|
المواضيع و المعلومات العامة قسم يختص بعرض المقالات والمعلومات المتنوعة في شتّى المجالات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() البيروقراطية
أ. د. محمد أحمد علي مفتي تزايد الاهتمامُ بالدور الذي يلعبُه البيروقراطيون في عملية صُنع السياسة الخارجية، حتى إن بعض الدارسين يعُدُّهم بمثابةِ المخطِّطين الرئيسين للسياسة الخارجية، ونظرًا لمحدودية فترة حُكم رئيس السلطة التنفيذية ومستشاريه، فإن عليهم الاعتمادَ على البيروقراطية للتزوُّد بالنصائح، ولتطوير السياسة الخارجية وتنفيذها، ولأن البيروقراطية تمتلك المهاراتِ الأساسيةَ للتعامل مع الحكومات الأجنبية، فإنه يُصبِح من الضروري الرجوعُ إليها في رسم تلك السياسة، وزيادة على ذلك، تقوم البيروقراطية بجمع المعلومات، وتحديدِ المعلومات التي ترفَعُ إلى المستويات العليا. وإن لم تكن الخبرة والتجرِبة، والتحكُّم في المعلومات كافيةً لإعطاء البيروقراطية دورًا مهمًّا في عملية صُنْع القرار، فإن أهميتها تزدادُ في مرحلة تنفيذ السياسة الخارجية؛ فالبيروقراطيون هم الذين ينفِّذون السياسات، وربما لا تنفَّذ السياسات التي يتَّخذُها صانع السياسة الخارجية نتيجة التسويف، أو عدم الإصغاء للتعليمات، أو التخريب المتعمَّد للسياسات، وعادة ما يكون الرئيسُ مشغولاً بقضايا أخرى، ومن ثم يعجِزُ عن مراقبة تحرُّكات البيروقراطيين المكلَّفين بتنفيذ القرار. ومن أمثلة ذلك، انزعاجُ الرئيس كيندي حين سمع أن قرارَه الخاص بسحب الصواريخ من تركيا لم ينفَّذْ؛ ولذلك فقد نصح الرئيس ترومان خليفته أيزنهاور بأنه لا يكفي إصدارُ القرارات لكي تنفَّذ تلك القرارات، وكان ترومان بذلك يشير إلى اختلاف خلفية أيزنهاور العسكرية التي تتَّسم بالإذعان والطاعة وتنفيذ أوامر الرؤساء، مع الخبرةِ العملية لصُنع السياسة الخارجية. وربما يكون من المفيد قبل تقويم دور البيروقراطية في عملية صُنع السياسة الخارجية، تحليلُ بعض خصائص البيروقراطية المعاصرة، إن أكثرَ تلك الخصائص وضوحًا هو التزايد الهائل في حجم البيروقراطية المهتمة بقضايا السياسة الخارجية، ويظهر ذلك من تزايدِ عدد المستشارين والمحللين داخل إدارة الشؤون الخارجية نفسها، ففي عام 1870م كان مكتب بسمارك للشؤون الخارجية يضم أربعةَ موظفين دائمين، وكان هذا العددُ هو السائد تقريبًا في وزارات الخارجية آنذاك[1]، وحتى عام 1939م كان عددُ العاملين بوزارة الخارجية الأمريكية أقلَّ من عدد أعضاء سفارة أمريكية كبرى اليوم، أما اليوم فقد بلغ عددُ الأعضاء العاملين في مجال الشؤون الخارجية الآلاف، وأصبحوا يوجدون - بجانب وجودهم في وزارة الخارجية - في وزاراتِ الدِّفاع، والزراعة، والمالية، والعمل وغيرها، وحتى الدولُ النامية أوجدت بيروقراطيات كبيرةَ الحجم للعناية بشؤون السياسة الخارجية، فعلى سبيل المثال، احتفل كوامي نكروما باستقلال غانا بفتح ما يقرُبُ من سبعين سفارة، تطلَّبت أعدادًا كبيرًا من الموظفين في الداخل والخارج. ويتمثل الاتجاهُ الثاني المتعلق بدور البيروقراطية في مجال السياسةِ الخارجية في الزيادة الملحوظة في حجم وثقل البيروقراطيات الداخلية التي تُعنَى بالشؤون الخارجية، ففي بعض النُّظم تحدَّتْ وزارتا الاقتصادِ والدفاع دورَ وزارة الخارجية البارز في عمليةِ صُنع السياسة الخارجية، فمع تزايُدِ التفاعل الاقتصادي الدولي، أصبحت الرفاهيةُ الاقتصادية تتأثَّرُ إلى حدٍّ كبير بالأنشطة الاقتصادية الخارجية، وما القوة التي تمتلكُها الأوبك في التأثير على الاقتصاد الوطني في دول العالم عن طريق السيطرةِ على سعر البترول، إلا مثالاً واحدًا يوضِّحُ أثَرَ القرارات الاقتصادية الخارجية على دولة أو دول معيَّنة، وينطبق الشيءُ ذاتُه على القرارات الحكومية الخاصة بتطبيق التعريفاتِ الجمركية، وتحديد قيمة العُملة، وتصدير المنتجات بسعرٍ منخفِض إلى الخارج، وما على شاكلتِها، فلجميع هذه الإجراءات أثَرٌ كبير على المصالحِ الاقتصادية لدول العالم؛ ولذلك فقد تزايَد عددُ خبراءِ العلاقات الدولية في مختلف الوزارات؛ كالزراعة، والمالية، والتِّجارة، والعمل، وأصبح هؤلاء الخبراءُ يشتركون في المفاوضاتِ الدولية المتعلِّقة بالشؤون الاقتصادية، كما عُيِّن العديدُ منهم في سفارات دولهم لرعاية مصالحها، وقد أكد أحدُ التقارير أن هناك ممثِّلين لِما يقرُب من ثلاث وعشرين وكالةً أمريكية في السفارة الأمريكية بطوكيو وحدها[2]. كذلك تزايَد الدورُ الذي تلعبه وزارةُ الدفاع في السياسة الخارجية بشكلٍ ملحوظٍ، ففي الماضي كانت وزارةُ الدفاع تلعَبُ دورًا مهمًّا في السياسة الخارجية أثناء الحروب والأزمات الدولية فقط، ولكن زيادةَ الاهتمام بشؤون الأمن الوطني بعد الحرب العالمية الثانية، زادَتْ مِن حجم مؤسَّسات الدفاعِ وقوتِها، ولم يسبِقْ أن استمرَّت التحالفاتُ العسكرية، كحلف الأطلنطي، وحلف وارسو، في وقت السِّلم بالدرجة نفسِها التي استمرَّت بها بعد الحربِ العالمية الثانية، كما لم يسبِقْ أن انتشرت الجيوشُ الاحتياطية كما هو الحال اليوم؛ ولذلك أدى تزايُدُ الاهتمامِ بشؤون الأمن الوطني، وتزايُدُ الموارد المتاحة لوزارة الدفاع - إلى جعلِ صانعي القرار يُصغُون إليها في الكثيرِ من شؤون السياسة الخارجية. أما الاتجاه الثالث لدور البيروقراطية في عملية صُنع السياسة الخارجية، فيتعلَّقُ بزيادة عنصرِ التخصص؛ فقد أصبحت السياساتُ الخارجيةُ الحديثة بالغةَ التعقيد، وأصبحت تشتملُ على عواملَ سياسية، واقتصادية، وتكنولوجية، وثقافية، الأمر الذي تطلَّب وجودَ أفرادٍ ذوي مهارات متخصصة، وعلى الرغم من أن المرءَ لا يزال يرى عددًا مِن غير المتخصِّصين يشغَلونَ مناصبَ مهمَّةً في الدوائر الخارجية، فإن التوسعَ الكبير في بيروقراطية السياسية الخارجية قد جاء بخبراءَ متخصِّصين في قضايا أعمَّ وأشملَ من الشؤونِ السياسية والدبلوماسية. وهناك مَن يشجِّع الاتجاهَ نحو "بقرطة" عملية صُنع السياسة الخارجية، ويرى هؤلاء أن للبقرطة مزايا إيجابيةً، منها: أنها تسهِّلُ عملية التوصلِ إلى سياسة خارجية رشيدة، وقد لخَّص كيجلي وويتكوف مختلفَ الآراء التي توضِّحُ أهمية البيروقراطية في عملية صُنع السياسة الخارجية في النقاط الآتية: 1- تزداد الفعالية الإدارية بسبب التخصُّص الذي يسهِّلُ تقسيمَ العمل، ويوفِّرُ الخبرة. 