|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]()
البناء التربوي السليم لا بد أن يقوم على أساس عقدي صحيح , ومن أجل هذا كان أول شيء دعا إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو التوحيد وتصحيح العقيدة ، وقد مكث ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة المكرمة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة يدعو الناس لتصحيح وترسيخ العقيدة في قلوبهم ، ولم تـنزل عليه الفرائض ولا التشريعات إلا في المدينة المنورة ، فبدون صحة العقيدة وسلامتها تصبح الأعمال هباءً لا وزن لها , قال تعالى مخاطباً نبيه محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }(الزمر65 : 66) .
ومن خلال دراستنا للسيرة النبوية المطهرة نرى اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعقيدة ، ومن ثم فقد بدأ دعوته بقوله : ( يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) رواه أحمد ، ومعنى لا إله إلا الله : لا معبود بحق إلا الله . وقد أمضى حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدعوة إلى عقيدة التوحيد ، وجاهد أعداءه من أجلها ، حتى قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ) رواه البخاري . وحينما أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسله وأصحابه للدعوة إلى الإسلام أمرهم أن يبدءوا بالدعوة إلى عقيدة التوحيد قبل كل شيء ، كما في وصيته ل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن وقال له : ( إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب ) رواه البخاري . والمواقف من حياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تبين اهتمامه بالعقيدة كثيرة ، منها : حين فتح الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة المكرمة وهو الفتح الأعظم ، الذي أعز الله به دينه ورسوله ، دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد الحرام ، وحوله أصحابه ، فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت ، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعن بعود تلك الآلهة المزيفة المنثورة حول الكعبة ، وهو يردد قول الله تعالى : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }(الإسراء:81) ، والأصنام تتساقط على وجهها على الأرض ، ونادى مناديه بمكة قائلاً : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره ، فطهر الله جزيرة العرب من رجس الوثنية ، وهيمنة الأصنام والتماثيل . ولما اطمأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد فتح مكة بعث خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ إلى العزى ـ أعظم أصنامهم ـ بنخلة ليهدمها ، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وَكِنَانَة وَمُضَر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارساً حتى انتهى إليها ، فهدمها . ولما سألت ثقيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يترك لهم صنمهم اللات ، وألحوا عليه في أن يؤجل هدم الصنم ثلاث سنين ، أبَى ، فما برحوا يسألونه ويأبى عليهم ، فألحوا على أن يؤجل تحطيمها سنة ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً فأبى أن يتركها ، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنهما ـ يهدمانها ، فهدماها في مشهد عظيم . هكذا كان موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حماية التوحيد ، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك بالله ، لأن الشرك إذا حدث وسُكِت عنه وعن الأسباب التي ربما تؤدي إليه ، لا يلبث أن يصير في حكم الواقع ومن المسلَّمات ، ومن ثم فقد دلت الأدلة الشرعية من سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على وجوب هدم الأصنام ، ومن ذلك ما رواه عمرو بن عبسة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وبأي شيء أرسلك ؟ ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أرسلني بِصِلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يُوحَد الله لا يُشْرك به شيء ) رواه مسلم . يقول ابن القيم في زاد المعاد ـ في فقه قصة وفد ثقيف ـ : " .. هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت ، وهدمها أحب إلى الله ورسوله ، وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير ، وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ، ويشرك بأربابها مع الله، لا يحل إبقاؤها في الإسلام ، ويجب هدمها ، ولا يصح وقفها ، ولا الوقف عليها ، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام ، ويستعين بها على مصالح المسلمين " . وفي غزوة حنين خرج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض حديثي العهد بالجاهلية ، وكانت لبعض القبائل ـ قبل الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة ، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها . يقول أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - : ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها : ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سبحان الله ! هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم ) رواه الترمذي . وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد الخالص لحداثة إسلامهم ، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع رفقه بمن أخطأ لم يسكت على هذا الخطأ ، بل حذر من آثاره ونتائجه ، وأوضح لهم خطورة ما في طلبهم من معاني الشرك .. فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يربي أصحابه على التوحيد ، ويصحح ما يظهر من انحراف في الاعتقاد ، حتى في أشد الظروف والمواجهة مع الأعداء . ومن الصور الظاهرة في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرصه على تربية الأطفال على عقيدة التوحيد ، وغرسه لها في قلوبهم ، من ذلك أمره الوالدين بالتأذين في أذن الطفل حين ولادته حتى يكون أول ما يقرع أذنه كلمات التوحيد . عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : ( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذَّن في أذنالحسن بن علي ـحين ولدته فاطمةـ بالصلاة ) رواه الترمذي . قال ابن القيم في كتابه تحفة المودود في أحكام المولود : " فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده ، وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا " . ويقول : " وسر التأذين ـ والله أعلم ـ : أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته ، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام ، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا ، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها " . وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه ـ قال : ( خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني ، فإن لامني أحد من أهل بيته قال : دعوه فلو قُدِّر ـ أو قال لو قضي ـ أن يكون كان ) رواه أحمد . وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت رديف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا غلام أو يا غليم ، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ ، فقلت : بلى ، فقال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد جف القلم بما هو كائن ، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ) رواه أحمد . إن الاهتمام بتربية الناس على العقيدة ودعوتهم لها ـ ولاسيما الصغار ـ واضح في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد آتت هذه التربية ثمارها المباركة في إخراج ذلك الجيل الفريد الذي مكَّنَ الله ـ عز وجل ـ به لدينه ، وجعله سبباً لانتصار الإسلام وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها ، فما أحوجنا إلى دراسة السيرة النبوية وربطها بالواقع ، فليست سيرة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجرد أحداث وقصص وقعت وانتهت ، بل الأمر أكبر من ذلك ، فقد حفظها الله لنا لتكون لنا نورًا نستضيء به ، ودربًا نسير عليه ، ونطبقه في واقعنا .
__________________
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|