اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > الأدب العربي

الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-05-2015, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي المناهج اللغويّة ودورها في فهم الظاهرة اللغويّة

المناهج اللغويّة ودورها في فهم الظاهرة اللغويّة
حسان محمد الزبيدي

هل من الممكن أن تتظافر المناهج اللغوية مجتمعة في فهم الظاهرة اللغوية , أم إنّ اقتصارنا على منهج لغوي واحد سيخلص بنا إلى نتائج أكثر دقة ؟ وهل المنهج الواحد قادر – وحده – على إعطائنا تصوّراً واضحاً عن الظاهرة ؟ ثمّ ما يمنع الباحث أن يتّكئ على أكثر من منهج, إن كان ذلك سيخدم البحث ؟

بداية دَعُونا نسلّم بأنّ المنهج هو الأساس الذي يقوم عليه البحث العلميّ , فهو كالبوصلة التي يعتمد عليها البحّار في توجيه سفينته , والوصول بها إلى ساحل النجاة , وبدونها يظلّ تائها في البحر , لا يهتدي إلى سُبُل النجاة . ولا سبيل للباحث , أيٍّ كان , أن يتناول ظاهرة ما , أو قضية ما , من غير أن يسير على هُدى أي منهج ؛ لأنّ حاله هذه لن تختلف عن حال البحّار الذي يقود سفينته من غير بوصلة .
وينبغي لمن أراد أن يسير على منهج ما أن يكون متمكناً منه ,على بصيرة بخطواته , وأدواته؛ إذ إنّ لكلّ منهج فلسفته , وأدواته ,ومنهجيته في التعاطي مع أيّ ظاهرة . فالمنهج المعياري يختلف في خطواته, وأدواته , وفلسفته , عن المنهج الوصفي . والمنهج الوصفي – كذلك – يختلف في خطواته, , وأدواته , وفلسفته , عن المنهج التاريخيّ . ونحو ذلك يمكن أن نقول في سائر المناهج . فمعرفة الشيء فرع من تصوره . ومتى غاب تصور المرء للشيء , غابت إمكانية تعامله معه , أو تعامله به .
ومن هنا تظهر أهمية المنهج في معالجة القضايا التي نواجهها في حياتنا . فالوصول إلى النتائج الحاسمة , والموضوعية, لا يتأتى إلا باتخاذ المنهج المناسب سبيلاً إلى الدراسة . وكلما وفِّقْنا في اختيار المنهج المناسب , كانت النتائج المرصودة أكثر إقناعاً .
ولا يعنينا أن تكون المناهج اللغويّة , وغير اللغويّة بضاعة غربيّة , طالما تُعيننا في فهم اللغة , واكتشاف أسرارها , وبيان معالمها , ولا تمسّ ثوابتنا الفكريّة والعقديّة , " فالحكمة ضالّة المؤمن ,أنّى وجدها , فهو أحقّ بها "[1].
وقد أسدت المناهج اللغويّة فوائد , لا تحصى في خدمة اللغات الأوروبية , وما معجم (oxford) التاريخيّ إلا ثمرة من ثمار المنهج التاريخي في خدمة اللغة الانجليزيّة[2] , فقد رُصِدت الألفاظ تاريخيّاً بُغية المحافظة على اللغة , وربط حاضرها بماضيها .
ثمة مناهج لغويّة عديدة , يمكن للباحث أن يتناول بها الظواهر اللغوية , من أظهرها : المنهج المعياريّ, والوصفيّ , والتاريخيّ , والمقارن , والتقابليّ . وكلّ منهج يمكن أن يدرس الظاهرة اللغويّة من زاوية , كذلك فإنّ لكل منهج هدفه الذي يسير نحوه .
فالمعياريّون هدفهم أن يحافظوا على نمط لغويّ محدّد , هو النمط القرآنيّ , وأن يضعوا اللغة في قواعد (معايير) جاهزة , لإتاحتها للمتعلمين العرب وغير العرب . وفي سبيل ذلك اتجه النحاة إلى وضع معيار زمانيّ , وآخر مكانيّ , تتحدّد في ضوئهما ملامح اللغة , وقد حدّدوا الزمان بمائة وخمسين قبل الهجرة , ومائة وخمسين بعد الهجرة . أمّا المكان , فقد اتخذوا لغة أهل نجد والحجاز معياراً للحكم على صحّة اللغة . ولقد نأى المعياريّون – من أجل ذلك – باللغة عن الفروق اللهجيّة بين القبائل , فأخذوا بالمؤتلف , وأقصوا المختلف .
