اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-06-2013, 08:12 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New ماذا تعرف عن النصيرية؟

المبحث الأول: التعريف بطائفة النصيرية:
النصيرية حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة، أصحابها يعدُّون من غلاة الشيعة الذين زعموا وجوداً إلهيًّا في علي وألهوه به، مقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه، وهم مع كل غاز لأرض المسلمين، ولقد أطلق عليهم الاستعمار الفرنسي لسوريا اسم (العلويين) تمويهاً وتغطية لحقيقتهم الرافضية والباطنية.

المبحث الثاني: زعيمهم وسبب انفصاله عن الشيعة وموقفهم منه..
تنتسب هذه الطائفة إلى زعيمهم محمد بن نصير النميري، وكنيته (أبو شعيب)، وكان من الشيعة الاثني عشرية، وأصله من فارس، ثم انفصل عنهم إثر نزاع بينه وبينهم على ثبوت صفة الباب له، حيث ادعى أنه الباب إلى المهدي المنتظر فلم تقرّ له الإمامية بذلك فانفصل عنهم وكوّن له طائفة وقد ظل زعيماً لطائفته إلى أن هلك سنة 260هـ، وبعضهم يذكر أنه في سنة 270هـ وقد كان فيما يقول علماء الفرق -مولى للحسن العسكري- الإمام الحادي عشر للشيعة الاثني عشرية- ولقد كان للحسن العسكري موقف شديد منه ومن آرائه الكفرية.

لقد صار ابن نصير داخلاً في قسم كل نصيري، وهو قسم مملوء بالشرك والإلحاد، وهو يشير بكلمات موجزة إلى ديانتهم وما فيها من الاعتقادات، لا يعرفها إلا من توسع في دراسة هذه الطائفة ووقف على مخازيهم بمداخلته لهم، وهذا القسم هو كما يأتي: "أني وحق العلي الأعلى وما أعتقده في المظهر الأسنى، وحق النور وما نشأ منه، والسحاب وساكنه، وإلا برئت من مولاي عليّ العلي العظيم وولائي له ومظاهر الحق، وكشفت حجاب سلمان بغير إذن وبرئت من دعوة الحجة ابن نصير، وخضت مع الخائضين في لعن ابن ملجم، وكفرت بالخطاب -أي بالديانة والدعوة- وأذعت السر المصون وأنكرت دعوى أهل الحق، وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى اجتثت أصولها وأمنع سبيلها، وكنت مع قابيل على هابيل، ومع النمرود على إبراهيم، وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه إلى أن ألقى العلي العظيم وهو عليّ ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول إنه بالنار ما تطهر".

وحين بنى ابن نصير ديانته على الالتصاق بالحسن العسكري، وإنه الباب إلى ابنه المزعوم محمد بن الحسن العسكري، كان الحسن العسكري شديد التحذير منه شديد السخط عليه حيث كتب إلى أحد أتباعه قائلاً له ومحذراً من أفكار ابن نصير وفجوره: "إني أبرأ إلى الله من ابن نصير النميري، وابن بابا القمي فأبرأ منهما، وإني محذرك وجميع الموالي ومخبرك أني ألعنهما عليهما لعنة الله فتانين مؤذيين، آذاهما الله وأرسلهما في اللعنة وأركسهما في الفتنة".

والسبب في لعنه إنما كان في دعوى ابن نصير النبوة ودعوى الألوهية لأهل البيت وغير ذلك من المبادئ والاعتقادات الوثنية المجوسية، وقد نقل عبد الحسين عن القمي وصفه لابن نصير بأنه كان فاحشاً وشاذا ***ياً بالتعبير الحديث، حيث أجاز اللواط وسائر المحرمات مدعياً أن ذلك من التواضع والتذلل في المفعول به.. إلى آخر ما وصف به من صفات شنيعة، لا نحب ذكرها هنا، ولكن في الهفت الشريف نفى هذا تماماً، وأنه لا يقع من مؤمن منهم، بل يقع على من أبغض علياً فقط كما يرويه المفضل، الجعفي، وقد أجمعت كتب الشيعة على ذكر دعوى ابن نصير أنه الباب ثم النبوة ثم القول بألوهية علي، و*****ة المحارم، والقول بالتناسخ كما استوعب عبد الحسين الشيعي أخباره في كتابه (العلويون أو النصيرية) نقلاً عن أهم مصادرهم مثل سعد القمي، والنوبختي، وأبو عمر الكشي، وأبو جعفر الطوسي، والحلي، والطبرسي، والدكتور مصطفى الشيبي.

وبعد ذلك حاول جاهداً البراءة من النصيرية، ومن ابن نصير وجميع أفكاره ومعتقداته، حتى وإن كان له صلة الصحبة بالحسن العسكري ثابتة في كتب الشيعة، إلى أن مات الحسن العسكري ثم قيام ابن نصير بدعوى الباب إليه منكراً وكلاء الإمام محمد بن الحسن العسكري وهذا أهم الأسباب في نقمة الرافضة على ابن نصير واتهامهم له بشتى الاتهامات، ويؤكد أحد علماء الشيعة الاثني عشرية وهو محمد رضا شمس الدين الذي زار النصيرية سنة 1376هـ للتعرف على أحوالهم موفداً من أحد المراجع الدينية في النجف عبد الهادي الشيرازي: "أن النصيرية لا يزالون إلى اليوم يتمسكون بأفكار زعيمهم محمد بن نصير، وذكر أنه حينما زارهم رحبوا به أجمل ترحيب، ولكنه لاحظ عدم اكتراثهم بفرائض الدين من صلاة وحج وعدم وجود مساجد في منطقتهم، كما لاحظ أن فكرة تناسخ الأرواح لا تزال منتشرة بينهم وهم يسمونها تقمص الأرواح".

ولا شك في صحة شهادة محمد رضا فإنه أعلم بهم -وشهد شاهد من أهلها- فأي إسلام لهم بعد تركهم الصلاة والحج ومحاربة بناء المساجد، ثم القول بالتناسخ الذي هو قول المجوس عباد الأوثان، ومع هذا فإن أهل السنة في غفلة تامة عنهم.

ومن الجدير بالذكر أن الاثني عشرية قد توجهت نحو جميع فرق الباطنية النصيرية وغيرهم من سائر الغلاة وجهة جديدة وهي احتواء جميع تلك الفرق وصهرها في بوتقة المذهب الاثني عشري؛ فقد نادوا بأن النصيرية العلوية هم شيعة أهل البيت وهو ما أكده الشيرازي منهم، ووقوف العلويون إلى جانب الرافضة في عصرنا الحاضر أقوى شاهد.

المبحث الثالث: أبرز الشخصيات بعد مؤسس النصيرية:
خلفه -أي خلف المؤسس محمد بن نصير النميري- على رئاسة الطائفة محمد بن جندب.
• ثم أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني (235 ـ 287 هـ) من جنبلا بفارس، وكنيته العابد والزاهد والفارسي، سافر إلى مصر وهناك عرض دعوته إلى الخصيبي.
• حسين بن علي بن الحسين بن حمدان الخصيبي: المولود سنة 260 ه‍ مصري الأصل جاء مع أستاذه عبد الله بن محمد الجُنبلاني من مصر إلى جنبلا، وخلفه في رئاسة الطائفة، وعاش في كنف الدولة الحمدانية بحلب كما أنشأ للنصيرية مركزين أولهما في حلب ورئيسه محمد علي الجلي والآخر في بغداد ورئيسه علي الجسري، وقد توفي في حلب وقبره معروف بها وله مؤلفات في المذهب وأشعار في مدح آل البيت وكان يقول بالتناسخ والحلول.

• انقرض مركز بغداد بعد حملة هولاكو عليها.
• انتقل مركز حلب إلى اللاذقية وصار رئيسه أبو سعد الميمون سرور بن قاسم الطبراني 358 ـ 427 ه‍.
• اشتدت هجمات الأكراد والأتراك عليهم مما دعاهم إلى الاستنجاد بالأمير حسن المكزون السنجاري 583 ـ 638ه‍ ومداهمة المنطقة مرتين. فشل في حملته الأولى، ونجح في الثانية حيث أرسى قواعد المذهب النصيري في جبال اللاذقية.

• ظهر فيهم عصمة الدولة حاتم الطوبان حوالي 700ه‍/1300م وهو كاتب الرسالة القبرصية.
• وظهر حسن عجرد من منطقة أعنا، وقد توفي في اللاذقية سنة 836 هـ/ 1432م.
• نجد بعد ذلك رؤساء تجمعات نصيرية كتلك التي أنشأها الشاعر القمري محمد بن يونس كلاذي 1011ه‍/1602م قرب أنطاكية، وعلي الماخوس وناصر نصيفي ويوسف عبيدي.
• سليمان أفندي الأذني: ولد في أنطاكية سنة 1250ه‍ وتلقى تعاليم الطائفة، لكنه تنصر على يد أحد المبشرين وهرب إلى بيروت حيث أصدر كتابه الباكورة السليمانية يكشف فيه أسرار هذه الطائفة، استدرجه النصيريون بعد ذلك وطمأنوه فلما عاد وثبوا عليه وخنقوه وأحرقوا جثته في إحدى ساحات اللاذقية.

• عرفوا تاريخياً باسم النصيرية، وهو اسمهم الأصلي ولكن عندما شُكِّل حزب سياسي في سوريا باسم (الكتلة الوطنية) أراد الحزب أن يقرِّب النصيرية إليه ليكتسبهم فأطلق عليهم اسم العلويين وصادف هذا هوى في نفوسهم وهم يحرصون عليه الآن، هذا وقد أقامت فرنسا لهم دولة أطلقت عليها اسم (دولة العلويين) وقد استمرت هذه الدولة من سنة 1920م إلى سنة 1936م.
• محمد أمين غالب الطويل: شخصية نصيرية، كان أحد قادتهم أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا، ألف كتاب تاريخ العلويين يتحدث فيه عن جذور هذه الفرقة.
• سليمان الأحمد:شغل منصباً دينيًّا في دولة العلويين عام 1920م.
• سليمان المرشد: كان راعي بقر، لكن الفرنسيين احتضنوه وأعانوه على ادعاء الربوبية، كما اتخذ له رسولاً (سليمان الميده) وهو راعي غنم، ولقد قضت عليه حكومة الاستقلال وأعدمته شنقاً عام 1946 م. جاء بعده ابنه مجيب، وادعى الألوهية، لكنه *** أيضاً على يد رئيس المخابرات السورية آنذاك سنة 1951م، وما تزال فرقة (المواخسة) النصيرية يذكرون اسمه على ذبائحهم.

• ويقال بأن الابن الثاني لسليمان المرشد اسمه (مغيث) وقد ورث الربوبية المزعومة عن أبيه. واستطاع العلويون (النصيريون) أن يتسللوا إلى التجمعات الوطنية في سوريا، واشتد نفوذهم في الحكم السوري منذ سنة 1965م بواجهة سُنية ثم قام تجمع القوى التقدمية من الشيوعيين والقوميين والبعثيين بحركته الثورية في 12 مارس 1971م وتولى الحكم العلويون ورئاسة الجمهورية بقيادة حافظ الأسد ثم ابنه بشار.

المبحث الرابع: نشأة النصيرية، وأسمائها، وفرقها:
المطلب الأول: نشأة النصيرية:
تركت وفاة الحسن العسكري -الإمام الحادي عشر للاثني عشرية- دون عقب كما قدمنا أثراً ظاهراً وخلافاً حاداً بين الشيعة، فقد اختلفوا إلى 14 فرقة تقريباً بين مؤيد للقول بوجود ابن للحسن العسكري يسمى محمداً وناف لوجوده أصلاً، ولما كان الزمان لا يخلو من وجود إمام معصوم يتولى تصريف شئون الناس، وإلا لتعطلت الحياة بزعمهم، وكان هذا الإمام غير ظاهر، فأوجدوا في أذهانهم فكرة (الباب) إليه، والباب شخص مخلص لآل البيت، يكون حلقة الاتصال بين الناس وبين الإمام المستور.

ويستدلون على هذه البابية الخرافية بما يزعمون من روايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم : (من طلب العلم فعليه بالباب)، (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، ومن هنا وضعوا قائمة بالأبواب أولهم علي بن أبي طالب، وهو باب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وسلمان الفارسي، وهو باب لعلي، وهكذا إلى الإمام الحادي عشر (الحسن العسكري)، ثم اختلفت كلمتهم، فادعى النصيريون أن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري لم يكن له باب، بل استمر الباب للإمام الحادي عشر-الحسن العسكري- أبو شعيب محمد بن نصير، ومن هنا وقع الخلاف بين النصيرية والإمامية الاثني عشرية، مما أدى إلى انفصاله وفرقته عن الاثني عشرية كما تقدم بيان ذلك.

ولقد أصبح مذهبه فيما بعد من أعمق المذاهب في الوثنية والغلو في البشر. قال عنه عبد الحسين العسكري: "وقال ابن نصير بربوبية أبي الحسن العسكري، وزعم أنه نبي ورسول بعثه أبو الحسن"، وبعد وفاة ابن نصير تناوب على زعامة النصيرية عدة أشخاص أثروا المذهب النصيري بأفكارهم وتنوع المعتقدات وتعدد الطرق والآراء، كان من أبرزهم أبو محمد الجنبلاني، وتلميذه الحسين بن حمدان الخصيبي، ومحمد بن علي الجلي، وعلي الجسري، والميمون ابن سرور بن قاسم الطبراني، وحسن المكزون السنجاري، وهو آخر مظهر لقوة النصيرية، قال الدكتور سليمان الحلبي عن الحال النصيرية بعد وفاته..

وبعد وفاة الحسن المكزون تفرق النصيريون إلى عدة مراكز دينية غير مرتبطة ببعضها البعض، يتبوأ كل منها لمرجع ديني يطلقون عليه لقب الشيخ، واستقل كل شيخ برئاسة مركز صغير إلى أن استطاعوا بالأمس القريب وفي غفلة المسلمين (غفاة البشر) في سوريا وغيرها من السيطرة على نظام الحكم في سوريا، فعادت لهم سطوتهم وقوتهم مرة أخرى يتحكمون بها في رقاب المسلمين.

ولكنهم في هذا الظهور الجديد اتخذوا لهم أسماء براقة خادعة مثل حزب البعث الاشتراكي، ودعوى التقدمية والتحرر وما إلى ذلك، وهم إنما غيروا الاسم لإبعاد الأنظار عن حقيقتهم قدر الإمكان ولجلب الساقطين إلى صفوفهم.

المطلب الثاني: أسماء هذه الطائفة والسبب في إطلاقها عليهم:
أطلقت على هذه الطائفة أسماء بعضها يقبلونه وبعضها لا يقبلونه، ومنها:
1- النصيرية: وهو الاسم الذي غلب على غيره من أسمائهم واشتهروا به، ومع هذا فإن النصيريين لا يحبون أن يسموا به ويتضايقون منه.
2- ومن أسمائهم المحبوبة عندهم (العلويون): وهم يحبون هذا الاسم ويتمنون أن يطلقه الناس عليهم وينسوا ما عداه من أسمائهم، وقد ذكر بعض العلماء أن هذه التسمية أخذت من عبادة هؤلاء لعلي رضي الله عنه وتأليههم له، وعلي بريء من إلحادهم مثل براءة جعفر بن محمد من مذهب الجعفرية.

ويقول عبد الحسين عن ارتياحهم لهذه التسمية: "وقد ارتاحوا لها لأنها في الأقل تخلصهم مما علق تاريخياً باسم النصيرية من ذم وتشنيع وتكفير، كما أنها تفتح لهم آفاق أرحب للتقارب مع الشيعة..". إلى أن يقول: "ولا شك في أن الانتساب إلى الإمام علي أي نحو كان أفضل من الانتساب إلى ابن نصير".

3- وقد أطلق عليهم الأتراك اسم (سورة ك): وبمرور الزمن صار الناس يلفظونها (سوراك)، ومعناها عند الأتراك: المنفيون أو المساقون، ويوجد إلى هذه الأيام -كما يذكر الحلبي- بعض النصيريين في حلب وفي أقضية صهيون والعمرانية وصافيتا بهذا الاسم.
4- ويطلق عليهم اسم (النميرية): نسبة إلى محمد بن نصير النميري، ولهم أسماء أخرى محلية مثل (التختجية، الحطابون)، في غربي الأناضول والعلي إلهية في فارس وتركستان وكردستان.

المطلب الثالث: فرق النصيرية:
تفرق النصيريون إلى فرق وطوائف كثيرة، ومن أهم تلك الطوائف:
الجرانة: نسبة إلى قريتهم جرانة، ثم سميت بعد ظهور محمد يونس كلازو من زعمائهم (الكلازية).
ويقال لهم القمرية لأنهم يعتقدون أن علياً حل في القمر، ويرون أن الإنسان إذا شرب الخمر الصافية يقترب من القمر.
الغيبية: أي الذين رضوا بما قدر لهم في الغيب فتركوا التوسل -كما يذكر الحلبي- أو هم الذين قالوا: إن الله تجلى في علي ثم غاب عن البشر واختفى، والزمان الحالي هو زمان الغيبة، ويقررون أن الغائب هو الله الذي هو علي -كما يذكر صابر طعيمة- ثم سميت بعد ظهور زعيم منهم سمي علي حيدر (الحيدرية).
الماخوسية: نسبة إلى زعيمهم علي الماخوس المنشق عن الكلازية.
النياصفة: نسبة إلى زعيمهم ناصر الحاصوري من بلدة نيصاف بلبنان

المبحث الخامس: مراسيم وطقوس الدخول في عقيدة النصيرية:
ولما كانت العقيدة النصيرية من أردأ المذاهب وأشدها توغلاً في الباطل، لم يأنسوا من إظهار مذهبهم صراحة حتى من بعضهم لبعض إلا بعد تعقيدات واختبارات شديدة يذلل من خلالها ويتجرع أشد أنواع الإذلال والإهانة، إذ يتم دخوله في المذهب بطريقة فاحشة يتم من خلالها القضاء على كل عرق ينبض بالرجولة والشهامة فيه، وتداس كرامته وينتهك عرضه، فحينما يحضر التلميذ يختار الشيخ الذي سيلازمه من بين مجموعة المشايخ الموجودين ويسمونه الوالد الروحي أو الوالد الديني، ثم يغرسون في نفس التلميذ تقديس شيخه والتواضع له تواضعاً مطلقاً أشبه ما يكون بالقاعدة الصوفية (كالميت بين يدي الغاسل).

ومن الطرق التي يتوسلون بها إلى إذلال الشخص، أنه حينما يدخل يقف في ناحية وهو ساكت لا يتكلم بشيء وأحذية المشايخ مرفوعة فوق رأسه، ثم يتكلم شيخه لبقية المشايخ ويتوسل إليهم أن يقبلوا هذا الشخص الماثل أمامهم ويدخلوه في زمرتهم، فإذا قبله المشايخ أنزلت الأحذية من فوق رأسه، ثم يأخذ في تقبيل أيدي وأرجل الحاضرين من المشايخ، ثم يقف في مكانه ويوضع على رأسه خرقة بيضاء، ثم يأخذ الشيخ في قراءة العقد الذي سيتم بين التلميذ وبين المشايخ، وهو أشبه ما يكون بعقد الزواج، ويعتبرون هذا بمثابة الخطبة، ويعتبرون الكلام الذي يسمعه بمثابة النكاح، وما يتحمله من العلم عنهم بمثابة الحمل، فإذا علم وأراد التعليم فإن ذلك يكون بمثابة الوضع، وبعد أن تتم هذه المرحلة يقال للتلميذ: يجب عليك أن تكرر في اليوم خمسمائة مرة بحق ع. م. س لمدة يحددونها، ثم بعد ذلك يأتي إليهم ليتم تعليمه المذهب بعد اختبارات قاسية يرضى فيها بكل شيء حتى ولو بإهدار رجولته، وفيما يلي نشير إلى أهم الشروط في تعليم المذهب النصيري: يشترطون في من يلقى إليه تعليم المذهب أن يجتاز سن التاسعة عشرة.

