|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بحوث في السيرة النبوية (1) عبدالله محمد احميد مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. وبعد، فهذه محصِّلة بحوث أعددتُها في السيرة النبوية، حاولتُ فيها تقديم دراسة شاملة للسيرة النبوية، وإبراز فروعها ومراحلِها الزمنيَّة وعلاقتها بمختلف العلوم الشرعية والاجتماعية، وذِكر أهمِّ الأحداث التي غيَّرَت مجرى حياة الناس، وأبرز المشاهير الذين عاصروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وشاركوا في صُنع التاريخ، أو كانت لهم مواقف إيمانيَّة خالدة، كُتبَت بأحرفٍ من ذهب في صفحات السيرة النبوية. تعريف السيرة النبوية: السيرة في اللغة: هي الطريقة والحالة، وهي مشتقَّة مِن فعل: سار يسير سيرًا وسيرة، يقال: فلان سار سيرة حسَنة؛ أي: سلك طريقةً حسنة، ومنه قوله تعالى: ﴿ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾ [طه: 21]، واصطلاحًا: هي قصَّة الحياة وتاريخها. والسيرة النبويةُ: "هي مجموعُ وقائع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشمائله الخِلقيَّة والخُلقية". تاريخ تدوين السيرة النبوية: اعتنى الصحابة ومِن بعدهم التابعون بنقلِ السيرة النبويَّة؛ لما لها من ارتباطٍ وثيقٍ بالسنة المطهرة، إلاَّ أن تدوينَ السيرة لم يحدُث إلاَّ في القرنِ الثاني الهجري. ويُعتبر محمد بن إسحاق الرائد في هذا المجالِ؛ فهو من أول من ألَّف في السيرةِ، ولذا قال عنه محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: "من أراد أن يتبحَّر في المغازي؛ فهو عيالٌ على محمد بن إسحاق"، ثم كثر التأليفُ بعد ذلك، وأشهر ما عُرف من كتب السيرة: "سيرة ابن هشام"، و"الطبقات"؛ لابن سعد، و"المغازي"؛ للواقدي، و"الرحيق المختوم"؛ للمباركفوري، و"فقه السيرة"؛ لمحمد الغزالي، وعندنا في موريتانيا: "نظم الغزوات"؛ للبدوي، و"عمود النسب"، و"نظم قرة الأبصار". من أين تبدأ السيرة وأين تنتهي؟ لم يتَّفق العلماء على تاريخٍ محدَّد يبدؤون منه كتابَةَ السيرة؛ فبعضهم يرى أن سيرةَ النبي بدأَت مع نشأة الخليقة، وبعضهم يبدؤها مع بِناء إبراهيم الكعبة وقصة هاجر وإسماعيل الذي هو جدُّ قريش وكلِّ العرب المستعربة، وبعضهم يبدؤها من عند جدِّ النبيِّ "عدنان"؛ الذي ينتهي عنده نسب النبيِّ المتفَق عليه، وآخر يبدؤها من ميلاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم والإرهاصاتِ التي حدثَت عند ميلاده، ولكلٍّ منهم أدلَّته التي يركنُ إليها، إلا أنهم يتَّفقون على أنها تنتهي عند وفاتِه صلى الله عليه وسلم، وبداية عصر الخلفاءِ الراشدين. أهمية تعلُّم السيرة النبوية: كان الصحابةُ يعلِّمون السيرةَ النبوية لأبنائهم، وأهمَّ الدروس والعِبَر المستخلصة من أحداثها، ولذا كان يقول إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: "كان أبي يعلِّمنا المغازِيَ، ويعدُّها علينا، ثم يقول: "يا بَنيَّ، هذه مآثِرُ أجدادِكم، فلا تضيِّعوها"، وكان زين العابدين علي بن الحسين يقول: "كنا نُعلَّمُ مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، كما نُعلَّم سُوَر القرآن"، وقد نظم عبدالرحمن بن حسان مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدةٍ له؛ لمَّا رأى حرصَ أبناء الأنصار على تعلُّمها، ومن هنا يتَّضح وجوب تعلُّم السيرة والاختصاص بها؛ لِما لها من ارتباطٍ وَثِيق بكتابِ الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. |
