|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]()
ما إن يقارب الولد أو البنت سن البلوغ حتى يفاجأ الوالدان بأنهما أمام شخصية جديدة أكثر عنادًا وأقل طاعة وأكثر جموحًا ورغبة في الاستقلال، فالمراهق يعتقد أن الاستقلال حقه، وأن احترامه وتقدير شخصيته مسألة مقدسة، وأن له قرار اختيار المستقبل.. إنه يناقش ويفاوض ويحارب على جبهتين في وقت واحد: الأولى هي جبهة عدم استقراره على الثقة بنفسه، والثانية ضدنا نحن الآباء والأمهات.
فإذا قررنا أن نعطيه الاستقلال فجأة فإنه يرفض لأنه 'ممنوح' وليس 'مغتصبًا'، فهو يفضل أن يكون بطل حرب الاستقلال والتحرير في البيت على أن ينمح الاستقلال فجأة ودون سابق إنذار، وعندما نعطيه الاستقلال المفاجئ يبدأ في الخوف وفي السؤال عن المساعدة، فإذا قلنا له: إنه في حاجة لمساعدتنا يرفض ذلك بشدة وب***، فالمراهق يظن أن الكل لابد وأن يكون في خدمة رغباته واستقلاله دون أن يقلل ذلك من شأنه، وهذا تعبير عن القلق العظيم الذي يعيشه المراهق، إنه قلق بين ضرورة تحقيق الاستقلال وبين رغبته الدقيقة في أن يعامله الأبوان بمزيد من الرعاية والحب الاحترام! تعالوا نقترب من الآباء والأمهات والمراهقين نستمع إليهم ونعرف شكواهم لعلنا نصل إلى كلمة سواء ترضي جميع الأطراف. أنـا حـر إحدى الأمهات بلغ ابنها الوحيد ثلاثة عشر عامًا فلاحظت عليه خشونة الصوت وتغير شكل وملامح الوجه والجسد. وامتد التغيير إلى سلوكه أيضًا فأصبح يرفض كلامها ولا يقبله ويعلو بصوته عليها وكل شيء تطلبه منه يأتيها الرد: 'أنا حر'، 'أنا رجل'، 'أنا لست صغيرًا'. تتساءل الأم في حيرة: لا أعرف ماذا أفعل معه؟ هل أضربه أو أرد عليه رفع صوته بمثله أو أتحلى بالصبر واللامبالاة.. ماذا أفعل؟ الابن بدوره يشكو من أمه ويقول: والدتي تبالغ في الكلام، فأنا مطيع ومؤدب.. إلا أنهم في البيت يفرضون عليّ كل شيء، وعندما أرفض يتهمونني باتهامات لا أساس لها مثل: 'أنت غير مؤدب' و'أنت لا تستمع إلى الكلام'.. وهكذا طول اليوم اضطهاد، وأنا الذي أتحير في معاملتهم وأشعر بالكبت والضيق في المنزل من هذه المعاملة. تلك المواجهة بين الأم وابنها ليست فريدة من نوعها، بل واحدة من آلاف المشكلات بين المراهقين وأوليائهم، فماذا يقول الاختصاصيون في ذلك؟! يقول الدكتور محمد شعلان أستاذ الطب النفسي: عندما يشعر الأبناء في هذه الفترة 'مرحلة المراهقة' بالكبت أو الضيق فلا بد علينا كأمهات وآباء أن نتحاور معهم بهدوء وسعة صدر، وأن نتفاهم معهم ولا نفرض عليهم شيئًا لا يريدونه أو رأيًا لا يعجبهم.. بل ويكون التفاهم بين الوالد والابن أو الأم والفتاة في هدوء وبالمحاورة السلمية، وأن يصلا معًا إلى حل لا يغضب الأبناء ولا يقهرهم ولا يضيق عليهم، بل نحاول أن نريحهم حتى لا يشعروا بهذه الدرجة من الضيق. وسادتي مخبأ أسراري: وهذه فتاة عمرها خمسة عشر عامًا، ما إن سألتها عن مشاعرها وأحاسيسها حتى انفجرت كالبركان: أناجي ظلمة الليل وأهمس لوسادتي، وحينما أضع رأسي عليها فكأني أضعه على صدر أمي الحنون التي افتقدتها رغم وجودها إلى جانبي.. كثيرًا ما سمعت أن الأم هي الصدر الحنون لابنتها، ولكن لم أجد ذلك ولم أحسّه يومًا مع أمي، فقد كانت قريبة مني وبعيدة عني! كلما احتجت لها لم أجدها بجانبي. أواجه مشكلاتي وحدي. لم تأتِ يومًا تسألني ما بي؟ شغلها الشاغل معدتي ومظهري، ومضت الأيام يجر بعضها بعضًا والفجوة بيني وبينها تزداد.. كم أنا حائرة في أمر أمي.. لماذا لا تحبني؟ لماذا تكثر لومي وعتابي.. ولماذا ت***ني لأتفه الأسباب ويعلو صوتها بالتهديد والوعيد؟ لماذا تعاملني كطفلة؟ لقد فهمت شيئًا من الحياة، وأصبحت لي مشاعر وأحاسيس عليها أن تراعيها. الأم تفاجأت بما أخبرتها عن معاناة ابنتها وقالت: إنها ابنتي الغالية، وأنا أعاملها كإخوتها ولم أتنبه يومًا لما ذكرت لي.. لكن ما الحل؟! الدكتور محمد الصغير: استشاري الطب النفسي وجه النصيحة للفتاة بقوله: بادري بإبداء ملاحظاتك لمن حولك على الطريقة التي يتعاملون بها معك، خصوصًا أمك التي قد تكون غافلة عن هذه الجوانب ولكن لديها القدرة والقابلية للتفاهم والتعاون ومستعدة للاستماع لك. فلماذا لا تجلسين معها على انفراد وتحادثينها بكل وضوح عن كل ما تريدين وكل ما تشعرين به؟ وإذا لم تتجاوب والدتك أول مرة فأعيدي الكرة مرة أخرى في أوقات وظروف أفضل، فإذا لم توفقي فاستعيني بمن ترينه مناسبًا من الأقارب من أخواتك وإخوانك أو خالاتك. ووجه الدكتور الصغير كلمة للأم بالاهتمام بابنتها وأن تتلمس معاناتها ظروفها وتساعدها في التغلب على العقبات التي تواجهها خلال هذه المرحلة الحرجة من العمر كما ينصح بالاطلاع على الكتب التي تهتم بقضية المراهقة. برج عال للمراقبة: ن. م فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، يقلقها ويشغل بالها إحساسها الزائد بعدم الحربة في تصرفاتها أو اتخاذ قراراتها، تقول: أي شيء أريد عمله يقابل بالرفض من قبل والدتي، سألتها عن الأشياء التي ترفضها أمها؟ فأجابت: لا يمكنني أن أرتدي الملابس بحريتي، ولا يمكنني الذهاب إلى أي مكان بمفردي، وكل هذه التصرفات تشعرني بالضيق وكبت الحرية، وأشعر أن أمي تقف فوق برج عالٍ لمراقبتي لترصد تحركاتي ثم ترفض كل شيء أريد فعله، كل هذه المراقبة تشعرني بأنهم يشكون ويسيئون فهم تصرفاتي. أما الأم فترد بأن ابنتها هذه متعِبة للغاية، وهي تبالغ في كلامها وتقول: أنا ووالدها لم نحرمها من شيء في حياتها، إلا أني أرفض الأشياء غير اللائقة بنا كمجتمع مسلم، تخيلي أنها تريد مثلاً ارتداء ملابس قصيرة وتخرج بها من البيت، وتقول: مثل صديقاتي.. والحقيقة إنني لا أشك فيها لأني متأكدة من أخلاقها، ولكني فقط أخاف عليها، فهي ما زالت صغيرة ولا تمتلك خبرات كافية. الدكتور: حسن يسري أستاذ الطب النفسي. يحلل هذه الحالة بقوله: إن المراهق بصفة عامة يتصف بالتقلبات المزاجية والعواطف المتغيرة، ويكون رأيه مترددًا وسطحيًا، وحكمه على الأمور حادًا، ومن صفاته في هذه المرحلة التمرد والعصيان للأوامر، ويحاول مقاومة السلطة، ويكره فرض الرأي عليه لإثبات ذاته والخروج على التقاليد والقوانين والأسس المحيطة به. المراهقة في نظر علم النفس الحديث مرحلة نمو طبيعي، المراهق لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو، طالما صار في مجراه الطبيعي وفقًا لاتجاهات المراهق الانفعالية والاجتماعية. إن من أهم المشكلات التي يتعرض لها المراهق في حياته اليومية. والتي تحول بينه وبين التكيف السليم، هي علاقته بالراشدين، وعلى وجه الخصوص الآباء ومكافحته التدريجية للتحرر من سلطاتهم، من أجل أن يصل إلى مستوى الكبار من حيث المركز والاستقلال.. تلك هي أمنية المراهق الأولى، إلا أنه يواجه المرة تلو الأخرى برغبة أكيدة من الآباء، حيث يطلبون منه تبعية الطفل، وينكرون عليه مكانة الكبير، ومسؤولياته في المجتمع. وفي الكثير من الأحيان يتدخلون في شؤونه الخاصة، فينهالون عليه بالأسئلة العديدة عن سلوكه وأصدقائه، فيبدأ صدامه مع سلطة الكبار ويصبح المنزل كأنه مركز 'شرطة'. شكوى الأمهات: إذا كان المراهقون يشكون من الآباء والأمهات فإن الأخيرين أيضًا يشكون من تصرف المراهقين. ** تقول هند أحمد 'أم لسبعة أبناء': إن المراهق يعتبر نصائح والديه دليلاً على عدم الحب، فهو يشعر بأن حب والديه حب غير كاف لا يشبع حاجته الشديدة إلى العاطفة، ما يجعل هذه الفكرة تسيطر عليه.. فيخلق في نفسه تصورات خاطئة تؤثر عليه كلما كبر وترعرع. أم سماح 'أم لأربعة أبناء' أكدت وجهة النظر السابقة بقولها: ابنتي البالغة من العمر 14 سنة ظلت فترة تلح عليّ بالذهاب إلى المدرية لإرجاعها إلى البيت لكني أصررت على أن تركب [الحافلة] مما جعلها تثور وتصرخ في وجهي قائلة: 'إنني أكرهك لأنك لم تحبيني مطلقًا.. إنك لم تصغ لي في أي شيء مطلقًا، وكنت معي باستمرار امرأة غير متفهمة. صدمتني عباراتها لأول وهلة وشعرت بالألم والضيق.. ولكن ذكريات قديمة تتابعت فجأة في خاطري وتذكرت أيام طفولتها عندما عاشت مشاجرات دائمة بيني وبين أبيها، وكنت أتركها تسترسل بالبكاء. وكنا نعاقبها على بعض سلوكياتها دون توضيح السبب لها.. والآن ما زالت ابنتي تحتفظ باستيائها مني حتى وصلت إلى رحلة الانفجار عندما لم أحضرها من المدرسة. أجواء منزلية: يتوقف تكيف ونمو المراهق، بدرجة كبيرة على اتجاه الوالدين وعلى الأجواء السائدة في المنزل، وهي ليست من نمط واحد، فبعض البيوت تبدو أماكن طيبة لرعاية الأطفال، بينما تبدو أخرى على العكس منها. هذا ما خرجنا به من جولة داخل بعض المنازل: تقول 'لمى ماجد': البيت الذي يمتلئ بالصراع والمشاجرات والاستياء بين الأب وأبنائه والذي يفتقر إلى العلاقات