2- تعُود فعالية البيروقراطيات إلى هياكلِها الهرَمية. 3- تنشأ هياكلُ صُنع القرار لقضاء مهامَّ محددة، وللإقلال من خطَر التقلُّب في عملية صُنع القرار والمساعدة على تحقيقِ الاتِّساق في مجال السياسة الخارجية. 4- توفِّر البيروقراطية سجلاتٍ وذاكرة جماعية من الأحداث السابقة، مما يسهِّلُ ويرشِّدُ عمليةَ حل المشكلات الراهنة. 5- تؤكد البيروقراطية على معيار الكفاءة في اختيار الموظفين. 6- تُبنَى عملية الترقيات على أساس الاستحقاقِ والإنجاز. 7- يشجع تعدد الأجهزة في الهيكل البيروقراطي على النظرِ في بدائلَ متعدِّدة[3]. وقد لاحظ بعضُ الكتَّاب أن هناك عددًا من الجوانب السلبية لدور البيروقراطية في صُنع القرار، منها أن وجود بيروقراطيات ضخمةٍ يؤدي إلى تفتيت السياسة الخارجية، ومع تزايُد عدد الأجهزة المشاركة - التي تتبنَّى طرقًا مختلفة لإنجاز أعمالِها بالإضافة إلى ارتيابها في الآخرين - يُصبِحُ من الصعب التوصلُ إلى سياسة خارجية مترابطة، وبما أن قضايا السياسة الخارجية تؤثِّرُ على كثير من الأجهزة، فإنه إن أتيحت الفرصةُ لكل تلك الأجهزة لإبداء رأيها في عملية اتخاذ القرارِ، فإن ذلك سيؤدِّي إلى البُطء الشديد في عملية اتخاذ القرار، كذلك فإن عدم استشارة كل الأجهزة المعنيَّة قد يؤدِّي إلى كارثة، خاصة إن كان لدى أيٍّ من تلك الأجهزة معلوماتٌ مهمَّة تتعلقُ باتخاذ القرار أو كان لها دورٌ أكبرُ في تنفيذ القرار. كذلك فإن وجودَ مستوياتٍ متعددة لصُنع القرار يعني أن المعلوماتِ المتعلقة باتخاذ قرارٍ رشيد قد تتوزَّعُ بين عدد من الأجهزة، الأمر الذي يجعل الحصولَ على صورة متكاملة للمشكلة شبه مستحيل، فلو كانت جميعُ المعلومات المتناثرة والمتعلقة بالهجوم المفاجئ على بيرل هاربر عام 1941م متوافرةً ومتناسقة في جهاز واحد، لأمكن حتمًا تفادي الفشل الذي وقعت فيه أجهزةُ المخابرات الأمريكية. وقد يؤثِّر تفتت الهياكل البيروقراطية لاتخاذ القرار على علاقة الدول الأخرى بالدولة المعنيَّة، فالدول تفضِّلُ التعامل مع الحكومات المركزية؛ لأن ذلك يساعدُ على التنبؤ بقراراتها وعلى التعجيل بتنفيذ الاتفاقات، كذلك فإن تفتُّت الهياكل البيروقراطية يعطي القوى الخارجية الفرصةَ لكسبِ الأنصار داخل الهياكل البيروقراطية، مما يمكِّنُ تلك القوى من التأثير على سياسة الدولة أو حتى تعطيل تنفيذ القرارات المتخذة، وقد يؤدي الاتصالُ الخارجي بين البيروقراطيات إلى التأثيرِ على سياسات الدول الخارجية، فعلى سبيل المثال يتفاوض البيروقراطيون الممثِّلون لوزارة الزراعة في دولةٍ معينة مع زملائهم في الدول الأخرى مباشرة لتحديد كميات القمح المصدَّرة بدلاً من استخدام القنوات الدبلوماسية[4]. أما المشكلة الأخرى التي تتعلَّق بدور البيروقراطية في صُنع القرار فتتمثل في طغيان مصالح البيروقراطية الضيقة على المصلحة العامة؛ حيث تهتم البيروقراطيات بمصالحها الخاصة، وتميل إلى