حكاية معلم رفض الدروس الخصوصية
إبراهيم مصطفي عثمان مدير مدرسة غمرة الاعدادية الثانوية بنين قصة جديرة بأن يتم تسجيلها.. يقضي أكثر ساعات اليوم داخل مدرسته دون كلل ولا ملل.. العمل لديه لا ينتهي مع ختام الحصة الأخيرة.. ولا عقب خروج الطلاب من المجموعات الدراسية.. فبعد ان يتأكد من مغادرة آخر طالب للمدرسة يبدأ تجهيز المدرسة لاستقبال الطلاب في اليوم التالي.
بدأ إبراهيم حياته في سلك التدريس عقب تخرجه مباشرة في كلية دار العلوم مدرسا للغة العربية في بداية التسعينيات وكان وقتها سوق الدروس الخصوصية متسعا لاستيعاب الكثيرين من المدرسين والطلاب.. صحيح انه لم يكن بهذا الاستفحال الموجود حالياً لكنه كان منتعشا.
ولأنه من أسرة متوسطة الحال ويعلم تماماً معني العبء المادي الذي يمكن ان تتسبب فيه الدروس الخصوصية علي كاهل الأسر أقسم بينه وبين نفسه ألا يدخل جيبه ولا بيته مليما واحدا يحصل علي مقابل بيع علمه.. ونفذ بالفعل هذا القسم.. ووهب نفسه ووقته لتلاميذه الذين كانوا يلجأون اليه استفسارا وسؤالا عن معلومة هنا أو هناك.. وظل هكذا علي مدار أكثر من عشرين عاما.. معتمدا علي مرتبه وإيراد المحل المتواضع الذي تركه له ولأخوته والده رحمة الله عليه.
ولأن الأقدمية كانت هي العامل الحاكم في الترقيات.. فقد ظل ابراهيم يترقي بسرعة السلحفاة من مدرس إلي مدرس أول اعدادي ثم مدرس ثانوي ومدرس أول ثانوي.. وينتقل من مدرسة اعدادية إلي أخري تجارية أو صناعة ثم تجريبية.
وجاء قانون الكادر الخاص للمعلم نقطة فارقة في حياة ابراهيم.. بعدما أطلق الحرية للقيادات التعليمية في ترقية من يرون انه يستحق الترقي بصرف النظر عن الأقدمية اللعينة التي حرمت كثيرا من الجهات من الاستفادة بالكفاءات لا لشيء إلا لأنهم الأحدث.
اختاره مديراً عام الادارة التعليمية بالوايلي مديرا لمدرسة غمرة الاعدادية الثانوية منذ أربعة أشهر فقط.. وبالطبع تضم هذه المدرسة من هم أقدم وأكبر منه سنا.. لكن ذلك لم يكن عائقاً أبداً أمام اثبات ذاته وكفاءته.. ومن اليوم الأول الذي استلم فيه العمل عقد اجتماعا مع جميع العاملين للاتفاق علي أسلوب العمل الجديد الذي يمكن ان يعيد لتلك المدرسة سمعتها العريقة التي ضاعت هباء في السنوات الأخيرة نتيجة تفشي الاهمال والتسيب وانتشار الدروس الخصوصية التي جعلت من المدرسين أداة في أيدي أولياء الأمور وأبنائهم.
اتفق المدير الجديد مع زملائه العاملين بالمدرسة علي ان العمل والعمل الجاد فقط هو أساس الاستمرار في المدرسة وان أي تقاعس لن يواجه الا بالحسم والاستبعاد وان تقييم المدرس لن يكون الا من خلال أدائه داخل الفصل وليس بمدي القرب من قلب المدير.
وحتي يقضي علي الشللية والاحتكار أصر علي ان يضع جداول الحصص الدراسية بنفسه.
ولأن النجاح في الابتدائي يتم تلقائيا مادام التلميذ يحصل علي درس خصوصي ويدفع ثمنه.. فقد اكتشف ان هناك تلاميذ وصلوا للصف الأول الاعدادي وهم لا يجيدون القراءة والكتابة.. فأسرع بتحديدهم بالاسم وقرر تنظيم مجموعات تقوية مجانية لرفع مستوي القراءة والكتابة لديهم وقام بنفسه بالتدريس لهم.. ثم شكل مجموعة عمل من المدرسين لمتابعة هؤلاء التلاميذ داخل الفصول العادية بصفة يومية ليتأكد من استيعابهم مقارنة بزملائهم
|