|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أراد مشركو مكة أن يضغطوا على المسلمين، ويحاصروهم حصارًا شديدًا حتى ينفَضُّوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، بل ويسلموه لهم ليقتلوه. أتدري- أخي الحبيب- كم استمر هذا الحصار؟!لقد استمر قرابة الثلاث سنوات، ولك أن تتصور ما كان عليه الصحابة آنذاك، ومدى كربهم وضيقهم، عندما كانوا يسمعون صراخ أطفالهم وتضرعهم إليهم طالبين الطعام، وهم لا يستطيعون تلبية طلبهم. لك أن تتصور كيف كانت نظرتهم للمستقبل، وكل أمانيهم تنحصر في لقيمات تسد جوع أطفالهم. وفي هذه الأجواء كان القرآن يتنزل بآيات تحضهم على الصبر، وتنبئهم بأن وعد الله حق مهما اشتد الظلام، وأن ما يحدث لهم ليس بجديد على أصحاب الدعوات الصادقة، ومن السور التي نزلت في هذه المدة: سورة هود والتي تتناول تاريخ أصحاب الدعوات وكيف أن الله عز وجل قد مكنهم في الأرض بعد جهاد مرير وصبر طويل (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)) (هود). نزلت سورة هود لتثبِّت أفئدة المؤمنين، وتؤكد لهم بأنهم على الطريق الصحيح، وأن الزمن لصالحهم، وما عليهم إلا أن يخلصوا توجههم لله-عز وجل- وأن يصدقوا في التوكل التام والمطلق عليه، فالأمر كله إليه، وهو الذي يحرك الأحداث، ويقدِّر المقادير، وهو سبحانه معهم، ويرى ما يحدث لهم، ويقدر على نصرهم بكلمة واحدة، لكنه سبحانه لا يعجل بعجلتهم، بل يصبر ويحلم إذا استكمل المسلمون أسباب التمكين، واستكمل أعداؤهم أسباب الهلاك جاء النصر والتمكين من حيث لا يحتسب أحد. تأمل معي ما ختمت به سورة هود وهي تخاطب المحاصرين في شعب أبي طالب (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) (هود). ومن السور التي نزلت في أيام الشِّعب: سورة يوسف... نزلت لتؤكد نفس المعنى التي نزلت به سورة هود، مع التركيز على نموذج من نماذج أصحاب الدعوات الذين تعرضوا لابتلاءات شديدة ومتنوعة، إلا أن هذا كله لم يمنع من تحقيق الوعد الإلهي في الوقت الذي شاءه سبحانه.نزلت سورة يوسف لتؤكد بأن الله عز وجل إذا وعد وعدًا فإنه لا يخلفه، مهما طالت السنون، وادلهمت الخطوب، وتشابكت الأحداث.فإخوة يوسف يتآمرون عليه ويلقونه في البئر عُرضه للموت، ولكن الله عز وجل يوجه نظر رجل من الناس إلى البئر فيلتقط يوسف، وتمر- في هذه الأثناء- قافلة متجهة إلى مصر بها عزيز مصر فيشتري يوسف من الرجل الذي التقطه، وينتقل يوسف إلى بلد بعيد عن بلده، ومع أن هذا الانتقال يحمل معه مرارة شديدة، إلا أن الله- عز وجل- بعلمه المحيط وبتدبيره لكل الأمور يعلم أن هذا الانتقال ما هو إلا خطوة من خطوات رحلة التمكين، وتحقيق الوعد، ونلمس ذلك في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)) (يوسف). يَكبُر يوسف- عليه السلام- في قصر العزيز، وتحاول امرأته إغراء يوسف- عليه السلام- لكن الله عز وجل يعصمه، ويحفظه (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف: من الآية 24).ثم يحكم عليه بالسجن.. وتمضي السنون وهو في غياهب السجن، ثم يرى الملك الرؤيا التي عجز المفسرون عن تفسيرها، ويُذكِّر الله- عز وجل- ساقي الملك بأمر يوسف- عليه السلام- الذي صحبه في السجن والذي يُحسن تعبير الرؤى، فيسرع إليه بما سمعه من رؤيا الملك، فيفسرها له يوسف- عليه السلام- ليكون ذلك سببًا في خروجه من السجن وتوليه الوزارة... وبعد توليه الوزارة أخذت الوفود تأتي إليه من كل مكان، وكان من ضمن هذه الوفود أخوته.. وتتوالى الأحداث، ويكشف يوسف أمره أمام إخوته في الوقت الذي شاءه الله- عز وجل-.. ثم يطلب منهم أن يحضروا أهلهم أجمعين.. ليشهد الجميع تحقق الرؤيا التي رآها منذ سنوات طويلة (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) (يوسف: من الآية 100). ومع تلاحق الأحداث السعيدة إلا أنها لم تُنس يوسف- عليه السلام- الحقيقة الراسخة وهي أن الأحداث، وحقق الوعد في الوقت المناسب هو الله عز وجل، لذا نجده يسارع في تأكيد هذه الحقيقة في هذا الموقف المشهود (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف: من الآية 100). إن المتأمل لقصة تمكين يوسف عليه السلام ليجد أمرًا عجبًا.. فبعد أن كان في السجن متهمًا بأبشع التهم، إذ به يخرج مرفوع الرأس، بل ومتوليًا وزارة مصر؛ وذلك في غضون ساعات، ليكون ذلك درسًا عظيمًا لأصحاب الدعوات بأن الفرج والنصر يأتي به الله من حيث لا يحتسب أحد، وبهذا المعنى خُتمت السورة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)) (يوسف).
__________________
قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .! فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا .. آخر تعديل بواسطة صوت الامة ، 04-07-2012 الساعة 12:12 AM |
العلامات المرجعية |
|
|