رؤيةِ المشكلات من هذا المنظورِ الضيق، كما أنها تفضِّلُ السياسات التي تؤدِّي إلى تقوية دورها وزيادة ميزانياتها، وبالفعل تظهَرُ المناورات بين البيروقراطيات المختلفة عند تقديم مشروع الميزانية السنوية؛ حيث تتفق البيروقراطيات ضمنيًّا أو رسميًّا على عدم معارضة بعضها بعضًا، أملاً في أن تحصلَ كلٌّ منها على الموافقة على مطالبها، وفي هذه الحالة، يصعُبُ على صانع القرار الحصولُ على آراء موضوعية من تلك البيروقراطيات، كما أنه يضطر إلى الاعتماد على آرائِها المتميِّزة للتوصُّلِ إلى البديلِ الأمثل. ويعتبر اهتمامُ الفرد بمصالحه الشخصية إحدى المشكلات التي تواجهُ البيروقراطية؛ ذلك أن حرصَ الفرد على الارتقاء في سلَّم البيروقراطية يدفَعُه إلى عدم معارضة رئيسِه أو الاصطدام به، حتى ولو تعارَض ذلك مع مصلحة العمل، وبالمثل يميل البيروقراطيون إلى التحرُّكِ ببطء في مواجهة القضايا المجهولة، وذلك حتى يتأكَّدوا أن هذا التحرُّك لن يضرَّ بمصالحهم، وقد وجد أرجريس من دراسة لوزارة الخارجية الأمريكية، أن هناك ميلاً شديدًا بين موظَّفي الوزارة نحو حماية الذات مما يُعرقل المبادرات الخلاقة التي قد تؤدِّي إلى المعارضة والجدَلِ[5]. وقد كتب هنري كيسنجر - عندما كان أستاذًا في جامعة هارفارد - مقالاً انتقد فيه دور البيروقراطية في عملية صُنع السياسة الخارجية، وذكَر أن بقرطة المجتمع الأمريكي قد أدَّت إلى تنشئة القادة على قِيَم الإحساس بعدم الأمن، والتقليد، مما يعوق إمكانَ التوصُّل إلى سياسات إبداعية في مجال السياسة الخارجية[6]، وقد رأى أنه متى تم اتخاذُ قرار، فإن درجةَ المرونة تقلُّ في السياسة الخارجية بسبب عدمِ الرغبة في المخاطرةِ بالإجماع الداخلي الذي تم التوصلُ إليه بصعوبةٍ بين مختلف البيروقراطيات. وقد شارَك الرئيس الأمريكي نيكسون مستشاره كيسنجر خيبةَ أمله في البيروقراطية، واستعان به أولاً كمستشار للأمن القومي، ثم كوزير للخارجية، وتمكن كيسنجر - وهو في منصبه الأول - من تحييدِ البيروقراطية بشكل فعَّال؛ وذلك بسبب طلبِه أن تمرَّ كلُّ القرارات عبر مجلس الأمن القومي الذي كان يُديرُه، وبذلك استطاع تقديمَ الخيارات مباشرة لنيكسون في الاجتماعات الصباحية اليومية، مما ساعد الأخيرَ على الاختيار من بين بدائلَ مدروسة بعناية. وقد بذلت محاولات مماثلة في بريطانيا للتقليلِ من اعتماد الهيئة التنفيذية على البيروقراطية؛ حيث زاد عددُ العاملين في مجال السياسة الخارجية في مكتب رئيس الوزراء بشكلٍ ملحوظ نتيجة شكوى قادة حزب المحافظين وحزب العمال من تجاهُل موظفي وزارة الخارجية للتوجيهات السياسية، كما أن بعضَ الدول النامية قد سار في اتجاهِ تقليص دور بيروقراطية السياسة الخارجية؛ إذ قام نكروما في الستينيات - مثلاً - بالسيطرةِ على رَسْمِ السياسة الخارجية بسبب عدم ثقتِه في البيروقراطية[7]، ويمكن القول: إن الخوفَ من الدور الذي تلعبُه البيروقراطية في عملية صُنع السياسة ليس حديثَ العهد؛ فقد أكَّد أحدُ قياصرة روسيا في القرن الثامن عشر أنه لا يحكُم روسيا، ولكن