اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-01-2010, 10:40 AM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي دليل الإمكان وبيان معاني الفقر الاضطراري والفقر الاختياري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
علمنا أن علة احتياج العالم إلى وجود الرب سبحانه أن وصف الغنى والكمال وصف ذاتي انفرد به رب العزة والجلال، وأن وصف الحاجة والافتقار وصف ذاتي لكل مخلوق على وجه الاضطرار.
وأن احتياج العالم إلى وجود الرب سبحانه عن المتكلمين الأشاعرة دليل الحدوث، وهو الاستدلال على ضرورة وجود الله وعدم الاستغناء عنه بأن الكون حادث، وكل حادث لابد له من محدث قديم، وأخص صفات القديم عندهم مخالفته للحوادث، وعدم حلول الحوادث فيه. فلو قامت الحوادث بذات الباري U لاتصف بها بعد أن لم يتصف، ولو اتصف لتغير، والتغير دليل الحدوث، إذ لا بد من مغير، وقد قال إبراهيم u: (لا أحب الآفلين) أي المتغييرين.وهذا هو المسمى عندهم دليل الأفول ونفي الحركة والانتقال عن الإله وهو دليل باطل لأن الآية دليل على توحيد العبادة لله وبيان الفقر الذاتي لكل من سواه، وليس المراد منه أن كل متحرك محدث.
·دليل الإمكان علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه وتعالى عند الفلاسفة.
زعم الفلاسفة أن علة احتياج العالم إلى وجود الرب هو دليل الإمكان، ويعتمد عندهم على تقسيم المعقول إلى واجب وممكن وممتنع.وهي أقسام الحكم العقلي عندهم والتي تنحصر في ثلاثة أقسام:
الأول الوجوب: وهو في اللغة الحضور والثبوت والسقوط والاستقرار،ومنه قوله تعالى: (وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلكَ سَخَّرْنَاهَا لكُمْ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج:36) وفي الاصطلاح عدم قبول الانتفاء في العقل كوجود الخالق.
الثاني الاستحالة: في اللغة الامتناع، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وَكَذَلكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ) (الأعراف:40).وفي الاصطلاح انتفاء قبول الثبوت في العقل كانتفاء وجود الخالق
الثالث الجواز: في اللغة المرور والعبور، ومنه قوله تعالى: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَليلاً مِنْهُمْ فَلمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ) (البقرة:249) (فَلمَّا جَاوَزَا قَال لفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لقَدْ لقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً) (الكهف:62)، وفي الاصطلاح قبول الثبوت والانتفاء في العقل كوجود المخلوق.
ولما كان العالم في المعقول ممكنا فإنه لا بد من واجب مرجح للإمكان يرجح وجود العالم أو عدمه، فلابد إذا من واجب الوجود.
مثال لدليل الإمكان عند الفلاسفة: إِذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كل واحد منهما لإِمضائها، إمضاءَ الآخر، فتكون النتيجة توقف إمضاء كل على إمضاء الآخر وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة.
مثالا آخر: لو أَراد رجلان التعاون على حمل متاع، غيرَ أَن كلا يشترط في إقدامه على حمله إِقدام الآخر. فلن يحمل المتاع إلى مكانه أَبدا.
ثم يستدلون على كلامهم العقلي بنصوص من القرآن كقوله تعالى: (أَوَلمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلقَهُ قَال مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُل يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُل خَلقٍ عَليمٌ الذِي جَعَل لكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَليْسَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلهُمْ بَلى وَهُوَ الخَلاقُ العَليمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الذِي بِيَدِهِ مَلكُوتُ كُل شَيْءٍ وَإِليْهِ تُرْجَعُونَ) (يس:77/83).
وقوله: (بَل عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَال الكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌقَدْ عَلمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (قّ:4).
وقوله تعالى: (اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8/10).
وقوله تعالى: (أَوَلمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلمْ يَعْيَ بِخَلقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى بَلى إِنَّهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف:33).
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-01-2010, 10:41 AM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

ومن غلاة المتصوفة من يرى دليل الإمكان الخواص ودليل الحدوث للأواسط، ودليل الغياب للعوام، قال إبراهيم أبي بكر البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور(قال لا أحب الآفلين لأن الأفول حركة، والحركة تدل على حدوث المتحرك وإمكانه.. فالخواص يفهمون من الأفول الإمكان، والممكن لا بد له من موجد واجب الوجود يكون منتهى الآمال ومحط الرحال (وأن إلى ربك المنتهى) (النجم:42) والأوساط يفهمون منه الحدوث للحركة، فلا بد من الاستناد إلى قديم، والعوام يفهمون أن الغارب كالمعزول لزوال نوره وسلطانه، وأن ما كان كذلك لا يصلح للإلهية).