الاجتماعية الطيبة بين أفراد العائلة أو بين العائلة والعالم الخارجي.. ينتج لنا مراهقًا غير متكيف يميل إلى قضاء مزيد من وقته خارج المنزل، كما يدفع الفتاة إلى قبول أي خاطب يتقدم إليها اعتقادًا منها أنه أيًا كان حال هذا الزوج فهو أحسن من منزل والديها. أما أم أحمد الخالدي فترى أن المنزل الذي يحترم شخصية المراهق وينمي قدراته وميوله واتجاهاته ويترك له حرية التفكير والتعبير في حدود مصلحة الجماعة وبضوابط معينة يحقق نجاحًا باهرًا، فنحن بذلك نجعل حركته مضبوطة كحركة المرور في الميادين العامة لتحقيق أهداف سامية.. وهذا عن تجربة لمستها شخصيًا مع أبنائي الستة الذين جعلت من كل واحد منهم مراهقًا يستطيع تحمل تبعات وأعباء الحياة، قادرًا على التفكير السليم والتعاون وتحمل المسؤولية والنهوض بالمجتمع. وتضيف فاطمة الطيب 'مشرفة اجتماعية وأم لخمسة أبناء': المراهقون الذين تظهر منازلهم اهتمامًا زائدًا بهم يكون سلوكهم أقرب إلى سلوك الأطفال.. فقد لاحظت أن المراهِقة التي عوملت بتساهل زائد عادة ما تجد صعوبة في الانفصال عن أبويها، فهي عندما تتزوج لا تريد من زوجها الخروج عن المدينة التي يسكن فيها والداها، وكثيرًا ما تتلقى هذه الفتاة من أمها التعليمات وتطبقها حرفيًا دون قياس مدى فاعليتها في حالتها ومنزلها، فهي تكون تابعة لأمها تمامًا.. وتؤكد بأن المنزل الذي يسود فيه التحكم الأبوي والسلطة واستخدام العقاب غير العادل سبب مهم في انحراف المراهقين.. مشاعر مكبوتة: * أكدت الدراسات النفسية أن مشاعرنا المكبوتة أيام الطفولة تحاول أن تجد لها مخرجًا في مراهقتنا أو في شبابنا.. إلا أن هذه المشاعر لا بد أن توجه أو تقنن.. فكيف نوجه مشاعر المراهق بالذات؟ ** تجيب أحلام الماجد: المراهق لم يعد الطفل الذي كان يستقبل من والديه أوامرهم ونواهيهم ويقبل ما يفرضون عليه من عقاب ونقد، وإنما بسبب ما طرأ عليه من تغيرات أصبح يميل إلى الاستقلال والانعزال عن مجال الأسرة والرغبة في تكوين صداقات وروابط عاطفية جديدة غير تلك التي كانت تربطه بوالديه أيام طفولته. وتضيف عواطف عبد العزيز 'أم لثلاثة أبناء' بأن مشاعر عدم الرضا عند المراهق التي لا يستطيع إظهارها ضد الآباء مباشرة تخرج إلى أهداف غير أهدافها الأصلية كالمدرسين ممثلي السلطة بشكل عام.. فعلى سبيل المثال: عندما تعتذر فتاة لأمها عن طلب المساعدة في أعمال المنزل بقولها: 'أنا متعبة جدًا' في الحقيقة هي تقصد: لا أرغب مطلقًا في مساعدة أمي في غسل الأواني وتنظيف المنزل؛ لأن هذا يجعلها تخضع لوالدتها، وهي في الواقع لا تريد ذلك الخضوع. كما أن المراهق عندما يواجه بعض النقد الشديد لبعض الأنظمة القائمة أو طريقة لبس والديه أو أثاث المنزل فإنه في الغالب يتضمن رغبة في التنفيس عن مشاعر مكبوتة لديه. تقول أم سهام محمد: العناد والتحدي يظهر بشكل واضح في هذه المرحلة، فكثيرًا ما نجد المراهق لا يرغب في تنفيذ المهام الملقاة إليه لأنها تصدر إليه على شكل أوامر، ما يُحِد في نظره من حريته واستقلاليته، كما يتضح لدى فئة المراهقين قبول التحدي في كثير من الأمور دون الإدراك بخطر هذا التحدي أو نتيجته حيث نراه في التفحيط أو الكتابة على الجدران أو عدم الانصياع لأوامر الكبار. وتوضح أم محمد 'أم لثمانية أبناء' أن ما يرجوه المراهق أن نفهم مشاعره ونقبلها على حقيقتها بنوع من العطف سواء كانت مشاعر طيبة أم سيئة. هذا 'القبول' أمر مهم جدًا.. فجميع المراهقين يطمعون فيه.. أتذكر أن ابنتي ذات السادسة عشرة شكت مرة لي عن سوء علاقتها مع إحدى صديقاتها فأجبت مستعجلة ستنسين هذه العلاقة لأنك مازلت صغيرة.. فسكتت ثم سمعتها تقول لإحدى صديقاتها: أمي لا تزيد في إدراكها عن 'عقل النملة'، أقول لها: إني مرتبطة بهذه الصداقة، فتقول: ستنسين ذلك؛ كأنه لا قيمة لمشاعري عندها، إنها لا تفهمني مطلقًا. حاولت استدراك الوضع، فابنتي بحاجة إلى أن تجد شخصًا يجعلها تشعر بالكبرياء وتركها تسترسل بالحديث ومشاركتها هذا الموضوع وقبوله من جميع النواحي، وبث نوع من النصائح في قالب غير قالب الأوامر والنواهي، إنما بسرد قصص أو بالتلميح، فهذا يجعلها تنجز أمورًا أكثر تعقيدًا وأهمية في حياتها بتعقل ورشد. فالمراهق عندما يشعر بأننا نتجاهل مشاعره ولا نحسب لها حسابًا، يؤدي به إلى ازدياد حنقه علينا وكراهيته لنا. نزاع المراهق والمراهقة: * كثيرًا ما يقوم النزاع والصراع بين المراهق والمراهقة في الأسرة الواحدة.. فما السبيل للإقلال منها؟ ** تقول أم رغد السالم: المراهق كثيرًا ما يشعر بمشاعر وأحاسيس عدوانية تجاه بعض أفراد الأسرة، فلابد من التخلص من هذه المشاعر وإخراجها بطريقة مقبولة، وخير وسيلة لذلك الرسم أو التصوير أو الشعر.. ليظهر الطرف الآخر بالشكل الذي يفرغ فيه انفعالاته.. وقد جربت ذلك مع أبنائي المتخاصمين فوجدت نتائج باهرة، فالمتخاصمان يتفقان بعد أن يرسم أو يكتب أحدهما مشاعره نحو الآخر ويحاولان علاج ما أدى إلى الخلاف بينهما. ثورة جامحة: * كثيرًا ما يبدو سلوك المراهق بالنسبة للراشدين غريبًا مقلقًا، لأنهم نسوا أو تناسوا ما مر بهم في مراهقتهم، وهنا يثورون ثورة جامحة تبدو في السب أو محاولة ضرب المراهق أو إهانته أو نبذه، فكيف نواجه سلوك المراهق وتصرفاته التي تخرج بنا إلى الغضب؟ ** أجابت أم عمر 'أم لتسعة أبناء': من أهم الحاجات النفسية لدى المراهق أن نعترف له بأن مشاعره طبيعية، ونهيئ الفرصة من جانبنا للتعبير عن هذه المشاعر، وفي الوقت ذاته نقوم بتوجيهه بشكل يقلل من درجة الأذى التي تصيب غيره بسبب سلوكه غير المعقول، مع عدم التعرض لأحاسيسه بشكل يزيد من حدة انفعالاته، وهذا أهم ما يصبو إليه المراهق بأن يجد المجتمع الذي يعيش فيه يعترف بوجوده كفرد ويحترم مشاعره. تحولات سريعة: * تنمو الفتيات عادة أسرع من الفتيان في العادة، ويسبب ذلك بعض المصاعب لأمها نظرًا لما ينطوي عليه ذلك من مشكلات نفسية.. فالتحول الذي يحدث للفتاة المراهقة عظيم الأهمية سواء من الناحية البدنية أو النفسية.. فكيف تواجه الأمهات هذا الحدث في حياة فتياتها؟! ** تجيب أم نورة فهد: إن الفتاة في هذه المرحلة تكون خائفة من الفشل ومن الرقابة ومن المجهول، والأم مطالبة دائمًا بالتعرف على مخاوف بناتها، حيث إن المعرفة والمواجهة أفضل بكثير من التجاهل الذي يؤدي إلى نتائج قد لا تحمد عقباها، وكثير من الفتيات يشعرن بالخجل والخوف من مصارحة الأمهات، ويعتقدن أن الصمت هو المنفذ الوحيد، وهذا اعتقاد خاطئ، فليست هناك وصفة سحرية، لكنها المشاعر الواعية الطبيعية التي تجمع الأم والفتاة معًا وتزيل الحواجز، وهو الحب الذي يعني الرعاية والفهم والتسامح والاقتراب من المراهقات في سن التحول واكتشاف الذات والعالم. وتقول أم أورى: وجدت ابنتي تبكي وعلامات الخوف والألم عليها، فسألتها عن ذلك؟ ففرحت لأنها قد حاضت لأول مرة.. فأدركت بأنني مخطئة عندما لم أمهد لها منذ أن لمحت علامات البلوغ الأخرى لديها. الدكتورة ميرفت إسحاق أخصائية نساء وولادة تقول للأمهات: إن بدء الحيض هو أبرز ما يحدث للأنثى في مرحلة البلوغ وأكثر إثارة، فكل التغيرات الأخرى تحدث بالتدريج وبدون الفورية والوضوح اللذين يحدث بهما الطمث الأول، وليس الحيض دائمًا وضعًا يسهل قبوله، ومن ثم من واجب الأم مساعدة ابنتها على أن تصبح امرأة كأن توضح لها مقدمًا بعبارات بسيطة ومطمئنة ما يوشك أن يحدث بالضبط، وذلك لإعانة الفتاة على تقبل هذه التغيرات بقبول حسن. ومن الواجبات الأخرى للأم التي تمر ابنتها بمرحلة بدء الحيض، تعريفها بالطريقة الصحيحة لحفظ الصحة الشخصية أثناء الحيض وفي حياتها اليومية. ومن المهم جدًا أن تسعى الأم إلى أن تكون قريبة من بناتها قدر الإمكان خلال هذه الفترة، لأن هذه التغيرات قد تؤدي إلى مواجهتهن بأزمات داخلية حقيقية تتعلق بوجودهن وكيانهن.. فعندما تحاول الأم الاستمرار في حوار صريح وواضح معهن فهي بذلك تساعدهن بالتغلب على هذه الأزمات، وتسهل علاقاتهن بمن يحيط بهن. حياة خالية من الأزمات: * كيف نحقق للمراهق حياة متوافقة خالية من الأزمات؟ ** تجيب الدكتورة سهير علي: عن طريق فهم أحسن، سألتها: كيف نحقق هذا الفهم الأحسن؟ أجابت أن نقيم العلاقات بيننا وبين أبنائنا المراهقين على أساسين مهمين: أولاً: أن نفهم مشاعر أولادنا.. ثانيًا: أن نفهم مشاعرنا نحن.. ومما يجب أن نفهمه من مشاعر المراهق.. أنه يريد أن يحبه الآخرون، وهو كذلك يريد أن يحب الآخرين حبًا صحيحًا عميقًا، ويريد أن يحب نفسه، ويريد أن يكون مثل الآخرين لكن له ما يميزه عن غيره. * ويضيف أحمد خالد: أحسن سياسة تتبع مع المراهق سياسة احترام رغبته في التحرير والاستقلال دون إهمال رعايته وتوجيهه، فهذه السياسة تؤدي من جهة إلى خلق جو من الثقة بين الآباء وأبنائهم، كما ستؤدي من جهة أخرى إلى وضع خطة واضحة نحو تكيف سليم، يساعد المراهق على النمو والنضج والاتزان. ** وتنصح أم فهد صالح 'أم لخمسة أولاد' بتشجيع المراهقين على تطبيق ما درسوه في المدرسة بشكل عملي، ما يجعلهم يشعرون بأهميتهم، فمثلاً: الفتاة التي تدرس الاقتصاد المنزلي يجب تشجعيها على القيام ببعض الأعمال في المنزل بحيث تتمكن من تنمية مواهبها بما لا يتعارض مع واجباتها المدرسية، فبهذا نكون قد قضينا على وقت الفراغ بما يعود عليها بالمفيد والنافع.. أما لو قوبل المراهق بالمعارضة عندما يحاول تطبيق خبراته المدرسية في المنزل، فإن ذلك يسبب له اليأس ويدفعه إلى الشك في قدراته.. ويضيف أبو مهند.. بأنه من الممكن أن يساهم الآباء بطريقة غير مباشرة في تكوين صداقات صالحة لأبنائهم عن طريق اختيار الصديق الصالح لأبنائهم عن طريق اختيار الصديق الصالح، فالمراهق الذي نشأ في بيئة تشجع العلاقات الاجتماعية على أساس من التعاون التسامح لا يجد صعوبة في اكتساب حب الآخرين. ويقول أبو عبد العزيز 'إمام مسجد': لا بد أن نجعل باب الحوار الصريح مفتوحًا دائمًا بيننا وبينهم، فمثلاً: عندما يأتي المراهق بدرجات منخفضة يجدر بالأب أن يقول: لا بأس يا بني.. أعلم أنك قد بذلك كل جهدك، ولكن لنبحث أين مواطن الخلل، ما يجعل الابن يسترسل في هذا ويتوصلان إلى حل.. وقد كان لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، حيث وجه عبد الله بن عمر عندما أراد تفسير رؤياه بقوله: 'نعم العبد عبد الله لو كان يصلي من الليل'، فما تركها عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - حتى وافته المنية. فبهذا الأسلوب اللين استطاع أن ينفذ إلى قلب الشخص وإقناعه بأمر عن طريق التوجيه وليس إلقاء الأوامر التي تفشل عادة في بلوغ الغرض.. ميول ودوافع: * يواجه الوالدان حرجًا في الحديث مع المراهق حول موضوعات حساسة.. فكيف يمكن تجاوز ذلك؟ ** يجيب الدكتور/ مصطفى فهمي 'اختصاصي نفسي': أنصح كل أب وأم بهذه النقاط في تعاملهما مع ابنهما المراهق: ـ المراهقون قد يشعرون بميول ودوافع تجاه ال*** الآخر، اشرح لابنك أن ذلك أمر طبيعي، وكيف يتغلب على ذلك بالاتجاه إلى الله وشغل وقت الفراغ بالمفيد. ـ يخجل الآباء التطرق إلى الموضوعات ال***ية أمام الأبناء في حين أن أذهانهم تدور فيها أسئلة كثيرة عن ال*** والتناسل والزواج، لماذا لا نشرح لهم عملية التناسل لدى الطيور والنحل. ـ التحدث مع المراهق حول ما يعرض بوسائل الإعلام، والأفضل أن يبعد عن كل ما يثير غرائزه. ـ المشاعر الطيبة يمكن أن تنبت بدلاً من المشاعر السيئة إذا عرف الوالدان كيف يعاملان أبناءهما، وخير وسيلة لذلك عدم تجاهل مشاعرهم. ـ لا بد من إيجاد تعاون كبير بين الآباء والتلاميذ والمدرسين، وقد أثبتت تجربة مجالس الآباء نجاحها في هذا السبيل. ـ لابد أن يجد المراهق في والده مرشدًا أو موجهًا يساعده على دراسة مشكلته وتحليلها، بأن يجمع المعلومات التي تتصل بهذه المشكلة، سواء كانت هذه المعلومات متصلة بالطالب نفسه أو متعلقة بالعالم المحيط به، ثم يفكر بالحلول المختلفة لهذه المشكلة، وعند ذلك يترك للمراهق حق الاختيار في الحل الذي يرى أنه أنسب إليه ولظروفه، والذي يتفق مع الحقائق التي تم التوصل إليها. ـ التقليل من أهمية مشاعر المراهق لا يفيد شيئًا، والمنع والزجر لا يفيد أيضًا فهذه وسائل تجعل المراهق يشعر بعدم الأمان والعزلة والرغبة الجامحة في إخفاء مشاعره، إلا أن الإنصات هو العلاج الناجح لذلك، فإذا ما انطلقت هذه المشاعر من سجنها، أصبح توجيه الأبناء أمرًا سهلاً. ـ نحن في حاجة إلى نمرن أنفسنا على أن نتيح للمراهقين فرصة إبداء الرأي والتعبير الصادق عن مشاعرهم وآرائهم فينا، وفيما نصدره إليهم من أوامر أو نواهٍ. ولا بد أن نتوقع أن المراهق في أحيان كثيرة يشعر نحونا بمشاعر الكراهية أو الحقد، وعلينا أن نعالج هذا بشيء من الحكمة وعدم إشعارهم بالذنب حتى نتيح الفرصة لهذه المشاعر لتظهر على حقيقتها وبصورة سوية، ذلك لأن الإنسان السوي قد يكره أحيانًا ويحب أحيانًا أخرى، وهذا أمر طبيعي، فإذا لم نحقق للمراهق ذلك فإنه قد يوجه مشاعره ضد الوالدين ويأخذ بذلك صورة التهديد أو العصيان أو الهروب من المنزل والسرقات من أفراد الأسرة كوسيلة للتعبير عن الكراهية.