يحكُمُها عشرةُ آلاف موظف. وينصَبُّ جزءٌ من النقد الموجه لدور البيروقراطية في عملية صُنع القرار على دور اللجان في تلك العملية؛ فالقرارات تخضع لجولات لا تنتهي من المناقشات داخل اللجان، سواء في كل جهاز أو بين الأجهزة المختلفة العاملة في مجال صُنع السياسة الخارجية، مما يجعَلُ من الصعب التوصل إلى الخيارِ الإستراتيجي الرشيد، وقد لاحظ دالاس هذه المشكلةَ في بريطانيا وكتب يقول: إن "الاستخدام المتزايد للِّجان الإدارية التي يجبُ فيها على الموظفين المدنيين التوصلُ إلى حلٍّ وسَطٍ يعني أن الآراءَ تفقِدُ قيمتَها قبل أن تصلَ إلى صيغتِها النِّهائية"[8]. وقد اعترَض آخرون على عملية صُنع القرار بواسطة اللجان، بحجة أن ذلك يُضعِفُ المسؤولية الفردية، ويعُوق القدرةَ على الإبداع بسبب الحاجة الدائمة إلى التوصُّلِ لحلٍّ وسَط بين تلك اللجان، وقد انتقد جانيس عمليةَ صُنع القرار بواسطة المجموعات الصغيرة في المراكز السياسية العليا بسبب ميلِها إلى تطويرِ ما أسماه "بالتفكير الجماعي"[9]؛ حيث توصَّل - بعد دراسة ما أسماه فشَلَ السياسة في قضايا خارجية؛ كخليج الخنازير، وكوريا، وبيرل هاربر - إلى افتراضٍ مؤدَّاه أنه يوجد داخل كل جماعةٍ صغيرة من جماعات صُنع القرار "العديد من العوامل الاجتماعية النفسية التي تعُوق التفكير الانتقادي المستقل، وتؤدِّي إلى التصرُّف بطريقة غيرِ رشيدة وغير إنسانية ضد الخارجين على الجماعة"، ومن بين أعراضِ التفكير الجماعي التي لاحظها جانيس ما يلي: 1- يوجد في تلك الجماعات وهمٌ بمناعة الجماعة، الأمر الذي يخلُق إحساسًا متزايدًا بالتفاؤل، يؤدِّي إلى الميل نحو اتخاذ المخاطرات المتطرِّفة. 2- التقليل من أهمية التحذيرات التي قد تدفَع الجماعةَ إلى إعادة النظر في افتراضاتها. 3- الاعتقاد الجازم بصحة أخلاقيات الجماعة، الأمر الذي يؤدِّي بأعضائها إلى التَّغاضي عن النتائج غيرِ الأخلاقية لسياساتهم. 4- تكوين الانطباعات الثابتة عن العدوِّ بأنه شِرِّير، وضعيف، وغبي. 5- الضغط على أيِّ عضو يخالفُ الانطباعاتِ الثابتةَ أو افتراضات الجماعة. 6- التوهُّم بوجود اتفاقٍ جماعي بين أعضاء الجماعة؛ (حيث يصوَّرُ الصمتُ على أنه موافَقَة). 7- المراقبة الذاتية لأي انحرافاتٍ عن إجماع الجماعة. 8- ظهور مَن يعيِّنون أنفسهم "حراس عقول" مهمتُهم التأكدُ من عدم انحراف أعضاء الجماعة عن القواعدِ العامة والإجماع الرَّاسخ. ويؤكد جانيس أن هذه العملياتِ موجودةٌ ليس فقط في النُّظم التسلطية، وإنما في النُّظم الديمقراطية أيضًا، وتظهر المشكلةُ الكبرى حين يُصبح أعضاء جماعةِ صُنع القرار الصغيرة متوادِّين ومتمتِّعين برُوح التَّضامن؛ لأن كل واحد منهم يطمئِنُ الآخرَ بأن هذا التصرُّف مرغوبٌ فيه، وبأنه ليست هناك حاجةٌ إلى طرحِ أية تساؤلات أخرى. وعلى الرغم من تعدُّدِ الآراء التي تؤيِّدُ أو تعارض فائدة البيروقراطية في صُنع سياسة خارجية رشيدة وفعَّالة، فإن القضيةَ المهمة بالنسبة لمحدَّدات السياسة الخارجية هي القوةُ التفسيرية للنموذج البيروقراطي في فَهْم السياسة