أخلاق السيادة

[abomokhtar]

من هو السيد ؟
السيد.. من كان العفو ديدنه.. ملكت فأعفو .
أوردت كتب السيرة أن نفرا ًمن المشركين غاروا على المدينة.. فنهبوا من مال الصدقة فأدركهم سلمة بن الأكوع.. وكان لا يسبقه أحد.. فلما رأوه تركوا ما معهم.. فلحق به النبي (صلى الله عليه وسلم).. وبحوزته كل ما أخذوه.. وقبض وقيد كل من لحق به.. وسلمة رضي الله عنه يريد أن يأتي بهم جميعا ً ..فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ملكت فأعفو .
فيا من ملكت وصار بيدك الأمر وصارت لك السيادة والريادة.. فليكن العفو سبيلك.. والصفح ديدنك .
فالعفو صفة الرب "إن ربنا لعفو غفور"
العفو سبيل محمد (صلى الله عليه وسلم ).." لا يجازي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح "
حتى لا يقال أن أهل العفو قد ماتوا على عهد عمر رضي الله عنه.. أمسك أربعة أبناء بقاتل أبيهم.. وأتوا به إلى عمر في مجلسه.. فاعترف الرجل بجنايته.. وأقر بجريمته..وجيء ليقتص منه..فاستأذن بأن يتركوه ثلاثا.. يذهب إلى مدينته.. فيكتب وصيته.. ويؤدي دينه ..ويودع ابنه وزوجه .
فقال عمر : من يضمنك ؟
فقال أبو ذر رضي الله عنه : أنا أضمنه يا أمير المؤمنين .
ومرت الثلاث.. وجاء الرجل في الموعد المحدد .
فقال عمر : ما حملك على المجيء..وأنت تعلم أنه ال*** .
قال : حتى لا يقال : أن أهل العهد قد ماتوا .
فقال عمر لأبي ذر : ما حملك على أن تضمنه وأنت لا تعرفه ؟
فقال : حتى لا يقال أن أهل المروءة قد ماتوا .
فقام الأربعة وبصوت واحد قالوا: عفونا عنه
فقال عمر : ولم ؟
فقالوا : حتى لا يقال أن أهل العفو قد ماتوا .
"لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ"
ابتلاء وإيذاء استمر سنوات وسنوات.. كادوا له كيدا.. ألقوه في غيابة الجب.. بيع كالرقيق..وشروه بثمن بخس دراهم معدودة.. تعرض للفتنة.. ألقي في السجن بضع سنين .. ولما صارت له الريادة والسيادة لقطرنا الحبيب مصر.
جاء أخوته معتذرين .
قالوا : " قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ "
قال " قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " .
إنه الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم .
اذهبوا فأنتم الطلقاء
خلق سيد ولد آدم.. سبيل سيد الأولين والآخرين .. فبعد إيذاء وابتلاء.. و*** وتشريد.. ونهب وتخريب.. وقطع للطرق.. وتوقيف للمصالح.. مقاطعات اقتصادية.. ومضايقات اجتماعية..استمرت ثلاثا وعشرين سنة .. صفتها " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ "" يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً "
ولما صارت له السيادة والريادة.. وملك الأمر كله .
قال: ما تظنون أني فاعل بكم ؟
قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم .
قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء .
حقا والله إنها أخلاق الملوك..إنه العفو والصفح .
لا مكان ولا زمان للتشفي والانتقام.. وهذا الذي نرجوه
نرجو أن يوفق الله الأطراف المتصارعة لمصلحة وطنية.. نعلي فيها ونقدم مصلحة مصر على كل مصلحة..وأن يكون ديدننا العفو والصفح " لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ".
هذا هو السيد .. السيد من ملك عفا.. السيد من يجبر الكسر ويستر العيب ويرقع الخرق.. السيد من يقدم محاب الله على محاب نفسه عند غلبات الهوى .



تراجي الجنزوري