#1
|
||||
|
||||
![]()
الفصل الحادي عشر
إقبال الصبي على الأدب لم يكد الصبي يبلغ القاهرة حتى سمع حديث الأدب و الأدباء بين الطلاب الكبار حين كانوا يذكرون الشيخ الشنقيطي – رحمه الله - ، و حماية الأستاذ الإمام له ، و قد كان وقع هذا الاسم (الشنقيطي) على الصبي موقعا غريبا ، و زاد من غرابته ما كان يسمعه من أعاجيب الشيخ و أطواره الشاذة و آرائه التي كانت تضحك قوما و تغضب آخرين. 2-بم تميز الشيخ الشنقيطي كما فهمت من وصف الكاتب له؟ 1-ليس له ضريب(نظير)قط في حفظ اللغة و رواية الحديث سندا و متنا عن ظهر قلب. 2-كان معروفا بالحدة و الشدة و سرعة الغضب و انطلاق لسانه بما لا يطاق من القول. 3-أقام في المدينة و سافر إلى قسطنطينية ، و زار الأندلس. 4-له مكتبة غنية بالمخطوطات و المطبوعات في مصر و في أوربا. 5-كان لا يقنع بما في مكتبته فكان ينفق أكثر وقته في دار الكتب قارئا أو ناسخا. 3-ما القصة التي شغلت الناس بالشيخ الشنقيطي؟ هذه القصة هي رأي الشيخ في صرف كلمة عمر و كان الصبي يسمع هذا الحديث فلا يفهم منه شيئا ، و لكنه سرعان ما فهمه بعد أن تقدم به الدرس في النحو و عرف الصرف و الممنوع من الصرف ، و كان أولئك الشباب يذكرون مناظرات الشيخ مع علماء الأزهر في صرف كلمة عمر ، و ذلك لأن الشنقيطي كان يرى أن كلمة عمر مصروفة مستدلا على ذلك ببيت من الشعر قال فيه الشاعر: يا أيها الزاري على عمرٍ قد قلت فيه غير ما تعلم. يا أيها الزاري على عمرَ قد قلت فيه غير ما تعلم. 4-كيف تعرف الصبي على المعلقات و اتصل بها؟ كان الشيخ الشنقيطي يقرأ لطلابه و منهم الشيخ الفتى أخو الصبي المعلقات ، و كان الفتى و رفاقه يسمعون هذا الدرس في يوم الخميس أو في يوم الجمعة من كل أسبوع ، فسمع الصبي من خلال أخيه لأول مرة قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل. 5-تنقل الفتى و رفاقه ما بين درس الإنشاء و المعلقات و كتاب نهج البلاغة وضح ذلك كان هؤلاء الطلاب يتحدثون عن درس آخر يبقى في الأزهر ليعلم الأزهريين صناعة الإنشاء ، و كان يلقيه شيخ سوري من خاصة الأستاذ الإمام و قد اختلف إليه هؤلاء الطلاب فاشتروا الدفاتر و كتبوا موضوعات الإنشاء و لكنهم سرعان ما عدلوا عنه كما عدلوا عن درس الشيخ الشنقيطي. و أقبل الفتى أخو الصبي ذات يوم و معه مقامات الحريري فجعل يحفظ بعضها رافعا صوته بالقراءة و الصبي يحفظ صامتا ثم أشركه أخوه في حفظ المقامات حتى حفظا عشرا منها ثم انصرف الفتى عنها كما انصرف عن غيرها من قبل إلى دروس الفقه و الأصول و التوحيد. و أقبل الفتى مرة أخرى و معه كتاب نهج البلاغة و فيه خطب الإمام علي و قد شرحها الأستاذ الإمام نفسه ، فجعل يحفظ و يحفظ معه الصبي حتى أعرض عنها كما أعرض عن غيرها. 6-لماذا علقت قصيدة أبي فراس بذهن الصبي ، و لم ينسها قط؟ لم ينس الصبي قصيدة أبي فراس قط و التي يقول فيها: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك و لا أمر؟! بدوت و أهلي حاضرون لأنني أرى أن دارا لست من أهلها قفر. 7-من خلال دراستك لهذا الفصل ما طبيعة اتصال الصبي بالأدب؟ اتصل الصبي بالأدب اتصالا مضطربا مختلطا ، و جمع في نفسه أطرافا من هذا الخليط من الشعر و النثر ، و لكنه لم يقف عند شيء من ذلك و لم يفرغ له و إنما كان يحفظ ما يمر به حين تتاح له الفرصة ، ثم يمضي لشأنه. 8-كيف اتصل الشيخ الفتى و رفاقه بالشيخ المرصفي ثم انصرفوا عنه؟ أقبل الشيخ الفتى و رفاقه متحمسين ذات يوم لدرس يلقى في الرواق العباسي في الضحى يلقيه الشيخ المرصفي في اللقاء العباسي يشرح فيه ديوان الحماسة ، و قد فتنوا بهذا الدرس فلم يعودوا إلى غرفاتهم إلا بعد شراء هذا الديوان ، و قد قرروا أن يعنوا به و يحفظوا الديوان نفسه ، و أسرع أخو الصبي فاشترى شرح التبريزي لديوان الحماسة و جلده ، و جعل ينظر إليه في موضعه بين حين و حين ، و جعل يحفظه و يحفظ أخاه الصبي ، و كان يقرأ هذا الكتاب بطريقة لا تروق الصبي ، فقد كان يرى أنه ينبغي أن يقرأ على نحو آخر ، ثم أعرض هؤلاء الشباب عن هذا الدرس كما أعرضوا عن غيره لأنهم لم يروه جدا ، و لأنه لم يكن من الدروس الأساسية ، و إنما كان درسا إضافيا من دروس العلوم الحديثة التي أنشأها الأستاذ الإمام ، و من أسباب انصرافهم أيضا أن الشيخ كان يسخر منهم فيسرف في السخرية ، و قد رآهم غير مستعدين لمثل هذا الدرس الذي يحتاج إلى الذوق ، و لا يحتمل الفنقلة ، أما هم فكانوا يرونه غير متمكن من العلم الصحيح و إنما هو صاحب كلام ينشد و يقال ، و إنما كان حرصهم على حضور درسه لأنه كان مقربا من الأستاذ الإمام ، ينشئ القصائد في مدحه و هم يعجبون بها لا لشيء إلا لأنها في الأستاذ الإمام ، و لكنهم على الرغم من ذلك كله لم يطيقوا صبرا عليه فعادوا إلى شاي العصر ، و انقطع الصبي بعد ذلك عن الأدب و دروسه. 9-كيف اتصل الصبي بالشيخ المرصفي؟ أشيع ذات يوم أن الشيخ المرصفي سيخصص يومين من أيام الأسبوع لقراءة المفصل للزمخشري في النحو ، فسعى الصبي لهذا الدرس الجديد ، و لم يكد يسمع للشيخ مرة و مرة حتى أحبه و كلف به و حضر درس الأدب و لزم الشيخ منذ ذلك الوقت و كان الصبي قوي الذاكرة لا يسمع من الشيخ كلمة أو تفسيرا إلا حفظه و قيده حتى إذا تصادفت إعادته أعاد الصبي على الشيخ ما قال و آراء الشيخ فيها. 10-ما مظاهر حب الشيخ للفتى (طه حسين)؟ مظاهر حب الشيخ المرصفي للفتى أنه يوجه إليه حديثه أثناء الدرس ، و يدعوه بعد الدرس فيصحبه إلى باب الأزهر ثم في بعض الطريق ثم انتهى به و بتلاميذه المجلس في قهوة جلسوا فيها من الظهر إلى العصر. 11-يختلف حديث الشيخ المرصفي إلى طلابه خارج الأزهر عنه داخله وضح ذلك. لم يكن للشيخ حديث إلى طلابه إذا فارق الأزهر إلا عن سوء مناهج التعليم في الأزهر ، ينقدها نقدا لاذعا و يشنع على أساتذته و زملائه و كان هذا يعجب تلامذته خاصة الفتى فإذا بالفتى يؤثر هذا الدرس على غيره ، و يختص اثنين من المقربين إلى الشيخ بوقته و مودته ، يلتقون في الضحى فيسمعون للشيخ ثم يذهبون إلى دار الكتب فيقرءون فيها الأدب القديم ثم يعودون إلى الأزهر فيجلسون في الممر بين الإدارة و بين الرواق العباسي ، يتحدثون عن شيخهم و عما قرءوا ، و يتحدثون عن الشيوخ الآخرين و طلابهم و يعبثون بهم ، فإذا صليت المغرب دخلوا الرواق العباسي فسمعوا تفسير القرآن للشيخ بخيت فقد تولى هذا الدرس بعد وفاة الأستاذ الإمام. 