اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-11-2011, 02:40 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي الأهداف التربوية للعبادة

الأبعاد التربوية للعبادة في الإسلام


الدكتور أحمد أبوزيد




الأهداف التربوية للعبادة

نتحدث عن الأهداف التربوية للعبادة، ونوضح أننا سنستخدم كلمة العبادة أو العبادات في ثنايا هذا الفصل بمعناها الخاص، وهو المعنى الذي يشمل الصلاة والزكاة والصيام والحج والذكر والدعاء.


__________________
  #2  
قديم 04-11-2011, 02:44 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المقاصد التربوية للعبادات
الحديث عن الأبعاد التربوية للعبادات يندرج ضمن البحث في مقاصد العبادات وأسرارها، والحكمة من مشروعيتها أو فرضها. وهذه مسألة من مسائل مقاصد الشريعة، لا يتسع المجال في هذا المقام للدخول في تفصيلاتها.
ولكن يحسن أن نتساءل: ما هي الحكمة من فرض العبادات؟ هل فرضت لأداء حق الخالق المنعم، أو لتحصيل منافع للعباد أو لتحصيل ثواب الله ومرضاته؟ أو لتغذية الأرواح وتهذيب النفوس؟.
لاشك في أن العبادة هي حق الله تعالى على العباد، حق الخالق الذي أوجد العبد وأنعم عليه.
روى البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، قال: >كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، على حمار، فقال لي: >يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً "(1).
وفي الحديث القدسي، قال الله عز وجل: >ابنَ آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا يشغلك ما خلقته لك عما خلقتك له<.
خلق الله الإنس والجن لعبادته، قال سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ* ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمونِ. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(1). ومن الظلم والجهل التام أن يضيع الإنسان الضعيف المحتاج حق خالقه ورازقه والمنعم عليه، فيترك عبادته عز وجل، ويعبد غيرهُ، مما لا يضر ولا ينفع، وقد عجب الله، عز وجل، لظلم الإنس والجن وجهلهم. قال في الحديث القدسي. > إني والجن والإنس في نبأ عظيم. أخلق ويُعبدُ غيري، وأرزق ويشكر سواي. خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمتي، وأنا الغني عنهم، فيتعرضون إلي بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلي<.
إن المقصد الأصلي من العبادة هو أداء حق الله تعالى، وهناك مقاصد أخرى تابعة لهذا المقصد الأصلي، منها مقاصد دنيوية، ومنها مقاصد أخروية. قال الشاطبي في كتاب الموافقات:" المقصد الأصلي منها هو التوجه إلى الله الواحد المعبود، وإفراده بالقصد إليه في كل حال. ويتبع ذلك قصد التعبد لنيل الدرجات في الآخرة. أو ليكون من أولياء الله تعالى، وما أشبه ذلك"(2).
وقال : > فالصلاة مثلاً أصل مشروعيتها الخضوع لله سبحانه، وإخلاص التوجه إليه، والانتصاب على قدم الذلة بين يديه، وتذكير النفس بالذكر له. قال تعالى: {وأقمِ الصلاة لذكري} (3). وقال: { إن الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ}(4).
