|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ليس على المبدع حرج
لأني كاتب لي مقالاتي الفكرية ومحاولاتي الأدبية ودراساتي البحثية فأنا معني بحرية الفكر والإبداع، وأنا مع هذه الحرية حتى النهاية ضد التابوهات الجامدة.. فأين إبداعي إذن إن كنت لن أتجاوز ما تناوله السابقون ولو عبر استنساخه بأساليب صياغة حديثة ؟ لابد من تجاوز حواجز الصمت لصناعة إبداع جديد غير تقليدي وغير مستنسخ وغير مستهلك مع إنتاج أفكار لم تخطر ببال من قبل.. ومع ذلك فإن حرية الفكر والتعبير والإبداع أجل وأسمى من حرية الشتيمة والسباب وحرية الابتذال أو حرية الاعتداء على حقوق الآخرين.. إن المجانين فقط في هذه الحياة هم الأحرار الحقيقيون الذين لا يحاسبهم احد على حريتهم المطلقة، فماذا يملك العاقل إزاء تصرف شخص مجنون سواء قذفه بكلمة أو قذفه بحجر ؟ بالتأكيد لا يملك العاقل إلا أن يقول: ليس على المجنون حرج.. وحتى لا يأتي اليوم الذي يقول فيه المجتمع: ( ليس على المبدعين حرج) لابد من وضع ميثاق شرف يضمن لحرية الفكر أن تكون تنويرا دون أن تكون إساءة، وأن يظل الإبداع بلا حدود إلا أن يكون جنونا أو مجونا، فلابد من وضع ميثاق الشرف هذا والتزام الجميع به حتى لا تتحول الساحة الإبداعية إلى حانة لتجميع السفاهة أو تجمع السفهاء، ومن أهم بنود ميثاق الشرف الفكري الإبداعي المقترح: 1 – احترام ثقافات الشعوب وعدم تسفيه عقولهم، فمن التعريف الأولي للثقافة أنها نسبية وأنه ليس هناك ثقافة أعلى من أخرى، وبالتالي لابد من احترام جميع الثقافات، والدين عند الشعوب من مكونات الثقافة – وفي التصور الإسلامي هو أبو الثقافة - ، ولذا فالدين أيا كان غير خاضع للتسفيه ولكنه خاضع للحوار الأكاديمي والعلمي والعقلي المحترم الذي يحترم الآخر ويجادله بالتي هي أحسن، فحرية الدعوة للأديان مكفولة وبالتالي فهي تتعرض للمغالطات أو الأخطاء التي يراها المتدين للدين الآخر، لكنه يفند هذه الأخطاء ولا يسفهها ولا يخلط بين نقاشها النقاش الموضوعي وبين أن ينسب إليها ما ليس منها أو أن يسخر منها ومن أتباعها ويصفهم بصفات يشمئزون منها، إن من شأن هذا كله في علوم النفس أن يحفز هذا الآخر للدفاع عن معتقداته والتعصب لها بعقل منغلق لا يقبل الحوار ولا المجادلة. 2 – احترام ما ليس للناس دخل فيه كاللون والجنس والطبقة الاجتماعية فهي وقائع جبرية لا اختيار لهم فيها، فالسخرية من ذوي البشرة السوداء أو جنس بعينه أو الطبقات الاقتصادية المتردية إساءة وليس فيه أي سمة من سمات الإبداع ولا الحرية.. 3 - احترام مقدسات الشعوب وتاريخهم، لعل هذا العنصر يكون مضمنا في احترام الخصوصية الثقافية للمجتمعات المختلفة، ولكن إفراده بالذكر لأن مقدسات المجتمعات وتاريخهم البشري هي أهم ما يتم الاعتداء عليه والإساءة إليه في ظل فوضى إبداعية و حرية غير عاقلة لا تنضبط بمواثيق الشرف وضوابط العقل، وإذا كان تاريخ الشعوب محرم على المبدعين في مجال الفنون والآداب، فهو ليس مقدسا بالنسبة للدراسات العلمية والأبحاث التاريخية الجادة والهادفة التي تسعى لإبراز الحقائق بالأدلة والبراهين والنظريات، فليس ما يباح أمام العلم يباح أمام الفن اللاهي أو الأدب الساخر. 4 – عدم الابتذال أو التلصص على خصوصيات الناس ونقل عنهم ما يأنفون أو يستحيون من نقله والترفع عن ثقافة دورات المياه، لأننا جميعا نعرف ما يجري فيها ولا نحتاج وصفا تفصيليا لها، ولأنها مألوفة وعادية وليست فيها أي إبداع أو تميز أو حداثة، ولأنها تضاد الانتخاب لما هو جميل الذي هو طبيعة الأدب والفن وأهم شروطه، وفنون دورات المياه وغرف النوم وغيرها من الفنون التي تستلزم بطبيعتها إطفاء الأنوار أو تخفيض إضاءتها، هي ما يمكن أن نطلق عليها ( فنون الظلام) لأنها تهيج الغرائز دون أن تخاطب العقل، وتنحط بالرغبات دون أن تسمو بالوجدان، فأي إبداع في أن تنقل صورة حية لما تمارسه كل الكائنات من نبات وحيوان وإنسان؟ ليس على المجتهد قيود: اللافت حقا أن جميع ما ورد في ميثاق الشرف هذا مما يقبله العقل ويفرضه المنطق ، قد دعا إليه الإسلام: 1 - الإيمان بجميع الأنبياء والرسل ( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) البقرة285 2 - تقدير جميع الشعوب والأجناس وعدم التميز بينهم باللون أو الجنس أو المكانة الاقتصادية ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )الحجرات13، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.. الناس سواسية كأسنان المشط 3 - عدم الإساءة إلى رموز غير المسلمين الدينية ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون )الأنعام108 4 - احترام خصوصيات البشر ومعالجة الكليات التي تهم شؤون حياتهم دون التدخل في التفاصيل الدقيقة المتروكة لكل فرد حسب ذوقه وطبيعته.. فالإسلام قد نظم الشؤون الحياتية حتى ( الخلاء ) قضاء الحاجة ودورات المياه، وحتى العلاقة بين الزوجين والمعاشرة بينهما في أطر عامة وبالتعبير عنها بالألفاظ العفيفة الطاهرة التي لا تخدش حياء ولا تثير غرائزا وتسموا بالمشاعر الإنسانية فوق العورات والسوءات، لكنه مع ذلك يحرم إفشاء لحظات الاستمتاع الشخصية، لأنها لحظات إبداعية ترتبط بالشخص ذاته وقدرته على إبداع ما يحقق له ولشريكه قمة المتعة، وهذا إبداع لا ينقل ولا يقلد، وتكمن قمة متعته في قمة إبداعه 5 - حرية الاجتهاد مكفولة فالمجتهد مأجور في جميع الحالات، فمن أخطأ فله أجر، ومن أصاب فله أجران. فالمجتهد في الإسلام ليس عليه حرج، والمجتهد هو مبدع يسعى للوصول إلى صيغ لم يسبقه إليها أحد، فليس على المبدع حرج طالما لم يتجاوز ميثاق الشرف الإنساني الذي يحمي حريته في الإبداع في إطار حماية حقوق الآخرين..
__________________
|
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|