12- تحدث عن طريقة الشيخ المرصفي في تدريس الأدب. كانت طريقة الشيخ المرصفي في تدريس الأدب كما رآها الصبي تدفع النفوس إلى الحرية و الإسراف فيها أحيانا حيث كان الشيخ يفسر لهم الحماسة أو الكامل بعد ذلك كما يلي : -نقد حر للشاعر أولا و للراوي ثانيا و للشرح بعد ذلك و للغويين على اختلافهم. -امتحان للذوق و رياضة له على تعرف باطن الجمال في الشعر أو النثر في المعنى جملة و تفصيلا ، و في الوزن و القافية و في مكان الكلمة بين أخواتها. –اختبار للذوق الحديث في هذه البيئة التي كان يلقى فيها الدرس ، و موازنة بين غلظة الذوق الأزهري و رقة الذوق القديم ، و بين كلال العقل الأزهري و نفاذ العقل القديم. –ثم ينتهي من هذا كله إلى تحطيم القيود الأزهرية ، و إلى الثورة على الشيوخ علما و ذوقا و سيرة و حديثا بالحق أحيانا كثيرة ، و تجنيا في بعض الأحيان ، و بسبب ذلك لم يثبت حول الشيخ من تلاميذه الذين كثروا أول الأمر إلا القليل خاصة هؤلاء الثلاثة الذين تسامع بهم و بنقدهم للأزهر شيوخا و طلابا و بقصائدهم التي ينظمونها في نقد الأزهر- الأزهر كله. 13-لم يكن الشيخ المرصفي عالما فحسب بل كان أديبا و مثلا أعلى و قدوة وضح ذلك. كان الشيخ المرصفي أديبا فكان في الأزهر وقورا كباقي العلماء ، و يكون خارجه أديبا حرا في حديثه عن القدماء و شعرهم دون تحفظ و لا تنطع ، و كان لتلامذته مثلا أعلى في الرضا بالقليل و التعفف عما لا يليق بالعلماء و ذلك يتمثل في بيته المتهدم الخرب الكائن بحارة الر****ي ، و ما مسكنه سوى ممر ضيق تنبعث فيه روائح كريهة ، و ليس له أثاث سوى تلك الدكة الخشبية بجوار الحائط ، و التي كان يجلس لطلابه عليها راضيا مطمئنا ، و ربما كان منشغلا فصعد إليه طلابه غرفته و جلسوا معه على الأرض وسط عشرات الكتب يحقق بيتا أو لفظا ، و عن يمينه أدوات القهوة فيدعو أحد الطلاب ليصنعها و تدور عليهم الأكواب ، ثم رأوه ذات مرة في زيارتهم له و عن يمينه امرأة عجوز محطمة و هو يطعمها فلما رآهم أتم ما كان يفعل ثم أخبرهم بأنه كان يعشي أمه ، و من تحدث إلى هذا الرجل يظنه غنيا لتعففه و لا يعلم عنه إلا المقربون أنه أشد الناس فقرا يمضي الأسبوع و الأسابيع لا يطعم إلا خبز الجراية في شيء من الملح ، و رغم ذلك فقد كان يعلم ابنه تعليما ممتازا ، و يدلل ابنته كل هذا براتب ضئيل هو ثلاثة جنيهات و نصف فكان يتقاضى جنيها و نصف و جنيهين آخرين عن درس كلفه به الأستاذ الإمام و قد كان يستحيي أن يذهب ليتسلم راتبه بنفسه و إنما كان يعطي خاتمه لأحد طلابه فيحضره له بعد الظهر. 14-ما الخطأ الذي وقع فيه الشيخ المرصفي ؟ و كيف رجع عنه؟ الخطأ الذي وقع فيه الشيخ هو أنه انحرف يوما عن وفائه للأستاذ الإمام و كان ذلك عندما تولى الشيخ الشربيني مشيخة الأزهر ، فنظم الشيخ قصيدة يمدح فيها الشيخ الجديد فقد كان محبا له لأنه أستاذه و قد كان الشيخ خليقا بالحب ، و قد أملى الشيخ قصيدته على طلابه ، و سماها ثامنة المعلقات ، و مضى يمدح الشربيني و عرَّض بالأتاذ الإمام ، فرده تلاميذه في ذلك فارتد أسفا خجلا و استغفر الله من خطيئته. 15-أعلن هؤلاء الطلاب عن رفضهم و اعتراضهم على كتب الأزهر ، وضح ذلك. جعل هؤلاء الطلاب يجهرون بقراءة الكتب القديمة و بتفضيلها على الكتب الأزهرية ، فيقرءون المفصل في النحو ، أو كتابي عبد القاهر في البلاغة و كذلك الشعر ، و بدأ طلاب الأزهر ينظرون إليهم شزرا و يتربصون بهم الدوائر ، و ربما أقبل عليهم بعض الطلاب الجدد فأحرق ذلك قلب نظرائهم غيظا. 16-لماذا دعي الطلاب إلى مكتب الشيخ حسونة؟ و بم عوقبوا؟ بينما كان هؤلاء الفتيان الثلاثة في مجلسهم حول الشيخ عبد الحكم عطا ، إذ دعوا إلى مكتب الشيخ حسونة ، فدخلوا عليه فلم يجدوه وحده و إنما وجدوا حوله أعضاء مجلس إدارة الأزهر ، و هم من كبار العلماء مثل الشيخ بخيت و الشيخ العدوي و الشيخ راضي فلقيهم الشيخ واجما ، ثم أمر رضوان كبيرا المشدين أن يدعو من عنده من الطلاب فدخلوا على الشيخ و سألهم عما عندهم ، فتقدم أحدهم و اتهم الطلاب بالكفر لمقالتهم في الحجاج ، ثم قص من خبرهم ما قص ، و قد أحصى عليهم هذا الطالب كثيرا مما كانوا يعيبونه على الشيوخ الكبار الجالسين ، و أقر بقية الطلاب بما قال هذا الطالب ، بل لقد أقر الفتية الثلاثة بأنفسهم بذلك ، و لم يحاورهم الشيخ و إنما استدعى رضوان و أمره بمحو أسمائهم من سجلات الأزهر و لم يتوقف الأمر عند حد محو أسمائهم و شماتة الطلاب بهم و إنما تجاوزه لمنع الشيخ المرصفي من مواصلة درس الكامل و كلفه قراءة المغني لابن هشام أبلغه بذلك في رفق رضوان كبير المشدين و كذلك بأن الشيخ ينتظره في مكتبه. 17-ما موقف الشيخ المرصفي من هذه الأحداث ؟ استجاب الشيخ المرصفي لأمر شيخ الجامع ، و لما خلا لطلابه بعد الخروج من ألزهر قال إن شيخ الجامع لا يصلح لمنصبه ، و لا يصلح إلا لأن يكون "بائع العثل في ثرياؤوث" و كانت في لسانه السين ثاء لفقده أسنانه فاصطلح الطلاب على تسمية شيخ الجامع الأزهر ببائع العثل في ثرياؤوث. و لما جاء اليوم التالي وجدوا الشيخ يريد شرح المغني لابن هشام فأرادوا الاعتراض فردهم بلهجة مصرية "لأ لأ عاوزين ناكل عيش" و قد أحزنت هذه العبارة الفتى(طه حسين)حزنا عميقا. 18- لماذ ذهب الفتية إلى الشيخ بخيت؟ و ما نتيجة لقائهم به؟ خطر لهؤلاء الفتية أن يذهبوا إلى الشيخ بخيت يوسطونه بينهم و بين شيخ الجامع ، و قد نصحهم شيخهم ألا يذهبوا غير أنهم أصروا ، فتلقهم الشيخ بخيت ضاحكا ، ولما حدثهم قال لهم : و لكنكم تدرسون الكامل و درسه إثم لأنه معتزلي جادلوه حتى أحفظوه و خرجوا من عنده و لم يحققوا غايتهم ، و تفرقوا و قد تعاهدوا على إخفاء أمرهم على أهليهم. انتهى الجزء الثاني وليد الغمري |
العلامات المرجعية |
|
|