#1
|
||||
|
||||
![]() ما هو القلب؟ للكاتب : د/ خالد أبو شادي ابدأ هذا الباب بسؤال: قد يقوم إنسان بعملية زراعة قلب، ويحيا بقية حياته بقلب رجل آخر، فهل تتغير مشاعره وتتبدل أفكاره وعواطفه تبعاً لهذا القلب الذي زرع فيه؟! كلا، فالمشاهد أنه لا يتغير دينه ولا محبته لأهله وقرابته، وهذا دليل دامغ على أن كل ما يظنه الناس من وظائف القلب ودوره في الحب والعاطفة، واعتباره مركز الفكر ومواطن العقائد والسلوك مسألة فيها نظر، فهل يتعارض هذا مع ما ورد في القرآن والسنة من ذكر القلب مرتبطاً بهذه المعاني؟! لقد استطاع الإمام أبو حامد الغزالي ان يحل هذه الإشكالية ويميز بوضوح بين المعنيين اللذين يختلطان في اذهان كثير من الناس, فقال رحمه الله في كتاب عجائب القلب من موسوعته القلبية (إحياء علوم الدين) كلاماً كالبشرى بالولد الكريم يُقرع به سمع الشيخ العقيم وجاء فيه: "لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين: أحدهما: اللحم الصنوبري الشكل، المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وهو لحم مخصوص، وفي باطنه تجويف، وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه، ولسنا نقصد الآن شرح شكله وكيفيته، إذ يتعلق به غرض الأطباء، ولا يتعلق به الأغراض الدينية، وهذا القلب موجود للبهائم؛ بل موجود للميت, ونحن اذا اطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك، فإنه قطعة لحم لا قدر له, وهو من عالم الملك والشهادة، إذ تدركه البهائم بحاسة البصر فضلاً عن الآدميين. والمعنى الثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك العالم العارف من الإنسان، وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب، ولها علاقة مع القلب الجسماني" (الإحياء: 3/3). والمقصود انه إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب أردنا به المعنى الثاني، وهدفنا هو ذكر أوصاف الروح وأحوالها التي تعتبر سراً مغلقاً، والتعرض لأصناف النفوس وتقلباتها رغم انها أمر مبهم، ورغم ان آيات وأحاديث القلب قد يشتبه في بعضها الأمر ويتبادر الى الذهن أنها مرتبطة بالقلب العضلي، إلا أن المقصود منها على الحقيقة: القلب المعنوي، كما قال الإمام الغزالي: "وحيث ورد في القرآن والسنة لفظ القلب، والمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان، ويعرف حقيقة الأشياء، وقد يُكنَّى عنه بالقلب الذي في الصدر; لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة" (السابق: 3/5). لكن لماذا الحديث عن القلب بالذات دون سائر الأعضاء؟!، لقد أحصيت في هذا الباب عشرين سبباً لهذا، وتبدأ بما يلي: 1-إنه الملك: القلب أمير الجسد وملك الأعضاء, فهو راعيها الوحيد وقائدها, وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر, فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره, ولا يستعملها في غير ما يريد, فهي تحت سيطرته وقهره, ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ, وبين القلب والأعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فورا الى الآخر, فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور, وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور, وإذا سعت القدم الى الحرام فسعي القلب أسبق, لهذا قيل عن المصلي العابث في صلاته: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه", وقال صلى الله عليه وسلم لمن يؤم من المصلين: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» [رواه أحمد ومسلم والنسائي], فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب,والخلاصة: القلب هو خط الدفاع الأول والأخير, فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!! حتىوفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَرَ, وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن, وإذا بكت العين فلأن القلب أمر, فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق, وعلى اليد إذا كتبت, وعلى الأقدام إذا مشت, وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم للقلب حقه ومكانته وصفه بأنه: «مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» [رواه البخاري ومسلم], وتوجه أول ما توجه إليه ليربيه ويهتم به ويزكِّيه. فكل الأفعال مردها إلى لقلب وانبعاثها من القلب, وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!! وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: "لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب" (الزهد لهناد:1/438) هدف الحبيب الأول قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "انما نزل أول ما نزل منه(القرآن) سورة من المُفصّل فيها ذكر الجنة والنار, حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام, ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا, ولو نزل: لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا" [رواه البخاري] فقد حرَّم الله الخمر في العام الثاني من الهجرة أي بعد البعثة بخمسة عشر سنة, وفرض الزكاة في العام الثاني من الهجرة كذلك, وفرض الحجاب في العام السادس من الهجرة بعد تسع عشرة سنة من بعة النبي صلى الله عليه وسلم, وهي كلها تكليفات تأخر نزولها حتى زكى القلب ولان وتمكَّن منه الحق واستبان. ولشرف القلب جعله الله أداة التعرف عليه ووسيلة الإهتداء إليه, بل إذا غضب الله على عبد كان أقصى عقوبة ينزلها به أن يحول بينه وبين قلبه, وحيلولته هي أن يحرمه من معرفته وقربه, لذا كان الاهتمام به تعبير عن الاهتمام بالأهم عن المهم وبالأصل عن الفرع. للموضوع بقيه باذن الله تعالى
__________________
![]() ![]() |
العلامات المرجعية |
|
|