#1
|
|||
|
|||
![]()
تفسير البسملة
الحمد لله الذي من أسمائه الرحمن، خالق الإنسان ومنزِّل القرآن، ومُردفه بالبيان، على لسان نبيه العدنان، الحافِظِ له بفَهْم الأَعلام، صحابة خير الأنام، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وبعد: فالبسملة اختصار لـ "بسم الله الرحمن الرحيم" كالحمدلة والصلصلة والحوقلة، جاء في فضلها حديث موقوف حُكمه الرفع، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من أراد أن ينجيه الله من زبانية جهنم، فليقرأ ويتعهد (بسم الله الرحمن الرحيم)، فعددها تسعة عشر حرفًا، يجعل الله له بكل حرف وقاية من خازن من خزنة جهنم". ومعناها الإجمالي: طلب العون والبركة من الله وأسمائه الحسنى صاحِبِ الرحمة الشاملة والخاصة قبل الشروع في القول أو الفعل. فالباء للاستعانة والتبرُّك، و"اسم" مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره، ومعناه اللفظ الذي وُضع للشيء لِرِفعة شأنه وتمييزه عن غيره، مشتق من السُّموِّ، وقيل: من السِّمة، والمعنى هنا: أستعين وأتبرك بجميع أسماء الله الحسنى؛ لأن المفرد المضاف يفيد العموم، كقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]؛ أي: جميع نعم الله؛ لأن ﴿ نِعْمَةَ ﴾ مفرد مضاف إلى اسم الجلالة. الله: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره، وهو أعظم اسم من أسماء الله الحسنى؛ لذلك جاء مُبَيَّنًا بعد العموم؛ لأن الخاص بعد العام يفيد الأهمية والشرف، ومعناه المعبود الذي يَتقرب إليه العباد حبًّا وتعظيمًا بشتى الطاعات، مشتق من ألَه يأْله إلاهة؛ أي: عَبَد يعبد عبادة، قال سبحانه: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُو ﴾ [الحشر: 22]، وقد استنبط المحققون من أهل العلم من هذا الاسم العظيم أن المخلوقات في الأصل لا أول لها؛ لأنه سبحانه وتعالى الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء في ذاته وأسمائه وصفاته، ويلزم من هذا الاسم وجود العباد له، فالمخلوقات في ***ها وأفرادها لها أوَّل كما لها آخر، أما في أصل الخَلق فلا أول له؛ لأن من أسمائه اللهَ والخالق والرب وغيرها، والله تعالى أعلم. الرحمن الرحيم: اسمان عظيمان من أسماء الله الحسنى، قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، وهما بدل من الله تابعان له في جره، وقيل: نعت. الرحمن: على وزن فعلان، وهذا الوزن يفيد السَّعَة والامتلاء؛ أي: صاحب الرحمة الشاملة التي تشمل جميع الخَلق، فلولاها لما رُزق الكافر قطرة ماء، قال سبحانه: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، فعرشه سبحانه يتوسط الكون ويعلوه، وهو سبحانه وتعالى فوق عرشه يُغدق رحمته على جميع خلقه. الرحيم: على وزن فعيل؛ أي: صاحب الرحمة الخاصة بالمؤمنين، فبها وُفِّقوا إلى طاعته وأُدخِلوا الجنة، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، وفي الحديث الصحيح: ((إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة))، فالجزء الأول يرجع إلى اسم الرحمن، والتسعة والتسعون جزءًا يرجعون إلى اسم الرحيم. وقيل: الرحمن الذي إذا سُئل أعطى، والرحيم إذا لم يُسأل يغضب، وهما مشتقان من الرحم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرَّحم، وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)). والجار والمجرور متعلق بفعل تقديره: "أبدأ"، ويجوز أن يُقدَّر اسمًا "ابتدائي" على أنه مبتدأ، والمشهور أن يُقدَّر فعلاً لبلاغته، ويجوز أن يُقدَّر خاصًّا: أقرأ أو أتلو، والأفضل - والله أعلم - أن يُقدر عامًّا "أبدأ"؛ لأنه يشمل جميع العبادات والأفعال، فمثلاً تلاوة القرآن فيها القراءة والتدبر والنظر إلى المصحف. والأصل أن يُقدَّر في أول الكلمة: "أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم"، لكن الأفضل أن يُقدر في آخرها: "بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ"؛ لأن تأخير ما حقُّه التقديم يفيد الحصر والقصر والاختصاص، فيكون المعنى: أي لا أطلب العون والبركة إلا من الله، وفي هذا إدخال للتوحيد في البسملة، الذي هو إفراد الله بالعبادة. وقد ذهب أكثر العلماء إلى استحبابها قبل الأقوال والأفعال؛ فبِها بدأ الله كلامه، وكان يبدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أكله وشربه وجِماعه ودخوله إلى الخلاء ودخوله إلى البيت وخروجه منه، وغير ذلك. واتفق العلماء أنها جزء آية من سورة النمل: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 29، 30]، وأنها ليست في أول سورة التوبة التي فُضح فيها المنافقون ووُعدوا فيها بأشد العذاب، فلا يليق أن تُبدأ برحمة الله، واختلفوا هل هي جزء آية من أول كل سورة، أو آية، أو ليست بآية أصلاً، أو آية من سورة الفاتحة؟ والصحيح - والله تعالى أعلم - الذي ترجح لنا أنها آية منفردة في المصحف ليست من السور، أُنزلت للفصل بينها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الفصل ما بين السورة والسورة، حتى ينزل عليه جبريل بـ"بسم الله الرحمن الرحيم". ويجوز الإسرار بها والجهر في الصلاة وغيرها؛ جمعًا بين الروايات. وقد بيَّن القُرَّاء أوجه قراءتها، فأباحوا جميع الأوجه، ومنعوا واحدًا: الأوجه الجائزة: أولاً: الفصل بينها وبين آخر السورة وأول السورة التي تليها. ثانيًا: الجمع بينها وبين آخر السورة وأول السورة التي تليها. ثالثًا: الفصل بينها وبين آخر السورة وجمعها بأول السورة التي تليها. رابعًا: حذفها بالكلية. أما الوجه الممنوع؛ فهو جمعها بآخر السورة وفصلها عن أول السورة التي تليها؛ مخافة أن يُظنَّ أنها من آخر السورة، وفيه تعطيل لمعناها المتعلق بالبدء لا بالانتهاء. فهذا تفسير البسملة الذي ينبغي لكل طالب علم أن يَعْلَمه ويُتقنه؛ لوجودها في أول كلام الله وأوائل المتون والكتب العلمية، ولكل مسلم؛ حتى يحضر قلبه ويخشى ربه ويتذوق حلاوة البَدء بها. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى العمل بكتابه الكريم، وأن يتقبل عملنا ويستر عيوبنا، إنه جواد كريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|