‏)‏ في الآيات الثلاث‏(5‏ ـ‏7‏ من سورة الشمس‏)‏ مصدرية‏,‏ فيكون القسم ببناء السماء‏,‏ وطحو الأرض‏,‏ وتسوية النفوس في الخلقة‏.‏
وقال الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏):...‏ أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء‏,‏ وأحكم بناءها بلا عمد وأضاف‏:‏ قال المفسرون‏(‏ ما‏)‏ اسم موصول بمعني‏(‏ من‏),‏ أي والسماء ومن بناها‏,‏ والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده‏(‏ فألهمها فجورها وتقواها‏),‏ كأنه قال‏:‏ والقادر العظيم الشأن الذي بناها‏,‏ فدل بناؤها وإحكامها علي وجوده‏,‏ وكمال قدرته‏....‏
وهذا هو عين الصواب لأن القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه‏,‏ وتعدد أجرامه‏,‏ وإحكام تماسكه وترابط مختلف أجزائه علي الرغم من الطبيعة الدخانية الغالبة عليه‏,‏ وهذه الأمور وغيرها مما يشهد لله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ بطلاقة القدرة‏,‏ وإبداع الصنعة‏,‏ وكمال العلم‏,‏ وعظيم الحكمة‏,‏ وبالتفرد بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية فوق جميع خلقه‏,‏ ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الأعظم وببنائها المذهل البديع‏...!!!‏
ثم يستمر السياق القرآني بالقسم بالأرض وبالذي طحاها مع روعة هذا الطحو والدحو‏,‏ وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فألهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمة البناء وتعقيده‏,‏ وكرمها من فضله وجوده‏,‏ ومنحها الارادة الحرة‏,‏ وحرية الاختيار‏,‏ ثم يأتي جواب القسم‏:‏ قد أفلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏.‏
بمعني أن كل من اجتهد في تزكية نفسه‏,‏ وتطهيرها‏,‏ وتنمية الاستعدادات الفطرية للخير فيها‏,‏ ومقاومة نوازع الشر المتداعية بين جوانبها فقد فاز وأفلح‏,‏ ومن أهمل كل ذلك‏,‏ وجافي هداية ربه‏,‏ واتبع شهوات نفسه‏,‏ وأطفأ أنوار الفطرة الربانية فيها فقد خاب وخسر‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ قد خلق الإنسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات‏,‏ ونفخ فيه من روحه ومالها من أنوار‏.‏ وإشراقات‏,‏ وغرس في الجبلة الإنسانية حب الخيرات‏,‏ وكراهية المنكرات ومنح الإنسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وأنزل هدايته الربانية نورا للإنسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له أن يفعل‏,‏ فمن اتبع الهداية الربانية‏,‏ ونمي تلك الإشراقات الفطرية النورانية في نفسه فقد فاز وأفلح‏,‏ ومن أتبع نفسه هواها‏,‏ وأغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر‏,‏ وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها‏,‏ وبروعة بنائها الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ ليؤكد هذا القرار الذي أنزله‏(‏ سبحانه‏)‏ من فوق سبع سماوات‏:‏ قد أفلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏*‏
فماذا تقول العلوم الكونية في عظمة شيء واحد من المقسوم به في هذه الآية الكريمة ألا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك أعرض لمفهوم السماء في القرآن الكريم‏.‏

السماء في القرآن الكريم
جاءت لفظة السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة مواضع‏,‏ منها مائة وعشرون بالإفراد‏(‏ السماء‏),‏ ومائة وتسعون بالجمع‏(‏السماوات‏).‏
كذلك جاءت الاشارة إلى السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع‏(‏ المائدة‏:18,17),(‏ الحجر‏:85),(‏ مريم‏:65),(‏ طه‏:6),(‏ الأنبياء‏:16),(‏ الفرقان‏:59),(‏ الشعراء‏:24),(‏ الروم‏:8),(‏ السجدة‏:4),(‏ الصافات‏:5),(‏ ص‏:66,27,10),(‏ الزخرف‏:85),(‏ الدخان‏:38,7),(‏ الأحقاف‏:3),(‏ ق‏:38),(‏ النبأ‏:37).‏
وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد من الآية رقم‏164‏ في سورة البقرة‏,‏ والتي تشير إلى أن القرآن الكريم يفصل بين السماء والأرض بنطاق يضم السحاب‏,‏ وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدى سمكه‏16‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ ويحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض‏(75%‏ بالكتلة‏).‏
وعلي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلى نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله‏,‏ ويشير القرآن الكريم إلى أن الله تعالى قد قسم السماء إلى سبع سماوات‏,‏ كما قسم الأرض إلى سبع أرضين فقال‏(‏ تعالى‏):‏
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ‏(‏الطلاق‏:12)‏
وقال‏(‏ سبحانه وتعالى‏):‏ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا‏,‏ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ‏(‏نوح‏:16,15)‏ وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ الذي خلق سبع سماوات طباقا‏...‏ ‏(‏ الملك‏:3)‏
و يتضح من هذه الآيات بصفة عامة‏,‏ ومن آيتي سورة نوح‏(16,15)‏ بصفة خاصة أن السماوات السبع متطابقة حول مركز واحد‏,‏ يغلف الخارج منها الداخل‏,‏ وإلا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات‏,‏ فيكون كل من القمر والشمس ـ وهما من أجرام السماء الدنيا ـ واقعين في كل السماوات السبع‏.‏
وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة هي‏:[(‏ الإسراء‏:44),(‏ المؤمنون‏:86),(‏ فصلت‏:12),(‏ الطلاق‏:12),(‏ الملك‏:3),(‏ نوح‏:16,15),(‏ النبأ‏:12)].‏
كذلك جاءت الإشارة القرآنية إلى سبع طرائق في الآية‏(17)‏ من سورة‏(‏ المؤمنون‏),‏ واعتبرها عدد من المفسرين إشارة إلى السماوات السبع‏,‏ وإن كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك‏.‏
ويشير القرآن الكريم إلى أن النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ‏(‏الصافات‏:6)‏
وقوله‏(‏ سبحانه وتعالى‏):‏ ‏....‏ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ‏(‏فصلت‏:12)‏
وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح‏...‏ ‏(‏الملك‏:5)‏
وفي زمن تفجر المعارف العلمية‏,‏ والتطور المذهل للوسائل التقنية الذي نعيشه لم يستطع الانسان إدراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا‏,‏ ولم يتجاوز إدراكه لذلك الجزء‏10%‏ مما فيه‏...!!!‏