الخارجية؛ إذ يرى بعضُ الكتَّاب أن البيروقراطيات ليست هي المخطَّطَ الرئيس للسياسات الخارجية في معظم الدول، وأن زيادةَ حجم البيروقراطيات ونشاطها لا يعني بالضرورةِ تأثيرَها على الخيارات النهائية، ومن الملاحظ أن بعضَ الذين يؤيِّدون النموذجَ البيروقراطي قد شارَكوا بالفعل في السياسات الحكومية؛ ولذلك فإنهم يميلونَ إلى إعطاء دورِهم أهميةً أكبرَ مما يستحق. وتركِّز الدراسات الخاصة بالدور السياسي للبيروقراطية على القرارات التي يظهرُ فيها تأثيرُ البيروقراطية واضحًا على القرارات، وتُغفل بالتالي القراراتِ التي تتمُّ بإجماعٍ عام، أو التي تتخذها المستوياتُ العليا، والتي لا تؤثِّرُ فيها البيروقراطية بشكل ملحوظ، ومن ثم تستطيع تلك الدراساتُ أن توثِّق العديدَ من المساومات والمناورات التي تحدُث بين شتى الأجهزة البيروقراطية. غير أن مثلَ هذا التوثيق لا يعني بالضرورة أن البيروقراطية قد أثَّرت أو حدَّدت القراراتِ النهائيةَ للسياسة الخارجية، زيادةً على أن لصانع القرار سلطةَ اختيار مستشاريه، وسلطة قَبول أو رفض أيٍّ من النصائح التي يقدِّمونها إليه، وبما أن الفردَ يميل بطَبعِه إلى سماعِ الآراء التي تتَّفق ورأيَه، فإن المستشارين عادةً ما يقدِّمون المعلوماتِ والنصائح التي يعتقدون أن رؤساءَهم يرغَبون سماعها. كذلك فإن القيودَ الداخلية على رئيس السلطة التنفيذية في مجال السياسة الخارجية أقلُّ من القيودِ التي يواجهها في مجال السياسة الداخلية؛ وذلك لأن السياسةَ الخارجية تتميَّزُ بقلةِ اهتمام الرأي العام، ومحدودية جماعاتِ المصالح، وسهولة الحصول على المعلومات والسيطرة عليها من قِبَل السُّلطة التنفيذية، كما أن هناك علاقةً عكسية بين اهتمام رئيس السُّلطة التنفيذية بقضايا السياسة الخارجية، وبين تأثيرِ البيروقراطية عليها، فكلما زاد اهتمامُ رئيس السلطة التنفيذية بقضايا السياسة الخارجية قلَّتْ قدرةُ البيروقراطية في التأثيرِ عليها. من ناحية أخرى، فإن السياسةَ البيروقراطية قد لا تكونُ أكثرَ النماذج دقةً في تخطيط السياسة الخارجية، وصُنع القرارات، كما أنها قد لا تتمتَّعُ بأهمية كبرى في مرحلةِ تنفيذ القرارات، ولا يمكن الادعاءُ بأن أيَّ فشلٍ في تنفيذ السياسة الخارجية هو دليلٌ على تأثير البيروقراطية، فقد يكون فشلُ البيروقراطية أو قصورُها ناشئًا عن اختلال القِيَم الاجتماعية، وربما يعودُ ذلك إلى عدم رغبةِ رئيس السلطة التنفيذية في تنفيذِ قرار معيَّن، رغم أنه قد يفضِّلُ لأسباب داخلية أو خارجية إعطاء الانطباع بأن هناك إجراءً ما سيتخذ لمعالجة المشكلة. ونظرًا لأن النموذجَ البيروقراطي يعتمد أساسًا على دراسات الحالة، فإن عددَ الأبحاث الإمبيريقية المنهجيَّة التي تتعلَّق بدور البيروقراطية في عملية صُنع السياسة الخارجية ضئيلٌ، وقد استنتجت إحدى الدراسات التي ربَطَت بين السِّمات البيروقراطية وسلوك السياسة الخارجية - بالنظر إلى سلوكياتِ اثنتين وثلاثين دولة خلال الفترة من 1966 - 1969م - أن السِّماتِ المميزةَ للبيروقراطية تؤثِّر تأثيرًا محدودًا