أن يمر بالمراحل الآتية على التدريج:
المرحلة الأولى: وتسمى مرحلة الجهل: وفيها يهيئون من يقع عليه الاختيار من أبناء الطائفة لقبول وحمل أسرار المذهب.
مرحلة التعليق: وفي هذه المرحلة يلقنونه شيئاً من تعاليم المذهب، ويبقى مدة سنة إلى سنتين تحت إشراف شيخ من شيوخ الطائفة ليطلعه على شيء من أسرار المذهب بالتدريج، فإذا توسموا فيه القبول والنجابة نقلوه إلى المرحلة الثالثة الآتية وإلا طردوه.

مرحلة السماع: وهي الدرجة العليا، ويطلعونه فيها على أكثر أصول المذهب النصيري، ثم يعقد الرؤساء الروحيون للطائفة مجمعاً خاصاً لتلقينه بقية أسرار المذهب، ثم ينقلونه إلى درجة أعلى يطلقون عليه درجة الشيخ أو صاحب العهد، ويتم ذلك بحضور الكفلاء، والشهود يشهدون باستعداد الرجل لقبول السر ومحافظته عليه، ثم يحلف اليمين المقررة عندهم أن يحافظ على السر ولو أريق دمه. وبعد حصوله على هذه الدرجة يصبح شيخاً من شيوخ الطائفة، ومما يجدر التنبيه إليه أن التلميذ دائماً وهو بين أيدي المشايخ لا يلقى إليه شيء من تعاليم المذهب الملتوية إلا في غياب عقله وتفكيره عنه؛ ليقبل تلك العقائد التي تشمئز منها النفس ويمجها العقل وتأنف منها الفطرة السليمة، فعبد النور تسمية الخمر عندهم في يد الساقي وهالة من الموقف، وتهديدات من هنا ومن هناك، وكل هذه الأهوال يعيشها الشخص حتى تستكمل إجراءات تفهيمه المذهب في جو غير طبيعي.

وقد وصف أحد الداخلين في العقيدة النصيرية الموقف والحال المتبع عند دخول الشخص الذي يرتضونه لتحمل سر الديانة واسمه مخلوف، فقال مخبراً عن ذلك كما يصوغه محمد حسين: "وفي اليوم المحدد اجتمع من المشايخ وأهل القرية والقرى المجاورة جمهور كثير، واستدعوني إليهم وناولني قدح خمر ثم وقف أحد المشايخ وهو برتبة النقيب في الديانة النصيرية ووقف بجانبي وقال لي: قل: بسرّ إحسانك يا عمي وسيدي وتاج رأسي أنا لك تلميذ وحذاؤك على رأسي، ولم أجد بداً من شرب الخمر لأول مرة في حياتي، فلما شربت الكأس التفت إلي الإمام قائلاً: هل ترضى أن ترفع أحذية هؤلاء الحاضرين على رأسك إكراماً لسيدك؟ فقلت: كلا، بل حذاء سيدي فقط، فضحك الحاضرون لعدم قبولي القانون، ثم أمروا الخادم فأتى بحذاء السيد المذكور فكشفوا رأسي ووضعوه عليه، وجعلوا على الحذاء خرقة بيضاء، ثم أخذ النقيب يصلي على رأسي وأوصوني بالكتمان وانصرفوا إلى أن يقول: ثم بعد أربعين يوماً اجتمع جمهور آخر واستدعوني إليهم ووقف الشيخ الكبير بجانبي وبيده كأس خمر فسقاني الكأس وأمرني بأن أقول سر ع. م. س، ثم بعد ذلك قال لي الإمام: إنه فرض عليك أن تتلو هذه اللفظة وهي سر ع. م. س كل يوم خمسمائة مرة، ثم أوصوني بالكتمان وانصرفوا..

ثم بعد سبعة أشهر-والمدة للعامة تسعة أشهر- اجتمع جمهور آخر أيضاً واستدعوني حسب عادتهم وأوقفوني بعيداً عنهم، ثم قام هؤلاء بمهازل أمامه وطقوس، ثم قام وكيل من بين الجماعة وقال للإمام: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام. فقال له الإمام: ما مرادك وماذا تريد؟ فأجابه أنه تراءى لي شخص بالطريق... إلى أن قال: هذا الشخص اسمه مخلوف، وقد أتى ليتأدب أمامكم، فقال: من دله علينا؟ فأجاب: المعنى المعنى والاسم العظيم والباب الكريم وهي لفظة ع. م. س، فقال الإمام: ائت به لنراه، فأخذ المرشد بيدي وذهب بي إلى الإمام، فلما دنوت منه مدَّ لي رجليه فقبلتهما، ويديه أيضاً، وقال لي: ما حاجتك وماذا تريد أيها الغلام؟ ثم نهض النقيب ووقف بجانبي وعلمني أن أقول: "بسر الذي فيه أنتم يا معاشر المؤمنين، ثم نظر إليّ بعبوسة وقال: ما الذي حملك أن تطلب منا السر المكلل باللؤلؤ والدر ولم يحمله إلا كل ملاك مقرب أو نبي مرسل؟ اعلم يا ولدي أن الملائكة كثيرون ولا يحمل هذا السر إلا المقربون، والأنبياء كثيرون وليس منهم من يحمل هذا السر إلا الممتحنون، أتقبل قطع الرأس واليدين والرجلين ولا تبيح بهذا السر العظيم؟ فقلت له: نعم. فقال لي: أريد منك مائة كفيل، فقال الحاضرون: القانون يا سيدنا الإمام - فقال: إكراماً لكم ليكن اثنا عشر كفيلاً. ثم قام المرشد الثاني وقبل أيدي الاثني عشر كفيلاً وأنا أيضاً قبلت أيديهم، ثم نهض الكفلاء وقالوا: نعم نعم نعم يا سيدي الإمام. فقال الإمام: ما حاجتكم أيها الشرفاء؟ قالوا: أتينا لنكفل مخلوفاً. فقال: إذا باح بهذا السر أتأتوني به نقطعه تقطيعاً ونشرب دمه؟ فقالوا: نعم. فأجاب وقال: لست أكتفي بكفالتكم فقط؛ بل أريد اثنين معتبرين يكفلانكم..

فجرى واحد من الكفلاء وأنا وراءه، وقبَّل أيدي الكفيلين المطلوبين، وقبلتهما أنا أيضاً، ثم نهضا قائمين وأيديهما موضوعة على صدريهما، فالتفت إليهما الإمام وقال: الله ممسيكما بالخير أيها الكفيلان المعتبران الطاهران أهل البرش والكرش، فماذا تريدان؟ فأجابا أننا قد أتينا لنكفل الاثني عشر كفيلاً وهذا الشخص أيضاً، فقال: إذا هرب قبل أن يكمل حفظ الصلوات أو باح بهذا السر هل تأتياني به لتعدم حياته، فقالا: نعم، قال الإمام: إن الكفلاء يفنون وكفلاء الكفلاء يفنون، وأنا أريد منه شيئاً لا يفنى. فقالا له: افعل ما شئت فالتفت إليّ وقال: ادن يا مخلوف فدنوت منه، وحينئذ استحلفني بجميع الأجرام السماوية بأني لا أبوح بهذا السر، ثم ناولني كتاب المجموع في يدي اليمنى وعلمني النقيب الواقف بجانبي أن أقول: تفضل حلفني، يا سيدي الإمام على هذا السر العظيم، وأنت بريء من خطيئتي. فأخذ كتاب المجموع مني -وهو مكتوب بالخط اليدوي- إلى أن يقول: ثم قال الإمام: اعلم يا ولدي أن الأرض لا تقبلك فيها مدفوناً إن أبحت بهذا السر، ولا تعود تدخل القمصان البشرية، بل حين وفاتك تدخل قمصان المسوخية، وليس لك منها نجاة أبداً.

ثم أجلسوني بينهم وكشفوا رأسي ووضعوا عليه غطاءً، ثم إن الكفلاء وضعوا أيديهم على رأسي وأخذوا يصلون فقرؤوا أولاً سورة الفتح والسجود والعين ثم شربوا الخمر وقرؤوا سورة السلام، ورفعوا أيديهم عن رأسي، وأخذني عم الدخول وسلمني إلى مرشدي الأول، ثم أخذ بيده كأس الخمر وسقاني وعلمني أن أقول: بسم الله -يسمي الله على شرب الخمر!- وبالله وسر السيد أبي عبد الله العارف بمعرفة الله سر تذكار والصالح سره أسعده الله، ثم انصرفت الجماعة وأخذني الشيخ صالح الجبلي شيخ الخياطين إلى بيته وابتدأ يعلمني أولاً التبري -وهو الشتائم- وحينئذ أطلعني على صلاة النصيرية وفيها عبادة علي بن أبي طالب، وهي ست عشرة سورة"، وقد دعاني ترابط الكلام سرد ما جرى لمخلوف مع محاولتي الاختصار وترك ذكر بعض الأمور، خصوصاً وأن المخبر كشاهد عيان كما يقال في المثل، ومن الواضح جداً أن القائمين على تعاليم المذهب مجموعة أو شركة من اللصوص سراق عقول البشر، همهم الزعامة وجمع الأموال بأي وجه كان، ووجدوا في أشباه البشر من يصدقهم في ترهاتهم وأباطيلهم التي تبدأ بترداد ع. م. س وتنتهي بعبادة غير الله عز وجل، إنها مهازل يندى لها الجبين قام بها عتاة المجوسية عباد الأوثان، واقتطعوا أمماً بتلك المسالك الشيطانية وأخرجوهم عن دينهم.

المبحث السادس: أهم عقائد النصيرية:
للنصيرية عقائد كثيرة بعضها ظاهر وبعضها -وهو الأكثر- لا يزال في طي الكتمان، وقد اتضح أن أهم عقائدهم وأبرزها:
- تأليه علي رضي الله عنه.
ولا تستبعد وقوع هذا فإن هؤلاء من أساسهم كانوا عباد أوثان وعباد بقر وفروج، وبعد أن دخلوا في الإسلام أو على الأصح تظاهروا به كان من أبرز عقائدهم: تأليه الإمام علي رضي الله عنه، زاعمين أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن لم يلد ولم يولد، ولم يمت ولم ي***، ولا يأكل ولا يشرب، وبحسب اعتقادهم أن الله تجلى في علي فقد اتخذ علي محمداً وبالغوا في كفرهم فقالوا: "إن علياً خلق محمداً، ومحمد خلق سلمان الفارسي، وسلمان خلق الأيتام الخمسة الذين بيدهم مقاليد السموات والأرض وهم:
المقداد: رب الناس وخالقهم الموكل بالرعود والصواعق، والزلازل.
أبو الدر: (أبو ذر الغفاري) الموكل بدوران الكواكب والنجوم.
عبد الله بن رواحة الأنصاري: الموكل بالرياح وقبض أرواح البشر.
عثمان بن مظعون: الموكل بالمعدة وحرارة الجسد وأمراض الإنسان.
قنبر بن كادان: الموكل بنفخ الأرواح في الأجسام.
والمجوسية ظاهرة في هذه الأفكار لم يتغير فيها إلا الأسماء فقط، وهذه الأقوال يكفي واحد منها لدحض ما يزعمونه من إسلام، فهي نهاية الكفر والخروج عن منهج الله عز وجل.
ويحتج النصيريون لهذه العقيدة بقولهم: "إن الله معبود مقدس يحل في الأجسام متى يشاء، وله التصرف، وإليه ترجع الأمور"، وعلي رضي الله عنه -وحاشاه عن كفرهم- حين زعموا أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن قسموا طبيعته إلى قسمين: الظاهر وهو القسم البشري منه قسم الناسوت الذي يأكل ويشرب ويلد ويولد ويتقرب إلى عباده ليعرفوه عن كثب.

وأما الباطن منه فهو قسم اللاهوت: الذي لا يأكل ولا يشرب.
ومن حماقتهم أنهم يستدلون على ألوهية علي بما حصل له من كرامات كقلع باب خيبر، وشجاعته الحربية، وزعموا أنه كان يكلم الجن، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسند إليه قتال الكفار الظاهرين، وعلي أسند إليه قتال المنافقين، لأنه يعرف البواطن، وقد اختلفوا في مكان حلوله بعد أن ترك ثوبه الآدمي أي صورته البشرية.
فمنهم من يتجه إلى القمر في عبادته لاعتقاد أنه حل فيه، بل القمر نفسه هو علي، وهؤلاء يسمون الشمالية.
ومنهم من يتجه إلى الشمس في عبادته لاعتقادهم أنه حل فيها، بل الشمس نفسها هي علي، وهؤلاء يسمون الكلازية،، ومن هنا قال مدير مدرسة نصيرية حينما سمع بوصول رواد الفضاء من الأمريكان وغيرهم إلى سطح القمر -بزعمهم- إن كان ما ذكروه حقاً أن القمر مكون من جمادات فعلى الدين السلام، وغضب لربه وقال في ذمه لهذه الكشوفات عن القمر: "الآن ينتهي مفعول الدين إذا أثبتت هذه الكشوف كونه مجموعة من التلفيقات"، بينما المسلم الحق لا يتأثر في دينه ولو دخل الناس النجوم الواحد تلو الآخر؛ بل يقول: هذا من تمكين الله لهم لا بقدرتهم، ولا يغضب؛ لأنه يعلم أن ربه هو خالق الكون وما فيه، وأنه هو الذي يمكن عباده من كل ما يشاءه تعالى.

ويؤكد صاحب الهفت الشريف أنه: "ما من مؤمن يموت إلا وتحمل روحه إلى الإمام علي فينظر فيها، فإذا كان مؤمناً ممتحناً صافياً صعدت الملائكة بروحه إلى السماء فتغمسها في عين على باب الجنة اسمها عين الحياة" الخ.. ويقول عن الأئمة: "نحن الأئمة أولياء الله لا يفتر علينا من علمه شيء لا في الأرض ولا في السماء، نحن يد الله وجنبه، ونحن وجه الله وعينه، وأينما نظر المؤمن يرانا. إن شئنا شاء الله - ولا تلقه إلا إلى أهله- والحمد لله الذي اصطفانا من طينة نور قدرته، ووهبنا سر علم مشيئته...إلخ"، ويتجلى تأليههم للإمام علي رضي الله عنه في تلك الأدعية الركيكة الخالية عن العقل وعن أدنى المعرفة، والتي تسمى (سوراً) عندهم.

جاء في السورة الثالثة: "اللهم إني أسألك يا مولاي يا أمير النحل، يا علياً يا عظيم يا أزل يا فرد يا قديم، يا علي يا كبير يا أكبر من كل كبير، يا خالق الشمس والقمر المنير، يا علي يا قدوة الدين يا عالم يا خبير، يا راحم الشيخ الكبير يا منشئ الطفل الصغير، يا جابر العظم الكسير يا محل كل يسير من غير عسير الذي يعرف المعرفة وينكرها عليه وعلى أبو دهية، ما يستحق من الله، وعلى أبو سعيد السلام ورحمة الله".

وفي سورة السجود: "يا علي سجد لك وجهي الفاني البالي إلى نور وجهك العزيز الحي الدائم... يا علي لك الإلهية يا علي لك الملكوتية...إياك مولاي علي نعبد"، إلخ ذلك الهراء الطويل.
وفي سورة الإشارة: "لله ارتفاع القصد والعزة والإشارة لك يا مولاي يا أمير المؤمنين يا علي يا أنزع يا بطين، يا محيي العظام الدوارس وهي رميم اللهم إني أسألك يا مولاي يا أمير المؤمنين أن تجعلنا في عبادتك كاسبين غانمين مؤيدين منصورين، ولا تجلعنا في عبادتك لا خاسرين ولا نادمين"، وما أحراهم بنهاية الخسارة والندامة، ولو كانت لهم عقول لما جمعوا لعلي رضي الله عنه بين الألوهية والإمارة.

وجاء في السور الكبيرة: "أول معرفتي بالله أشهد شهادة تقية نقية مشعشعة نورانية بيضية علوية حجابية محمدية، أشهد شهادة الحق في منهج الصدق، أشهد شهادة بأن لا إله إلا مولاي ومولاك أمير النحل علي، ولا حجاب إلا السيد محمد ولا باب إلا السيد سلمان...وأشهد أن الله علي ربي يحييني ويميتني، وهو الحي الذي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير وإليه المصير"، ويظهر الأثر اليهودي واضحاً في السورة السادسة عشرة المسماة سورة النقباء، وفيها: "سر اثني عشر نقيباً، سر ثمانية وعشرين نجيباً، سر أربعين قطباً أولهم عبد الله بن سبأ، وآخرهم محمد بن سنان الزاهري.. سر عبد الله بن سبأ نقيب النقباء، سر محمد بن سنان الزاهري نجيب النجباء، سرهم أسعدهم الله أجمعين في أربع أقاليم الدنيا والدين بحق الحمد لله رب العالمين".

إلى آخر هذه الخزعبلات والسور التي تحوي مثل ذلك الكفر والإجرام والتعابير الركيكة التي لا تمت إلى العقل والمعرفة بأدنى صلة، لقد فاق هؤلاء بلادة الحمير وكل المخلوقات، وكانوا أضل من الأنعام. وهناك نصوص أخرى تركتها خشية الإطالة، تنضح مجوسية وإلحاداً، مما يدل دلالة قاطعة على أن الذين وضعوا الديانة النصيرية كانوا متشبعين بالمجوسية، ولهم اطلاع على كل الديانات من يهودية ونصرانية وهندوسية وغير ذلك.

وقد أضافوا إلى ألوهية علي وحلول الإله فيه أن الإله حل أيضاً في سائر الأئمة من بعد علي، ومن ذلك ما قالوه في م*** الحسين مما نقلناه سابقاً عن الهفت الشريف وزعمهم فيه أن الحسين هو الله رب العالمين، بل إنهم يعتقدون جازمين أن الأئمة أفضل من كل الأنبياء، لأن الأئمة بزعمهم يكلمون الله بدون واسطة والأنبياء بواسطة.

وقد اقتبسوا هذه الأفكار الخاطئة عن الشيعة الاثني عشرية، وهؤلاء أخذوها عن ابن سبأ اليهودي، ومن العجب أنهم مرة يجعلون الإمام علياً إلهاً، ومرة أخرى يجعلونه نبياً، ومرة أخرى يستدلون على فضائله بكلام الله في القرآن يحرفونه بأقوال مكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا خرج الكثير من شبابهم بسبب هذا الخلط والاضطراب الفكري إلى الإلحاد الماركسي، وبعد أن استوثق هؤلاء الفجار من قبول الطغام الذين هم على شاكلتهم بكل ما جاءوهم به من الكفر والإلحاد دون اعتراض طمع هؤلاء في دعوى الألوهية بعد أن استهانوا بأمرها لكثرة المتألهين في مبادئهم، بحجة أن الله -تعالى عن جهلهم- يحل في من يشاء من عباده.

وقد ادعى رجل منهم الألوهية في هذا الزمن حين كانت فرنسا مستعمرة للشام وتخطط لإحياء الجهل وطمس الدين بأي وسيلة كانت؛ لتبقى أطول مدة تحكم فيها بلاد المسلمين فوقع اختيارهم على دمية نصيري من سوريا يسمى سلمان المرشد، فأوصل نفسه إلى رتبة الألوهية -لأن الله تقمص به- وآمن به واتبعه كثير من النصيريين، وقد مثل المهزلة تمثيلاً جيداً فكان كما يذكر في تاريخه يلبس ثياباً فيها أزرار كهربائية، ويحمل في جيبه بطارية صغيرة متصلة بالأزرار، فإذا أوصل التيار شعت الأنوار من الأزرار فيخر له أنصاره ساجدين حين يرون طلعته الشقية.