·الفقر الاضطراري فقر عام لا خروج لبر ولا فاجر عنه.
قال ابن القيم: (ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه غير القولين اللذين يذكرهما الفلاسفة والمتكلمون؛ فإن الفلاسفة قالوا: علة الحاجة الإمكان. والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث. والصواب أن الإمكان والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار، وفقر العالم إلى الله سبحانه أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته، ثم يُستدل بإمكانه وحدوثه وغير ذلك من الأدلة على هذا الفقر.
والمقصود أنه سبحانه أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأنها فقيرة إليه سبحانه، كما أخبر عن ذاته المقدسة وحقيقته أنه غني حميد، فالفقر المطلق من كل وجه ثابت لذواتهم وحقائقهم من حيث هي، والغنى المطلق من كل وجه ثابت لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي، فيستحيل أن يكون العبد إلا فقيرا، ويستحيل أن يكون الرب سبحانه إلا غنيا، كما أنه يستحيل أن يكون العبد إلا عبدا، والرب إلا ربا، إذا عرف هذا فالفقر فقران:
1- فقر اضطراري: وهو فقر عام لا خروج لبر ولا فاجر عنه، وهذا الفقر لا يقتضي مدحا ولا ذما ولا ثوابا ولا عقابا، بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقا ومصنوعا.
·الفقر اختياري فقر خاص ناتج عن معرفة العبد بربه ومعرفته بنفسه.
2 - فقر اختياري: هو نتيجة علمين شريفين أحدهما معرفة العبد بربه، والثاني معرفته بنفسه فمتى حصلت له هاتان المعرفتان أنتجتا فقرا هو عين غناه، وعنوان فلاحه وسعادته.
وتفاوت الناس في هذا الفقر بحسب تفاوتهم في هاتين المعرفتين، فمن عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام.
ومن عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف ربه بالعلم التام والحكمة عرف نفسه بالجهل، فالله سبحانه أخرج العبد من بطن أمه لا يعلم شيئا ولا يقدر على شيء ولا يملك شيئا ولا يقدر على عطاء ولا منع ولا ضر ولا نفع ولا شيء البتة، فكان فقره في تلك الحال إلى ما به كماله أمرا مشهودا محسوسا لكل أحد).
أما من استغنى بماله أو جاهه أو ملكه وعصى الله ونازعه في أمره فإنه خرج عن حده من كونه عبدا فقيرا ومن شأنه الخضوع والافتقار إلى أن فطغى وبغى واغتر بعدم الحاجة والاضطرار، فأوقعه غرور الهوى في أن يرى نفسه مستغنيا عن غيره لا يفتقر إلى أحد في قيام وصفه وتحقيق مراده.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-01-2010, 10:41 AM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

قال تعالى: (كَلا إِنَّ الإنسان ليَطْغَى) (العلق:6)، ثم بين أن طغيانه كان بسبب رؤيته لنفسه مستغنيا عن غيره فقال: (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:7) ثم أعاد الله الأمر إليه سبحانه في كون الغني والاستغناء عن الغير إنما هو في حقيقته مقصور على الرب الأعلى فقال: (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (العلق:8).
·حقيقة الطاغوت تجاوز الحد في الخروج من الفقر الذاتي.
حقيقة الطاغوت تجاوز الحد في الخروج من الفقر الذاتي إلى الغنى الذاتيباستعلاء هوى النفس في الإنسان والاستكبار والظلم والطغيان، وهو ما يعبد من دون الله، قال تعالى: (وَإِذْ قُلنَا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْليسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ) (البقرة:34)، وقال: (قَال فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (الأعراف:13).
وقال عن فرعون: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِليْنَا لا يُرْجَعُونَ) (العنكبوت:39)، وقال تعالى: (اذْهَبَا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لهُ قَوْلا ليِّنًا لعَلهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَليْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى قَال لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:46) .
وقال: (هَل أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُل هَل لكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الآَيَةَ الكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَال أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَال الآَخِرَةِ وَالأُولى إِنَّ فِي ذَلكَ لعِبْرَةً لمَنْ يَخْشَى) .