يعني أن اشتمال الصلاة على التذكير بالله أعظم وأكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر، لأن ذكر الله هو المقصود الأصلي.
ثم إن لها مقاصد كالنهي عن الفحشاء والمنكر والاستراحة إليها من أنكاد الدنيا كما في الخبر. كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا حضر وقت الصلاة يقول للمؤذن. >أرحنا بها يا بلال". وفي الصحيح أنه، صلى الله عليه وسلم، قال: >وجُعِلت قُرّةُ عيني في الصلاة "، وإنجاح الحاجات كصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وطلب الفوز بالجنة والنجاة من النار ونيل أشرف المنازل. قال الله تعالى: {ومن الليل فتهجَّدْ به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربُّك مقاما ًمحمودا}(1). وكذلك سائر العبادات لها فوائد أخروية، وهي العامة. وفوائد دنيوية، وهي كلها تابعة للفائدة الأصلية، وهي الانقياد والخضوع لله (2).
يتببن من هذا كله أن المقصد الأول من العبادة هو أداء حق الخالق على المخلوق. حق الرب المنعم على العباد. إنها على حد قول الشيخ القرضاوي مطلوبة لذاتها، وغاية في نفسها، وليست مجرد وسيلة لتزكية النفوس ، وإصلاح القلوب. والعبادة غاية المكلفين أنساً وجناً. بل هي مراد الله من خلق السموات والأرض، قال سبحانه: {الله الذي خلق سبعَ سماواتٍ ومن الأرض مِثْلَهُنَّ يتنزلُ الأمرُ بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قديرٌ وأن الله قد أحاط بكل شيءُ علماً} (3).
هذا هو المقصد الأول من العبادة، أما صلاح النفس وزكاة الضمير واستقامة الأخلاق فهي ثمرة لازمة للعبادة، وليست علة غائية لها.
وبهذا كله نعلم أن العبادة مطلوبة في الدين طلب الغايات والمقاصد، لا طلب الأدوات والوسائل، أعني أنها في الدرجة الأولى امتثال لأمر الله تعالى، وأداء لحقه، فهي مطلوبة لذاتها قبل أي شيء آخر في هذه الحياة (4).
وإن من فضل الله تعالى أن جعل في هذه العبادات أسراراً خاصة وآثاراً نفسية واجتماعية طيبة، وفوائد تربوية كثيرة، والإنسان حين يؤدي هذه العبادات على الوجه الصحيح يجمع بعمله بين أداء حق الله تعالى عليه، وبين تحقيق منافعها وآثارها المباركة في نفسه وحياته.
وعلى الإنسان أن يعلم أن الله تعالى غني عن العالمين، لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وإنما خلقهم من أجل عبادته ليكملهم ويزكيهم بهذه العبادة، ولعقد صلة دائمة بين العبد وربه، ولتجديد إيمانه، وقد بين الله أن ثمرات العمل الصالح، ومنه العبادة إنما هي لفائدة الإنسان ومنفعته، قال الله تعالى : {ومَنْ جاهدَ فإنما يجاهدُ لنفسهِ، إن الله لغنيُّ عن العالمين} (1) .
وقال: {ولله على الناس حِج ُّ البيتِ من استطاعَ إليهِ سبيلاً ومَنْ كفرََ فإن الله غنيٌّ عن العالمين}(2).
وقال : {من عَمِل صالحا ًفلنفسهِ ومَنْ أساء فعليها وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد}(3) .
__________________
  #3  
قديم 04-11-2011, 03:08 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