ومن الطريف أن المستشار الفرنسي الذي كان وراء هذه الألوهية المزيفة كان يسجد مع الساجدين ويخاطب سلمان المرشد بقوله: يا إلهي، وبعد أن ادعى الألوهية كان عليه أن يرسل الرسل، وهذا ما حصل بالفعل فقد اتخذ سلمان المرشد رسولاً اسمه سلمان الميده، وكان يشتغل جمَّالاً عند أحد المزارعين في حمص، في حين كان سلمان المرشد مدعي الألوهية راعي أبقار، وهكذا يكون الإله راعياً والرسول جمَّالاً كما يذكر الحلبي.

قال أبو الهيثم: "لقد جاء يوم على المرشدية كانت فيه سيفَ الفرنسيين المصلت على رقبة كل وطني في هذه المحافظة - يقصد اللاذقية-، وكان ذلك عام 1938م، إذا أقام ربها سلمان نفسه دولة ضمن دولة يفرض الإتاوات ويجبي الضرائب وينصب المحاكم وينفذ أحكام الإعدام ويقطع طرق المواصلات إلخ، وحين رحل الفرنسيون عن سوريا في مواكب العار-كما سماها أبو الهيثم- وذلك سنة 1938م- ترك له هؤلاء من أسلحتهم ما أغراه بالعصيان، فجردت الحكومة السورية آنذاك قوة بقيادة محمد علي عزمة فتكت ببعض أتباعه واعتقلته مع آخرين ثم أعدم شنقاً في دمشق عام 1946م".

وقد سئل مرة قبل هلاكه فقيل له: "أنت إله وأغاخان إله فكيف تتسع الأرض لإلهين؟!" فأجاب بقوله: "إن الخالق يبث روحه فيمن يشاء، وقد يبثها في مائة من مخلوقاته فيصيبون أرباباً مثلي"!
وقال عنه أبو الهيثم: "العجيب في أمر سلمان أنه لم يكن ليصرح بمزاعمه الإلهية خارج حدود نفوذه قط، وقد مثل منطقته في البرلمان السوري كأي نائب من غير الناطقين فلم يسمع منه أي تصريح أو تلميح لما يقول فيه أتباعه، وأذكر أنني اجتمعت به وسألته عن هذه الدعوى التي تشيع عنه فأنكرها أشد الإنكار، وشهد على نفسه بالإسلام".

وقد قال لي يومئذ: "إن كل مهمته في جماعته هي أن يحاول تنظيم أمورهم على أساس الإسلام، وعدّد بعض أعماله الإصلاحية هناك مما لا غبار عليه، غير أن الواقع أن الرجل كان أذكى من أن يصرح بغير هذا أمام أي عاقل خارج جماعته". وبعد هلاك هذا المتأله ألّه أتباعه ابنه مجيب الأكبر بن سلمان المرشد، وقد *** هذا أيضاً، ولكن استمر أتباعه على تأليهه، ومن حماقاتهم وخبثهم على المسلمين وزعمائهم أنهم يقولون عند *** أحدهم ذبيحته: باسم مجيب الأكبر من يدي لرقبة أبي بكر وعمر، ومن هنا فإنه لا يجوز لأي مسلم إذا مر بديارهم أن يأكل من ذبائحهم.

ومن العلماء من يذكر أنهم الآن يريدون تأليه أحد أخوة مجيب الذين لا يزال لهم نفوذ عند جهلاء النصيرية، بل ويصرحون بتمسكهم بالمرشدية، يقول أبو الهيثم: فالمرشدي لا يكتم عقيدته في تأليه سلمان وأبناءه الذين أعدهم ذلك الأب (البار) لمنصب الألوهية منذ أن اختار لهم بعض أسماء الله الحسنى (فاتح، سميع، مجيب)،.
وقد أصبح من المألوف أن تسمع هذا المرشدي يدافع عن عقيدته باسم حرية الفكر، ولهم صلاة يسمونها الصلاة المرشدية وينسبونها إلى مجيب الأكبر، يقولون فيها: "تسبيح إلى مولانا مجيب بن سلمان المرشد الرب العظيم. مولانا لك العزة والمجد والتهليل والتكبير، سبحانك ربنا إنك كريم رحيم، يا مولانا يا مجيب المرشد، سبحانك أنت الرب العظيم.."، إلى آخر الدعاء الذي اشتمل على صدق اللجوء إلى هذا الرب المخترع، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وينص النصيريون في دعائهم ويلحون على أن الله تعالى يرزقهم بجنود غرباء عنهم وعن وطنهم، يأتون إليهم من جهة الغرب لينقذوهم من حكامهم المسلمين.

وقد وصف الأستاذ الشكعة هذه الإشارات في دعائهم إلى أنها دعوة لفرنسا المستعمرة لتثبت أقدامهم في بلادهم. يقول أبو الهيثم: "ثبت بصورة قاطعة أن المرشدية على صلة وثيقة بالإرسالية البروتستانية الأمريكية في اللاذقية، وهل صلة مريبة لا شك أن وراءها أصابع السياسة الأمريكية وبكلمة أوضح أصابع الصهيونية العالمية".

- عقيدتهم في الثواب والعقاب:
تؤمن النصيرية بتناسخ الأرواح، وأن الروح عندما تفارق الجسم بالموت تتقمص ثوبا آخر، وهذا الثوب يكون على حسب إيمان هذا الشخص بديانتهم أو كفره بها، وعلى هذا فهم يرون أن الثواب والعقاب ليسا في الجنة والنار وإنما في هذه الدنيا على حسب التراكيب والتقمصات الناسوتية والمسوخية التي تصيب الروح.
وهم إضافة إلى ذلك يؤمنون بعالم روحاني تسكنه المخلوقات العليا أو النجوم وهذه المخلوقات تفيض بالنور بشكل متسلسل وفق ترتيب السموات السبع، وهؤلاء يشكلون العالم النوراني الكبير، وتتكون السموات السبع من أهل المراتب والكواكب ويعتقد النصيريون أن عدد العالم البشري (119) ألفا ويتكون من المقربين والكروبيين والروحانيين والمقدمين والسائحين والمستمعين واللاحقين، وجميع هذه المراتب من العالم النوراني الذي هبط من السماء النورانية على سبع مراحل و أما عالم الظلمة فيضم الأرواح التي لبست قمصان المسوخية في كل أدوار مسخها، ومنها المسخ بصورة امرأة، وذلك لأنهم يعتقدون أن المرأة لا تستحق أن تكون مؤمنة فإذا قدر لها ذلك فإنها بعد موتها ترد بصورة رجل مؤمن لأن صورة المرأة هي هبوط من الدرجة التي سما لها المؤمن، أما الرجل الكافر بدينهم فيعتقدون أنه عندما يموت ترد روحه في صورة امرأة كافرة، لأن الشياطين كما يقولون من المرأة والإنسان إذا ارتقى في كفره صار إبليسا وورد في صورة امرأة.

ويجري على هذا الاعتقاد قولهم أنه كان قبلنا سبعة أدوار وسبعة أوادم وفي كل دور كان يبعث فيهم آدم ونحن في الدور الثامن وسيبقى الكون والوجود هكذا وإلا يبطل سلطان الله وقدرته، وتقمص الأرواح بالنسبة للمؤمن في نظرهم هو ارتقاؤه في الدرجات والمراتب حتى يخرج من هذه القمصان اللحمية ويلبس قمصان الأنواع وهي النجوم. فالنجوم هم المؤمنون والصالحون.
أما الكافر فيحل عليه المسخ والنسخ، فيبقى كذلك على مر الأكوار والأدوار يأتي بقمصان رديئة دنيئة كالحيوانات التي ت*** والتي لا ت*** أو أن يأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فيذاق بذلك حر الحديد وبرده، ويرى المفضل الجعفي أحد مشايخ ابن نصير أن الحجر والشجر والماء والملح وغير ذلك مما لا يدب ولا يمشي ولا يطير، وهو كما يتحلل من أبدان المؤمن والكافر، فكل من هذه الأشياء من كانت له طعم طيبة ورائحة لذيذة أو ملامسة لينة أو مشرب صافي فإنه يكون مما يتحلل من أبدان المؤمنين، وأما الأشياء التي لها رائحة نتنة وطعمها مر وغير ذلك، فإنه يتحلل من أبدان الكافرين.

والكافر في اعتقادهم يمسخ في كل شيء ما عدا الصورة البشرية وذلك لما سبقه من الكفر والجحود والإنكار لأهل الحق - وهم النصيرية - فيعاقب ويعذب بتركيبه بكل شيء ما عدا الصورة البشرية الإنسانية من بقر وغنم وإبل وطير وهوام وكل ذي روح من قردة وخنازير مما يؤكل ولا يؤكل وهذا في نظرهم هو المسخ والنسخ، فالذي يؤكل منه هو نسخ والذي لا يؤكل هو مسخ، وهذا كله -كما يزعمون- عدل من الله عز وجل لهؤلاء الجاحدين لأهل الحق لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ. كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ. بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 6-11]، فمسخهم الله لتكذيبهم بالدين لأن (الدين) المذكور في الآية الكريمة -كما يزعمون- هو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب.

والتناسخ الذي يقع على الكافر بديانتهم يجري عليه ألف موتة وألف ***ة وذلك عن طريق المسخ والنسخ ويستدلون على ذلك بآيات منها قوله تعالى: {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} [الواقعة: 61-62]، وقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} [الإنفطار: 8] وقوله جل وعلا: {قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا. قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 50، 51]، ويعتبرون (الخلق الذي يكبر في الصدور) الذهب والفضة باعتبارهما من معادن الجبال لقوله تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27]، فالجبال في نظرهم هم الجبابرة والطواغيت الذين ظلموا أهل الحق -النصيرية- فمسخوا على هذه الحالة، حتى ينتهي هذا الدور، فيمسخوا مرة أخرى حيوانات تؤكل وتشرب.

ويبقى عذاب المسخ والنسخ على الكافر بدينهم في جميع الأدوار إلى أن يظهر القائم الغائب -وهو محمد بن الحسن العسكري- فيرد هؤلاء في صورة الإنسانية، ثم ي***هم من جديد فتجري الأودية بدمائهم كما يجري الماء. والكافر قبل ظهور القائم ينادي ويصرخ أن يخرجه الله من العذاب الواقع عليه بالمسخ والنسخ وأن يعيده إلى الصورة الإنسانية ليؤمن بدينهم ويعمل صالحا ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: 37]، فالكافرون يقولون لربهم أخرجنا من الأبدان المسوخية ومن هذا العذاب إلى الأبدان الناسوتية لكي نعمل صالحا.

والنصيرية في الوقت الحاضر لا تنكر هذا الاعتقاد مطلقا، بل لا تزال تؤمن به وتبرره بكل ما يعنيه هذا الاعتقاد من كفر وإنكار يقول هاشم عثمان النصيري: "إن إنكار وجود البعث شيء طبيعي وهو كان ذائعاً في العصر العباسي قبل ظهور اصطلاح النصيرية". وكأن وجود هذا الاعتقاد يبرر إنكار النصيرية للبعث والنشور.
والواقع أن اعتقاد التناسخ بكل صوره وأشكاله، يهدم ركنا هاما من أركان الإيمان في الإسلام وهو الإيمان باليوم الآخر بما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار وعدم الإيمان بالآخرة يخرج الإنسان من طريق الإسلام، وهذا واضح في كثير من آيات القرآن الكريم منها قوله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 177]، وقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 136]، ووصف الله هذا اليوم بوصف دقيق في كثير من الآيات والسور كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6-8]، فكيف بنا فيمن يعتقد بالتناسخ والذي جاء الإسلام لإزالته، كما أزال باقي الاعتقادات الوثنية والإلحادية، أما الآيات التي يستدلوا بها على هذا الاعتقاد الفاسد فهو نوع من المغالطة والتأويل بالرموز والألغاز، والإسلام بريء من هذا لأنه دين الوضوح بلا لبس ولا غموض.

ونستطيع أن نقول بكل تأكيد أن التناسخ مرتبط باعتقادات كثيرة كانت سائدة قبل الإسلام في فارس والهند واليونان، وما يقول الدكتور محمد كامل حسين: "فإن لهذه العقيدة علاقة بمذهب التناسخ في الديانة البوذية، والديانة الهندوكية"، ففي الديانة البوذية ظهر بوذا على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور أنسية حوالي ألف مرة، وفي الديانة الهندوكية ظهر شيفا على صور إنسانية عديدة. كذلك ظهر مذهب التناسخ عند فلاسفة اليونان وكانوا يعتقدون بظهور آلهتهم بصورة مختلفة، وكان فيثاغورس أحد فلاسفتهم يدرس هذه الفكرة لأتباعه، بل إنه كان يؤمن بقرابة الإنسان والحيوان".
__________________
  #2  
قديم 16-06-2013, 08:16 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New

المبحث السابع: عبادات النصيرية:
يختلف النصيريون عن المسلمين في العبادات، بل وفي كل شيء، وهذا طبيعي؛ إذ إن تعاليم الإسلام لا يمكن أن تتفق مع التعاليم الوثنية مهما أظهروها بالمظهر الإسلامي، مثل استعمالهم الأسماء الإسلامية، كما قد يتسمون بالأسماء المسيحية أيضاً؛ لكنهم لا يسمحون لأحد منهم أن يتسمى بأفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر، ولأن مذهبهم خليط من شتى الأفكار والديانات، فإن ما ورد في عقيدتهم وكتبهم من كلمات الصلاة والحج والزكاة والصيام لا يريدون بها المقصود منها في الشريعة الإسلامية، بل أولوها إلى معان أخرى باطنية.

ويذكر بعض العلماء أن النصيريين يفرقون في التزام التكاليف بين المشايخ وبين الجهال فيرون أن جبرية التكاليف تسري على المشايخ وتسقط عن الجهال، ولعل في هذا الكلام نظراً فإن الشيوخ أو أصحاب العهد وهم يعرفون الباطن يكونون في حرية تسقط معها التكاليف كما هو المعروف عن المذهب الباطني عموماً، فهم يزعمون أن الشخص إذا عرف بواطن النصوص سقطت عنه ما تدل عليه ظواهرها من التكاليف، والحلال والحرام، نعم قد يكلف الشخص الداخل في المذهب بالقيام بالتكاليف لحثه على طلب العلم الذي يسقط عنه في النهاية جميع ما حظر على غيره ممن لم يصل إلى درجته على حد ما صرح به الهفت الشريف، حيث ذكر وهو يعدد الدرجات أن الاصطفاء درجة فوق درجة النبيين، وفوق هذه أيضاً درجة أعلى منها وهي درجة الحجاب، ثم قال المفضل الجعفي: "قلت يا مولاي هل علينا نحن معرفة هذه الدرجات" قال الصادق: "نعم، من عرف هذا الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر، وما دام لا يعرف هذه الدرجات ولا يبلغها بمعرفته، فإذا بلغها وعرفها منزلة منزلة، ودرجة درجة فهو حينئذ حر قد سقطت عنه العبودية، وخرج من حد المملوكية إلى حد الحرية باشتهائه ومعرفته"، قلت: "يا مولاي فهل ذلك في كتاب الله؟" قال: نعم، أما سمعت قوله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [النجم: 42]، فإذا عرف الرجل ربه فقد انتهى للمطلوب، ولا شيء أبلغ إلى الله من الوحدانية والمعرفة، وإنما وضعت الأصفاد والأغلال على المقصرين، وأما من قد بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها لك فقد أعتقته من الرق، ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر".

ثم تلا قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]، وقرأ مولاي: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} [النــور: 29]، قلت: "ما تعني هذه يا مولاي؟ قال: يعني رفعة في المعرفة وارتفاعاً في الدرجات".

وذكر الدكتور مصطفى الشكعة: "أن النصيريين يصلون في خمس أوقات، إلا أنها تختلف في الأداء وفي عدد الركعات عن بقية المذاهب الإسلامية، وصلاتهم لا سجود فيها، وفيها بعض الركوع أحياناً، ولا يصلون الجمعة ولا يعترفون بها كفرض، ولا يتطهرون قبل أداء صلواتهم، ولا يصلون في المساجد، بل يحاربون بناء المساجد ولا يرضون بإقامتها، بل يجتمعون في بيوت معلومة وأوقات معينة، ويسمون هذا الاجتماع عيداً يقوم الشيوخ بتلاوة بعض القصص والأخبار والمعجزات الخرافية لأئمتهم، ويختلط الحابل بالنابل في هذه الاجتماعات رجالاً ونساءً، ثم يقومون بأداء بعض الطقوس والصلوات المشابهة لقداسات وطقوس المسيحيين، ومن قداساتهم الكثيرة قداس الطيب لكل أخ وحبيب، وقداس البخور في روح ما يدور في محل الفرح والسرور، وقداس الأذان وبالله المستعان، وكل قداس له ذكر خاص به وأدعية يتوسلون فيها بالإله علي والخمسة الأيتام وكبار مشايخهم -الذين جعلوهم أرباباً من دون الله؛ كالخصيبي وغيره- أن تحل في ديارهم البركة وأن ينصروا على أعدائهم".

ومن أمثلة هذه القداسات: قداس الأذان وهو: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً، الحمد لله كثيراً وجهت وجهي إلى محمد المحمود طالباً سره المقصود، المتقرب بتجلي الصفات وعيني الذات، وفاطر الفطر ذو الجلال، والحسن ذو الكمال، اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم الخليل، هو الذي سماكم مسلمين حنيفاً مسلماً ولا أنا من المشركين -هكذا- ديني سلسل طاعة إلى القديم الأزل، أقر كما أقر السيد سلمان حين أذن المؤذن في أذنه وهو يقول: شهدت أن لا إله إلا هو العلي المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي، ولا ملائكة إلا الملائكة الخمسة الأيتام الكرام، ولا رب إلا ربي شيخنا وهو شيخنا وسيدنا الحسين حمدان الخصيبي، سفينة النجاة وعين الحياة، حي على الصلاة حي على الفلاح تفلحوا يا مؤمنون، حي على خير العمل بعينه الأجل الله أكبر والله أكبر، قد قامت الصلاة على أربابها وثبتت الحجة على أصحابها، الله مولاي يا علي أسألك أن تقيمها وتديمها ما دامت السموات والأرض، وتجعل السيد محمد خاتمها، والسيد سلمان زكاتها، والمقداد يمينها، وأبا ذر شمالها، نحمد الله بحمد الحامدين، ونشكر الله بشكر الشاكرين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أسألك اللهم مولاي بحق هذا قداس الأذان، وبحق متَّى وسمعان، والتواريخ والأعوام، بحق يوسف بن من كان، بحق الأحد عشر كوكباً الذين رآهم يوسف بالمنام تحل في دياركم البركة بالتمام، يا مولاي يا علي يا عظيم)، وهناك قداسات كثيرة كل قداس فيه مثل هذا الكلام السخيف.

ويقول في الهفت الشريف في بيان معنى الصلاة والزكاة: إن جعفر الصادق قال للمفضل: "أتدري ما معنى قوله تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ} [مريم: 55]، قلت: يعني أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة والإقرار بالتوحيد وأنه العلي الأعلى، فأما معنى قوله تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 55]، فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته، وأما إقامة الصلاة فهي معرفتنا وإقامتنا".

والصيام عند النصيرية ليس هو عن الأكل والشرب وجميع المفطرات في نهار رمضان؛ بل هو الامتناع عن معاشرة النساء طوال شهر رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام يعتبرونه كفراً وعبادة للأصنام، وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي أنه توجد خلاصة وافية لتعاليم النصيرية وعقائدها في كتيب صغير بعنوان (كتاب تعليم ديانة النصيرية)، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس برقم 6182، وهو على طريقة السؤال والجواب، ويتألف من (101) سؤال وجواب، نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي:

س: من الذي خلقنا؟
ج: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
س: من أين نعلم أن علياً إله؟
ج: مما قاله هو عن نفسه في خطبة البيان وهو واقف على المنبر إذ قال: (أنا سر الأسرار أنا شجرة الأنوار.. أنا الأول والآخر، أنا الباطن والظاهر..) إلى آخر كذبهم عليه.
س: ما أسماء مولانا أمير المؤمنين في مختلف اللغات؟
ج: سماه العرب باسم علي، وهو سمى نفسه أرسطوطاليس، وفي الإنجيل اسمه إيليا (إلياس)، ومعناه علي، والهنود يسمونه ابن كنكرة...إلى آخر ما ذكره.