على سلوك الدولة الخارجي[10]، ولم تتوصلِ الدراسةُ إلى استنتاج علاقةٍ مهمة بين حجم البيروقراطية وبين اختلاف مخرجات السياسة الخارجية، على الرغم من أن عمرَ البيروقراطية ودرجةَ مؤسسيتِها كان لهما أثرٌ واضح؛ حيث إن البيروقراطيات الحديثةَ الأقلَّ مؤسسيَّةً تميلُ إلى إظهار درجةٍ أكبرَ من عدم الاستمرار والإبداع في سياساتها الخارجيةِ. وقد وجدت الدراسةُ الإمبيريقية التي قام بها رست ومونسن - والتي استشهدنا بها في دراسة المجتمعات المفتوحة والمغلقة - أن لحجم البيروقراطية تأثيرًا قويًّا في قرارات السياسة الخارجية[11]، وقد تبيَّن من تلك الدراسة أن الاستنتاجَ القائل بأن النُّظم ذات البيروقراطيات الكبيرة أكثرُ استعدادًا للدخول في حربٍ من النُّظم ذاتِ البيروقراطيات المحدودة، هو الاستنتاجُ الوحيد الذي له دلالةٌ إحصائية في الدراسة، وحتى في هذه الحالة، فإنه يجبُ على المرء أن يتساءل عما إن كانت تلك العلاقةُ ترجع إلى حجم البيروقراطية أم إلى حجم الدولة؛ وذلك لأن الدولَ الكبيرة يوجدُ بها بيروقراطيات أكبرُ من تلك الموجودة في الدول الصغيرة. [1] Henry A. Kissinger، "Bureaucracy and Policymaking: The Effects of Insiders and Qutsders on the policy Process،" in Morton H. Halperin and Arnold Kanter، eds.، Readings in American foreign Policy (Bostion: Littele، Brown، 1973)، p. 88. [2] Eric Clark، Corps Diplomatique (London: Allen Lane، (1973)، p. 63. [3] Charles w. Kegley، Jr.، and Eugene R. Wittkeopf، American Foreign Policy: Pattern and Process (New York: St. Martin's Press، 1979)، pp. 339-40. [4] Raymond F. Hopkins، "Global Management Networks: The Internationalization of Domestic Bureaucracy، "International Social Science Journal 30 (1978)، 37. [5] Chris Argyis، Some Causes of Organizational Ineffectiveness Within the Department of State، Department of state Publication 8180 (Washington، D.C. January 1967). [6] Henry A. Kissinger، "Domestic Structure and Foreign Policy،" in Henry A. Kissinger، ed.، American Foreign Policy (New York: w.w. Norton، 1969)، pp. 11-43. [7] P.J. Boyce، Foreign Affairs For New States (New York: St. Martin's Press، 1977). [8] William Wallace، The Foreign Policy Process in Britain، (London: Royal Institute of International Affairs، 1975)، p. 77. [9] Irving L. Janis، Victims of Groupthink (Boston: Houghton، Mifflin، 1972). [10] Linda P. Brady and Charles W. Kegley، Jr.، "Bureaucratic Determinants f Foreign Policy Behavior: An Events Data Test of Bureaucratic Politics Paradigm،" Paper delivered at the annual Meeting of the International studies Association، Washington، D.C.، 1975. [11] Russett and Monsen، "Bureaucracy and Polyarchy as Predictors of Performance". |
العلامات المرجعية |
|
|