السماء في علوم الفلك
يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية‏(24‏ بليون‏*9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏),‏ وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ تعالى‏),‏ وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها‏,‏ وذلك لأن سرعة تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعة الضوء المقدرة بنحو الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية‏,‏ وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقة بالغة علي وتيرة واحدة‏,‏ تبدأ بتجمعات فلكية حول النجوم كمجموعتنا الشمسية التي تضم بالإضافة إلى الشمس عددا من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محددة حول الشمس‏,‏ وتنطوي أمثال هذه المجموعة الشمسية بملايين الملايين في مجموعات أكبر تعرف باسم المجرات‏,‏ وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعة المحلية‏,‏ وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية‏,‏ وتنطوي تلك في تجمعات محلية للحشود المجرية‏,‏ ثم في حشود مجرية عظمي‏,‏ ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي إلى ما هو أكبر من ذلك إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ سبحانه وتعالى‏).‏
شمسنا‏:‏ هي عبارة عن كتلة غازية ملتهبة‏,‏ مشتعلة‏,‏ مضيئة بذاتها علي هيئة نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر‏.‏ ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائة ألف كيلو متر‏(6.960*510‏ كم‏),‏ وتقدر كتلتها بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا‏(1.99*2710‏ طن‏),‏ ويقدر متوسط كثافها بحوالي ‏1.41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ بينما تصل كثافة لبها إلى‏90‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتتناقص الكثافة في اتجاه إكليل الشمس لتصل إلى جزء من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب‏.‏
ويزيد حجم الشمس علي مليون مرة قدر حجم الأرض‏,‏ كما تزيد كتلتها علي كتلة الأرض بنحو‏333.400‏ ضعف‏.‏
وتقدر درجة حرارة سطح الشمس بنحو ستة آلاف‏(5800)‏ درجة مطلقة‏,‏ ودرجة حرارة لبها بنحو‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ بينما تصل درجة حرارة هالتها‏(‏ إكليلها‏)‏ إلى مليوني درجة مطلقة‏.‏ وتتكون الشمس أساسا من غاز الايدروجين‏(70%),‏ والهيليوم‏(28%)‏ ومن نسب ضئيلة من عدد من العناصر الأخري‏(2%).‏ وتنتج الطاقة في الشمس‏(‏ وفي أغلب النجوم‏)‏ أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي‏,‏ وتستمر العملية لإنتاج آثار طفيفة من عناصر أعلي في وزنها الذري‏.‏
ونظرا للطبيعة الغازية الغالبة للشمس فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة تفاضلية ‏(Differential Rotation),‏ وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في‏36.5‏ يوم من أيامنا‏,‏ بينما الكرة الغازية المحيطة بهذا القلب الشمسي‏(‏ ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس‏)‏ يتم دورته حول مركز الشمس في نحو‏24‏ يوما من أيامنا‏,‏ وعلي ذلك فإن متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو‏27‏ يوما وثلث يوم من أيام الأرض‏.‏
وتجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها‏)‏ نحو نقطة محددة في كوكبة هرقل‏(‏ كوكبة الجاثي‏)‏ بالقرب من نجم النسر الواقع ‏(Vega)‏ بسرعة تقدر بنحو‏19.5‏ كيلو متر في الثانية‏,‏ وتسمي هذه النقطة باسم مستقر الشمس‏.‏ وتجري المجموعة الشمسية كذلك حول مركز مجرتنا‏(‏ الدرب اللبني‏)‏ بسرعة خطية تقدر بنحو‏250‏ كيلومترا في الثانية لتتم دورتها في نحو‏250‏ مليون سنة من سنينا‏.‏

مجموعتنا الشمسية‏
تضم مجموعتنا الشمسية بالإضافة إلى الشمس كواكب تسعة هي‏(‏ قربا من الشمس إلى الخارج‏):‏ عطارد‏,‏ الزهرة‏,‏ الأرض‏,‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏,‏ ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود‏,‏ هذا بالإضافة إلى عدد من التوابع‏(‏ الأقمار‏)‏ التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب‏,‏ وآلاف الكويكبات المنتشرة بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بأنها بقايا لكوكب منفجر‏,‏ وآلاف الشهب والنيازك‏,‏ وكميات من الدخان‏(‏ الغاز الحار والغبار‏).‏
والكواكب الأربعة الداخلية‏(‏ عطارد‏,‏ والزهرة‏,‏ والأرض‏,‏ والمريخ‏)‏ هي كواكب صخرية‏,‏ والكواكب الخارجية‏(‏ من المشتري إلى بلوتو‏)‏ هي كواكب غازية تتكون من عدد من الغازات المتجمدة علي هيئة جليد‏(‏ من مثل بخار الماء ثاني أكسيد الكربون‏,‏ الأمونيا‏,‏ الايدروجين والهيليوم‏)‏ حول لب صخري ضئيل‏.‏