س: لماذا نسمي مولانا باسم أمير النحل؟
ج: لأن المؤمنين الصادقين هم مثل النحل الذين يشتارون من أحسن الأزهار، ولهذا سمي أمير النحل.
س: ما أسماء النجباء في العالم الصغير الأرض؟
ج: يورد 25 اسماً أولها أبو أيوب، وآخرها عبد الله بن سبأ.
س: ما القرآن؟
ج: هو المبشر بظهور مولانا في صورة بشرية.
س: ما علامة إخواننا المؤمنين الصادقين؟
ج: ع. م. س.
س: ما دعاء النيروز؟
ج: تقديس الخمر في الكأس.

س: ما اسم الخمر المقدس الذي يشربه المؤمنون؟
ج: عبد النور.
س: لماذا؟
ج: لأن الله ظهر فيها.
س: لماذا يولي المؤمن وجهه في الصلاة قبل الشمس؟
ج: اعلم أن الشمس نور الأنوار.
إلى آخر 101 سؤال وجواب، ذكرها كلها عبد الحسين العسكري في كتابه (العلويون)، تشتمل في مجملها على تأليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، واعتقاد التناسخ والحلول، وتعظيم الخمر التي سموها عبد النور؛ لأن الله حل فيها، وتعظيم الأعياد النصرانية والمجوسية، وتقديس النجوم والاعتماد عليها، وعبادة الشمس، وفيها كذلك الحث على التزام السرية والكتمان لتعاليمهم الوثنية المجوسية.

المبحث الثامن: موقف النصيرية من الصحابة:
النصيرية شأنهم شأن غيرهم من أعداء الإسلام في عدائهم للإسلام وزعمائه، فلقد بالغ هؤلاء في بغض الصحابة رضوان الله عليهم، بل واعتقدوا أن من الصحابة من لم يكن مؤمناً حقيقة، بل كان يتظاهر بالإسلام ويبطن النفاق خشية من سطوة علي، ومن هؤلاء بافترائهم أبو سفيان وابنه معاوية رضي الله عنهما.

وقد خصوا الصحابي الجليل وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يليه عمر الفاروق رضي الله عنهما بالبغض الشديد، فلم يجيزوا حتى مجرد التسمية بأبي بكر وعمر، بل بلغ بهم السفه والحقد عليهما أن عمدوا إلى الحيوانات البريئة وتفننوا في *****ها؛ لأن روح أبا بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم حلت فيهم عن طريق التناسخ.

ومن هنا فهم يأخذون بغلاً أو حماراً ليذيقوه سوء العذاب، لأنه تقمص روح أبي بكر أو عمر، كما أنهم يأخذون غنمة ويعذبونها كذلك تنكيلاً بأم المؤمنين عائشة وتنفيساً عن أحقادهم المجوسية، إلا أن المشكل هو كيف يقع اختيارهم على إحدى هذه البهائم بعينها للتنكيل بها، ولهم عليهم غضب الله أفعال وأقوال في ذم الصحابة وخصوصاً ما قالوه عن عمر رضي الله عنه الذي يرمزون إلى اسمه بـ(أدلم) يتنزه من له أدنى مسكة من عقل أو حياء من ذكرها، والسبب في بغضهم هؤلاء الأخيار من الصحابة واضح، وهو أن هؤلاء هم الذين أطفئوا نار المجوسية ونشروا راية الإسلام خفاقة بين جحافل المجوسية والوثنية، فكيف يرضى عنهم هؤلاء وهم قد وتروهم في ديانتهم وفي حكمهم واستعلائهم؟!

وعندما يأتون بقصة من قصصهم المختلقة حول هؤلاء الصحابة، يسمونهم بأسماء وألقاب بذيئة منها: ساكن لعنه الله، والشيطان، وأدلم. ومن القصص المختلقة والسخيفة التي يذكرونها ويستدلون بها على ألوهية علي قصة تقول: "إن أحد حكماء فارس جاء إلى المدينة وسأل عن أمير المؤمنين، فأتوا به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يكلمه ذلك الحكيم وخرج من عنده، وعندما سألوه لماذا لم يكلمه قال: هذا ظلمة بلا نور، هذا أصل كل ظلمة، ومضل كل أمة ومغير كل ملة فلا تركنوا إليه... ثم سأل عن أمير المؤمنين علي، فلما أتوا به إلى علي، جعل علي يكلمه بكلام غير معروف، فلما خرج من عنده سألوه عنه فقال: هذا أصل كل نور، ومدبر الأمور، والرب الكريم والعلي العظيم"، لذلك فهم يصبون غضبهم وحقدهم على عمر رضي الله عنه، وكتبهم مليئة بهذه السخافات الدنيئة، وعمر في رأيهم كان عدوا لعلي في جميع ظهوراته من قبل عن طريق التناسخ فهو مثلا قابيل عندما ظهر علي في صورة هابيل.

ويبررون زواج عمر من أم كلثوم بنت علي على أن هذا توهم من عمر -كما يزعمون- لأنه في الحقيقة قد تزوج بابنته جريرة التي أوهمه علي أنها أم كلثوم، فلما دخل بها عمر أعلمه سلمان بذلك، فخاف أن يفضح أمره فلم يخبر أحداً! وبسبب هذا الحقد ضد عمر، فإنهم يحتفلون بعيد م***ه ويسمونه (يوم م*** دلام لعنه الله)، وهو اليوم التاسع من ربيع الأول من كل سنة.

لذا فالجهاد عند النصيرية هو ذكر الشتائم على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة. وكذلك على الفقهاء والعلماء أمثال أبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك، لأنهم يأكلون من خيرات علي ولا يعبدونه فهم أنجاس لأنهم نصبوا أنفسهم لضلالة من اتبعهم فصدوا الناس عن آل البيت.

هذا هو مع الأسف موقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، موقف الحقد والضغينة الذي يدور في صدور أعداء الإسلام ضد هؤلاء، لأنهم رفعوا راية الإسلام خفاقة في كل أرجاء الأرض، وحطموا كل طواغيت الشرك والوثنية التي تختفي النصيرية وراءها.

- تقديرهم وحبهم لابن ملجم قاتل علي:
وفي المقابل فإن النصيرية تقدر وتحب عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي رضي الله عنه، وتعتبره أفضل الناس، لأنه خلص اللاهوت من الناسوت ب***ه، وبذلك تخلص اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره.

المبحث التاسع: تعظيمهم لسلمان الفارسي والأيتام الخمسة:
إن النصيرية لهم ثالوثا يؤمنون به وهو: (ع. م. س.)
فالعين: هو علي بن أبي طالب وهو المعني بالذات الإلهية.
والميم: هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو الاسم والحجاب والنبي الناطق.
أما السين: فهو سلمان الفارسي وهو الباب الذي خلقه -كما يزعمون- محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي هو الذي خلق الأيتام الخمسة الذين بيدهم مقاليد السماوات والأرض.

ومما يذكر في هذا المقام أن سلمان فارسي الأصل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه يحتل مكانا عظيما وجليلا عند جميع طوائف الشيعة على اختلاف عقائدها وأسمائها، لأنهم يزعمون أنه من الصحابة القلائل الذين ناصروا وشايعوا عليا ووقفوا إلى جانبه في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وهذا الأمر واضح في كتب الشيعة جميعهم التي تأتي بقصص مختلقة ليس لها أي أساس تاريخي بطلها الحقيقي سلمان في موقف الدفاع عن علي بن أبي طالب ضد أعدائه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تصور هذه القصة.

أما الأيتام الخمسة الذين ورد ذكرهم فهم أيضا من الصحابة المعظمين عند كل الشيعة، وهؤلاء هم: (المقداد، وأبو ذر الغفاري، وعبد الله بن رواحة، وعثمان بن مظعون، وقنبر بن داكان)، وجميعهم من الصحابة ما عدا قنبر فإنه خادم علي بن أبي طالب.

وقد أخذت النصيرية عن الشيعة هذا التعظيم لهؤلاء ولكن بوجه آخر: وهو اعتبار سلمان والأيتام الخمسة هم الذين خلقوا العالم والموكلون بأموره، فسلمان في نظرهم هو النفس الكلية التي انبثقت من العقل -محمد صلى الله عليه وسلم- ويعتقدون أن سلمان أو النفس الكلية هي التي خلقت السماوات والأرض وخلقت كذلك الأيتام الخمسة والمقداد باعتباره أول الأيتام الخمسة فقد خلق الناس ولذلك فهو رب الناس -تعالى الله عما يقولون-.

وهذا الاعتقاد في الواقع دخيل من عدة مذاهب واعتقادات لذا يجب أن نربطه بصورة طبيعية بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة: التي تقوم على أن الموجودات فاضت عن الواحد ولها مراتب مختلفة أعلاها مرتبة العقول المفارقة، ونربطه كذلك بمذهب الصابئة الذي يقول: "أن للعالم صانعا فاطرا نتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه وهم الروحانيين المطهرون المقدسون لديهم وهم أيضا الأرباب والآلهة والشفعاء عند الله رب الأرباب ويوجهون المخلوقات".

وينبغي أيضا كما يقول المستشرق ماسينيون: "أن نقارن بين قائمة الأيتام عند النصيرية وقائمة الحدود الهندية أو العذارى الحكيمات لسليمان". فسلمان حسب زعمهم: خالق السماوات والأرض، وهو أيضا: "الباب الناطق والشبح اللاصق الذي لا يوصل إليه -أي إلى الله- إلا به ولا يدخل إليه -أي الله- إلا منه متصل غير منفصل"، ويزعمون أيضا أن: "محمد صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب لهذه الأمة، وسلمان بمنزلة الأم، والذي علم القرآن لمحمد هو المعنى أي علي، على لسان الباب وهو سلمان" بصفته جبرائيل.

المبحث العاشر: أعياد النصيرية:
للنصيرية أعياد كثيرة في أوقات كثيرة مثل عيد الغدير، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد عاشوراء، وعيد الغدير الثاني يوم المباهلة، وعيد النوروز، وعيد المهرجان، وعيد الصليب، وعيد الغطاس، وعيد السعف، وعيد العنصرة، وعيد القديسة بربارة، وعيد الميلاد إلى آخر، أعيادهم الكثيرة التي وافقوا فيها المسلمين والنصارى والوثنيين.

وعن احتفالاتهم بعيد النوروز يقول عبد الحسين العسكري: "احتفال النصيرية بعيد النوروز -وهو العيد الديني والقومي للفرس- يدل على الأثر الفارسي في النصيرية، ويشير إلى تمجيدهم للفرس بدعوى حلول الإله وشخصوه في ملوكهم، حتى إنهم جعلوا منهم ثالوثاً نظير ثالوثهم، وهم يدعون الإسلام، حيث زعموا أن ثلاثة منهم توارثوا الحكمة وتجلى الإله فيهم وهم شروين وكروين، وكسرى، ويقابلهم في الإسلام النصيري المعنى والاسم والباب؛ علي محمد سلمان (ع.م.س)".

أما أعيادهم فيمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام: إسلامية، وشيعية اثني عشرية، ونصرانية، وفارسية.
وهذا يبين أن النصيرية تتكون من عناصر غير متجانسة، وهياكل اعتقادية مختلفة، استقت منها ومن غيرها عقائدها وتقاليدها فبينما نرى هذه الطائفة تحتفل بعيدي الفطر والأضحى، نراها تذهب بعيدا بعد ذلك وتحتفل بعيدي الميلاد والبربارة النصرانيين، وهم يعترفون بذلك، وبعض كتابهم يقسمون هذه الأعياد إلى قسمين: عربي وفارسي، وفي أحد مخطوطاتهم نرى مؤلفها يقسم هذه الأعياد إلى قسمين ويقول: أعيادنا العربية عشرة: منها يوم غدير خم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو اليوم الذي أظهر السيد محمد فيه معنوية مولانا أمير النحل منه السلام للخاص والعام فأقر من أقر وأنكر من أنكر، ومنها يوم الجمعة: وهو محمد الذي اجتمع له أهل الأديان من المسلمين بنبوته، وهو القائم منه السلام، ومنها يوم الفطر: وهو اليوم الذي يؤذن فيه للمؤمنين بالنطق وإظهار أمر الله عز وجل، ومنها يوم الأضحى: وهو يوم خروج القايم منه السلام بالسيف وإهراقه الدماء..

ومنها يوم الأحد: وهو اليوم الذي أمر أمير المؤمنين منه الرحمة سلمان أن يدخل المسجد ويخطب الناس ويظهر الله الطاغوتين وأهل الردة وهو اليوم الذي قال له سلمان: سل أعطيك البيان، وأمنحك البرهان وأقامه للناس علما وقال للمؤمنين: سلمان شجرة وأنتم أعضاؤها، وكان ذلك يوم الأحد لليلتين خلت من ذي الحجة، ومنها اليوم الذي نصب السيد جعفر منه السلام (محمد الزيني)، وأقامه للناس علما وقال: (من كنت له ربا فمحمد وليه ومن كان عدوه فأنا عدوه) وكان ذلك يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، ومنها اليوم الذي أمر السيد محمد بن علي الرضا منه السلام لعمر بن الفرات مقامه فيكم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فدعا عمر بن الفرات الشيعة بأمره كان ذلك يوم الخميس لست ليال خلون من ذي الحجة، ومنها اليوم الذي أمر الباقر بالبيان لجابر بالدعاء إلى الله جهرا فدعا فأخذ وترك السندان المحمي على يده حتى حالت جمرا ثم *** وكان ذلك يوم السبت لتسع خلون من ذي الحجة، فهذه الأعياد العربية التي أمر الله العباد بمعرفتها..

وأما الأعياد الفارسية:
وهو النوروز: وهو اليوم الرابع من نيسان من كل سنة وله شرف عظيم وفضل كبير.
ويوم المهرجان: وهو اليوم السادس عشر من تشرين الأول في كل سنة.
ومن خواص الأعياد المفروح فيها، وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأول في كل سنة وهو م*** دلام.

المبحث الحادي عشر: تكتم النصيرية على عقائدهم:
يعتبر النصيريون ديانتهم ومذهبهم سراً من الأسرار العميقة التي لا يجوز إفشاؤها لسواهم، وقرروا أن الذي يفشي شيئاً منها يكون جزاؤه ال*** في أسوأ صورة له، لأنه أفشى سر العلي الأعلى، ومن أمثلة ذلك أن سليمان الأضني وهو من أبناء مشايخ النصيرية من ولاية أضنة تنصر بتأثير بعض المنصرين الأمريكيين وجاء إلى اللاذقية، وكتب كتاباً سماه (الباكورة السليمانية) وكشف فيها الكثير من أسرار العقيدة النصيرية، وطبع المنصرون الأمريكيون الكتاب في بيروت سنة 1863، وبعد أن قام باللاذقية مدة أخذ أقاربه يراسلونه ويحببون إليه العودة إليهم، مستعملين في ذلك كل وسائل التودد والمجاملة حتى آمن جانبهم وعاد إلى وطنه الأصلي، فكان جزاؤه أن أحرقوه حياً، ثم حاول النصيريون بكل جهد وعزم على احتواء الكتاب حتى اختفى تدريجياً، ولا توجد منه الآن نسخة واحدة.

وهكذا فإنهم يترصدون لكل من يذكر عنهم شيئاً أو يشير إلى عقائدهم الخبيثة التي تنضح شركاً ووثنية ولا يملكون من وسائل الدفاع والرد غير التصفية الجسدية، لعلمهم بأن مذهبهم عورات لا تحتمل النقاش وعرض الأدلة، فهي أقنعة واهية سرعان ما يظهر ما وراءها وينكشف، ومن هنا فإنهم ليسوا على استعداد لأي بحث ومناظرة.

وقد كتب محمد فريد وجدي خلاصة عن ما جاء في كتاب الباكورة السليمانية هي:
أن النصيرية علويون يعتقدون بألوهية الإمام علي، والشمالية منهم يقولون: إنه حالٌّ في القمر. والكلازية يذهبون إلى أنه حال في الشمس، ولهذا فهم يقدسون الشمس والقمر وسائر النجوم، ويعتقدون بتناسخ الأرواح، فالأرواح الصالحة عندهم تحل في النجوم، ولهذا يسمون علياً أمير النحل أي أمير النجوم، والأرواح الشريرة تحل في أجسام الحيوانات التي هي في نظرهم نجسة كالخنازير والقرود وبنات آوى..

أن كلمة السر عندهم ثلاثة أحرف وهي: ع. م. س، أي علي، محمد، سلمان.
أن للنصيرية كتاباً مقدساً يعتمدونه ويرجعون إليه وهو غير القرآن، ولا يحتل القرآن عندهم إلا مكاناً ثانوياً.
العقائد النصيرية غير متجانسة وثنية قديمة وإسلامية متطرفة، وحين تزعم النصيري (علي عيد) التنظيم النصيري في طرابلس فأشار إلى هذا صاحب مجلة الحوادث اللبنانية ف*** بمؤامرة هؤلاء، وأمثلة أخرى كثيرة تدل على أن هؤلاء ليسوا على يقين من صلاحية ديانتهم وصفائها، وأنهم يعلمون أنها قامت على شفا جرف هار مملوءة بالخداع والتضليل، وتبييت النية السيئة لغيرهم من البشر.

فإن من كانت نيته طيبة ومبادؤه سليمة لا يتخوف من أحد أن يطلع عليها، بل يفرح بكثرة المطلعين، كما هو الحال عند أهل السنة والجماعة الذين يتمنون لو أن أهل الأرض كلهم يدرسون مبادءهم ويطلعون عليها، بل إنهم بالعكس يشعرون دائماً بالمرارة من محاربة علماء السوء والزعماء الضلال لأفكارهم التي هي تبع لأوامر الله ونواهيه في كتابه الكريم، وسبب تلك العداوة من قبل أولئك الضلال المنتفعين أنهم يعلمون تماماً أن العقيدة الصحيحة حينما تصل إلى قلوب أتباعهم تحول فوراً بينهم وبين الخضوع والسجود لأولئك الطغاة. ومن هنا كانت السرية هي أهم ما يطلب به الداخل في ملّتهم.

وقد جاء في الهفت الشريف من الحث على لزوم الكتمان ما رواه المفضل الجعفي عن رجل انتهى من تكرار التناسخ أنه قال له: "وأوصيك يا أخي ونفسي بكتمان سر الله تعالى وباطني مكنونة إلا من إخوانك الموحدين المقربين بمعرفة العلي الأعلى، ثم غاب عني فقال الصادق: لقد أتاني في هذا الأسبوع ثلاث مرات فسلم علي وأنا فيكم ولا تعرفونهم". وقال الصادق للمفضل كما يرويه صاحب الهفت: "يا مفضل لقد أعطيت فضلاً كثيراً وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ولا تطلع عليه إلا ولياً مخلصاً، فإن فشيته إلى أعدائنا فقد أعنت على *** نفسك".

ويسمى صاحب (الهفت) المسلمين كلهم بأنهم أنجاس ورعاع إلا من دخل في ضلالته وذلك في قوله: "وأن هذا العلم يا مفضل سر الله ومكنون خزائنه الذي لم يطلع عليه أحد من عباده إلا الأولياء المختصون، وواجب سبحانه وتعالى أن لا يتطلع (هكذا) على هذا العلم الرعاع الأنجاس ثم قرأ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن:26-27].

المبحث الثاني عشر: نظرتهم تجاه المرأة:
المرأة النصيرية -إلا من خرجت عن تعاليمهم- تعتبر من أجهل نساء العالم؛ إذ إن التعاليم النصيرية تقضي بعدم جواز اطلاع المرأة على أي سر من أسرار المذهب؛ لأنها في نظرهم ضعيفة العقل والإرادة، ولأنها أكثر شراً من الرجل وأكثر احتيالاً ومكراً، وهن سبب كل شر-كما صرح بذلك الهفت الشريف المقدس عندهم-، والجهل بمذاهبهم هو العلم وإنما أقصد أنها أكثر النساء أمية.