العبادة دواء للقلب
ذكرنا أن صلاح القلب يتبعه صلاح الجسد كله، ومعنى ذلك أن الصحة القلبية شرط في وجود الصحة العقلية والصحة النفسية والجسدية، ولذلك فإن التربية الروحية الإسلامية تجعل صلاح القلب من أهدافها الأولى.
ذكر الإمام الغزالي أن القلب الإنساني له أمراضه التي فيها هلاكه، وأن دواءه في معرفة الله وعبادته، قال: > بَانَ لي بالذوق مرة وبالعلم البرهاني مرة، أن الإنسان خلق من بدن وقلب، وأعني بالقلب حقيقة روحه التي هي محل معرفة الله دون اللحم والدم، وأن القلب له صحته وسلامته وله مرضه الذي فيه هلاكه. وأن الجهل بالله سم مُهْلِكٌ وأن معصية الله بمتابعة الهوى داؤه الممرض، وأن معرفة الله تعالى ترياقه المحيي، وطاعته دواؤه الشافي، وأنه لا سبيل إلى معالجته بإزالة مرضه وكسب صحته إلا بأدوية...".
>وبَانَ على الضرورة أن أدوية العبادات بحدودها ومقاديرها المحدودة المقدرة من جهة الأنبياء لا يدرك وجه تأثيرها ببضاعة العقل بل يجب فيها تقليد الأنبياء الذين أدركوا تلك الخواص بنور النبوة".
>وكما أن الأودية تركبت من أخلاط مختلفة، وبعضها ضعف البعض في الوزن، فكذلك العبادات التي هي أدوية القلوب مركبة من أفعال مختلفة النوع والمقدار حتى أن السجود ضعف الركوع، وصلاة الصبح نصف صلاة العصر... وكما أن في الأدوية أصولاً هي أركانها وزوائد هي متمماتها، لكل واحد منها خصوص تأثير في أعمال أصولها، فإن النوافل والسنن متممات لأركان العبادات" (1) .
يستفاد من كلام الغزالي أن القلب البشري معرض لأمراض معنوية مهلكة، وأنه في حاجة دائمة إلى أدوية تزوده بالوقاية من تلك الأمراض، وأن دواءه وشفاءه هو معرفة الله وعبادته.
وهذا يعني أن في الصلاة دواء وشفاء، وفي الصوم دواء وشفاء، وفي الزكاة دواء وشفاء، وفي الحج والجهاد، والذكر والدعاء دواء وشفاء.
ومجموع ما فرض الله، عز وجل، على الإنسان وشرعه له هو الذي فيه دواؤه وعلاجه، فلو حدث أن الإنسان عطل أمراً من أوامر الله، فلابد أن يترتب على ذلك فساد في قلبه ونفسه، وكل فريضة فرضها الله على الإنسان، إذا أتى بها ترتب على ذلك مصلحة لا تتحقق إلا بها، وإذا تركها ترتبت على ذلك مفسدة لا تزول إلا بإقامتها، قال الله عز وجل : {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيلَ وبعثنا منهم اثني عشرَ نقيباً، وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ...} إلى أن قال: {فبما نقضهم ميثاقَهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً}(2).
فبين سبحانه، أن قسوة القلب كانت عقوبة لهم على نقض الميثاق في أوامر تتعلق بالعبادة، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالرسل ونصرتهم، ومثل هذا يصح أن يحدث للمسلمين إذا نقضوا ميثاق الله فيما أمرهم به.
إن الله عز وجل فرض على المسلم فرائض متنوعة وأمره بإقامتها، لأن القلب البشري يحتاج إلى أدوية متنوعة، فلكل عمل شرعي آثاره في القلب، وتمام صلاحه مرهون بإقامة تلك الأعمال على الوجه الصحيح. ولكل أمر من أوامر الله حكمته، ولكل عبادة حكمتها، وعلى المسلم أن يعمل كما أمر، وأن يحقق الحكمة التي من أجلها أمر.
لقد بينا في الفصل الثاني من هذا الكتاب أن الهلع، وهو من أمراض القلب التي تلازم الإنسان في حياته، يظهر في الجزع الشديد عند المصيبة، وفي البخل الشديد في وقت الخير.
هذا المرض القلبي لا يتخلص منه الإنسان، إلا إذا اجتمعت فيه الأعمال الإيمانية المذكورة في الآيات الآنفة الذكر، من إقامة الصلاة مع المصلين، والإنفاق على السائل والمحروم، والتصديق بيوم الحساب، والإشفاق من عذاب الله، وحفظ الفروج، والقيام بالشهادة بأمانة. فمن تحلى بهذه الصفات الإيمانية شفي من مرض الهلع، وحل محله الصبر والكرم، وهما من مظاهر الصحة القلبية.
__________________
  #4  
قديم 04-11-2011, 03:16 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