#2
|
||||
|
||||
![]() بحوث في السيرة النبوية (2) عبدالله محمد احميد السيرة والقرآن: ترتبط السيرة النبويَّة بالقرآن الكريم ارتباطًا وثيقًا؛ فهي تستعرض لنا أسبابَ النزول، وتعرِّفنا المكيَّ والمدني منه؛ ما يعين على فَهمِ آياتِ الأحكام ومعرفةِ النَّاسخِ والمنسوخ منها، كما أن القرآن يُعدُّ المرجعَ الأولَ للسيرة النبوية؛ فقد أشار إلى أهمِّ أحداثِها، وقد ربط ابنُ سعدٍ في كتابه "الطبقات" بين كلِّ غزوةٍ من الغزوات الكبار وما نزَل فيها من آياتٍ بيِّنات، وذلك على النحو التالي: ◄ غزوة بدرٍ الكبرى: أولى معارك الإسلام الفاصِلة، نزلَ في شأنِها سورةُ الأنفال، كما ذُكرت في سورة آل عمران. ◄ غزوة بني قينقاع: وهم أوَّل من نكثَ عهدَه من قبائل اليهود، نزلَ في شأنهم آيتان من سورةِ آل عمران: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 12، 13]، كما ذُكرت موالاةُ عبدِالله بن أُبي وشفاعتُه فيهم في سورة المائدة الآيتين (53، 54)، وبراءَةُ عبادة بن الصامت مِن حِلفهم الآية (57). ◄ غزوة أحد: نزل في شأنِها ستون آية من آل عمران؛ تبدأ من الآية (121). ◄ غزوة حمراء الأسد: التي تعتبر تكمِلةً لغزوة أُحُد، نزل في شأنها آيات من نفسِ السورة، الآيات (172 - 175). ◄ غزوة بني النضير: نزل فيها سورة الحشر؛ كما صحَّ ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. ◄ غزوة الخندق: وتسمَّى غزوة الأحزاب، نزل في شأنِها سورة الأحزاب. ◄ غزوة بني قريظة: نزل في شأنها الآيتان (26، 27) من سورة الأحزاب. ◄ غزوة بني المصطلق: التي لمع فيها نجمُ المنافقين، وقذفوا أمَّ المؤمنين رضي الله عنها بالفاحشة، نزل فيها سورةُ "المنافقون"؛ التي فضحَتْهم، ونزل في براءة أمِّ المؤمنين الآيات (11 - 18) من سورة النور. ◄ صلح الحديبية: نزل في شأنه سورةُ الفتح؛ لأنه كان مقدِّمة لفتح مكَّة وانتشارِ الإسلام في جزيرة العرب، وبعده أرسل النبيُّ الرسائل للملوكِ يدعوهم إلى الإسلام. ◄ غزوة خيبر: نزل في شأنها آيات من سورةِ الفتح؛ فهي المغانم التي وعد الله المؤمنين بِها؛ لذا وزَّعها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين أهلِ الحديبية بعد إخراج حقِّ الله تعالى. ◄ عمرة القضاء: ورد ذكرُها في سورة الفتح: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27]. ◄ غزوة فتح مكة: نزل في شأنها سورة النصر، كما أُشير إليها في سورةِ الفتح والبينة؛ د. محمد داود: "فتح مكة إشارات ودلالات". ◄ غزوة حنين: نزل في شأنها آيتان من سورة التوبة (25 - 27). ◄ غزوة الطائف: وهي امتداد لغزوة حنين. ◄ غزوة تبوك: ورد ذكرها في سورة التوبة؛ ابتداء من الآية (38) إلى آخر السورة. ◄ حجَّة الوداع: نزل فيها الآية: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]. سورة التوبة: وكانت من آخر ما نزل، كما نزلت آياتٌ كثيرة في شأن أكابر مجرِمي قريش والمؤمنين المستضعفين في مكَّة، وهذه الآيات والسوَر بينَت مراحل الدعوة في العهد المكِّي، كما نزلَت آياتٌ في شأن الهِجرة ومناظراتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أَحبار اليهود، كما وضَّحَت سورتا "الضحى" و"الشرح" سيرةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. |
#3
|
|||
|
|||
![]()
جازاك الله خيرا ...