فالمرأة النصيرية إذاً لا دين لها، وفي كتابهم المذكور وصايا عديدة حول الاحتراس من المرأة، وذكر المساوئ الكثيرة التي تصدر عنها وأن الرجل قد يجازى أيضاً بالتناسخ بأن يتحول إلى صورة امرأة عقاباً له إذا كان في حياته السابقة غير مؤمن -أي غير نصيري-، أو كانت عليه ذنوب كثيرة في حق إخوانه النصيريين، أو لم يحترم المشايخ ويقدم لهم الهدايا وأنواع المأكولات.

وقد ذكر المفضل الجعفي عن الصادق -وهو من جملة أكاذيبهم عليه- أنه قال في وجوب الحفاظ على سرية المذهب: "كذلك الكافرون ينحطون من درجة الرجال حتى يصيرون عامة نساء كافرات"، قال المفضل: "يا مولاي روي عن أبيك أنه قال: النساء أشر من الرجال، وأكثر احتيالاً ومكراً، قال الصادق: يا مفضل إن أصل كل شر النساء، وحين أخرج أبونا آدم من الجنة كان بسبب حواء حين أغواه ضده على أكل الحبة، وكذلك *** قابيل أخاه هابيل بسبب النساء، ألم تسمع كلام الله في كتابه الكريم عن امرأة نوح ولوط وكيف خانتاهما، وكذلك *** يحيى بن زكريا بسبب امرأة باغية، وقد قال النبي وأبلغ في القول وأزجر في المعنى حين نظر في النار فرأى أكثر أهلها نساء. ثم قال الصادق: كيف لا يكون ذلك وهم عايلة وأقوى كيداً من الرجال، وقال منه السلام والشياطين مَنْ إلا امرأة، وأن الإنسان إذا ارتقى في كفره وعتوه وتمرد وتناهى في ذلك صار إبليساً وردّ في صورة امرأة، قلت: سبحان الله يا مولاي! ما علمت ذلك ولا ظننت أنه يبكيني. قال الصادق: ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، وقال: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:28]، إذ هم صور النساء، قلت صدق مولاي".

ومن هذه النظرة المتشائمة للنساء فإنه لا أمل في صلاحها ويجب إبعادها عن كل أمر مهم ومنه سر الديانة.
أما في الإسلام فلا أحد يجهل مكانة المرأة العالية؛ حيث جعلها راعية ومسئولة، وأن الله لا يضيع عمل عامل سواء كان ذكراً أو أنثى، وأن المرأة مكلفة بنفس التكاليف التي أمر بها الرجل، إلا ما استثنى لضرورة المرأة، وجعل لها حق التملك وطلب منها إخراج زكاة مالها ورغبها في الصدقة وفعل الخير، بل وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وأوصى الله بطاعتها وقرنها بطاعته، إلى غير ذلك مما هو معروف في الإسلام مما ينبغي أن يطأطئ له دعاة تحرير المرأة رؤوسهم حياءً وإكباراً له، وإجلالاً لمبادئه التي يجهلونها تمام الجهل، ثم يتهجمون عليه بأنه ظلم المرأة حقوقها، وما لهؤلاء السفهاء للخوض في ما لم يحيطوا بعلمه فليقرءوه أولاً وليقرءوا كلام العقلاء من منصفي سائر الملل ليروا أنفسهم المتطاولة وصغرها أمامه.

أما المرأة فهي في نظرهم نوع من أنواع المسخ الذي يصيب غير المؤمن، فهي كالحيوان لأنها مجردة عن وجود النفس الناطقة، لذلك فهم يعتقدون أن نفوس النساء تموت بموت أجسادهن لعدم وجود أرواح خاصة بهن "لهذا السبب فهم يستبيحون الزنا بنساء بعضهم بعضا لأن المرأة لا يكمل إيمانها إلا بإباحة فرجها إلى أخيها المؤمن، وفي ذلك اشترطوا أن لا يباح ذلك للأجنبي ولا لمن هو ليس داخلا في دينهم".

وهذا يفسر لنا ظاهرة كون المرأة جزءا من الضيافة المقدمة عند الدخول في أسرار العبادة، وكذلك ال*****ة المطلقة التي تظهر خلال أعيادهم الكثيرة كالنوروز والميلاد وغيرهما، حيث تدور كؤوس الخمرة ويختلط الحابل بالنابل من نساء ورجال، ولعل هذه ال*****ة تعيدنا إلى الحشاشين تلامذة الحسن بن الصباح الذي كان يخدر تابعيه ويدخلهم إلى جنات ملأى بالنساء ليفرض عليهم ما يريد، وكذلك إلى القرامطة الذين كان لهم يوم يجتمعون فيه في مكان مظلم رجالا ونساء، فينكح الرجل أخته أو أمه أو أي امرأة تقع في يده.

المبحث الثالث عشر: تعظيمهم للخمر:
الخمر في نظر النصيريين مقدسة أيما تقديس، لأنها تقدم بسر النقباء والنجباء خلال دخول الجاهل في أسرار عقيدتهم لذلك يطلقون عليها اسم (عبد النور) باعتبار أن الخمر خلق من شجرة النور وهي (العنب)، والحقيقة أنه لا يمكن للباحث أن يفصل موضوع الخمر والمرأة عن موضوع دخول الجاهل في أسرار العقيدة النصيرية؛ لأن الخمر والمرأة أمران مهمان ومتلازمان يقدمان للشباب الداخل في أسرار الدين باعتبارهما جزءا من الضيافة للدخول في الفردوس.

وفي نظري أن تلقين أسرار النصيرية في جو الخمر والمرأة يوضح لنا عملية التخدير النفسي والجسدي والعقلي التي تقع على الشاب وهو يلقن أسرار دينه، فكؤوس الخمر تدار بين وقت وآخر فتلعب دورها في تخدير عقل الشباب وتأتي الأنثى لتكمل الدور الذي بدأته الخمرة، فيكون الشاب حينذاك في وضع لا يمكنه أن يرفض أي شيء من أسرار الدين وخاصة أنه أصبح في الفردوس المنشود (الخمر والمرأة).

والخمر -كما يزعمون- حللها الله لهم بصفتهم أولياء الله الذين آمنوا به وعرفوه بشخص (علي) وحرمه على الجاحدين لله المنكرين له -أي الذين لم يؤمنوا بعلي- فهي نوع من الأغلال والآصار وضعت عليهم لعدم إيمانهم بعلي، يروى عن الخصيبي: "أنه إذا حضر بين يديه (عبد النور) -أي الخمر- يأخذ القدح في يمينه وينهل منه ثلاث نهلات ويترنم عليه في هذا القداس المبارك ويقول: الحمد لله العلي وحده الذي أنجز وعده ونصر عبيده وأعز جنده وأهلك ضده وهزم الأحزاب وحده فلا إله مثله ولا إله بعده، مفزع الطالبين وغاية العارفين إله الأولين والآخرين له الدين الخالص وإنما تدعون من دونه الباطل، وإن الله هو العلي الكبير أمير المؤمنين الملك الحق المبين.. اللهم إن هذا عبدك عبد النور شخص النار حللته وكرمته وفضلته لأوليائك العارفين بك حلالا طلقا، وحرمته على أعدائك الجاحدين المنكرين لك، حراما نصا، اللهم مولاي كما حللته لنا ارزقنا به الأمن والأمان، والصحة من الأسقام، وانف عنا به الهم والأحزان، ثم يقرأ عدد من الآيات ويقول أخيرا: تذكروا بسر (العين) الله يرزقكم بركتها ورضاها".

المبحث الرابع عشر: المراتب والدرجات عند النصيرية:
العالم عند النصيرية ينقسم إلى قسمين:
العالم العلوي، والعالم السفلي، ولكل واحد منهما رتبه ودرجاته.
والعالم العلوي هو العالم النوراني الذي تعيش فيه الرتب النورانية التي تنتهي برتبة البابية، وتفيض بالنور على العالم السفلي، الذي لا يزال ينتقل في الصور البشرية، ولم يصل إلى مستوى الإيمان الكامل.
والعالمان العلوي والسفلي في نظرهم هم النصيريون عاقلهم وجاهلهم، فغير النصيري لا يكون في الصورة البشرية لأنه ممسوخ بالصور الأخرى، مثل صورة المرأة والحيوان والجماد.

أما درجات العالم العلوي، فهي للمؤمن، وتتكون من سبع درجات لا يرتقي الشخص من درجة إلى درجة إلا بمقدار علمه وعمله، فهي ترتبط ارتباطا مباشرا بالباب والأيتام الخمسة لأن من جملة هذه الرتب: (اليتيم والباب)، وأول درجة يرتقي إليها المؤمن من العالم السفلي إلى العلوي هي درجة الممتحن تليها درجة المخلص، فدرجة المختص، ثم النجيب، ثم النقيب، فاليتيم، وأخيرا الباب، وهذه الدرجات في نظرهم عقبات، فكلما تجاوز المؤمن درجة كأنه بذلك تجاوز عقبة من العقبات.

فإذا أصبح الشخص أو المؤمن في الرتبة السابعة وهي رتبة البابية، فعند ذلك يدخل المحل الأعلى، ويتخلص من هده الصور ليصبح نورانيا فيظهر له الاسم -أي الحجاب- فيعاينه ويشاهده ويطلعه على علم تكوينه، ويستدلون على تقسيم هذه الدرجات بقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى} [البقرة:260]، ويؤول الخصيبي هذه الآية بقوله: "أن الباب هو الذي قال: ليطمئن قلبي، وكان إرادته في ذلك استئذان مولاه أن يرتب أربعة يكونوا مع المقداد في الرتبة، قال له الله (وهو الاسم): {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]، فالطيور الأربعة هم الأيتام، والجبال هم الخمس مراتب: النقباء، والمختصين، والمخلصين، والممتحنين، فتولى المقداد مرتبة النقباء، وتولى أبو الذر مرتبة النجباء، وتولى عبد الله مرتبة المختصين، وتولى عثمان مرتبة المخلصين، وتولى قنبر مرتبة الممتحنين، فالنقباء تمد النجباء بالنور، وهكذا تمد كل مرتبة الأخرى بالنور، أما المرتبة الأخيرة أي -الممتحنين- فإنها تمد مراتب العالم السفلي السبعة البشرية، فتمد المقربين، والمقربين تمد الكروبيين، والكروبيين تمد الروحانيين، والروحانيين تمد المقدسين، والمقدسين تمد السائحين، والسائحين تمد المستمعين، والمستمعين تمد اللاحقين".

والمراتب السبعة السفلية لا ترتفع إلى العالم العلوي ومراتبه السبع إلا بارتقاء الدرجات السابقة الذكر من درجات العالم السفلي، حتى تصل إلى درجة (الكروبيين)، وهي الدرجة التي يرفع فيها عن الشخص كرب البشرية لأنه عرف باريه واسمه وبابه، فيكون بذلك قريب من درجة المقربين التي تستمد نورها من العالم العلوي، والشعراء النصيريون أنشدوا هذه المراتب في قصائد، منهم المنتجب العاني الذي وصفهم بقوله:

فتلك الأبواب والأيتام تتبعهم *** وخلفهم نقباء سادة نجب
وإثرهم نجباء كلهم سلكوا *** نهج الهدى وإلى نيل العلا وثبوا
وبعد ذلك مختصون ترفعهم *** ومخلصون إلى مولاهم قربوا
فهذه سبعة علوية ظهرت *** دون الأوائل منها السبعة الشهب
وبعدهم سبعة سفلية نسبوا *** إلى التراب ما وارتهم الترب


والدرجة النهائية للمؤمن -كما مر- هي درجة الباب، وفيها يصبح المؤمن ملاكا، ويرفع عنه الأكل والشرب، ويستطيع أن يصعد للسماء وينزل للأرض مثلما يريد، وكيفما شاء! لأنه يتصور بالصورة التي يريدها، ولكن الدكتور مصطفى الشكعة ينقل عن كتاب (الباكورة السليمانية): "أن رتب المشيخة في الوقت الحالي ثلاثة هي: الإمام، ثم النقيب، وتليها رتبة النجيب، ولكل واحد من هؤلاء سلطانه وحدوده وحقوقه، ويضيف: أن هذه الرتب افتقدت في الوقت الحاضر المؤهلات، ولعل المؤهل الغالب هو قوة شخصية صاحب الرتبة بغض النظر عن تأهيله العلمي والديني، وهذا يؤكده لنا البيان الذي أصدره أحد مشايخ النصيرية بعد هزيمة حزيران عام 1967م، والذي فضح فيه بعض أعمالهم، ومنها إعطاء الرتب إلى بعض ضباط الجيش السوري النصيريين تعبيرا عن جهودهم في الخدمة الطائفية أمثال صلاح جديد، ومحمد عمران وغيرهم".

المبحث الخامس عشر: أماكن انتشار النصيرية:
موطن النصيرية الآن في سوريا ولبنان، ويبدو أنهم جاءوا إلى هذه المنطقة في فترات سابقة في شكل هجرات جماعية من العراق فراراً من الاضطهاد الذي وقع عليهم بسبب آرائهم المنحرفة، فاتخذوا من جبال الشام ساترا لهم، ويمثل النصيرية الآن حوالي 10% من سكان سوريا ونسبة كبيرة منهم تقطن في ريف محافظة اللاذقية، بينما تنتشر أقليات منهم في دمشق وحمص وحلب، كما توجد أعداد كبيرة منهم في تلك المناطق الواقعة جنوب تركيا كالأسكندرونة وأنطاكيا وما حولهما من بلاد الترك، كما توجد جماعات منهم في منطقة (عكار) بلبنان.

المبحث السادس عشر: بيان خطر النصيرية:
النصيرية هي إحدى الفرق الباطنية الغلاة، ظهرت في القرن الثالث للهجرة انشقت عن فرقة الإمامية الاثني عشرية، والنصيريون كغيرهم من أعداء العقيدة الإسلامية الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، إذ لم تمر بهم فرصة دون أن يهتبلوها في إيقاع أكبر الأذى بالمسلمين، والنصيريون حينما يوقعون الأذى بالمسلمين دون هوادة أو رحمة، يعتقدون في نفس الوقت أنهم يثابون على ذلك، فكلما أوغل الشخص منهم في إلحاق الأذى بالمسلمين كلما زاد ثوابه حسب اعتقادهم، وهذا ظاهر في غلظتهم ومعاملتهم للمسلمين.

وأقرب مثال على مواقف النصيريين في العصر الحاضر ما يجري في أماكن المسلمين في سوريا ولبنان من تقتيلهم الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ثم وقوفهم كذلك في صف المارونيين والخمينيين، ولقد هيأ هؤلاء للتتار قديماً وللصليبيين الفرص ل*** المسلمين وإنزال أفدح المصائب بهم، مما لم يسمع بمثله باعتراف كتَّاب النصيرية أنفسهم.

وما من فتنة تثور ضد المسلمين من أهل السنة إلا وهؤلاء النصيريون في خندق واحد مع عدو المسلمين ضد المسلمين، وكم ذهبت من أنفس واستبيحت من أعراض بسبب دسائس النصيرية وتآمرهم في وقائع تقشعر منها الجلود، وبينهم وبين اليهود والنصارى مودة وبينهم تشابه في كثير من المعتقدات تجد مصداق هذا وقائع حرب الأيام الستة كما يسمونها فما حصل منهم فيها إنما هو دليل من الأدلة الكثيرة على مواقف النصيرية تجاه أهل السنة وعدائهم لهم ولأسلافهم الأخيار مثل أبي بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من فضلاء الناس بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ولا يزال القارئ الكريم يذكر ما قدمنا نقله عن علماء السنة وشهاداتهم بما فعله النصيريون والباطنيون عموماً بالمسلمين على مختلف العصور حين تمكنوا من إلحاق الأذى بأهل السنة، وكيف كانوا يتحولون إلى وحوش ضارية لا تدخل الرحمة إلى قلوبهم لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً.

لقد انطوى هؤلاء على كفر وإلحاد وخرافات تجعل الإنسان ييأس تمام اليأس أن يعود هؤلاء إلى رشدهم، وإذا شئت الاطلاع على مصداق هذا فاقرأ كتابهم (الهفت الشريف) بتحقيق علمائهم في هذا العصر، الذي يزعمون أنهم تحرروا من كل الخرافات وأنهم أصحاب إنصاف وتحقيق، ونورد لك أخي القارئ دليلاً واحداً مما جاء في هذا الكتاب المفضل لديهم حيث قال: "إن الحسين لما خرج إلى العراق وكان الله محتجباً به، وصار لا ينزل منزلاً صلوات الله عليه إلا ويأتيه جبريل فيحدثه، حتى إذا كان اليوم الذي اجتمعت فيه العساكر عليه، واصطفت الخيول لديه وقام الحرب، حينئذ دعا مولانا الحسين جبريل وقال له: يا أخي -انظر الله يقول لجبريل يا أخي!- من أنا؟ قال: أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم والمميت والمحيي، أنت الذي تأمر السماء فتطيعك والأرض فتنتهي لأمرك، والجبال فتجيبك والبحار فتسارع إلى طاعتك، وأنت الذي لا يصل إليك كيد كائد ولا ضرر ضار"، إلى أن قال عن جبريل وهو يخاطب عمر بن سعد القائد الأموي الموجه لحرب الحسين قائلاً له: "ويحك ت*** رب العالمين وإله الأولين والآخرين وخالق السموات والأرض وما بينهما، فلما سمع عمر بن سعد ذلك أخذه الخوف"، إلى آخر ترهاتهم التي تدل على عمق جهلهم وبدائيتهم.

ويسب صاحب الهفت عمر رضي الله عنه وينسبه إلى أنه كان في زمن الحسين في صورة كبش عن طريق التناسخ فدى الله به الحسين من ال***، وذُبح هو أي عمر الذي سماه (دلامة) أو أدلم، فقال عن الصادق عن المفضل أنه قال له: "يا مفضل إن الكبش الذي فدي به الحسين كان الأدلم أدلم قريش وهو يومئذ شيخ في تركيب كبش".

ثم زعم أن قرني هذا الكبش معلقان في الكعبة: "أما رأيت يا مفضل قرنيه في البيت الحرام معلقين؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: فذاك القرنان لذلك الكبش الذي فدي به الحسين. ثم ضحك الصادق حتى بدت نواجذه، قلت: يا مولاي ما الذي أضحكك؟ قال: يا مفضل إن الناس إذا اجتمعوا بالموسم بمكة المكرمة رغبوا أن ينظروا إلى قرني الكبش تعجباً لأنه من الجنة، ونحن نقوم بالنظر إليهما تعجباً أنهما قرنا دلامة، فالناس يتعجبون من شيء ونحن نتعجب من شيء خلافه".

وما أدري ما الذي يقصد هذا المجوسي بقرني الكبش المعلقين بالكعبة فما رأينا أي قرن ولا حكى أحد من الناس أنه رأي هذين القرنين، وفي هذا العصر خرجت مرة كتائب الباطنية النصيرية في حماة وهي تملأ أجواء الفضاء بذلك الهتاف الذي لن تنساه حماة: "هات سلاح وخذ سلاح دين محمد ولى وراح".

وهذه جريدة الثورة أحفاد الوثنية النصيرية تكتب: "الله والأنبياء والكتب المقدسة كلها محنطات ينبغي تحويلها إلى متاحف التاريخ"، وذاك النشيد وهذا التصريح وقع حينما اقتحم اليهود الصهاينة المسجد الأقصى وهم يرددون: "محمد مات خلف بنات فليسقط الإسلام".

