|
المواضيع و المعلومات العامة قسم يختص بعرض المقالات والمعلومات المتنوعة في شتّى المجالات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
عندما يمتزج حب الحبيبه مع حب الوطن
عندما تكون ولدت في ارض يحتلها المغتصب ، فان هذا سيترك في نفسيتك شغفا لروح العدالة والحق ، فتخوص نفسك في عمق مفاهيم الظلم والاضطهاد والجبروت والاحتلال ، ستغوص للأسفل لتعود وتخرج كالمارد حاملا معه العدل والحق والقوه التي تحمي الحق ، فالحق بلا قوه كالروح بلا جسد . منذ ان كنت صغيرا ومنذ ان ولدت وأنا أسمع عن حيفا ويافا والناصره وبيسان وصفد واللد والرمله وكل المدن الفلسطينيه التي احتلتها اسرائيل بحماية من مجتمع دولي ظالم ، ويقترن باسم تلك المدن تحذير من دخول أي عربي لها ، فممنوع دخولها الا باذن صعب من الاحتلال الاسرائيلي ، أو اذا كنت من العرب الذين بقو فيها وتم منحهم الهويه الاسرائيليه ، فاسرائيل بعد أن طردت مئات الآلاف من الفلسطينيين ، بقي من بقي منهم في مدنهم ولم تتمكن اسرائيل من طردهم لكي لا تظهر بمظهر المطهّر العرقي ، ولكن اسرائيل تمهد منذ عام 1948 للآن لطردهم . حين أصبحت في فترة المراهقه ، كنت كالعديد من أقراني ، أحلم بأن أرى حيفا ويافا والناصره وشقيقاتهما ، لكن كان ذلك صعب جدا ، بسبب الاجرائات المشدده التي يفرضها الجيش الاسرائيلي ، ومن كوني ولدت في منتصف الثمانينات ، على أبواب الانتفاضه الأولى وشببت في الانتفاضه الثانيه ، فقد كانت فرصتي لأرى حيفا وشقيقاتها فرصه ضئيله . في فتره المراهقه يكون الانسان متخبطا ويبحث عن صقل شخصيته ، وكما أن هناك مراهقه عاطفيه فهناك أيضا مراهقه سياسيه ، كانت مراهقتي العاطفيه مع فتاة لم أكن قادرا على تفسير مشاعري تجاهها ، هل هو حب أم اعجاب أم صداقه واخوه ، لكني حسمت الموضوع في سنتي المدرسيه الأخيره واعتبرته حب أخوي وطويت صفحته ، ولم أعد أفكر في تلك الفتاه كحبيبه . أما بخصوص مراهقتي السياسيه فاستمرت ولم أتمكن من حسمها مثلما حسمت مراهقتي العاطفيه ، فكنت مؤمن بأن الثوره والسلاح هو عامل مهم في قضيتي الوطنيه ، وكنت متأكد بأن السلاح يجب أن يبقى بالصداره ولكن ليس وحده ، بل بجانب الفكر والمنطق ، وكنت ضد الانطلاق بالثوره أو النضال من منطلق ديني ، لأن قضيتي وطنيه ويجب أن نناضل باسم الوطن ولأجل الوطن ، ولكن لم أعرف أي حزب سأحمل أفكاره ، هل هو حزب علماني أم علماني اشتراكي ؟؟ دخلت الجامعه ، وهناك تعرفت على طالبين قدما من منطقة 48 ( عرب 48 / هو اسم نطلقه على الفلسطينيين الذين يعيشون داخل المدن الفلسطينيه التي احتلتها اسرائيل عام 1948 ) ، ولم يمكثا بالجامعه سوى شهر لأنهما سافرا الى أوروبا للالتحاق بجامعات هناك ، ولكن كنت من خلالهم تعرفت على مجموعة شباب من عرب 48 خارج الجامعه . وجاءت اللحظه الذهبيه ، حيث تمكنت برفقة أحد " شباب 48 " من التوجه لمشارف حيفا ، ورأيت حيفا عن بعد ، ورأيت الجدار الذي تبنيه اسرائيل لفصل المدن المحتله عن المدن الأخرى ، كان منظرا مأساويا ، أنظر لوطني ولمدينة أهلي ولكن ممنوع عليّ الاقتراب ، أرى سهل حيفا وشاطئ حيفا من بعيد ، أرى البيوت العربيه القديمه المحاطه بمنازل اليهود المحتلين ، أرى علم اسرائيل يرفرف في سماء وطني ، أرى جدارا يفصل الأخ عن أخيه ، والأم عن ولدها ، وأحيانا الزوجه عن زوجها الذي يعمل بمدينه أخرى ، أرى الوطن المسلوب في زمان الظلم والغطرسه ، في عالم كاذب يرفع شعار الحريه والانسانيه في العلن ليدوس