وقال عن استعلاء هوى النفس في الإنسان ومنازعته لربه في وصف المشيئة بالعلو والطغيان: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لمَنْ يَرَى فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى) النازعات
وقال تعالى عن الكفار واستغنائهم على الحق: (عَبَسَ وَتَوَلى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لعَلهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لهُ تَصَدَّى وَمَا عَليْكَ أَلا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلهَّى كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ).
وقال سبحانه لنبيه e: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود:1121).

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-01-2010, 10:41 AM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وقد سمي الطاغوت طاغوتا لتجاوز الحد في كونه عبدا فقيرا زعم لنفسه أو زعم له غبره أنه علا في الكمال واستغنى عن الطلب والسؤال، كما قال رب العزة والجلال: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَليمٌ) (البقرة:257)
وقال تعالى: (وَلقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَليْهِ الضَّلالةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) (النحل:36).
وقال تعالى: (وَالذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللهِ لهُمُ البُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الزمر:17).

·كمال توحيد الربوبية لله يظهر بكمال توحيد العبودية لله.
إذا كانت معاني العبودية تقوم على الذل والافتقار والحاجة والاضطرار، فإن معاني الربوبية تقوم على الاستغناء بالنفس في كل اسم أو صف بحيث يكون كاملا، فكمال الأسماء والصفات والأفعال الذي يغني صاحبه عن كل معاني الحاجة والاضطرار والذل والافتقار، وهذا الوصف ليس لأحد على الإطلاق إلا لرب العزة والجلال.وكان توحيد العبودية لله هو إفراده بالطاعة والمحبة والتسليم والافتقار بالخضوع والتعظيم.
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِليْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا سُبْحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْل وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُل مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلكَ نَجْزِي الظَّالمِينَ) (الأنبياء:26/29).
قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا للرَّحْمَنِ وَلدًا وَمَا يَنْبَغِي للرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93).
والسبب في أن اتخاذا الولد شرك بالله يستوجب غضبه، أن الولد يستغني بأبيه، ودعوى استغنائه تستوجب توجه الفقير الذاتي بطلب الحاجة إلى الغني الذاتي، وحقيقة الأمر أن عيسى ليس غنيا بذاته، بل فقير بذاته يأكل الطعام كما قال تعالى: (مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المائدة:75) .
وكذلك قوله: (لنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً للهِ وَلا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِليْهِ جَمِيعاً) (النساء:172) .
فحقيقة الأمر أن عيسى u ليس غنيا بذاته، وإنما الله وحده هو الغني بذاته، وما سواه فقير إليه فقرا ذاتيا، ومن ثم فإنهم إذا التجئوا إلى غير الله ظنا منهم أنه موصوف بالغني ضيعوا أنفسهم وضيعوا من جميع الفقراء بذواتهم حين اتبعوهم في طلبوا المدد منهم، وفسد الكون بشركهم لأنهم ركنوا إلى عاجز فقير بذاته لن ينصرهم أو يعطيهم شيئا، فلم يخلقوا ذابا ولو اجتمعوا له.
ولو كان من ركنوا إليه غنيا على الحقيقة وموجودا بالفعل، لما منعهم الله من عبادته أو رجوع الفقير بذاته إليه في طلب حاجته، كما قال تعالى: (قُل إِنْ كَانَ للرَّحْمَنِ وَلدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ) (الزخرف:81).


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-01-2010, 10:42 AM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

لكنهم في الحقيقة أضعف من الذباب فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لهُ إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلوِ اجْتَمَعُوا لهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:74).
فركنوا إلى فقراء بذواتهم من أمثالهم، وبالرغم من ذلك كان قيامهم الفعلي بإقامة الله لهم، وقيام حوائجهم وبقائهم متنعمين بفضل رب العالمين الرحمن الرحيم، وهذا عين الظلم العظيم الذي وعظ لقمان ولده أن ألا يقع فيه (وَإِذْ قَال لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لظُلمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13). فالله سبحانه يخلق ويعبدون غيره، ويرزق ويشكر سواه.
قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلئِنْ زَالتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَليماً غَفُوراً) (فاطر:41) وقال في أول السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَليْكُمْ هَل مِنْ خَالقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر:3).
وعند البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا تَهَجَّدَ مِنْ الليْل قَال اللهُمَّ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الحَقُّ وَقَوْلُكَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ وَلقَاؤُكَ الحَقُّ وَالجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللهُمَّ لكَ أَسْلمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَليْكَ تَوَكَّلتُ وَإِليْكَ خَاصَمْتُ وَبِكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّي لا إِلهَ إِلا أَنْتَ).