المبحث السابع عشر: من خيانات النصيريين:
عندما قدم الغزو الصليبي على بلاد المسلمين وقويت محاولة الصليبين السيطرة على الأماكن المقدسة وبينما كانت جموع الحملة الصليبية الأولى تحاصر مدينة أنطاكية التي استماتت في الدفاع ضد هجمات الصليبين المتكررة عليها، لم يقف النصيريون مكتوفي الأيدي بل وجدوا الفرصة مناسبة ولن تعوض للانتقام من أهل السنة عن طريق التحالف مع الصليبيين وتقديم العون لهم فنجدهم ينزلون إلى السواحل من جبالهم التي كانوا يعتصمون بها لكي يلاقوا الصليبيين ويقدموا لهم ما يحتاجون.

وبدلا من أن يقف النصيريون إلى جانب المدافعين عن أنطاكية ويكونوا عونا لهم ضد العدو الغاشم حدثتهم أنفسهم بالخيانة، فبعد حصار طويل استمر قرابة سبعة أشهر على أنطاكية من قبل الصليبيين أمام أسوار أنطاكية لدرجة أن الفوضى وسوء النظام دبت بين الجند نتيجة لتأثير الجوع والإنهاك، فأخذ بعض الصليبيين يفرون من المعركة ويتسللون خفية هاربين، وفي هذا الموقف الحرج في هذه الفترة اتصل الزعيم النصيري فيروز الذي كان موكلا بحراسة أحد أبراج المدينة من قبل الأمير ياغيسيان بالقائد الصليبي بوهيموند على تسليم البرج إليه ودخول المدينة منه، والاستيلاء عليها فتم الاتفاق بينهما على ذلك وعند الفجر تسلق بوهيموند وأصحابه السلالم صاعدين إلى البرج حيث كان ينتظرهم فيروز وبمساعدته استطاعوا أن يحتلوا باقي الأبراج، وتمكنوا من احتلال المدينة بكاملها فأعملوا السيف في أهلها، ونهبوا كل ما وقعت عليه أيديهم، وهكذا تمكن الصليبيون من الاستيلاء على أنطاكية بمساعدة الزعيم النصيري فيروز، ولو لم يجد الصليبيون هذا الرجل الخائن الذي أعانهم على فتح المدينة لكان حصارهم لها قد طال كثيرا ولكانت النتيجة غير ما آلت إليه بعد ذلك.

ومن الأدلة الأخرى التي تثبت تعامل النصيرية مع الصليبيين ومساعدتهم لهم ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق فتواه عن النصيرية إذ قال: "ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم -أي جهة النصيرين- وهم دائما مع كل عدو للمسلمين فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ومن أعظم أعيادهم إذا استولى -والعياذ بالله تعالى النصارى- على ثغور المسلمين، فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك".

ويستطرد شيخ الإسلام ابن تيمية في فضح مواقف هؤلاء الخونة وممالأتهم للصليبيين وينبه على عدم استخدام أمثال هؤلاء في حراسة ثغور المسلمين حتى لا يؤخذوا من قبلهم فيقول: "وأما استخدام مثل هؤلاء -أي النصيريين- في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جنودهم فإنه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم، فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر، فإن المخامر قد يكون له غرض إما مع أمير العسكر وإما مع العدو وهؤلاء مع الملة ونبيها ودينها وملوكها وعلمائها وعامتها وخاصتها، وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته، والواجب على ولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر، فإن ضررهم في الثغر أشد وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام، وعلى النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بل إذا كان ولي الأمر لا يستخدم من يغشه وإن كان مسلما فكيف بمن يغش المسلمين كلهم".

ومن الملاحظ في تاريخ الفرق الباطنية أن هذه الفرق كانت دائما تتحالف مع أي عدو للمسلمين وتقدم لهم العون في سبيل القضاء على أهل السنة، وهذا ما أشار إليه فيليب حتى في معرض كلامه عن بعض الطوائف والفرق فقال: "ثم إن العناصر الإسلامية المنشقة من شيعة وإسماعيلية ونصيرية عمدوا في مناسبات عديدة على نقض ولائهم بتقديم العون إلى الإفرنج".

ومما يدل أيضا على تعامل النصيريين مع الصليبيين ومساعدتهم لهم ما ذكره الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية فقال: "كانت النصيرية عند الهجوم الصليبي على العالم الإسلامي عونا للصليبيين ضد المسلمين، ولما استولى الصليبيون على بعض البلاد الإسلامية قربوهم وأدنوهم، وجعلوا لهم مكانا مرموقا، وعندما توحدت الجبهة الإسلامية في وجه الصليبيين على يد قادة الجهاد الإسلامي أمثال نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي اختفى هؤلاء عن الأعين واعتصموا بجبالهم، واقتصر عملهم على تدبير المكايد والفتن والفتك بكبراء المسلمين وقوادهم العظام، ولما أغار التتار بعد ذلك على الشام مالأهم أولئك النصيريون كما مالؤوا الصليبيين من قبل، فمكنوا للتتار من الرقاب حتى إذا انحسرت غارات التتار قبعوا في جبالهم قبوع القواقع في أصدافها لينتهزوا فرصة أخرى".

ومن خياناتهم أيضا:
في سنة 696هـ تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام فخاف الناس من ذلك خوفا شديدا، ولكن خرج جيش من دمشق للقاء التتار فالتقيا عند وادي سلمية فكسر التتار المسلمين وولى السلطان قازان هاربا و*** جماعة من الأمراء وغيرهم من العوام خلق كثير، واقتربت التتار من البلد وكثر العبث بالفساد في ظاهر البلد ثم فرضت أموال كثيرة على البلد موزعة على أهل الأسواق كل سوق بحسبه من المال ثم عمل التتار المجانيق ليرموا بها القلعة، وحل الفزع بالناس فلزموا بيوتهم وكان لا يرى بالطرقات أحد إلا القليل والجامع لا يصلي فيه أحد إلا اليسير ويوم الجمعة لا يتكامل فيه إلا الصف الأول وما بعده إلا بجهد جهيد، ومن خرج من منزله في ضرورة يخرج بثياب زيهم ثم يعود سريعا ويظن أنه لا يعود إلى أهله وكان ذلك بتواطأ النصيريين مع التتار وعلى رأسهم يومئذ الشريف القمي محمد بن أحمد بن القاسم المرتضى العلوي والأصيل بين نصير الطوسي والذي قبض ثمن هذه الخيانة مائة ألف درهم.

وانظر كيف يتسمى الخائن شريفا علويا وما هو إلا خسيس سفلي.
وفي حين كان هذا العلوي (النصيري) يخون كان رجال أهل السنة وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ينفخون روح الإيمان في الأمة ويخرجون للجهاد بأنفسهم، حتى أنه في هذه الواقعة السالفة عندما حاصر التتار قلعة دمشق وطلب السلطان من نائب القلعة تسليمها إلى التتار امتنع النائب لأن شيخ الإسلام ابن تيمية قد قال له لا تسلمها ولو لم يبق فيها إلا حجر واحد، وكان ذلك في مصلحة المسلمين فإن الله عز وجل حفظ لهم هذا الحصن والمعقل الذي جعله الله حرزا لأهل الشام التي لا تزال دار إيمان وسنة حتى ينزل بها عيسى بن مريم عليه السلام.

وشاء الله تعالى أن تتحرك العساكر من الديار المصرية لنصرة أهل الشام، فلما سمع التتار انشمروا عنها وعرفت جماعة ممن كانوا يلوذون بالتتر ويؤذون المسلمين وشنق منهم طائفة وسمر آخرون وكحل بعضهم وقطعت ألسن، وجرت أمور كثيرة ثم سار نائب السلطة في جيش دمشق إلى جبال الجرد وكسروان -وهي الجبال التي كان يسكنها العلويين وعرفت بعد باسمهم-، وخرج شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية ومعه خلق كثير من المتطوعة لقتال أهل تلك الناحية بسبب فساد نيتهم وعقائدهم وكفرهم وضلالهم، وما كانوا عاملوا به العساكر لما كسرهم التتار وهربوا حين اجتازوا بلادهم ووثبوا عليهم ونهبوهم، وأخذوا أسلحتهم وخيولهم و***وا كثيرا منهم فلما وصلوا إلى بلادهم جاء رؤساؤهم إلى الشيخ ابن تيمية فاستتابهم وبين للكثيرين منهم الصواب، وجعل بذلك خير كثير وانتصار كبير على أولئك المفسدين والتزموا برد ما كانوا أخذوا من أموال الجيش، وقرر عليهم أموالا كثيرة يحملونها إلى بيت المال.. أرأيت كيف كانت خيانة هؤلاء العلويين إنهم لم يهبوا مع الجيش الشامي لقتال التتار والمدافعة عن البلد وحفظ جناب الأمة، ولا حتى قبعوا في جبالهم دون أن يعينوا على المسلمين ويدلوا على عوراتهم، ولا حتى آووا من فر إليهم من عساكر المسلمين بل سلبوهم ونهبوهم و***وا أكثرهم فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن خياناتهم:
في سنة 705هـ كمن الجيش التتاري لجيش حلب ف***وا منهم خلقا من الأعيان وغيرهم وكثر النوح ببلاد حلب بسبب ذلك، ولما كان قد ثبت خيانة العلويين الذين يسكنون بلاد الجرد سار إليهم نائب السلطنة بمن بقي معه من الجيوش الشامية وكان قد تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية فساروا إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة لغزوهم فنصرهم الله عليهم وأبادوا كثيرا منهم ومن فرقهم الضالة، ووطئوا أراضي كثيرة من بلادهم وقد حصل بسبب شهود الشيخ ابن تيمية هذه الغزوة خير كثير وأبان الشيخ علما وشجاعة في هذه الغزوة.

ومن خيانات النصيريين أيضا:
قال ابن كثير رحمه الله: "في سنة 717هـ خرجت النصيرية عن الطاعة وكان من بينهم رجل سموه (محمد بن الحسن المهدي) القائم بأمر الله وتارة يدعي علي بن أبي طالب فاطر السموات والأرض -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا- وتارة يدعى أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد وخرج من كبار النصيريين الضلال، وعين لكل إنسان منهم مائة ألف وبلادا كثيرة ونيابات وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها و***وا خلقا من أهلها وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سلمان، وسبوا الشيخين وصاح أهل البلد وا إسلاماه وا سلطاناه وا أميراه فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل، فجمع هذا الضال الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين، وقال لهم لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها، ونادى في تلك البلاد إن المقاسمة بالعشر لا غير ليرغب فيه وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين قل لا إله إلا علي واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك ويكتب لك فرمان وتجهزوا وعملوا أمورا عظيمة جدا، فجردت إليهم العساكر فهزموهم و***وا منهم خلقا كثيرا و*** المهدي أضلعهم ويوم القيامة يكون مقدمهم إلى عذاب السعير".

ومن خيانات النصيريين أيضا:
نقتطف هذه المرة صورة الخيانة من أهم مراجع النصيريين وهو كتاب (تاريخ العلويين) لمؤلفه النصيري (محمد أمين غالب الطويل)، ومما يثير العجب أن هذا النصيري يسمى وسيلة ويبررها في كتابه السابق فيقول:
"ولما كان لا بد للضعيف المظلوم من التوسل بالخيانة لكي يحافظ على حقوقه أو يستردها -وهذا أمر طبيعي يساق إليه كل إنسان- كان العلويون كلما غصب السنيون أموالهم وحقوقهم يتوسلون بغدر السنيين عند سنوح الفرصة". وقد سنحت الفرصة عندما جاء التتار إلى بغداد يقول صاحب تاريخ العلويين: "جاء تيمور لنك بجيوش لا يعرف مقدراها، واستولى على بغداد وحلب والشام في سنة 822 - 823هـ ويدعي أن تيمور لنك كان نصيريا محضا من جهة العقيدة، إذ توجد له أشعار دينية موافقة لآداب الطريقة الجنبلانية (النصيرية) وأسباب دخوله في الطريقة هو ذهاب النصيري (السيد بركة) من خراسان إلى الأمير (تيمور) وهو في بلدة بلخ"، ثم يقول: "وداوم تيمور لنك في الاستيلاء على البلاد وشيخه السيد بركة يبشره بدوام فتوحاته، حتى جاء إلى بغداد وأخذها من يد السلطان واستولى على الموصل عام 896هـ وبنى بها مراقد الأنبياء (جرجيس ويونس) عليهما السلام وجاء للرها واغتسل بمحل النبي إبراهيم، ثم جاء لماردين وأعطاها الأمان ثم استولى على ديار بكر وعنتاب التي التجأ أميرها إلى حلب".

ثم يقول: "وكان نائب حلب هو الأمير العلوي (النصيري) تمورطاش والذي اتصل بتيمورلنك خفية واتفق معه على أن يداهم تيمور لنك حلب فهاجمها بالفعل ودخلها عنوة، فأمعن في ال*** والنهب وال***** مدة طويلة حتى أنشأ من رؤوس البشر تله عظيمة وقد *** جميع القواد المدافعين عن المدينة وانحصرت المصائب بالسنيين فقط"! ثم يقول: "ثم سافر تيمور لنك إلى الشام وقبل سفره جاءت إليه العلوية (النصيرية) درة الصدف بنت سعد الأنصار ومعها أربعون بنتا بكرا من العلويين وهن ينحن ويبكين ويطلبن الانتقام لأهل البيت وبناتهم اللاتي جيء بهن سبايا للشام، وسعد الأنصار هذا من رجال الملك الظاهر وهو مدفون بحلب وله قبر فوقه قبة فوعدها تيمور بأخذ الثأر، ومشت البنات العلويات مع تيمور وهن ينحن ويبكين وينشدن الأناشيد المتضمنة للتحريض على الأخذ بالثأر، فكان ذلك سببا في نزول أفدح المصائب التي لم يسمع بمثلها بأهل الشام".

ثم يقول: "ولم ينج من بطش تيمور لنك بالشام إلا عائلة من المسيحيين، وأمر تيمور لنك ب*** أهل السنة واستثناء العلويين (النصيريين) وبعد الشام ذهب تيمور لبغداد و*** تسعين ألفا". هذه بعض خيانتهم في مرحلة الغزو التتاري أما في الهجمة الصليبية على العالم الإسلامي فإن الصليبيين لم يدخلوا إلى بلاد المسلمين إلا عن طريقهم ومن مناطق سكناهم في الغالب في طرسوس وإنطاكية وغيرها من مناطق نفوذهم، بل إن مدينة إنطاكية سقطت في يد الصليبين بفعل الاتفاق الذي وقع بين الزعيم النصيري فيروز وبين قائد الصليبيين بوهموند.

ومن خيانات النصيريين في العصر الحديث:
إن خيانات النصيريين في العصر الحديث أكثر من أن تحصى فهم دائما يتقربون من الاستعمار ويعاونون معه في مقابل الحصول على بعض المكاسب فعلى سبيل المثال: تعاون النصيريون مع الاحتلال الفرنسي أثناء انتدابه على سوريا وكانوا خير عون لهم على الدولة العثمانية دولة الخلافة يومئذ، وفي مقابل هذا منح الفرنسيون النصيريون مجموعة العلويين، وقد فاحت رائحة هذه الخيانة من خلال كلام النصيريين أنفسهم وهم يعترفون بالجميل لفرنسا وما كان جميلا بل ثمن خيانة..

قال محمد أمين غالب النصيري: "إن الأتراك هم الذين حرموا هذه الطائفة من ذلك الاسم -العلويين- وأطلقوا عليهم اسم النصيريين نسبة إلى الجبال التي يسكنونها نكاية بهم واحتقارا لهم، إلا أن الفرنسيين أعادوا لهم هذا الاسم الذي حرموا منه أكثر من 412 سنة أثناء انتدابهم على سوريا، إذ صدر أمر من القومسيرية العليا في بيروت بتاريخ 1/ 9/ 1920م بتسمية جبال النصيريين بأراضي العلويين المستقلة".

ومن أشهر رؤوس الخونة النصيريين في العصر الحديث رجل يقال له (سلمان المرشد) من قرية جوبة برغال شرقي مدينة اللاذقية بسوريا، وكان الرجل قد ادعى الألوهية فآمن به وتبعه كثير من النصيريين، وقد مثل الدور تمثيلا جيدا فكان يلبس ثيابا فيها أزرار كهربية ويحمل في جيبه بطارية صغيرة متصلة بالأزرار، فإذا أوصل التيار شعت الأنوار من الأزرار فيخر له أنصاره ساجدين! ومن الطريف أن المستشار الفرنسي الذي كان وراء هذا الألوهية المزيفة كان يسجد مع الساجدين ويخاطب سلمان المرشد بقوله: "يا إلهي".

وقد استماله الفرنسيون واستخدموه وجعلوا للعلويين نظاما خاصا فقويت شوكته، وتلقب برئيس الشعب العلوي الجبدري الغساني وعين قضاة وسن القوانين وفرض الضرائب على القرى التابعة له، وشكل فرقا خاصة للدفاع سماهم الفدائيين وللتعاون الوثيق بينه وبين الاحتلال الفرنسي عندما جلا الفرنسيون عن سوريا تركوا لهذا النصيري وأتباعه من الأسلحة ما أغراهم بالعصيان، فجردت الحكومة السورية آنذاك قوة فتكت ببعض أتباعه واعتقلته مع آخرين ثم أعدم شنقا في دمشق عام 1946، ومنهم النصيري الخبيث يوسف ياسين والذي سعى في محاربة الدولة العثمانية بخطبه وأشعاره بل وسلاحه.

قال الدكتور سليمان الحلبي: "لما احتل الإنكليز فلسطين عام 1918م تطوع يوسف ياسين بالفرقة التي شكلها الإنكليز للعمل مع لورنس والملك عبد الله بالحجاز لمحاربة الأتراك، وقد نشرت جريدة الكواكب الصادرة في 3/ 9/ 1918 بالقاهرة لمراسلها بالقدس واصفا لحفلة أقيمت في النادي العربي لحث الشباب على التطوع في ذلك الجيش فقال المراسل وقف الشاب يوسف ياسين وتكلم بصفته جنديا في الجيش العربي ثم أنشد قائلا:

سنأخذ هذا الحق بالسيف والقنا
شيب شبان على ضمر بلق

وقد أخذ الإنجليز فلسطين فعلا ولكن بالخديعة لا بالسيف ولا بالقنا ولا بالمضر البلق ثم أعطوها لليهود وأقاموا فيها دولة".

ناهيك عن خيانتهم للأمة الإسلامية بوقوفهم إلى جانب المارونيين النصارى في كثير من الأحداث سواء في سوريا أو لبنان، وفي سجلات وزارة الخارجية الفرنسية رقم 3547 وتاريخها 15/ 6/ 1936وثيقة خطيرة تتضمن عريضة رفعها زعماء الطائفة النصيرية في سوريا إلى رئيس الوزراء الفرنسي يلتمسون فيها عدم جلاء فرنسا عن سوريا، ويشيدون باليهود الذين جاءوا إلى فلسطين ويؤلبون فرنسا ضد المسلمين، ووقع علي الوثيقة سليمان الأسد ومحمد سليمان الأحمد ومحمود أغا جديد وعزيز أغا هواش وسليمان المرشد ومحمد بك جنيد وفيما يلي نص الوثيقة نورده لأهميته:

"دولة ليوم بلوم رئيس الحكومة الفرنسية:
إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني) ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من التدخل، وإننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين، وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء ولم يوقعوا الأذى بأحد ولم يأخذوا شيئا بالقوة ومع ذلك أعلن المسلمون (السنيون) ضدهم الحرب المقدسة، بالرغم من وجود إنكلترا في فلسطين وفرنسا في سورية إنا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين (السنة) وكل الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضمانا لحريته واستقلاله ويضع بين يديها مصيره ومستقبله وهو واثق أنه لا بد واجد لديهم سندا قويا لشعب علوي صديق قدم لفرنسا خدمات عظيمة".