إنّ همّ المعياريّ هو أن يـُخضع اللغة للمعيار , فلجأ – ابتغاء ذلك - إلى طُرق متعدّدة في قولبة اللغة , وتقنينها , فما كان منها هيّناً ليّناً , اعتـُمِد فيه التفسيُر , والتعليلُ ,والقياس, والسماع , والشيوع , وما كان عصيّاً على ذلك , متفلّتاً من عقال القاعدة, أخضعه لها قسراً بالتأويل . ولقد كانت نظريّة العامل من أظهر القواعد التي بُني عليها التفكير النحوي , حتى إنّك لا ترى باباً من أبواب النحو , إلا واتخذ النحاة من العامل منطلقاً في توصيفه .
إنّ شعار الوصفية الذي يرى " أنّ اللغة الحقيقيّة هي التي يستخدمها الناس فعلاً , لا اللغة التي يعتقد (البعض) أنّ على الناس أن يستخدموها "[3], يُظهر لنا الصورة المقابلة للمنهج المعياريّ . وعلى أساس هذه المقولة , فإنّ الوصفيّة لا تحفل بقواعد المعياريّة , بل تأخذ منحىً آخر , يتمثل في دراستها اللغة بصورتها المنطوقة , لا المكتوبة , وتهتمّ بدراسة الفروق اللهجيّة بوصفها أنساقاً لغويّة مستعملة في بيئاتها . فاللغة عندهم واقع استعماليّ , وليس وثائق مكتوبة , أو منقولة مشافهة ؛ إذ كثير من ملامح النطق الأصيل للألفاظ قد يتلاشي بفعل الكتابة أو الرواية , كالتنغيم والنبر , والهمز و التسهيل , والقصر والمدّ , والحذف والإثبات , والنحت والتركيب والاشتقاق [4].
وإذا كان المنهج الوصفيّ يحتفل باللغة المنطوقة (المحكية) , بوصفها الصورة الحقيقيّة التي تتجسد فيها اللغة , فإنّ المنهج التاريخيّ يدرس اللغة , بوصفها ظاهرة متطورة عبر الزمان والمكان . ولذا فإنّ كلّ ما يرد من نصوص ونقوش مكتوبة كانت , أم مروية , هي وثائق , يخضعها الباحث التاريخيّ للدراسة والتحليل , أملاً في تشكيل تصوّر عام حول ملامح التطوّر للغة عبر مراحلها الزمانيّة, وهو في هذا " يشبه عالم الآثار الذي يتهدّى بتصور ما فُقِد من قطعة أثريّة , في ضوء ما عثر عليه منها , وبما يتناسب وحجم الفراغ الموجود , سعياً وراء تكوين عام لهيكل الظاهرة في السياق التاريخيّ العام للغة "[5].
وفي ضوء ذلك , نجد أنّ ما يشيع عند المعياريّ من مظاهر اللحن والخطأ اللغويّ, خارج عصر الاحتجاج , هي – عند التاريخيّ - تطوّر لغويّ , تحكمه عوامل شتّى داخلية أو خارجيّة . وإذا كان الأمر عنده على هذا النحو , فهو يسعى إلى وضع خطوط بيانيّة تمثل التنقلات التي تعتري الظاهرة اللغوية عبر مسارها الزمانيّ والمكانيّ[6] , ومحاولة تفسيرها تفسيراً يستند إلى الوثائق والنصوص .
ويبدو المنهج المقارن وثيق الصلة بالمنهج التاريخيّ , فكلاهما ينظر في ملامح التطوّر التي تعتور الظاهرة اللغويّة, وكلاهما يستعمل الأدوات البحثيّة نفسها,كالنقوش,والنصوص المكتوبة والمنطوقة , بيد أنّ ما يميّز المنهج المقارن عن المنهج التاريخيّ أنّه يدرس الظاهرة اللغويّة في اللغات التي تنتمي إلى أرومة واحدة , كأن ندرس أسلوب الشرط في اللغات الساميّة , أو ندرس بنية الجملة الاسمية أو الفعليّة في اللغات الحامية أو الهنديّة الأوروبيّة . على حين يقتصر المنهج التاريخيّ في دراسته على لغة واحدة من لغات المجموعة الواحدة , كأن يدرس تطوّر أسلوب الشرط في اللغة العربيّة .