وكواكب المجموعة الشمسية تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد‏,‏ وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو‏,‏ وذلك في مدارات شبه دائرية‏(‏ اهليلجية‏)‏ بحيث تقع الشمس في إحدى بؤرتيه‏,‏ وأبعد نقطة علي المدار يصل إليها الكوكب تسمي الأوج‏,‏ وأقرب نقطة تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ كذلك تزداد سرعة الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساوية في وحدة الزمن‏.‏
وتقدر المسافة بين الأرض والشمس بنحو المائة والخمسين مليون كيلو متر‏(149.6‏ مليون كم‏)‏ وقد اعتبرت هذه المسافة وحدة فلكية دولية واحدة‏.‏
وتقدر المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها‏(‏ عطارد‏)‏ بنحو الثمانية والخمسين مليونا من الكيلومترات‏(57.9‏ مليون كم‏),‏ كما تقدر المسافة بين الشمس وأبعد الكواكب المعروفة عنها‏(‏ بلوتو‏)‏ بنحو ستة بلايين من الكيلومترات‏5913.5‏ مليون كم‏),‏ ويلي مدار بلوتو إلى الخارج سحابة ضخمة من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس بأربعين ألف وحدة فلكية‏(‏ أي نحو ستة تريليونات من الكيلومترات‏),‏ ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس أبعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد‏,‏ وإذا كان امتداد المجموعة الشمسية يعبر عنه بأبعد مسافة نعرفها حول الشمس تتم فيها حركة مدارية حول هذا النجم فإن مدار بلوتو لا يمكن أن يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسية‏,‏ وعليه فإننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسية‏...!!!‏

مجرتنا‏(‏ مجرة الدرب اللبني‏)‏ ‏(The Milky Way Galaxy)
تنطوي مجموعتنا الشمسية مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم فيما يعرف باسم مجرة الدرب أو الطريق اللبني‏(‏ درب اللبانة‏)‏ علي هيئة قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويقدر سمكه بعشر ذلك‏(‏ أي حوإلى العشرة آلاف سنة ضوئية‏),‏ وتقع مجموعتنا الشمسية علي بعد يقدر بنحو الثلاثين ألف سنة ضوئية من مركزه‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافه‏.‏
وتتجمع النجوم حول مركز المجرة فيما يشبه النواة‏,‏ وتلتوي الأجزاء الخارجية من قرص المجرة مكونة أذرعا لولبية تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونية‏,‏ وترتبط النجوم في مجرتنا‏(‏ وفي كل مجرة‏)‏ مع بعضها بعض بقوي الجاذبية‏,‏ مشكلة نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجمية ‏(Stellar populations)‏
علي النحو التإلى‏:‏
‏(1)‏ جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي‏1155‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة‏.‏
‏(2)‏ جمهرة القرص السميك‏;‏ وتقع علي ارتفاع‏3300‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة‏,‏ وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة‏.‏
‏(3)‏ جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع‏11.550‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة‏.‏
وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم ‏(Interstellar Matter)‏
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها‏,‏ ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من‏15%‏ من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية‏.‏
ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة‏,‏ والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية‏,‏ وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو‏250‏ كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها‏.‏
وهذا الدوران التفاضلي‏(‏ التفاوتي‏)‏ يؤدي إلى تسارع المادة الدخانية بين النجوم‏,‏ ثم إلى كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة و بالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية ‏(pro-or proro-stars)‏ التي تتطور إلى ما بعد ذلك من مراحل‏.‏
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد‏,‏ وما هو مزدوج‏,‏ وما هو عديد الأفراد‏.‏
وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها‏,‏ مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها‏.‏
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا‏,‏ وبعضها الآخر أصغر قليلا‏,‏ والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها‏,‏ يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة‏,‏ والتي قد تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم‏.‏
وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها‏,‏ وفي شدة إضاءتها‏,‏ فمنها الحلزوني‏,‏ والبيضاني‏(‏ الإهليلجي‏),‏ وما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو شديد الاضاءة‏,‏ وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة‏(‏ المقاريب‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا‏.‏ وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها‏,‏ في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير‏,‏ وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك‏1910‏ ذرة‏/‏سم‏3‏ في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر‏.‏

المجموعة المحلية ‏(The Local Group)‏
تحشد مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات ‏(The Local Group of Galaxies)‏
يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي ‏(One Million Parsec)
(‏ أي يساوي‏3,261,500‏ سنة ضوئية‏=3,0856*1910‏ كيلومتر‏)‏ وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل‏,‏ وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة‏,‏ وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها‏.‏

الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
‏(Galactic Clusters and Super clusters)‏
هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل‏,‏ حشد مجرات برج العذراء ‏(The Virgo Cluster of Galaxies)‏
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع‏,‏ ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية‏(6,523,000‏ سنة ضوئية‏),‏ ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة‏(‏ أي عشرين مليون فرسخ فلكي‏).‏ وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة‏,‏ وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري‏,‏ وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة‏,‏ ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد‏(‏ بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا‏)‏ مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد‏(‏ المستعرات وما فوقها‏).‏ وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة‏,‏ ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية‏,‏ التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي ‏(Galactic Super clusters).‏

علي النحو التإلى‏:‏
‏(1)‏ جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي‏1155‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة‏.‏
‏(2)‏ جمهرة القرص السميك‏;‏ وتقع علي ارتفاع‏3300‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة‏,‏ وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة‏.‏
‏(3)‏ جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع‏11.550‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة‏.‏
وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم ‏(Interstellar Matter)‏
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها‏,‏ ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من‏15%‏ من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية‏.‏
ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة‏,‏ والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية‏,‏ وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو‏250‏ كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها‏.‏
وهذا الدوران التفاضلي‏(‏ التفاوتي‏)‏ يؤدي إلى تسارع المادة الدخانية بين النجوم‏,‏ ثم إلى كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة و بالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية ‏(pro-or proro-stars)‏ التي تتطور إلى ما بعد ذلك من مراحل‏.‏
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد‏,‏ وما هو مزدوج‏,‏ وما هو عديد الأفراد‏.‏
وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها‏,‏ مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها‏.‏
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا‏,‏ وبعضها الآخر أصغر قليلا‏,‏ والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها‏,‏ يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة‏,‏ والتي قد تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم‏.‏
وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها‏,‏ وفي شدة إضاءتها‏,‏ فمنها الحلزوني‏,‏ والبيضاني‏(‏ الإهليلجي‏),‏ وما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو شديد الاضاءة‏,‏ وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة‏(‏ المقاريب‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا‏.‏ وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها‏,‏ في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير‏,‏ وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك‏1910‏ ذرة‏/‏سم‏3‏ في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر‏.‏

المجموعة المحلية ‏(The Local Group)‏

تحشد مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات ‏(The Local Group of Galaxies)‏يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي ‏(One Million Parsec)
(‏ أي يساوي‏3,261,500‏ سنة ضوئية‏=3,0856*1910‏ كيلومتر‏)‏ وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل‏,‏ وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة‏,‏ وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها‏.‏

الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
‏(Galactic Clusters and Super clusters)‏

هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل‏,‏ حشد مجرات برج العذراء ‏(The Virgo Cluster of Galaxies)‏
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع‏,‏ ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية‏(6,523,000‏ سنة ضوئية‏),‏ ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة‏(‏ أي عشرين مليون فرسخ فلكي‏).‏ وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة‏,‏ وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري‏,‏ وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة‏,‏ ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد‏(‏ بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا‏)‏ مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد‏(‏ المستعرات وما فوقها‏).‏ وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة‏,‏ ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية‏,‏ التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي ‏(Galactic Super clusters).‏
وقد أحصي الفلكيون منها إلى اليوم أعدادا كبيرة علي بعد مليوني سنة ضوئية منا‏.‏
ويعتقد أن المجموعة المحلية التي تنتمي إلىها مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏),‏ والحشود المجرية المحيطة بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا أكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الأعظم (The Local Galactic Super cluster)‏ يضم قرابة المائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص واحد يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشر ذلك‏(‏ أي عشرة ملايين من السنين الضوئية‏)‏ وهي نفس نسبة سمك مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ إلى طول قطرها‏,‏ فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق‏!!!‏
وتبدو الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تكون أبعادها في حدود‏(150*100*15)‏ سنة ضوئية‏,‏ وأكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم ‏(The Great Wall)‏ يزيد طوله علي‏250‏ مليون سنة ضوئية‏.‏
وقد تم الكشف أخيراً عن حوالي المائة من الحشود المجرية العظمي التي تكون حشدا أعظم علي هيئة قرص يبلغ طول قطره‏2‏ بليون سنة ضوئية‏,‏ وسمكه مائتي مليون سنةضوئية‏,‏ ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بأن في الجزء المدرك من الكون تجمعات أكبر من ذلك‏.‏
والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها‏,‏ وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل أفرانا كونية يخلق الله‏(‏ تعالى‏)‏ فيها مختلف صور المادة والطاقة اللازمة لبناء الجزء المدرك من الكون‏.‏
وبالإضافة إلى النجوم وتوابعها المختلفة هناك السدم ‏(Nebulae)‏
علي تعدد أشكالها وأنواعها‏,‏ وهناك المادة بين النجوم
‏(Inter-Stellar Matter),‏ وهناك المادة الداكنة ‏(Dark Matter),‏
وغير ذلك من مكونات الكون المدرك‏,‏ والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور المادة والطاقة المدسوسة في ظلمة الكون‏.‏
ويقدر الفلكيون كتلة الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائة ضعف كتلة المادة والطاقة والأجرام المرئية والمحسوسة فيه‏,‏ بمعني أننا ــ في زمن تفجر المعرفة الذي نعيشه ــ لا ندرك إلا أقل من عشرة في المائة فقط من الجزء الذي وصل إلىه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*‏ ‏(‏ غافر‏:57)‏
وقوله الحق‏:‏ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا‏*‏ ‏(‏ الإسراء‏:85)‏
ومن هنا تتضح أهمية القسم بالسماء وما بناها في الآية الخامسة من سورة الشمس‏,‏ هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشأن السماء وتقديسا لخالقها‏,‏ وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها‏,‏ ودقة بنائها‏,‏ وانضباط حركتها‏,‏ وإحكام كل أمر من أمورها‏,‏ والإعجاز في خلقها‏,‏ وهي قضايا لم يدركها الإنسان بشيء من التفصيل إلا منذ عشرات قليلة من السنين‏,‏ وورود القسم بها في كتاب الله‏,‏ مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏ وذلك مما يزيد المؤمنين تثبيتا علي إيمانهم‏,‏ ويدعو غيرهم من المشركين والكفار إلى الايمان بالله الخالق‏,‏ وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏,‏ ففي ذلك النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة‏,‏ ولا نجاة ولا نجاح في غير ذلك‏,‏ وان كانت السماء شاسعة الاتساع‏,‏ دقيقة البناء‏,‏ ومنضبطة الحركة فهي شاهدة علي عظمة الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالى‏...!!!‏
من هنا كان قسم الله‏(‏ تعالى‏)‏ بالسماء ــ وهو الغني عن القسم ــ وكان التأكيد القرآني علي عظم شأنها في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم نختار منها قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏
‏(1)‏ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين‏*..‏ ‏(‏الانبياء‏:16)‏
‏(2)‏ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا‏*‏ ‏(‏الفرقان‏:61)‏
‏(3)‏ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار‏*‏ ‏(‏ ص‏:27)‏
‏(4)‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس‏....‏ لآيات لقوم يعقلون‏*‏ ‏(‏ البقرة‏:164)‏

‏(5)‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب‏*‏ ‏(‏ آل عمران‏:190)‏
‏(6)‏ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق‏....*‏ ‏(‏ الأنعام‏:73)‏
‏(7)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق‏...*‏ ‏(‏الحجر‏:85)!‏
‏(8)‏ أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي‏....*‏ ‏(‏ الروم‏:8)‏
‏(9)‏ ومن آياته خلق السمارات والأرض‏...*‏ ‏(‏الروم‏:22)(‏ الشوري‏:29)‏
‏(10)‏ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*‏ ‏(‏ غافر‏:57)‏
‏(11)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين‏*‏ ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون‏*‏ ‏(‏ الدخان‏:38‏ و‏39)‏
‏(12)‏ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين‏*(‏ الجاثية‏:3)‏
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‏.‏

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:49 PM.