ولم تكن الشيعة النصيرية تكف عن التآمر ضد الدولة العثمانية في محاولة إزالتها فقد ساهم الزعيم النصيري (الشيخ صالح العلوي) في إسقاط الدولة العثمانية عندما قام بقطع الطريق الذي يصل طرطوس بحماه فكانت خسائر الأتراك كبيرة نتيجة قطع الطريق عليهم، وقام بعقد اتفاقية مع كمال أتاتورك عام 1920 وبعد ثورة مشبوهة ضد الفرنسيين استسلم صالح العلي فعفا عنه الفرنسيون على عكس ما كانوا يفعلونه مع المجاهدين المسلمين.

وهكذا كان تاريخهم يشهد بخيانتهم وممالأتهم المستمرة لأعداء الإسلام في الظاهر والباطن.

المبحث الثامن عشر: مقارنة بين عقائد الإسماعيليين والدروز والنصيرية:
من خلال الاستعراض السابق الذي استكملنا فيه دراسة عقائد وأفكار الحركات الباطنية المتواجدة في العالم الإسلامي يمكننا أن نرى كثيرا من أوجه الشبه أو الاختلافات بين عقائد هذه الحركات، إلا أنه في الوقت نفسه يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الحركة الإسماعيلية كانت المغذي الرئيسي لكثير من هذه الحركات، ولن نتعدى الصواب إذا قلنا: إن الأفكار الرئيسية الموجودة في عقائد الإسماعيلية لا تختلف إلا في بعض التفاصيل عن عقائد الفرق الأخرى.

فكافة هذه الفرق اتخذت من الفلسفات الوثنية من إغريقية وإسكندرانية أداة لها في إثبات صحة مزاعمها، وبالتالي في تشكيك الناس بدينهم وعقيدتهم، وينبغي أن نلاحظ أن أتباع كل فرقة من هذه الفرق يعتبرون أنفسهم هم (الموحدون) أما غيرهم -على حسب زعمهم- فالمسافة شاسعة بينهم وبين التوحيد، لذلك فالدروز يطلقون على مذهبهم (مسلك التوحيد) باعتبار أنهم وحدهم سلكوا هذا المسلك؟!

ومن الأمثلة الواضحة على أن الإسماعيلية كانت الرائدة في فلسفة كافة الفرق، نظرية الفيض الأفلاطونية فقد كانت الإسماعيلية أول من حاول فرض هذه النظرية على العقائد الإسلامية، لذا أصبحت علما في هذا الاتجاه.
وإذا تتبعنا أوجه الاتفاق بين الفرق الباطنية، فإننا نرى أن نظرتهم للألوهية والتوحيد متشابهة رغم بعض الاختلافات في الأسماء والمسميات وذلك لانبثاقها عن نظرية الفيض فالإسماعيلية -حسب زعمها- ترى أن الخالق الحقيقي للكون هما (العقل الكلي والنفس الكلية) وأنهما من جملة الحدود في العالم العلوي وهذان الحدان يقابلهما -على حسب قاعدة المثل والمثول- في العالم السفلي حد النبي وحد الإمام أو الوصي، لذا فإن كل الألقاب التي تطلق على الله تطلق أيضا على الوصي والإمام بصفتهما ممثلا العقل الكلي. وهذه القاعدة تقول بها جميع الفرق الإسماعيلية الأخرى على اختلاف أسمائها.

ولكن الدروز رغم انشقاقهم عن الإسماعيلية، وأخذهم الكثير من عقائدها، إلا أنهم رفضوا نظرية المثل والمثول التي تقول بها الإسماعيلية وقرروا أن الحدود العلوية الموجودة في العالم العلوي هي ذاتها الموجودة في العالم السفلي ولا اختلاف بينها، وبما أن الدروز انشقوا عن الإسماعيلية لاظهارهم -الزعم- بألوهية الإمام الإسماعيلي (وهي العقيدة التي حاولت الإسماعيلية إخفاءها خوفا وتقية) فقد أعلنوا جوهر هذه العقيدة وهي: "أن الله يتخذ على مر العصور والأزمان حجابا أو صورة ناسوتية يتجلى فيها لخلقه -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- وأن الحجاب الأخير الذي ظهر فيه كان بصورة الحاكم بأمر الله العبيدي"، وبذلك أظهروا عقيدة كانت الإسماعيلية تخفيها ولا تعلنها، وفي الوقت نفسه أخذوا عن الإسماعيلية نظرية العقول السبعة وطبقوها على ظهورات الله بالصورة الناسوتية، وزعموا أن عدد هذه الظهورات كانت سبعا آخرها الحاكم.

أما النصيرية، فتعتبر أن الذات الإلهية متشخصة بالمعنى وهو(علي ابن أبي طالب) - تعالى الله عن ذلك - ولكنها في الوقت نفسه لم تتجاهل نظرية الفيض التي قالت بها الإسماعيلية والدروز، فزعمت أن العقل الكلي هو (الميم) أي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن النفس الكلية هو (السين) أي سلمان الفارسي، وهو حسب زعمهم الذي خلق السماوات والأرض والأيتام الخمسة كذلك.

وجميع الصفات الإلهية التي وصف الله بها نفسه في القرآن الكريم لا تعترف بها كافة الفرق الباطنية، فهم ينفون نفيا مطلقا هذه الصفات، إيجابية كانت أم سلبية، لأنه تعالى -على حسب زعمهم- فوق متناول العقل، والعقل عاجز عن إدراك كنهه، فإثبات هذه الصفات -حسب زعمهم- يعني عدم التوحيد، ولذلك فهم يزعمون أن هذه الصفات تليق فقط بحدوده وخاصة العقل والنفس، باعتبارهما من فيضه ومبدعاته.

وثمة وجه آخر من أوجه الشبه بين هذه الفرق، وهي عقيدة التناسخ ورغم أن الإسماعيلية لا تجاهر أو تصارح بالقول بها، إلا أن المتتبع لآراء الإسماعيلية يجزم أنها تؤمن بها شأنها شأن الفرق الأخرى، ولكن هناك بعض الاختلافات بين هذه الفرق.

فالإسماعيلية والنصيرية تؤمنان بوجود عالم روحاني تسكنه الملائكة، وعالم سفلي هو عالم الكون والفساد. وهم إضافة إلى ذلك يعتقدون بأن الأجساد مصدر الشقاء والآلام، وأن المؤمن حين موته تذهب نفسه إلى العالم العلوي، وأما الكافر فيتقلب في الأجساد البشرية وغير البشرية عقابا له على ما قدم وعلى هذا فالإسماعيلية والنصيرية تؤمنان بالمسخ، أي أن تأتي نفس الكافر عقابا لها -على حسب زعمهم- بقمصان رديئة كالحيوانات، أو أن تأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فتذوق بذلك عذاب جهنم؟! وهذا الاعتقاد بالنسخ والمسخ، يخالف اعتقاد الدروز، الذين ينحصر التناسخ عندهم في الصور البشرية فقط ولا يكون في البهائم أو الجمادات، ولذلك فقد عبروا عن التناسخ بكلمة التقمص لأن في انتقال النفس إلى جسم حيوان ظلم لها، فالثواب والعقاب بني -حسب زعمهم- على قاعدة العدل الإلهي في محاسبة الأرواح بعد مرورها في القمصان البشرية.

وهناك عقيدة أخرى لا يختلفون فيها أبدا وهي عقيدة التقية، فالتستر والكتمان عند جميع هذه الفرق فرض لا يجوز التهاون فيه، لأن البوح بأسرار اعتقاداتها إلى غير أهلها تدنيس لها، لذا فقد طالبت الإسماعيلية والدرزية والنصيرية أتباعها بالاستتار وعدم التظاهر بما يبطنون، وهكذا فقد أصبحت هذه العقيدة عادة مستحكمة عند جميع أتباع هذه الفرق، لأنها تعني التظاهر بشيء والإيمان بشيء آخر، وبالتالي فقد جعلت هذه العقيدة من أتباعها بؤرة للنفاق والخداع يتصفوا به جميعهم، وهذا واضح في تاريخهم.

ويمكن أن يضاف إلى عقيدة التقية أمرا آخر مرتبط بها، وهو أن جميع هذه الحركات تطلب من المستجيبين لها عهودا وأيمانا غليظة يجب أن يؤديها حتى يوثق به ومع ذلك فإنهم لا يسلموه كل الأسرار دفعة واحدة، بل على التدرج وكما هو واضح عند الدروز والنصيرية.

وهناك أيضا عقائد متشابهة بين الدروز والنصيرية أهمها:
"قضية العاقل والجاهل، فالعقال يسترون دينهم عن الجهال منهم، وإذا أراد أحد الجهال أن يدخل في أمور دينهم، فلا يسلمون الديانة له إلا بالتدريج بعد أن يتتلمذ على أحد مشايخ دينهم ويتخذه والدا دينيا، ويتفقون معهم أيضا بقدمية العالم، وأن العالم قد خلق على ما هو عليه الآن، وأن عدد البشر كان كما هو الآن لا يزيد ولا ينقص"، وهم يتفقون كذلك بالإضافة إلى الإسماعيلية في تأويل آيات القرآن حسب معتقداتهم، وأن له ظاهرا وباطنا حتى يثبتوا صحة معتقداتهم المناقضة للقرآن الكريم.

ونستنتج مما سبق، أن نقطة الخلاف والالتقاء الرئيسية بين الإسماعيلية والدروز والنصيرية هي عقيدة الألوهية، فجميعهم يقرون بإمكانية تجسد الألوهية في صورة إنسان، ولكن الإسماعيلية تراها في الأئمة الإسماعيليين جميعا، بينما الدروز والنصيرية جعلتا لتجسد الألوهية ظهورا أخيرا، فكان عند الدروز بشخص الحاكم، وعند النصيرية بشخص علي بن أبي طالب -تعالى الله عن ذلك- أما بقية العقائد فقد يلتقون في شيء منها ويختلفون في شيء آخر، ولكنهم متفقون في جوهرها.

المبحث التاسع عشر: حكم الإسلام في النصيرية:
يمكننا بعد دراسة وتحليل العقائد التي مرت بنا والتي آمنت بها النصيرية أن نقول: أن هذه الطائفة لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين، فهي تقول بالحلول بمعنى أن الله قد حل في علي بن أبي طالب وفي أشخاص آخرين، وتقول أيضا: "أن للشريعة ظاهرا وباطنا وأن المراد باطنها دون ظاهرها"، وترتب على هذا الاعتقاد تركهم جميع الفرائض الإسلامية وتأويلها وظهوره أيضا على سلوكهم وأعمالهم فهم يظهرون خلاف ما يبطنون ويقولون ما لا يعتقدون، وهم بالإضافة إلى ذلك قد اعتقدوا بالتناسخ وكفروا بالبعث والحساب فهدموا بذلك ركنا هاما من أركان الإيمان، وأباحوا المحرمات بشرب الخمر والزنا، وهذا كله، بل واحد منه مخالف للإسلام وخروج عنه بل هو كفر به واستهانة بما فرض.

وكل من له بصيرة يعلم أن الإسلام ما جاء إلا لمحو هذه الاعتقادات الضالة الكافرة. فالتوحيد وترك عبادة الأوثان والأشخاص هو أول اعتقاد في هذا الدين أما اليوم الآخر فهو الركن المهم لعقيدة التوحيد، لأن الإيمان بالله يتبعه الإيمان باليوم الآخر، وقول النصيرية بالتناسخ هدم لهذا الركن الهام من أركان الإيمان.

أما قولهم بأن للشريعة ظاهرا وباطنا وتأويل الفرائض الإسلامية على هذا الأساس، فهو هدف الباطنية والغلاة عموما ابتداء من الإسماعيلية ومروراً بالدروز وانتهاء بالنصيرية، لمسخ الشريعة وهدم الدين وصدق الله العظيم في فضح أمثال هؤلاء فيقول عز من قائل: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ . رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ . رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار} [آل عمران: 7-10].

بهذا يتبين أن لا علاقة للإسلام بالنصيرية، فالإسلام شيء والنصيرية شيء آخر، وعلى هذا الأساس عاملهم جميع أمراء المسلمين ابتداء من صلاح الدين وانتهاء بالسلطان العثماني عبد الحميد، فقد حاولوا الكثير معهم في الرجوع إلى أصول الإسلام، ولكنهم لا يلبثون أن يرجعوا في كل مرة إلى ضلالاتهم وكفرهم، ومع ذلك يحاول الكثير منهم في الوقت الحاضر أن يبرهن أمام الرأي العام أنهم مسلمون موحدون فظهرت كتب وبيانات تقول بذلك، ولكن كل ذلك لا يجدي شيئا أمام الحقائق والأعمال التي يقومون بها والتي تدحض كل هذه الادعاءات الباطنية المزيفة.

ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كان من أوائل الذين عرفوا حقيقة هذه الطائفة، فحاربها قولا وعملا، كما حارب بقية الطوائف الباطنية فنجده في رده على سؤال حول حكم هذه الطائفة يفند كل ضلالاتهم، ويرد عليهم بجرأة العالم الواعي لحقائق الأمور، والواقع أن فتوى ابن تيمية فيهم تعتبر جزءاً هاما من الحقائق التاريخية الدامغة للنصيرية، علاوة على قيمتها في إظهار عقائدها الباطنية.

فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في النصيرية.
سئل رحمه الله تعالى:
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين وأعانهم على إظهار الحق المبين وإخماد شعب المبطلين: في النصيرية القائلين باستحلال الخمر وتناسخ الأرواح وقدم العالم، وإنكار البعث والنشور والجنة والنار في غير الحياة الدنيا وبأن الصلوات الخمس عبارة عن خمسة أسماء وهي: علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة. فذكر هذه الأسماء الخمسة على رأيهم يجزئهم عن الغسل من الجنابة والوضوء وبقية شروط الصلوات الخمسة وواجباتها، وبأن الصيام عندهم عبارة عن اسم ثلاثين رجلا واسم ثلاثين امرأة يعدونهم في كتبهم ويضيق هذا الموضع عن إبرازهم، وبأن إلههم الذي خلق السموات والأرض هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو عندهم الإله في السماء والإمام في الأرض، فكانت الحكمة في ظهور اللاهوت بهذا الناسوت على رأيهم أن يؤنس خلقه وعبيده، ليعلمهم كيف يعرفونه ويعبدونه، وبأن النصيري عندهم لا يصير نصيريا مؤمنا يجالسونه ويشربون معه الخمر ويطلعونه على أسرارهم ويزوجونه من نسائهم حتى يخاطبه معلمه! وحقيقة الخطاب عندهم أن يحلفوه على كتمان دينه ومعرفة مشايخه وأكابر أهل مذهبه، وعلى ألا ينصح مسلما ولا غيره إلا من كان من أهل دينه وعلى أن يعرف ربه وإمامه بظهوره في أنواره وأدوار،ه فيعرف انتقال الاسم والمعنى في كل حين وزمان، فالاسم عندهم في أول الناس آدم والمعنى هو شيث، والاسم يعقوب والمعنى هو يوسف، ويستدلون على هذه الصورة كما يزعمون بما في القرآن العظيم حكاية عن يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام فيقولون: أما يعقوب فإنه كان الاسم فما قدر أن يتعدى منزلته فقال: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [يوسف:98]، وأما يوسف فكان المعنى المطلوب فقال: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف:92]، فلم يعلق الأمر بغيره، لأنه علم أنه الإله المتصرف ويجعلون موسى هو الاسم ويوشع هو المعنى ويقولون: يوشع ردت له الشمس لما أمرها فأطاعت أمره، وهل ترد الشمس إلا لربها ويجعلون سليمان هو الاسم واصف هو المعنى القادر المقتدر..

ويقولون: سليمان عجز عن إحضار عرش بلقيس وقدر عليه آصف لأن سليمان كان الصورة واصف كان المعنى القادر المقتدر وقد قال قائلهم: هابيل شيث يوسف يوشع آصف شمعون الصفا حيدر ويعدون الأنبياء والمرسلين واحدا واحدا على هذا النمط إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: محمد هو الاسم وعلي هو المعنى، ويوصلون العدد على هذا الترتيب في كل زمان إلى وقتنا هذا، فمن حقيقة الخطاب في الدين عندهم أن عليا هو الرب وأن محمدا هو الحجاب وأن سلمان هو الباب، وأنشد بعض أكابر رؤسائهم وفضلائهم لنفسه في شهور سنة سبعمائة فقال:

أشهد أن لا إله إلا *** حيدرة الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا *** محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا *** سلمان ذو القوة المتين

ويقولون إن ذلك على هذا الترتيب لم يزل ولا يزال وكذلك الخمسة الأيتام والاثنا عشر نقيبا، وأسماؤهم مشهورة عندهم ومعلومة من كتبهم الخبيثة وأنهم لا يزالون يظهرون مع الرب والحجاب والباب في كل كور ودور أبدا سرمدا على الدوام والاستمرار..

ويقولون: إن إبليس الأبالسة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويليه في رتبة الإبليسية أبو بكر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين وشرفهم وأعلى رتبهم عن أقوال الملحدين وانتحال أنواع الضالين والمفسدين فلا يزالون موجودين في كل وقت دائما حسبما ذكر من الترتيب، ولمذاهبهم الفاسدة شعب وتفاصيل ترجع إلى هذه الأصول المذكورة. وهذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام وهم معروفون مشهورون متظاهرون بهذا المذهب وقد حقق أحوالهم كل من خالطهم وعرفهم من عقلاء المسلمين وعلمائهم ومن عامة الناس أيضا في هذا الزمان، لأن أحوالهم كانت مستورة عن أكثر الناس وقت استيلاء الإفرنج المخذولين على البلاد الساحلية، فلما جاءت أيام الإسلام انكشف حالهم وظهر ضلالهم. والابتلاء بهم كثير جدا.

فهل يجوز لمسلم أن يزوجهم أو يتزوج منهم؟ وهل يحل أكل ذبائحهم والحالة هذه أم لا؟ وما حكم الجبن المعمول من إنفحة ذبيحتهم؟ وما حكم أوانيهم وملابسهم؟ وهل يجوز دفنهم بين المسلمين أم لا؟ وهل يجوز استخدامهم في ثغور المسلمين وتسليمها إليهم؟ أم يجب على ولي الأمر قطعهم واستخدام غيرهم من رجال المسلمين الكفاة وهل يأثم إذا أخر طردهم؟ أم يجوز له التمهل مع أن في عزمه ذلك؟ وإذا استخدمهم وأقطعهم أو لم يقطعهم هل يجوز له صرف أموال بيت المال عليهم وإذا صرفها وتأخر لبعضهم بقية من معلومه المسمى، فأخره ولي الأمر عنه وصرفه على غيره من المسلمين أو المستحقين أو أرصده لذلك هل يجوز له فعل هذه الصور، أم يجب عليه؟ وهل دماء النصيرية المذكورين مباحة وأموالهم حلال أم لا؟ وإذا جاهدهم ولي الأمر أيده الله تعالى بإخماد باطلهم وقطعهم من حصون المسلمين وحذر أهل الإسلام من مناكحتهم وأكل ذبائحهم وألزمهم بالصوم والصلاة ومنعهم من إظهار دينهم الباطل وهم الذين يلونه من الكفار: هل ذلك أفضل وأكثر أجرا من التصدي والترصد لقتال التتار في بلادهم وهدم بلاد سيس وديار الإفرنج على أهلها، أم هذا أفضل من كونه يجاهد النصيرية المذكورين مرابطا؟ ويكون أجر من رابط في الثغور على ساحل البحر خشية قصد الفرنج أكبر أم هذا أكبر أجرا؟ وهل يجب على من عرف المذكورين ومذاهبهم أن يشهر أمرهم ويساعد على إبطال باطلهم وإظهار الإسلام بينهم فلعل الله تعالى أن يهدي بعضهم إلى الإسلام وأن يجعل من ذريتهم وأولادهم مسلمين بعد خروجهم من ذلك الكفر العظيم أم يجوز التغافل عنهم والإهمال؟ وما قدر المجتهد على ذلك والمجاهد فيه والمرابط له والملازم عليه؟ ولتبسطوا القول في ذلك مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى إنه على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية:
الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها، يدعون أنها علم الباطن، من *** ما ذكره السائل ومن غير هذا ال***، فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه، إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من *** ما ذكر السائل ومن *** قولهم: إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم والصيام المفروض كتمان أسرارهم، وحج البيت العتيق زيارة شيوخهم وأن (يدا أبي لهب) هما أبو بكر وعمر وأن (النبأ العظيم والإمام المبين) هو علي بن أبي طالب، ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين، كما ***وا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة و***وا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى، وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام. وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم..

ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائما مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين. ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار. ومن أعظم أعيادهم إذا استولى -والعياذ بالله تعالى- النصارى على ثغور المسلمين فإن ثغور المسلمين ما زالت بأيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص يسر الله فتحها عن قريب وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتحها معاوية بن أبي سفيان إلى أثناء المائة الرابعة. فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره، فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك، ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين الشهيد وصلاح الدين وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم وفتحوا أيضا أرض مصر، فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.

ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام و***وا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم، فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو النصير الطوسي كان وزيرا لهم بالألموت وهو الذي أمر ب*** الخليفة وبولاية هؤلاء. ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين تارة يسمون الملاحدة، وتارة يسمون القرامطة، وتارة يسمون الباطنية، وتارة يسمون الإسماعيلية، وتارة يسمون النصيرية، وتارة يسمون الخرمية، وتارة يسمون المحمرة، وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم، كما أن الإسلام والإيمان يعم المسلمين ولبعضهم اسم يخصه إما لنسب وإما لمذهب وإما لبلد وإما لغير ذلك، وشرح مقاصدهم يطول وهم كما قال العلماء فيهم: "ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض". وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من الأنبياء والمرسلين، لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا بشيء من كتب الله المنزلة، لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن. ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه، ولا بأن له دينا أمر به ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار، وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة الطبيعيين أو الإلهيين، وتارة يبنونه على قول المجوس الذين يعبدون النور ويضمون إلى ذلك الرفض..

ويحتجون لذلك من كلام النبوات: إما بقول مكذوب ينقلونه كما ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما خلق الله العقل) والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، ولفظه (إن الله لما خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل. فقال له: أدبر فأدبر) فيحرفون لفظه فيقولون (أول ما خلق الله العقل) ليوافقوا قول المتفلسفة أتباع أرسطو في أن أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل، وإما بلفظ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحرفونه عن مواضعه كما يصنع أصحاب (رسائل إخوان الصفا) ونحوهم فإنهم من أئمتهم. وقد دخل كثير من باطلهم على كثير من المسلمين وراج عليهم حتى صار ذلك في كتب طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين، وإن كانوا لا يوافقونهم على أصل كفرهم، فإن هؤلاء لهم في إظهار دعوتهم الملعونة التي يسمونها "الدعوة الهادية" درجات متعددة ويسمون النهاية "البلاغ الأكبر والناموس الأعظم" ومضمون البلاغ الأكبر جحد الخالق تعالى، والاستهزاء به وبمن يقر به حتى قد يكتب أحدهم اسم الله في أسفل رجله وفيه أيضا جحد شرائعه ودينه وما جاء به الأنبياء، ودعوى أنهم كانوا من ***هم طالبين للرئاسة فمنهم من أحسن في طلبها ومنهم من أساء في طلبها حتى ***، ويجعلون محمدا وموسى من القسم الأول ويجعلون المسيح من القسم الثاني.

وفيه من الاستهزاء بالصلاة والزكاة والصوم والحج ومن تحليل نكاح ذوات المحارم وسائر الفواحش ما يطول وصفه. ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا. وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان فقد يخفون على من لا يعرفهم وأما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم.

وقد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم، ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم. وأما (الجبن المعمول بإنفحتهم) ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس، وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح. فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: "أنه يحل هذا الجبن، لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا القول، لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس"، ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: "أن هذا الجبن نجس لأن الإنفحة عند هؤلاء نجسة، لأن لبن الميتة وإنفحتها عندهم نجس. ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة". وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة، فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس. وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى. فهذه مسألة اجتهاد، للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين.

وأما أوانيهم وملابسهم فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأئمة، والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها، فإن ذبائحهم ميتة فلا بد أن يصيب أوانيهم المستعملة ما يطبخونه من ذبائحهم فتنجس بذلك، فأما الآنية التي لا يغلب على الظن وصول النجاسة إليها فتستعمل من غير غسل كآنية اللبن التي لا يضعون فيها طبيخهم أو يغسلونها قبل وضع اللبن فيها، وقد توضأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جرة نصرانية. فما شك في نجاسته لم يحكم بنجاسته بالشك. ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ولا يصلى على من مات منهم، فإن الله سبحانه وتعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين: كعبد الله ابن أبي ونحوه، وكانوا يتظاهرون بالصلاة والزكاة والصيام والجهاد مع المسلمين، ولا يظهرون مقالة تخالف دين الإسلام، لكن يسرون ذلك فقال الله: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:84]، فكيف بهؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق يظهرون الكفر والإلحاد.

وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم، فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر، فإن المخامر قد يكون له غرض: إما مع أمير العسكر وإما مع العدو، وهؤلاء مع الملة ونبيها ودينها وملوكها، وعلمائها وعامتها وخاصتها وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين، وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته، والواجب على ولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر، فإن ضررهم في الثغر أشد وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام وعلى النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بل إذا كان ولي الأمر لا يستخدم من يغشه وإن كان مسلما فكيف بمن يغش المسلمين كلهم ولا يجوز له تأخير هذا الواجب مع القدرة عليه بل أي وقت قدر على الاستبدال بهم وجب عليه ذلك.

وأما إذا استخدموا وعملوا العمل المشروط عليهم فلهم إما المسمى وإما أجرة المثل لأنهم عوقدوا على ذلك. فإن كان العقد صحيحا وجب المسمى وإن كان فاسدا وجبت أجرة المثل وإن لم يكن استخدامهم من *** الإجارة اللازمة فهي من *** الجعالة الجائزة، لكن هؤلاء لا يجوز استخدامهم فالعقد عقد فاسد فلا يستحقون إلا قيمة عملهم. فإن لم يكونوا عملوا عملا له قيمة فلا شيء لهم، لكن دماؤهم وأموالهم مباحة.وإذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء، فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإسلام أقر أموالهم عليهم. ومن لم يقبلها لم تنقل إلى ورثتهم من ***هم، فإن مالهم يكون فيئا لبيت المال، لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة، لأن أصل مذهبهم التقية وكتمان أمرهم وفيهم من يعرف وفيهم من قد لا يعرف. فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم فلا يتركون مجتمعين ولا يمكنون من حمل السلاح ولا أن يكونوا من المقاتلة ويلزمون شرائع الإسلام: من الصلوات الخمس وقراءة القرآن. ويترك بينهم من يعلمهم دين الإسلام ويحال بينهم وبين معلمهم. فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاءوا إليه قال لهم الصديق: "اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية. قالوا: يا خليفة رسول الله هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية؟ قال: تدون ***انا ولا ندي ***اكم وتشهدون أن ***انا في الجنة و***اكم في النار، ونقسم ما أصبنا من أموالكم وتردون ما أصبتم من أموالنا وتنزع منكم الحلقة والسلاح وتمنعون من ركوب الخيل، وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمؤمنين أمرا بعد ردتكم"..

فوافقه الصحابة في ذلك، إلا في تضمين ***ى المسلمين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: هؤلاء ***وا في سبيل الله فأجورهم على الله. يعني هم شهداء فلا دية لهم فاتفقوا على قول عمر في ذلك. وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء والذي تنازعوا فيه تنازع فيه العلماء. فمذهب أكثرهم أن من ***ه المرتدون المجتمعون المحاربون لا يضمن، كما اتفقوا عليه آخرا وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين. ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى هو القول الأول. فهذا الذي فعله الصحابة بأولئك المرتدين بعد عودهم إلى الإسلام يفعل بمن أظهر الإسلام والتهمة ظاهرة فيه فيمنع أن يكون من أهل الخيل والسلاح والدرع التي تلبسها المقاتلة ولا يترك في الجند من يكون يهوديا ولا نصرانيا. ويلزمون شرائع الإسلام حتى يظهر ما يفعلونه من خير أو شر ومن كان من أئمة ضلالهم وأظهر التوبة أخرج عنهم وسير إلى بلاد المسلمين التي ليس لهم فيها ظهور. فإما أن يهديه الله تعالى وإما أن يموت على نفاقه من غير مضرة للمسلمين. ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء من *** جهاد المرتدين والصديق وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه. وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين.

وحفظ رأس المال مقدم على الربح. وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك، بل ضرر هؤلاء من *** ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب، وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب، ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ولا يحل لأحد أن يعاونهم على بقائهم في الجند والمستخدمين ولا يحل لأحد السكوت عن القيام عليهم بما أمر الله به ورسوله.

ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر الله به ورسوله، فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73]، وهؤلاء لا يخرجون عن الكفار والمنافقين، والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم، كما قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [عمران:110]، قال أبو هريرة كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام. فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد بحسب الإمكان فمن هداه الله سعد في الدنيا والآخرة ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره.

ومعلوم أن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أفضل الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله تعالى»، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه»، ومن مات مرابطا مات مجاهدا وجرى عليه عمله وأجري عليه رزقه من الجنة وأمن الفتنة. والجهاد أفضل من الحج والعمرة كما قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ . يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة:19-22]. والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وسئل رحمه الله تعالى:
عن (الدرزية والنصيرية): ما حكمهم؟
فأجاب: هؤلاء (الدرزية والنصيرية) كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم؛ بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين؛ ولا يهود ولا نصارى لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس ولا وجوب صوم رمضان ولا وجوب الحج؛ ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما، وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد فهم كفار باتفاق المسلمين. فأما النصيرية فهم أتباع أبي شعيب محمد بن نصير وكان من الغلاة الذين يقولون: (إن عليا إله) وهم ينشدون:

أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا سلمان ذو القوة المتين


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

مراجع للتوسع: موسوعة الفرق
- الباب الثالث عشر: الباطنية وفرقها، الفصل السابع: النصيرية ـ الجذور التاريخية للنصيرية العلوية، الحسيني عبد الله ـ دار الاعتصام ـ القاهرة 1400هـ / 1980م.
ـ الملل والنحل، أبو الفتح الشهرستاني.
ـ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ـ دار الكتب العربية ـ القاهرة.
ـ رسائل ابن تيمية، رسالة في الرد على النصيرية.
ـ الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية، سليمان أفندي الأذني. بيروت، 1864م.
ـ تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل ـ طبع في اللاذقية عاصمة دولة العلويين عام 1924م.
ـ خطط الشام، محمد كرد علي ـ ط دمشق 1925م ـ ج 3/265 ـ 268 ج 6/107 ـ 109.
ـ دائرة المعارف الإسلامية، مادة نصيري.
ـ إسلام بلا مذاهب، د. مصطفى الشكعة ـ ط دار القلم ـ القاهرة ـ 1961م.
ـ تاريخ العقيدة النصيرية، المستشرق رينيه دوسو ـ نشرته مكتبة أميل ليون وبداخله كتاب المجموعة بنصه العربي.
ـ الأعلام للزركلي، 2/254 بيروت ـ 1956م.
ـ تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، 3/357 ـ ط دار المعارف ـ 1962م.
ـ الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د. أحمد محمد الخطيب، مكتب الأقصى، عمان.
ـ دراسات في الفرق، د. صابر طعيمة ـ مكتبة المعارف ـ الرياض 1401هـ / 1981م.
- L. Maignon Minora, Beyrouth 1963.
__________________
  #3  
قديم 16-06-2013, 11:37 PM
الصورة الرمزية mfa1
mfa1 mfa1 غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 10,543
معدل تقييم المستوى: 27
mfa1 is just really nice
Icon114

جهد مشكور و معلومة قيمة
بارك الله فيك
__________________
  #4  
قديم 17-06-2013, 06:06 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New النصيرية وإجرامهم عبر التاريخ


الخطبة الأولى:

فيا عباد الله: التاريخ نذير قوم لا يغفل، وشاهد حق لا يكذب، إنه عبرة لمن تذكر وادكر، ولولا التاريخ لم يصل إلينا خبر ولا أثر، فهو غذاء الأرواح، وعنوان الأمم، وخزانة أخبار الناس والرجال.

من تأمل التاريخ استنار قلبه ورشد عقله وحسن رأيه لأنه يعيش عصره بتجارب غيره، ومن حوى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره.

أيها المسلمون:


إن الأمة التي لا تقرأ تاريخها، ولا تستفيد منه في حاضرها ومستقبلها، لهي أمة مقطوعة منبتة، ولو أن المسلمين في هذا العصر استوعبوا دروس الماضي لما أخطئوا في كثير من الأمور؛ لأن من سنن الله في خلقه أن كثيراً من الأحداث التي تقع في عصر من العصور لا تلبث أن تتكرر في عصور أخرى، يقول المؤرخ ابن الأثير: "وإنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره، فيزداد الإنسان بذلك عقلاً، ويصبح لأن يقتدي به أهلا".

وما تشاهدونه وما تسمعونه من مذابح النصيريين في الشام، ونحر الأطفال، وهتك الأعراض، وتمزيق الأجساد.. والتاريخ وما أدراك ما التاريخ مليء بما لا يتوقعه العقلاء، ولا يتخيله الأعداء.. وربما أن ما طوي ولم يدون أكثر مما دون.


ذكر المؤرخ ابن كثير في أحداث سنة سبع عشرة وسبع مئة: أن النصيرية انقلبوا على المسلمين بسبب طاعتهم لضال منهم ادعى أنه المهدي... وحملوا على مدينة جبلة قرب اللاذقية- فدخلوها و***وا خلقاً من أهلها، وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي... وسبوا الشيخين، وصاح أهل البلد واإسلاماه، واسلطاناه، واأميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله - عز وجل -... وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي، الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك. آه.

وما أشبه الليلة بالبارحة، هاهم يفعلون بأهل الشام ما فعله أجدادهم قبل سبعة قرون!!

وبرزت خيانتهم في مسير الصليبيين إلى الشرق الإسلامي لانتزاع بيت المقدس فيما عرف بالحملات الصليبية؛ ذلك أن أول مدينة وطئها الصليبيون كانت أنطاكية، وكانت حصونها شاهقة، وقلاعها صامدة، وأهلها أشداء، وحاصرها الصليبيون سبعة أشهر عجزوا عنها حتى تسرب اليأس إلى قلوبهم، ونفدت مئونتهم، وجاع جندهم، وبدأ الفرار والتفلت والعصيان يظهر فيهم، حتى كان المنقذ لهم النصيريون في داخل أنطاكية؛ إذ كان فيروز أحد زعماء النصيرية موكلا بحماية أحد الأبراج فاتصل بالقائد الصليبي بوهيموند، وفتح له البرج الذي كان يحرسه، فدخل الصليبيون أنطاكية وأبادوا أهلها، ثم ساروا إلى بيت المقدس فاحتلوه، واستمر التواجد الصليبي في بلاد الشام قريبا من مئتي سنة، بسبب خيانة النصيريين في أنطاكية، وخيانة العبيديين في القدس.

وفي تاريخ العلويين الذي كتب أحد النصيريين، استعرض فيه جملة من أفعالهم بالمسلمين، وخيانتهم لهم وسوغ خيانتهم بأنهم طائفة قليلة ضعيفة، وذكر في تاريخه أن القائد التتري تيمورلنك كان نصيريا؛ ولذا تحالف معه النصيريون ضد المسلمين، وأنه أتى بجيوش جرارة في الثلث الأول من القرن التاسع بعد أكثر من مائتي سنة على الغزو التتري الأول والمشهور، فاستولى تيمور لنك على بغداد وحلب والشام، وكان مشايخ النصيرية يبشرونه بالفتوح وإبادة المسلمين، ويحرضونه على ذلك، وكان أمير حلب نصيريا قد راسل تيمورلنك خفية واتفق معه على أن يدهم حلب ويبيد أهلها وهو أميرها، وذكر المؤرخ النصيري أن ألوفاً من أهل حلب أبيدوا، وهرب بقيتهم من بطش التتار، ولم يسلم إلا النصيريون؛ لأنهم كانوا عيوناً للتتر وعوناً لهم على المسلمين، حتى ذكر أنهم شكلوا من رؤوس أهل حلب تلالا، وأن ال*** وهتك الأعراض و***** الناس كان منحصرا في السنيين فقط.

واتجه تيمور بعد انتهائه من حلب إلى الشام وهي دمشق، فجهز النصيريون أربعين فتاة منهم فاستقبلنه وهن يبكين وينحن ويلطمن وجوههن ويطلبن الثأر، وينشدن الأناشيد المهيجة على الانتقام لآل البيت زاعمات أنهن من آل البيت جيء بهن سبايا! يقول المؤرخ النصيري تعليقاً على هذه الحادثة: فكان ذلك سبباً في نزول أفدح المصائب التي لم يسمع بمثلها بأهل الشام.

ويذكر المؤرخ النصيري أن الشام أفلت حضارتها بعد استيلاء تيمور عليها، واندثرت ثروتها، وعدمت صناعتها.

وأنه قضى على أكثر أهل السنة فيها، حتى جاء النصيريون من حلب فاشتروا دماء البقية من الشاميين بأحذية عتيقة على ما طلب تيمور، وكأنه اتفاق بينهم وبينه لإذلال البقية من أهل السنة.

قال المؤرخ النصيري: ولم ينج من *** تيمور في الشام إلا القليل، وأمر تيمور ب*** السنيين واستثناء النصيريين، حتى قُتل بالخطأ أحد شيوخ النصيريين فأمر تيمور جنوده بالكف عن *** أهل الشام.

واستباح تيمور دمشق سبعة أيام وأباحها لجنوده فكانوا يغتصبون النساء حتى في المساجد، وقيل إنه في كل دمشق لم يبق فتاة عذراء بعد الأيام السبع.



يا رب أم وطفل حيل بينهما *** كما تفرق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت *** كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة *** والعين باكية والقلب حيران
لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ مِن كمَدٍ *** إن كانَ في القلب إسلامٌ وإيمانُ

فتلك بعض أفعالهم التي سجلت في كتب التاريخ، ونقلها مؤرخ نصيري منهم، لا يمكن اتهامه بالتحيز ضدهم.. تاريخ يحكي آلام المسلمين من الباطنيين، ويفصح عن عذاب أهل الشام بأيدي النصيريين.. تاريخ ينضح باللؤم والغدر والخيانة، ويقطر بالدم.

الخطبة الثانية:


سئل شيخ الإسلام بن تيمية عن طائفة النصيرية، فأجاب رحمه الله: "الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها، يدعون أنها علم الباطن، فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه، إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من *** قولهم: إن "الصلوات الخمس"معرفة أسرارهم و "الصيام المفروض" كتمان أسرارهم "وحج البيت العتيق" زيارة شيوخهم، وأن "يدا أبي لهب هما أبو بكر وعمر"، وأن: "النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب"، ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين. كما ***وا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة و***وا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم؛ وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام".

وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم، ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين.


ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره، فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام و***وا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم.



عبد الرحمن الجليل
__________________
  #5  
قديم 17-06-2013, 10:28 PM
سوريا جنة سوريا جنة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
العمر: 31
المشاركات: 17
معدل تقييم المستوى: 0
سوريا جنة is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا على هذه المعلومات والله يورجينا فالشيعة عجائب قدرته
  #6  
قديم 18-06-2013, 01:24 AM
the minesweeper the minesweeper غير متواجد حالياً
معلم لغة انجليزية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 558
معدل تقييم المستوى: 12
the minesweeper is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا لفضح هذة الفرق الضاله
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:37 PM.