وقال تعالى: (إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَليَسْتَجِيبُوا لكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأعراف:194).
وقال: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلكُونَ لكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لهُ إِليْهِ تُرْجَعُونَ) (العنكبوت:17/22).
(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَل مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلمَّا نَجَّاكُمْ إِلى البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ) (الإسراء/66/68).
والمعنى إذا مسكم الضر في البحر الخوف الشديد كخوف الغرق والإنسان في تلك الحالة لا يتضرع إلى الصنم والشمس والقمر والملك والفلك وإنما يتضرع إلى الله تعالى، فلما نجاكم من الغرق والبحر وأخرجكم إلى البر أعرضتم عن الإخلاص وتمسكتم بغيره.
·توحيد الإلوهية عن الخلف هو توحيد الربوبية عند السلف.
ولما كان كمال توحيد العبودية قائما على الإقرار بوصف الافتقار والاحتياج إلى الله في قيام الذات والأقوال والأفعال، كان كمال توحيد الربوبية قائما على الإقرار بوصف الغنى والكمال في توحيد الأسماء والصفات والأفعال، واعتقاد أن أفعال الله صادرة عن كماله، وكماله قائم على كمال أسمائه وصفاته، بعكس أوصاف العباد، فهي أوصاف نقص عند ولادتهم، وهم في اضطرار وافتقار منذ نشأتهم، ومن ثم فإن فقر الخلائق فقرا ذاتي، شاء من شاء وأبى من أبى.
ولا يصح القول بأن معنى الألوهية مقصور على الخالقية، كما هو حال الخلف المعروفين بأهل النظر والكلام الذين اتبعوا فلاسفة اليونان حيث جعلوا الإله بمعنى الخالق أو القادر على الاختراع، وجعلوا غاية التوحيد عندهم إثبات أن وجود الصانع وأنه واحد، وأن الواحد الحقيقي هو الشيء الذي لا ينقسم.
وقد ذكر الله u أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وكانوا يعتقدون أن الله خالقهم ورازقهم وأنه المنفرد بتدبير أمرهم كما قال تعالى في شأنهم: (وَلئِنْ سَأَلتَهُمْ مَنْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ ليَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّي يُؤْفَكُون) (العنكبوت:61)، لكنهم أشركوا بالله في كونهم عادوا بفقرهم ودعائهم قضاء حوائجهم إلى أولياءهم وإلى ربهم معا، فاتخذوا أولياءهم أندادا كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ وَلوْ يَرَى الذِينَ ظَلمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ) (البقرة:165).
ولما عذبوا في جهنم: } قالوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العَالمِينَ { (الشعراء:96/98)، فسوا بين الله وبين آلهتهم في المحبة والتعظيم، وخضعوا للموتى في أضرحتهم كخضوعهم للعلي العظيم.
كما يفعل كثير من عوام المسلمين الآن الذين بعظمون الله ويعظمون الموتى كتعظيم الله كما قال قائلهم:

يا ابن الرفاعي ما زالت ضمائرنا تطوى على حبك الغالي فترتاح
مهما دعوناك في ضيق تجيب ولو ضاقت بنا كرة الدنيا فتنزاح
إن الولاية مشكاة وأنت لها طول المدى يا أبا العباس مصباح
وقوله:
وقفت بالذل في أبواب عزمكموا: مستشفعا من ذنوبي عندكم بكم
أعفر الخد ذلا في التراب عسى: أن ترحموني وترضوني عبيدكم
فإن رضيتم فيا عزى ويا شرفي: وإن أبيتم فمن أرجوه غيركم

أو كقول القائل:
شيخي الرفاعي له بين الورى همم: نصالها ماضيات تشبه القدر
دخلت في ظلها أبتغى التفيؤ من: رمضاء دهري فجاء الدهر معتذر
والمعنى المقصود في هذين البيتين أن الشيخ الرفاعي قوته في العالم تشبه قوة الله في جريان المقادير، وأنه لما استغاث به جاء الدهر الذي يقلبه رب الدهر معتذرا إليه، فقوة الرفاعي في اعتقاده أشد من قوة الله وقدرته في جريان المقادير، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106)
لكن القلوب مفطورة على الإقرار بالخالق الغني بذاته أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-01-2010, 10:43 AM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وهذا فرعون الذي تظاهر بإنكار الصانع وتجاهله كان مستيقنا بالله كما ورد في قول موسى u: }لقَدْ عَلمْتَ مَا أَنزَل َ هَؤُلاء إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا{ (الإسراء:10).