|
#4
|
|||
|
|||
![]()
بارك الله فيك
|
#5
|
||||
|
||||
![]() بارك الله فيكم واحسن الله اليكم |
#6
|
||||
|
||||
![]() بحوث في السيرة النبوية (3) عبدالله محمد احميد "السيرة والسنَّة": تتَّضح العلاقة من خلال تعريف السنَّة؛ فالسنة عند أهل اللغة هي: العادة والطريقة، واصطلاحًا هي: مجموع أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلقية والخُلقية[1]، وإذا نظرْنا إلى هذا التعريف وجدناه يلتقي مع مضمون السيرة، فدراسة الصفات الخِلقية والخُلقية يدخل في باب الشمائل في السيرة، كما يهتمُّ علماء السيرة بمتابعة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة شقَّها السياسي والعسكري والاجتِماعي، وهنا تتجلَّى العلاقة بين السيرة والسنَّة؛ فهي علاقة تكامليَّة، وإن كان لكل منهما طابعه الخاص، فعلماء السنَّة يهتمون بأسانيد الأحاديث وانتِقاء العدول الضابطين للرواية عنهم، أما أهل السيرة فيهتمُّون بالمَغازي ونسبه الشريف، وحياته قبل البعثة، والحالة الاجتماعية السائدة في المجتمع العربي قبل أن ينبثق نور الرسالة ويعمَّ الجزيرة العربية، وغيرها من الموضوعات التي يبحثها ويدرسها العلماء المختصون بالسيرة النبوية. "السيرة، والفقه": يعرف الفقهاء الفقه بأنه: دراسة الأحكام الشرعية المستمَدَّة من الكتاب والسنَّة والاجتهاد، والسنة عُرِفت سابقًا بأنها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، وأهمُّ مصدر لمعرفة أفعال النبي وتقريراته هي السيرة النبوية، ومن ثم تكون السيرة أصل مِن أصول الفقه، وقد ألَّف محمد الغزالي كتابه الشهير "فقه السيرة" الذي ذكر فيه الأحكام الشرعية وأصلها بذكر الدليل عليها من السيرة. السيرة والعلوم الإنسانية: "السيرة، والتاريخ": يقسم العلماء المختصون في التاريخ "التاريخ الإسلامي" إلى حقب زمنية تختلف حسب طولها، وهي - من حيث التسلسل الزمني -: العهد النبوي، عصر الخلفاء الراشدين، العهد الأموي، العهد العباسي، العهد المملوكي، والتركي. والسيرة النبوية تمثِّل العهد النبوي الذي انبثقت عنه حركة التاريخ الإسلامي، فالسيرة يصنِّفها المؤرخون على أنها حقبة من حقب التاريخ، وإن كانت دراسة السيرة تختلف جوهريًّا عن دراسة التاريخ. "السيرة النبوية، والعلوم الاجتماعية": يهتم دارسو السيرة بالحالة الاجتماعية للمُجتمعات العربية في عصرين مختلفين؛ عصر الجاهلية، وفجر الإسلام، فتراهم يذكرون أهم الميزات التي طبعت العربي في جاهليته، والحالة السياسية والاجتماعية لتلك المجتمعات القائمة على القبَلية، وأهم النظُم التي حكمت علاقات أفراد القبيلة فيما بينهم، وعلاقة القبيلة بالقبائل الأخرى، إلى أن بزغ فجر الإسلام وجمَع شتات تلك القبائل المختلفة ووحَّدها تحت مظلَّته. "السيرة النبوية والعلوم العسكرية": مِحوَر السيرة حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي مثالٌ للقائد الناجح الذي حمى أصحابه من الإبادة في العهد المكي، وعرف كيف يؤسِّس لهم دولة قوية، ويعقد تحالفات مع قبائل عربية، ويُحيِّد أخرى حتى يتفرغ لجهاد عدوِّه الأكبر المُتمثِّل في قريش، وعرف كيف يحصِّن أسراره العسكرية، ويُفاجئ أعداءه في عقْر دارهم؛ لذا قالت عائشة: "ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزوة إلا ورَّي بغيرها"، وأتى بخطط عسكرية لم يعرف لها العرب مثيلاً؛ كخطة "حفر الخندق" المستقاة من الفرس، بالإضافة لخطة الحباب بن المنذر يوم بدر، وخطته صلى الله عليه وسلم يوم أحد التي كُلِّلت بالنجاح لولا مخالفة الرماة، وخططه في فتح خيبر، التي كانت أمنع الحصون في جزيرة العرب وأقواها؛ لذا يعتبر عِلْمُ السيرة له فضل في تقدُّم العلوم العسكرية وتطويرها. "السيرة والعلوم الاقتصادية": تعتبر العملية الاقتصادية مكونة من أربعة عناصر أساسية هي (الإنسان - الأرض - العمل - الإنتاج)، وقد فهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعادلة فشجع أصحابه على العمل وإحياء الأرض للاستفادة مِن غلَّتها، فبعد غزوة بني النضير اقتطع النبي للمهاجرين أرضًا - وكانوا قبل ذلك عالة على الأنصار - ليَسقوا نخيلَها ويحرثوها، وقد ساهم ذلك في زيادة المردودية الاقتِصادية، وتحسين الوضعية الاقتصادية للمُجتمع المسلم، الذي توالت عليه الأزمات في تلك الفترة. [1] "السنَّة ومكانتها في التشريع الوسيط في علوم ومصطلح الحديث". |
#7
|
||||
|
||||
![]() بحوث في السيرة النبوية (4) عبدالله محمد احميد فروع علم السيرة: يقسِّم الباحثون في عِلم السِّيَر السيرةَ إلى عدَّة فروع، كلُّ فرعٍ منها يختصُّ بدراسة جانبٍ من جوانب حياة النبيِّ الكريم، وهذه الفروع قد يجمعها الباحثُ في كتابٍ واحد من كُتب السيرة، وقد يقتصر الكتاب على دراسةِ فرعٍ واحد منها، وهذه الفروع حسب المجالِ المدروس يمكن حصرها في أربعة أنواعٍ؛ هي: أولاً: المغازي؛ ويختص الباحثون في هذا المجال بدراسةِ غزوات النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأسبابها التي أدَّت إليها، ونتائجها على الصعيدَين السياسِي والعسكري، وذِكْرِ مَن حضرَها من المؤمنين، ومَن أسهم له، ومن خُلِّف على المدِينة، وتشكِيلة الجيش الإسلامي، وعديدِه، وتوزيعه في الميدَان، وحَمَلَة راياته، ثمَّ ذكر تعداد الجيشِ المعادي، وعددِ أَلْويته، وأبرز قادَته الذين ساهموا في إعدادِه وتشكيلِه. وقد يقتصر الباحثُ في هذا المجال على المغازي فقط، وقد يوسِّع الدراسةَ لتشمل السرايا التي أُرسِلَت في مهمة جهاديَّة أو لاستطلاع خبرِ عدوٍّ، والبعوث التي بُعثت في مهمَّات دعوية، وبالتالي تكون دراسةً شاملة لجميعِ الأعمال العسكريَّة والدعوية التي حدثَت بعد هجرة المسلمين إلى المدينة واستقرارهم فيها، وأدَّت إلى قيامِ دولةٍ إسلاميَّة مرهوبة الجانب. وقد اعتنى الجيلُ الأول من هذه الأمَّة بتدريسِ المغازي وتدوينِها، وأُلِّف في هذا المجال مؤلَّفات عدَّة في عصور زمنيَّة متفاوتةٍ، أبرز تلك المؤلَّفات: كتاب "المغازي" للواقدي، و"نظم الغزوات" للبدوي، ولا يخلو كتابٌ من كتب السِّيرة من ذِكر المغازي والتبويبِ لها؛ فهي دعامةُ عِلم السيرة، وأساسُها الذي بُنيَت عليه، فالمصادر في هذا المجال كثيرةٌ للباحثِ والقارئ المهتمِّ بمعرفة سيرةِ النَّبي وبطولاتِ أصحابه الكِرامِ. ثانيًا: النَّسَب الشريف: ويختصُّ هذا المجالُ بدراسة نَسَب النبيِّ صلى الله عليه وسلم من جهةِ الآباء والأمَّهاتِ، وتدوين ما عُرف من تاريخِ ومآثرِ أجدادِه؛ مِن سُكنى إبراهيم وهاجر وإسماعيل مكَّة إلى مولدِه الشَّريف وذكر بشارتهم بِه، ثمَّ يتوسَّع هذا المجال ليخوضَ في أنساب العرَب العدنانيَّة "المستعربة" التي يَلْتقي نسبُها مع نسَب النبيِّ عند عدنان، ثمَّ يتدرَّج البحث نزولاً مع أجدادِه إلى أن يصل إلى شَيْبة وابنِه عبدالله والد الرَّسول الكريم، وأبرزُ ما أُلِّف في هذا المجال من الكتب: "عمود النسب"، وكتاب: "أمَّهات النبي"، وكتاب: "أنساب قريش". ثالثًا: الشمائل النبوية: ومجال اختصاصِ هذا الفرع دراسة صِفات النبيِّ الخِلقية والخُلقية، وهو بابٌ واسع عليه عِماد المنظومة الأخلاقيَّة والتربويَّة في حياة المسلم، وقد كان هذا المجال مِن اختصاص علماءِ الحديث، إلاَّ أنَّه وبعد أن توسَّعت رقعةُ الدَّولة الإسلاميَّة ودخلَت شعوبٌ كثيرة في هذا الدِّين، زاد ذلك مِن حنَق الملحدِين المعادِين للدِّين؛ فبدؤوا يطعنون في الإسلام ونبيِّه الكريم - لعلَّهم بذلك يصرفون النَّاس عن الدخول في الدِّين - فتجرَّد المخلصون يذبُّون عن الرَّحمة المهداة للعالمين، وصنَّفوا كتبًا في سيرةِ وشمائل خاتم المرسلين، وأبرز مَن ألَّف في هذا المجال: القاضي عياض: "كتاب الشفا في التعريف بحقوق المصطفى"، وألف الترمذي كتابه: "الشمائل المحمدية"، وقد بوَّب المباركفوري في آخر كتابِه: "الرحيق المختوم" للشمائل. وأنوِّه هنا: إلى أنَّ القرآن الكريم ذَكَر جميعَ شمائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما أَحاطه الله عزَّ وجل بِه من رعايتِه، وبشارة النبيِّين به، والميثاق الذي أَخذه اللهُ منهم بلزومِ اتِّباعه ونصرتِه. رابعًا: أخباره عليه الصلاة والسلام وبيان مَا له مِن أهلٍ ومالٍ، ولا يمكن اعتبار هذا الباب فرعًا مستقلاًّ عن الفروع الأخرى؛ بل يمكن دمجه في الأبواب السَّابقة، ومجالُ هذا الباب بيان ما لَه من أعمامٍ، وأخوال، وأصهارٍ، وزوجاتِه "أمهات المؤمنين"، وأبنائه وبناته، وأحفادِه الذين وُلدوا في حياته، وذكر أمَّهاته من الرَّضاعة، وإخوانه وأخواته من الرَّضاعة، وبيان كُتَّابه الذين كَتبوا الوحيَ المنزَّل عليه، ورسائله للنَّاس، وعهوده مع