إنّ هدف المنهج المقارن تأصيليّ ، يسعى إلى أن يرصد نقاط الالتقاء والتقاطع بين اللغات التي تنتمي إلى أسرة واحدة, في سبيل تصنيف اللغات في أسر لغويّة , وملاحظة عمليّة التأثير والتأثّر في الأسرة الواحدة ," فما تشابه منها في بُناه الصرفيّة , وتراكيبه النحويّة , واطّرد تبادلُ قوانينه الصوتيّة, عُدّ من أسرة واحدة , وإلا فهو خارج هذه الأسرة "[7].
أما المنهج التقابليّ , فهو يهتمّ بالمقارنات اللغويّة بين اللغات التي لا يجمعها أصل واحد . ومن هنا , فإنّ المنهج التقابلي منهج ذو طبيعة تعليميّة ؛ فهو يدأب على "معرفة المشكلات التي يعاني منها الدارس الذي يرغب في اكتساب لغة جديدة , بأيسر السبل , وذلك بمعرفة المشكلات التي يواجهها في اللغة الجديدة , حين يدخل رحابها بعادات لغويّة تحكمها معايير لغته الأولى بنحوها وصرفها وأصواتها ومعانيها "[8].
أمّا المنهج الإحصائي , فقد أتى خادماً للدراسات اللغويّة والمناهج اللغويّة السابقة , خاصة بعد أن أصبح الحاسوب متاحاً للجميع . ولقد استطاعت الإحصاءات الحاسوبية أن تـُخْرج نتائج البحوث من حالة التخمين , والارتجال , وسيادة التعبيرات المبهمة كالكثير والقليل, والشائع والنادر ,إلى حالة الإحصاء الرقميّ الذي يتعامل مع الحقائق على أنّها قيم رقميّة دقيقة.
وقد بات من الميسور على الباحثين – بفضل الجهود الإحصائيّة - أن يرصدوا الظواهر اللغويّة بدقّة, سواء أكان ذلك في المفردات , أم في التراكيب ؟ وبفضل الدراسات الإحصائيّة تبددت كثير من المعلومات التي شاعت , وترسخت على أنّها حقائق . فعلى سبيل المثال أظهرت الدراسات الإحصائيّة – في باب الشرط - أنّ (إذا) , أو (لو) أشيع في الاستعمال من (إذما) ,أو (أيّان), وهو أمر يخالف ما ورد في كتب النحو التي لا تذكر (إذا) و(لو) ؛ لأسباب تتعلق بالعامل النحويّ [9].
وتأسيساً على ما سبق , فإنّ المناهج اللغويّة تلعب دوراً مهمّاً في كشف ملامح الظاهرة اللغويّة , وهي سلاح الباحث في بحثه عن الحقيقة . وللباحث أن يتخيّر منها ما يشاء , فكلّها تؤدّي الغرض من جانب , وتصوّر المشهد من زاوية . ولكنّ سير الباحث على منهج ما , لا يعني بالضرورة أن لا يستعين بالمناهج الأخرى ,"فما قيمة ألا تأخذ بقواعد المنهج الوصفي في جزئيّة ما , وأنت تسير في بحث يتطلب في عمومه المنهج التاريخي؟"[10]. بل إنّ ما يعزز نتائج البحث , ويجعلها أكثر دقة وموضوعيّة , هو الاستعانة بكلّ إمكانات المناهج , وتسخيرها في رصد الظاهرة اللغويّة من جوانبها كلّها .
تبدو الظاهرة اللغويّة كالمكعب – كما يصوّرها الدكتور إسماعيل عمايرة – لا يكفي لوصفه أن يسلّط عليه الضوء من نور مصباح واحد , يضيء سطحاً واحداً من مساحاته , وتخفى عندئذٍ أسطحه الأخرى . ولذا كان أدعى في محاولة الإحاطة بحقيقتها أن تسلّط على أبعادها أضواء المناهج المتعدّدة , وبمقدار الحاجة إلى ذلك [11].
--------------
[1]- رواه الترمذي [2]- إسماعيل عمايرة : محاضرات في المدارس اللسانية , جامعة العلوم الإسلامية العالمية 2010

[3]- إسماعيل عمايرة : المستشرقون والمناهج اللغويّة ص 97

[4]- إسماعيل عمايرة : المستشرقون والمناهج اللغويّة ص99

[5]- المصدر نفسه ص27

[6]- المصدر نفسه ص 36

[7]- إسماعيل عمايرة : المستشرقون والمناهج اللغويّة ص49

[8]- المصدر نفسه ص41

[9]- إسماعيل عمايرة : المستشرقون والمناهج اللغويّة ص154

[10]- المصدر نفسه ص 12


[11]- المصدر نفسه ص14




رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:51 AM.