وقال تعالى عن فرعون وقومه: }وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ { (النمل:14).
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن هؤلاء المتكلمين المتأخرين الذين خلطوا الفلسفة بالكلام كثر اضطرابهم وازدادت شكوكهم وحيرتهم بحسب ما ازدادوا به من ظلمة هؤلاء المتفلسفة.. وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء وربه، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون، وهم مع هذا يعبدون غيره، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية، وأن يعبد الله وحده لا يشركون به شيئا فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله ولا يدعى إلا الله، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء فيحبون لله ويبغضون لله، ويعبدون الله، ويتوكلون عليه.منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية 3/288
·احتجاج الأشعرية على إثبات توحيد الربوبية بدليل التمانع.
الأشاعرة يثبتون توحيد الربوبية بدليل التمانع وخلاصته أنه لو كان للعالم مدبران وربان فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء، وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر، يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن، فإذًا يتعين أن الإله هو الذي يوجد مراده وحده من غير ممانع ولا مدافع، وهو دليل عقلي محض من إنشائهم.
ويحتجون له بقوله تعالى: (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا) مع أن معنى الإله في الآية هو المعبود بحق دون شرك. وأقرب النصوص لدليل التمانع هو قول الله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91)
قال ابن أبي العز: "وَالمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْل النَّظَرِ إِثْبَاتُهُ بِدَليل التَّمَانُعِ، وَهُوَ أَنَّهُ لوْ كَانَ للعَالمِ صَانِعَانِ فَعِنْدَ اخْتِلافِهِمَا مِثْل أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيكَ جِسْمٍ وَآخَرُ تَسْكِينَهُ، أَوْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَهُ وَالآخَرُ إِمَاتَتَهُ: فَإِمَّا أَنْ يَحْصُل مُرَادُهُمَا، أَوْ مُرَادُ أَحَدِهِمَا، أَوْ لا يَحْصُلُ مُرَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالأَوَّلُ مُمْتَنَعٌ؛ لأَنَّهُ يَسْتَلزِمُ الجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَالثَّالثُ مُمْتَنَعٌ؛ لأَنَّهُ يَلزَمُ خُلُوُّ الجِسْمِ عَنِ الحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ مُمْتَنَعٌ، وَيَسْتَلزِمُ أَيْضًا عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالعَاجِزُ لا يَكُونُ إِلهًا، وَإِذَا حَصَل مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، كَانَ هَذَا هُوَ الإِلهَ القَادِرَ، وَالآخَرُ عَاجِزًا لا يَصْلُحُ للإِلهِيَّةِ".
ثم يقول: " وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْل النَّظَرِ يَزْعُمُونَ أَنَّ دَليل التَّمَانُعِ هُوَ مَعْنَى قَوْلهِ تَعَالى: (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا)؛ لاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ الذِي قَرَّرُوهُ هُوَ تَوْحِيدُ الإِلهِيَّةِ الذِي بَيَّنَهُ القُرْآنُ، وَدَعَتْ إِليْهِ الرُّسُلُ عَليْهِمُ السَّلامُ، وَليْسَ الأَمْرُ كَذَلكَ، بَل التَّوْحِيدُ الذِي دَعَتْ إِليْهِ الرُّسُلُ، وَنَزَلتْ بِهِ الكُتُبُ، هُوَ تَوْحِيدُ الإِلهِيَّةِ المُتَضَمِّنُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، فَإِنَّ المُشْرِكِينَ مِنَ العَرَبِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ خَالقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاحِدٌ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالى عَنْهُمْ بِقَوْلهِ: (وَلئِنْ سَأَلتَهُمْ مَنْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ليَقُولُنَّ اللهُ). (قُل لمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلمُونَ) (سَيَقُولُونَ للهِ قُل أَفَلا تَذَكَّرُونَ"
ونحن لو لنظرنا ودققنا في الآية التي يحتجون بها على دليل التمانع لوجدناها تتحدث عن توحيد العبادة لله قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا آَلهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آَلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلهَةً قُل هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلي بَل أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِليْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلدًا سُبْحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلا اللهُ لفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22/26).
انتهت المحاضرة ولله الحمد.
فضيلة الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني- استاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة ( تفريغ المحاضرة الثانية من دورة منة القدير )
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:11 PM.