__________________
![]() |
#2
|
|||
|
|||
![]()
الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الرجولة تمر بفترة حرجة على الإنسان وعلى والديه، وهذه المرحلة اصطلح على تسميتها " مرحلة المراهقة ".وقد دأب علماء النفس والتربية على تقسيم حياة الإنسان وتصنيفها إلى عدة مراحل تبعاً لصفاتها ومشكلاتها.
وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا يعاني الآباء والأمهات من أبنائهم المراهقين؟ ولماذا اعتنت الدراسات المتأخرة بهذه المرحلة بالذات؟ وهل هناك حلول عملية للتعامل مع المراهقين؟ إننا نشعر بأهمية كبيرة لمرحلة المراهقة في حياة الشباب، ذلك أن مرحلة الشباب في أي أمة من الأمم تُعتبر المرآة الصادقة التي تعكس واقع المجتمع ومدى تقدمه ونهضته. يقول الدكتور محمد عرجون في كتابه "الدين منبع الإصلاح الاجتماعي": إن الشباب هم عصب الأمة وموضع آمالها، وهم الذين يقودون الأمة في مستقبلها فإن لم يلق الشباب توجيهاً تربوياً يقوم على دعائم الوعي والفضيلة، والتمسك بآداب الدين والعلم والمعرفة، فإنه يذهب بكل عمل تعمله ويهدم كل بناء تبنيه". أ. هـ إن معاناة الآباء والأمهات مع أبنائهم المراهقين ناتج عن عدم معرفتهم وإلمامهم بصفات تلك المرحلة، والتغييرات التي تطرأ على حياتهم من الناحية الجسمية والنفسية، وكثير من الآباء يعامل أبناءه في تلك المرحلة على أنهم ما زالوا أطفالاً لا بد أن يستجيبوا لـه في أوامره و نواهيه، ونسي هذا الأب التغيرات الكبيرة التي طرأت على ابنه ودخوله في مرحلة أخرى، وهنا تنشأ المشكلة بين الوالدين وأبنائهم المراهقين. وتزداد صعوبة كلما ازداد ضغط الوالدين تجاه أبنائهم؛ فيحدث العناد والتمرد وينتج عنه مشكلات كثيرة. يقول د. مصطفى فهمي: "إن المراهقة مرحلة تغيير كلي شامل في حياة الفرد، وليست أزمة في النمو. على أنه إذا لم يجد المراهق التوجيه المناسب في هذه الفترة فلا شك أن حياته تتصف بالفوضى النفسية والانهماك في المشكلات ال***ية والعدوان المدمر، والتمرّد الهدام، وبذلك تصبح بحق أزمة من الأزمات". رسالة من مراهق إلى أبيه: أخي القارئ أنقل لك رسالة كتبها طالب في الصف الأول ثانوي عندما طلب منهم معلم اللغة العربية كتابة "رسالة إلى الأب" تتضمن مشاعرك تجاه أبيك. فكتب الطالب الرسالة التالية: بسم الله الرحمن الرحيم إلى: - أبي الغالي... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد أكتب هذه الرسالة وأنا في المدرسة. وقد وضعت كتابي حائلاً بيني وبين زميلي المجاور حتى لا يقرأ ما أكتبه... أتعرف لماذا يا أبي؟ لأني لا أريد أن أفشي أسرار منزلي. أبي العزيز... لم تُقصر علينا بالطعام والشراب والملبس وجميع هذه الأمور متوفرة ولله الحمد. ولكن هل تتوقع أن هذه الأمور تكفي؟! لا... لا يا أبي!! لماذا تعاملني بقسوة كبيرة... لا يمضي يوم بدون ضرب أو تهديد أو وعيد!! لا تريدني أن أخرج من المنزل، ولا تريدني أن أصاحب أصدقائي!! هل تذكر عندما تأخرت عن المنزل في أحد الأيام، وكان استقبالك لي بالضرب بالعصا حتى أثر في يدي تأثيراً بالغاً!!.. وعندما تغيّبت عن المدرسة وذهبت في اليوم التالي ويدي مصابة وسُئلت عن ذلك قلت لأصدقائي... كنت ألعب الكرة وسقطت على الأرض.... لا أريد أن يعرفوا أنها منك.... لماذا.... كل ذلك لأني أقدرك، وأحبك، ولا أستطيع أن أقولها أمامك؟! ألا تعلم يا أبي أني كبرت... ومللت من الجلوس في المنزل مع إخواني الصغار... ومللت أيضاً من كلمة ذاكر... ذاكر... اجتهد في دروسك.... وإذا لم اسمعها منك يوماً سمعتها من أمي.... ابنك المحب نعم هذه رسالة تحكي واقعاً ملحوظاً لكثير من الأسر في تعاملهم مع المراهقين بأسلوب الشدة وال***، وتكرار التوجيه دون مراعاة لفترة التحول الجسمي والنفسي في عمر المراهق، ولا بد أن نعي أن تلك الفترة من عمر الشاب تمثل مرحلة خطرة فعن طريقها تتكون اتجاهات المراهق وميوله ومستقبله، فالحرص الزائد من الآباء يولد نتيجة عكسية. إن الأسرة في ا لحقيقة تُعتبر المؤسسة الاجتماعية التي يتعامل معها الفرد منذ اللحظات الأولى في حياته، لذا كان لزاماً على الآباء والأمهات العناية بأبنائهم والتوسط في التعامل معهم، فالتوازن مطلب، ومعنى تحقق ذلك فإننا -على الأرجح- سوف نصل إلى تربية متميزة لأبنائنا. * صفات وسمات المراهقين: للمراهقين صفات تميزهم عن غيرهم. وفيما يلي نستعرض أهم تلك الصفات حتى نستطيع إدراكها والتعامل معها. أولاً: الميل إلى إثبات الذات والقدرات: وهذا الأمر يدفع المراهق إلى التحرر