القبائل، وذكر حُرَّاسِه وشُعَرائه، وخطبائه ومؤذِّنيه في الحضَر والسَّفر، وحُدَاتِه الذين يحدون له في المسيِر، وبيان مَا له مِن الموالي والخدَم والجواري، ومن اقتطع له من الفَيْء، ومن استعمل على أمرٍ من أمور المسلمين، ومن ولاَّه ولايةً، ثمَّ بيان ما له من خيلٍ وحميرٍ، وبِغال وإبل، وما له من سيوفٍ ودروع، وقسيٍّ ورِماح، وغيرها من عدَّة الحرب، ثمَّ بيان ثيابه، وما له مِن قميصٍ وعمامة، وبردة ونعلٍ، ومَن أَهدى له أو أُهدِي إليه، وأبرز الكُتَّاب في هذا المجال: ابن القيم في كتابه: "زاد المعاد في هدي خير العباد" الجزء الأول، وعبدالله عبدالبركة في رسالته: "كيف تعرف نبيك"، و"نظم قرَّة الأبصار". |
#8
|
||||
|
||||
![]() بحوث في السيرة النبوية (5)
عبدالله محمد احميد الأساليب المتبعة في كتابة السيرة تتعدَّد الأساليب التي يَتَّبعها كتاب السيرة بتعدد الكتَّاب أنفسهم، واختلاف آرائهم ومذاهبهم، والأفكار التي يتبنَّونها، ويسعون إلى توصيلها، والأحكام التي يريدون استنباطها أو التأصيل لها، والقيم التي يدعون لها، ويمكن حصرُ تلك الأساليب في أربعة أساليب رئيسة، هي كما يلي: 1- الأسلوب القصصي "الروائي" يَعتمِدُ متبعو هذا الأسلوب على كتابة الأحداث وروايتها بأسلوب أدبي، تبرز فيه أهم العناصر الأساسية المكونة للرواية الأدبية من إبراز للأحداث الحزينة المؤلمة التي وقعت للمسلمين المستضعفين في بداية الدعوة، والبطولات المجيدة المُفرحة التي قام بها أفراد وقادة الجيش الإسلامي في جهادهم، والتكافل الرائع الذي ساد المجتمع المسلم بداية الهجرة، بأسلوب يُمتِعُ القارئ ويُشوِّقُه للتعلُّم والقراءة لمعرفة مآلات القصة، وهو أسلوب تربويٌّ نافع للمبتدئين في تعلم السير. وقد غلب هذا الأسلوبُ على الجيل الأولِ من كتاب المغازي كـ "عروة بن الزبير" ومحمد بن إسحاق الذي اعتمد ابنُ هشام على مغازيه في تأليف كتابه المعروف بـ "سيرة ابن هشام"، الذي يُعدُّ بحق أهمَّ كتاب في السيرة، وعليه اعتمد أغلبُ الباحثين؛ لما تميز به من تأريخ الأحداث، وذكر ما نزلَ في كلِّ حادثة من الذكر الحكيم، وجمع ما قيل فيها من الشعر الذي يُعتبَرُ ديوان وقائع العرب، وحافظ تاريخهم، وما طبعت به تلك الأشعار من سِجالٍ بين شعراء المسلمين الذَّابِّين عن الدعوة وشعراء المشركين المناوئين لها، وإن كان الكتاب لا يخلو في نظر بعض الباحثين من بعض العيوب، شأنه في ذلك شأن أي جُهد بشري. 2- الأسلوب التاريخي مِن الصعب التفرقة بينه وبين الأسلوب القصصي؛ لارتباطهما بالعامل الزمني، وإن كان الأول يغلب على أهل التاريخ، والثاني يغلب على أهل السير، ويعتمد متَّبِعوه على ترتيب الأحداث ترتيبًا يراعي التقييم الزمني المناسب؛ فالعهدُ المكي يُقيَّم له بالبعثة النبوية، في حين يُقيَّم للعهد المدني وباقي عصور الإسلام بالتاريخ الهجري، وهو أسلوب يستعرض