الحريه والانسانيه في الخفاء ، أرى أطفالا من أطفال وطني يلعبون خلسة كي لا تراهم أعين العدو وهم يلهون بأماكن ممنوع عليهم الاقتراب منها لأنها حكر على أطفال اليهود ، أرى الطيور فقط ، هي الوحيده التي يمكنها أن تمر من فوق سياج الحدود دون أن يسقطها رصاص الاحتلال ، أرى كيف يتحول وطن لمنفى ... أشمّ رائحة حيفا الممزوجة برائحة البحر وبحنية اللاجئين المشردين الحالمين بالعوده ... أسمع الأجداد .. هناك .. في مخيمات اللاجئين ، يحدّثون أحفادهم عن حيفا ويافا والناصره وعن فلسطين .. كل فلسطين . كنت لم أحسم أمري بعد .. أي حزب سياسي سأتبع ؟؟ كانت فتح هي الخيار الأول والأرجح ، لعدة أسباب ، من ضمنها : أن فتح تعتبر حجر الأساس لكل الفصائل الفلسطينيه ، وفتح حركه واقعيه وتقدر على حمل السلاح وقلم التفاوض معا ، وفتح تتبع مبدأ التدرج فهي تقبل بقيام دوله فلسطينيه على حدود عام 1967دون أن تمحى خريطة فلسطين التاريخيه ، وهناك سبب شخصي وهو أن عمي كان من الفدائيين الفتحاويين الذي شارك بجانب القائد خليل الوزير أبو جهاد في معركة بيروت ضد الجيش الاسرائيلي ، وعمي الآخر تم أسره لمدة خمس سنوات لأنه كان يخطط وينفذ عمليات مسلحه ضد الجيش الاسرائيلي مع رفاقه الفتحاويين ، وعم آخر لي كان مع مجموعة الفهد الأسود الجناح العسكري لحركة فتح في الانتفاضه الأولى ونفذ عدة عمليات مسلحه ضد الجيش الاسرائيلي قبل أن يقع أسيرا في قبضتهم ، أما والدي فلقد كان مستقلا ولكنه غرس حب فتح في قلبي كحركة نضال وأحرار ، " بالمناسبه ، لقد كان والدي من حفظة القرآن ولكنه لم يكن متزمت بالدين ، بل كان رجلا حضاريا ومثقفا في كل المجالات لدرجة أني لا أذكر أن أحدا سأله سؤال ولم يجب الا ما ندر " . لذلك كانت فتح هي الخيار الأرجح عندي ولكني لم أحسم أمري . في السنه الأولى لمعظم طلاب الجامعه ، يكون الطلبه قليلي التواجد في كلياتهم نظرا للمواد الحره التي يأخذوها ، ومع بداية السنه الجامعيه الثانيه يكون الطلاب دائمي التواجد في كلياتهم ، وقد كنت أنا طالبا في كلية القانون ، وكان مبنى كلية القانون وكلية العلوم والآداب مبنى واحد . وجاء اللقاء الرائع .. فلقد كنت داخلا من باب الكليه ، فالتقت عيناي بعيون شابه .. تمسمرت في مكاني عندما رأيتها ، كأني كنت أبحث عن شئ ضائع فوجدته ، كأنها ضوء أضاء لي في الظلمه ، أحيانا كثيره تعبر العيون عن كلمات عديده وتختصر عبارات وعبارات ، فكأن العين تعكس أحاسيس باطنة فينا ، حوالي دقيقه وأنا أتبادل النظرات معها ، لا أدري ما السحر الرائع الذي وجدته فيها ، انتهت النظره مع صوت زميلي يناديني للدخول للمحاضره ، دخلت المحاضره ولم أسمع كلمه واحده من الدكتور ، فلقد كان عقلي وذهني وتفكيري بتلك الشابه التي لم أعرف عنها سوى أنها طالبه "عرفت ذلك من شنطة الكتب التي كانت تحملها " ، عرفت لا حقا أنها طالبه في كلية العلوم والآداب سنه ثانيه في أحد التخصصات ، واسمها ( لا أريد ذكره ) ، أسرتها من عرب 48 ويسكنون في احدى مدن الضفه . استمرينا في تبادل النظرات اليوميه ، حتى كلمتها لأول مره واستمر بعدها حديثنا على الموبايل أو في مكان نائي بالجامعه لكي لا تشاهدها احدى صديقاتها معي ، فقد كانت من أسره محافظه ، اكتشفت أنه تجمعنا أفكار متشابهة وتقارب عجيب ، فالحب مثل السحر .. تشعر وكأنك وجدت نصفك الضائع ، كانت شابه محافظه محترمه .. مسلمه لا ترتدي الحجاب ، استمر لقائنا وحديثنا ولم نكن نشطح بالأحلام ولكنا كنا على يقين بأننا