من قيود الأسرة، ويُفرط في الاستقلالية، ويرفض غالباً أي وصاية، ويميل إلى اختيار أصدقائه والارتباط بهم أكثر من أسرته. ثانياً: التهور والعناد: وهذه صفة واضحة في المراهق لإثبات رجولته، وعدم الانسياق لأسرته، ذلك أن فترة المراهقة تُعدّ جسراً ينتقل فيها من الطفولة إلى الرجولة، فهو يُريد أن يُظهر أمام الآخرين رجولته، وهذا الشعور يولّد لديه الرغبة في التهور والعناد دون التفكير في عواقب الأمور. لذا نجد أن هناك فئة من المراهقين بسبب التهور والاندفاع يقع في الجنوح الشديد من تعاطي المخدرات أو السرقة ـ أو التفحيط بالسيارة... وغيرها. ثالثاً: الميل إلى الغريزة ال***ية: تبلغ الشهوة منتهاها في فترة المراهقة، وغالباً ما يلجأ المراهق إلى أساليب عديدة في إشباع رغباته، وتختلف المجتمعات في التعامل مع تلك الظاهرة تبعاً للثقافات والموروثات الاجتماعية. فهناك فئة لا تراعي هذا الأمر مطلقاً وتحاول عدم إثارته أو التحدث مع المراهق بأي شيء يتعلق به. وفئة أخرى تركز على هذا الجانب، وتوضح للشاب المراهق بأسلوب واقعي خطورة الانسياق وراء المغريات أو الوقوع في شِراك الرذيلة. وهنا نقف وِقفة تستحق التأمل وإعادة النظر، حيث إن هناك فئة من أولياء الأمور يقعون في التناقض دون قصد منهم، حيث تجدهم يحذّرون أبناءهم من الانسياق وراء الشهوات والمغريات وفي الواقع العملي تجد أن في المنزل وفي معظم الغرف قد احتوت على مجموعة كبيرة من القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الأخرى " إنترنت "، وهذه القنوات تعرض في مجملها مشاهد العري والتفسخ التي تؤجج الغريزة، وتدفع الشاب إلى إشباعها والوقوع في الرذيلة؟! لذا كان لزاماً علينا الاختيار المناسب من القنوات الفضائية، والحذر من تلك القنوات التي تبث السموم لهدم القيم الأخلاقية والاجتماعية. رابعاً: الاضطراب والتقلّب في المزاج: غالباً ما يخضع المراهق لتقلّبات مزاجية ظاهرة وباطنة، ويتصف بالعصبيّة الزائدة، وهذا يدفعه إلى مشكلات سلوكية فيها نوع من العدوانية. كيف نتعامل مع المراهقين؟ لا يمكن لنا معشر الآباء والمربين أن نجيد التعامل مع المراهقين إلاّ بعد إدراك صفاتهم السالفة ورغباتهم وميولهم فعن طريقها تُضاء لنا الطريق. ثمة أمر مهم، يرد على ذهن الآباء أسئلة كثيرة، وتتوارد في خواطرهم مشاعر كبيرة وربما البعض منهم يرفع الراية البيضاء، إشارة منه بالاعتراف بالهزيمة وعدم القدرة والسيطرة على أبنائه المراهقين. ونقول: إن الحديث عن المراهقين لا يمكن أن يُكتب له النجاح إلا إذا تحققت فيه الواقعية وعدم المثالية، وما يعانيه أكثر الآباء واقع ملموس. ومَنْ مِنّا لم يعانِ في تعامله مع المراهقين؟! سواء كان أباً أو أماً أو معلماً. وسوف أستعرض أبرز النقاط التي تسهم بشكل كبير في التعامل معهم: أولاً: إن التغـيرات النفـسية لدى المراهـق تـحـتّم علينا أن نتعـامل معه بأسـاليب كـثيرة للوصـول إلى الأسلوب الناجح، ودون الاكتفاء بأسلوب واحد فقط، وهذا الأمر يتطلب منا الاستعانة بالله - عز وجل - والدعاء بصلاح الأبناء ثم الصبر... الصبر. وإذا لم يصبر الأب على أبنائه متى يصبر؟.. وإذا لم تصبر الأم على بناتها فمتى الصبر إذاً؟ دعونا نفكر ملياً: هل غضب الأب على ابنه المراهق وباستمرار يُغيّر من حقائق الأمور؟!... ألم نسمع دوماً من بعض الآباء قولهم: إن ارتفاع السكر والضغط بسبب أبنائهم المراهقين!! إننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة تعاملنا مع المراهقين. فليس عن طريق الغضب أو ال*** أو الشدة ننجح في التعامل معهم، قال – صلى الله عليه وسلم -: " الرفق ما كان في شيء إلاّ زانه وما نُزع من شيء إلاّ شانه". ثانياً: إن مساعدة المراهقين في اكتشاف قدراتهم ومواهبهم تسهم بشكل كبير في توجيهها إلى الهدف المنشود، وتصرف طاقاتهم فيما يفيد. وإذا أغفلنا هذا الجانب فإنه -وبلا شك- سوف يصرف طاقاته ومواهبه فيما يضر أو يكون رهيناً لتوجيه رفاق السوء. إن الطاقة المتوهجة لدى المراهق تدعونا إلى إيجاد المكان المناسب لممارستها. ومن أعظم الأمور أن نساعده على اختيار الرفقة الصالحة ليشاركهم في إبراز طاقاته وإبداعاته، والمجالات في هذا متعددة منها: حلق تحفيظ القرآن ـ أندية الحاسب الآلي ـ المنتديات المسائية في المدارس التي تحتوي على برامج متنوعة ـ ثقافية ـ رياضية ـ اجتماعية. إن الرفقة الصالحة تساعد المراهق على الاندماج في المجتمع والاستفادة من أوقاته وتريح الآباء في الاطمئنان على سلوك أبنائهم. ثالثاً: التغاضي عن الهفوات والزلاّت مطلب مُلح. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " يعجب ربك من شاب ليس لـه صبوة" حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/270 ومرحلة المراهقة والشباب مظنة الوقوع في الخطأ والتقصير المتكرر الذي يتطلب منا التغاضي عنها. كما قال الأول: ليس الغبي بسيدٍ في قومه *** لكن سيّد قومه المتغابي رابعاً: الغريزة ال***ية تشكل هاجساً لدى المراهقين، مما يدعونا إلى توخي الحكمة والحذر من إشباعها في المحرمات، والبحث عن السبل الكفيلة لتخفيف وطأتها لا سيما أن مرحلة البلوغ تبلغ ذروتها في عمر المراهقة. تحدثنا كتب السنة " أن فتى شاباً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه.. مه!! فقال - عليه الصلاة والسلام - ادنُ مني، فدنا الشاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتحبّه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال رسول الله: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك قال: لا والله جعلني فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على صدره وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهّر قلبه، وحصّن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" رواه الإمام أحمد 5/256. تأمل أخي القارئ هذا الأسلوب النبوي الكريم في معالجة هذا الشاب الذي ثارت غريزته وتأججت، حتى وصلت إلى الرغبة في إشباعها عن طريق الزنا. ولكن داعي الإيمان في قلبه أرشده إلى استشارة النبي الرحيم، فماذا قال - عليه الصلاة والسلام -؟. هل وبّخه؟!. هل أنّبه؟! لم يحدث ذلك مطلقاً بل أرشده بأسلوب حواري هادئ حرّك فيه غيرته على محارمه، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - بعد تهيئة نفسه: وكذلك الناس لا يرضونه على محارمهم. ثم دعا له - عليه الصلاة والسلام -. فما أعظمه من نبي ومن مربّ رحيم بأمته! أيها الأب المبارك إن الغلظة والجفاف من قبل بعض الآباء يولد النفور وهروب الأبناء، وارتكابهم الموبقات العظيمة، إن التعامل بالشفقة والحوار المبني على الاحترام يعيد ثقة الشاب بنفسه، ويحافظ عليه من الانحراف السلوكي. خامساً: إن التنوع في أساليب التربية والتعامل مع الأخطاء بالتوجيه تارة، وبالنظرة تارة، والإشارة تارة أخرى تشكّل لدينا منهجاً متكاملاً في التربية بعيداً عن التقليدية المفرطة في زمن التطورات المتسارعة. سادساً: هل المراقبة والمتابعة المستمرة تجدي مع المراهق؟ لا بد من الإشارة إلى أن مرحلة المراهقة تُعدّ من أخطر المراحل في حياة الإنسان. والدخول مع الشاب المراهق في دائرة المراقبة المستمرة، يورث لديه الشك في تصرفاته، وانتزاع الثقة منه مما يترتب عليه الوقوع في الكذب والاضطراب المستمر مع أسرته. إن المتابعة والاهتمام بأحوال المراهق عن بعد دون إشعاره بالمراقبة تضفي على شخصيته الهدوء والثقة في النفس، والتعامل الواقعي الصريح مع أسرته، وتجنّبه مخاطر الانزلاق، والدخول في دائرة الشك والريبة. سابعاً: إن تعزيز الصفات الإيجابية لدى المراهق، يدفعه إلى العمل ويحقق الثقة بالنفس والتفاعل مع مجتمعه. إننا نفرط في أغلب الأحيان بذكر السلبيات والتحذير منها أو التوبيخ عليها. علماً أن المدح والثناء على بعض الأعمال يشجع المراهق ويهيئه في نفس الوقت للابتعاد عن ممارسة وارتكاب الأخطاء. ثمة أمر مهم لا بد من العناية به، وهو عدم إدخال المراهق في مقارنات مستمرة مع أقرانه كقول البعض مثلاً: " إن ابن فلان أفضل منك حصل على الترتيب الأول في المدرسة ". هذا الأسلوب لا يحقق التحفيز لدى المراهق، بل يُثير في نفسه الحسد والحقد على قرينه، إضافة إلى تحطيمه. إن علينا أن ندرك أن القدرات والمواهب تختلف بين المراهقين، فعقد المقارنات مع اختلاف القدرات ينتج عنه التحطيم النفسي للمراهق، وربما يصل الحد إلى ترك الدراسة إذا كانت هي محور المقارنة. إن الله - عز وجل - لحكمته البالغة خلق لكل إنسان قدرة وموهبة تختلف عن الآخر، وعلينا اكتشاف تلك المواهب والقدرات، ونحققها على أرض الواقع ونستثمرها في صالح الإنسان ومجتمعه وأمته. إن تلك القدرات والمواهب في حال استثمارها تكوّن لدينا منظومة متكاملة في الأخلاق والقيم، وتهيّئ لنا بيئة خصبة للإبداع والتميّز في جميع المجالات. وبالتالي ينشأ المراهق في بيئة صالحة للعطاء وينظر لأسرته ومجتمعه بنظرة تفاؤل واستشراف للعمل والبناء. عبد الرحمن العبود
__________________
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|