الأحداث دون تحليلها، أو التعليق عليها، ومن أبرز روَّاده الطبريُّ وابن كثير. 3- الأسلوب الاستشراقي "الإلحادي" يعتمد روَّاد هذا الأسلوب على البحث عن الثغرات والروايات الضعيفة والموضوعة، ثم البناء عليها للطعن في الدين، والتشكيك في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أسلوب قديم متجدِّد ظهَر في القرن الثاني الهجري مع الزنادقة الملحدين من الروم والعجم، ثم انتشر بعد ذلك، وكان من رواده الأوائل "ابن الراوندي" الذي عاش في القرن الثالث الهجري، ثم تجدد في حقبة الاستعمار القرن 13هـ مع الكتَّاب الغربيين الباحثين في تاريخ الإسلام وسيرة النبي الكريم، الذين عرفوا بالمستشرقين وبنَزعتهم الصليبية، وكما أن القانون الفيزيائي يقول: إن لكل فعل ردة فعل، فقد شحذ هذا الأسلوب هِمَم المخلصين؛ فانبروا يدافعون عن الدين، ويدحضون حجج المفترين بالأدلة والبراهين، وأبرز مَن ألَّف في الرد على المستشرقين رشيد رضا الذي اطَّلع على كتبهم في مكتبة القاهرة، وألَّف كتاب "محمد رسول الله" يردُّ فيه باطلِهم، ويُنبِّه إلى افترائهم، و"ابن الجوزي" الذي ردَّ ردودًا مُتفرِّقة في كتبه على "ابن الراوندي"، وهذا الأسلوب رغم زيغ متبعيه وانحرافهم عن جادة الطريق إلا أنه أسهم في إثراء مناهج البحث، وساعد العلماء في تبيين الحق للناس انطلاقًا من المثل المأثور: "فبضدها تتميز الأشياء"، ومما يجدر الإشارة إليه في هذا المجال أنه وُجِد كُتَّابٌ غربيُّون منصفون نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم للغرب بكل مهنية وموضوعية، أمثال "واشنطن إيرفنغ" مؤلف كتاب: "محمد رسول الله وخلفاؤه" و"مايكل هارت" مؤلف كتاب "الخالدون المائة" الذي ترجمه أنيس منصور للعربية. 4- الأسلوب العلمي: وهو الأسلوب الذي يعتمد على الدراسة العلمية للأحداث العملية المدونة في كتب السيرة، واستخلاص الدروس والعبر منها؛ للاستفادة منها في حل المشاكل العلمية وإسقاطها على واقع الحياة اليومية، وتتعدد مجالات البحث العلمية من بحث لمعرفة أسباب نزول آي الذكر الحكيم، وتاريخ نزولها؛ ما يعين على معرفة الناسخ والمنسوخ من آيات الأحكام إلى البحث في الأحكام الشرعية الفقهية والتأصيل لها، إلى بحث في هدي النبي صلى الله عليه وطبيعة العَلاقة التي تحكم أفراد المجتمع المسلم فيما بينهم، وعلاقتهم بغيرهم أفراد المجتمع الإنساني كـ"اليهود" والمشركين القاطنين معهم في المدينة، وعَلاقتهم بقريش ومَن شاركها في حربهم، ثم علاقة المسلمين بقبائل العرب التي حالفتهم وآزرتهم في حروبهم مع قريش، والتي لم تحاربهم، وآثرت الوقوف على الحياد، وهذا باب واسع يدخل في مجال العَلاقات الدولية، وأبرز رواد هذا الأسلوب ابنُ القيم في كتاب "زاد المعاد"، ومحمد الغزالي في كتاب "فقه السيرة". |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|