سنكون معا ، كان الاسم الذي اسميها به على موبايلي هو" ليلى " ، فأنا لم أكن أخبر أحدا بأموري العاطفيه ، لأني أعتبرها أمر شخصي وجدّي للغايه ، ولم يكن أحدا يعلم بعلاقتي مع " ليلى " سوى صديقي المقرّب والذي كانت شقيقته من صديقات " ليلى " ، وفي احدى الأيام سرق أو ضاع موبايل شقيقتي ولم أهتم بموبايل شقيقتي بقدر ما اهتممت بالبحث عن موبايلي خشية أن يكون قد سرق ( الخوف على الأرقام وبالذات رقم ليلى ) عل فكره ، لقد أصبح اسم ليلى هو الاسم الذي أطلقه عليها أكثر من اسمها الحقيقي . كنت أنا من أسرة متوسطة الحاله الماديه ، ولم أتمكن من أن أكون طالبا منتظما بل كنت أعمل على تأجيل بعض الفصول ، أما " ليلى " فقد استمرت بالدراسه حتى تخرجت ، وكانت علاقتنا على أفضل ما يكون . مضت الأيام ، وفي احدى الليالي كنت سهرانا في منزل أحد الأصدقاء مع " شلّة الصحاب " ، كنا نلعب الشده ، ونتسامر ودخان الأرجيله يملأ المكان ، وصوت ضحكتنا يصل لبعيد ، لدرجة أن صديقي قال لي : " الله يسترك من هالليله .. لأنك ضحكت كثير " . انتهت السهره وعدنا لأدراجنا ، وأثناء عودتي للبيت كنت أتصل على موبايل ليلى ولكن لا أحد يجيب ، وبعد دقائق اتصل بي صديقي المقرّب ، ولأنه يعرف مالي من قدره هائله على التحمل / حقيقة بدون أي مبالغه ، قال لي مباشرة : " ليلى صار معها حادث وماتت " ... انه الموت مجددا ، وهذا المره سرق مني أغلى ما لديّ . كان للموت معي تجارب ، بدأت بوفاة عمي في حادث سير ، كان عمري حينها 12 عاما ، وكان ذاك اليوم الذي رحل فيه عمي ورقد جثمانه في القبر ، كان آخر يوم أبكي فيه ، لأني قررت بعدها أن لا تنزل دمعتي وأن أكون عصي الدمع ، فلقد كان لدي قرار بأن الرجل يجب أن لا يبكي سوى في سرّه ، وهو قرار خاطئ بالمناسبه ، الا أنه بقي في أعماقي حتى أصبحت عصي الدمع بالعلن والخفاء ، وبدون أي مبالغه فقد ودّعت البكاء بقلب جسور تختلج المشاعر بداخله ، وفي سنتي الجامعيه الأولى توفي أحد أصدقائي الذي توجه للدراسه في أوروبا ، وبعد ثلاث سنوات توفي والدي ، ولم أبكي عليه طبعا لأني صرت عصي الدمع ، ولكن والدي ترك جرحا كبيرا بقلبي لا تداويه الأيام ، فلقد كان رجلا حرّا بكل ما للكلمة من معنى ، ثم جاء موت " ليلى " وأطفأ شعلة الفرح بحياتي . سياسيا وحزبيا كنت قد التحقت بالجبهة الشعبيه لتحرير فلسطين لمدة أشهر ثم تركتهم لأنهم " مع احترامي " يعيشون في أحلام الاشتراكيه ، واخترت طريقي ، انه طريق الفتح .. فاخترت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وحملت أفكارها . كان ايجادي لخيار فتح مثل لقائي بحب ليلى ، وكما أن حب ليلى لن يموت في قلبي ، فان خيار حركة فتح لن يزول من رؤيتي الثوريه والسياسيه . استجمعت قواي ولملمت جراحي ، وصممت أن يبقى حب ليلى في قلبي أملا لحياتي ، فلن أمنح روحي لسواها حتى لو منحت جسدي لأنثى غيرها . وكما سيبقى عشقها بقلبي ، فسيبقى عشق كل فلسطين بقلبي وكما ستبقى روحها معي ، فسيبقى أمل عودة كل لاجئ لفلسطين .. حتى لو عاد أحفاده وكما سيبقى اسمها عنواني ، قستبقى حيفا ويافا والناصره وكل فلسطين عنوان كل عربي وكما سيبقى اخلاصي لها ، فسيبقى مفتاح بيت كل لاجئ معه حتى يعود هو أو أحفاده لأرضه واذا كنت لا أنسى ذكراها ، فلن تكون فلسطين ذكرى .. بل الماضي والحاضر والمستقبل واذا كان الأحرار منقسمين بين مؤمنين وغير مؤمنيين بوجود لقاء بعد الموت ، فكل الأحرار مؤمنين بوجود لقاء في فلسطين |
العلامات المرجعية |
|
|