العبادة تربية روحية واجتماعية

بين الله عز وجل في القرآن الكريم بعضاً من أسرار العبادات وفوائدها النفسية والتربوية. وقد أوضحنا في الفصل السابق فضل العبادة بوجه عام في تهذيب الانفعالات النفسية كالهلع والخوف واليأس والبطر، وفضلها في تهذيب الغرائز والدوافع الفطرية. ونريد الآن أن نبين فوائد العبادات الإسلامية بشيء من التفصيل.
طريقة الإسلام في التربية الروحية والخلقية هي أن يعقد صلة بين الإنسان وربه، يستشعرها في كل لحظة ومع كل عمل وكل خاطرة. ويستخدم الإسلام لإيجاد هذه الصلة والمحافظة عليها وسائل متنوعة، فهو من ناحية يوجه نظر الإنسان وعقله للنظر في دلائل قدرة الله وجلاله وعظمته في الكون، ومن ناحية أخرى يثير في قلبه الإحساس بأن الله معه حيث كان، مطلع على ما في صدره من النوايا والخواطر.
وإلى جانب هذه الوسائل فرض الله تعالى على العباد نظاماً صارماً من العبادات والقربات التي يجدد بها العبد إيمانه وصلته بربه. لذلك فإن من أبرز سمات المنهج الإسلامي في التربية أنه منهج عبادة. وحين يكون قلب المؤمن على صلة دائمة بربه يحس إحساساً قوياًً بعلمه سبحانه المحيط بكل شيء، فيراقبه في سره وعلانيته، في كل صغيرة وكبيرة من تصرفاته، فينظف مشاعره من الحسد والحقد، ويطهر نفسه وقلبه من الأوصاف الذميمة والميول الدنيئة، وحين تتحقق هذه الأخلاق الطيبة في الأفراد يعيش المجتمع نظيفاًً، وتستقيم أموره على طريق الخير والصلاح.
إن إيجاد الصلة بين القلب البشري وبين الله تعالى هي القاعدة الكبرى للتربية الروحية والخلقية، فهذه الصلة هي الضمان لصلاح القلب وصلاح الفرد وصلاح المجتمع، وقد بين الله تعالى الآثار الطيبة لدوام الصلة بينه تعالى وبين قلب الإنسان، فمدح أولي الألباب بقوله: { إن في خلقِ السموات والأرضِ واختلافِ الليلِ والنهارِ لآياتٍ لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما ًوقعودا ًوعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض* ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار.* ربَّنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار* ربنا إننا سمعنا مناديا ًينادي للإيمان أنْ آمنوا بربكم فآمنا.. . الآيات}(1).
فَذِكر الله تعالى في القيام والقعود وعلى الجنوب دليلٌ على الصلة الدائمة بين القلوب وربها. وعن طريق هذه الصلة والتفكر في خلق السموات والأرض وصل هؤلاء الصالحون إلى العلم بأن الله خلق السموات والأرض وكل المخلوقات ومنها الإنسان بالحق، وعلموا أيضاً أن هناك ناراً يعذب الله فيها الظالمين، وهذا الدعاء الجماعي الصادق، ما هو إلا تعبير عن الأحاسيس القلبية التي غمرت القلب عندما تحققت الصلة الوثيقة بينه وبين الله. فَطَلَبُ الوقاية من عذاب النار، وطَلَبُ مغفرة الذنوب تعبيرٌ عن الخوف من الله والإحساس بمراقبته. وهو دافع قوي للاستقامة على طريق الخير.
ولكي تبقى صلة المؤمن بربه قوية متجددة على الدوام وضَعَ الله ـ سبحانه ـ لَهُ نظام العبادات وجعلها أركان دينه وقواعده التي يقوم عليها. وحثه على إقامتها وأدائها بإحسان وإخلاص، ففرض عليه خمس صلوات في اليوم ليظل القلب على صلة بربه، وترك باب التطوع والزيادة مفتوحاً لمن أراد التقرب إليه. وفرض صيام شهر رمضان وحث على قيامه، ليكون دورة روحية سنوية يتزود منها قلب المؤمن بالإيمان والتقوى، ويتطهر من الخطايا التي تحجبه عن ربه، وفرض عليه الزكاة لتكون تدريباً سنويا ًأو موسمياً يتطهر به من الشح وحب المال، وفرض عليه الحج مرة في العمر ليهاجر إلى ربه في رحلة إيمانية روحية يتجرد فيها، لمدة من الزمن، من روابط المال والأهل والولد ومتاع الدنيا وزينتها، ويذهب إلى بيت الله الحرام ومهبط الوحي وموطن النبوة حيث تفتح له أبواب القرب والوصال.
لكن أبواب القرب لا تفتح للإنسان إلا بالتزكية والمجاهدة والطهارة الظاهرة والباطنة.
ومن فضل الله أن جعل الطهارة شعيرة من شعائر الإسلام، وعبادة واجبة من عباداته، فرضها على المؤمنين وأثنى بها عليهم، فرض عليهم الوضوء والغسل والتيمم، وجمع في كل من هذه الشعائر بين الطهارة الجسدية والطهارة الروحية الباطنية.
فالمسلم حين يتوضأ ينظف أطرافه وجوارحه من الوسخ الظاهر،ويطهرها كذلك مما اقترفت من الذنوب.
وبين ـ سبحانه ـ أن من مقاصد دينه تطهير الإنسان وإتمام النعمة عليه. قال تعالى: {ما يريدُ اللهُ ليجعلَ عليكم في الدين من خَرَجٍ، ولكن يريدُ ليطهِّركم وليُتَّم نعمته عليكُم لعلكم تشكرون} (1).
إن العبادات التي فرضها الله على العباد أوسَنَّها لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أهم التمرينات الروحية التي تطهر النفوس وتزكيها؛ فالصلاة تطهر النفس والأخلاق. {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} وشبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المسلم الذي يؤدي الصلاة خمس مرات في اليوم بالإنسان الذي يغتسل في نهر يجري بباب داره خمس مرات في اليوم.
ولهذه العبادات أسرار وأبعاد تربوية كثيرة. يكفينا في ختام هذا الفصل أن نسوق مقتطفات منها، فالصلاة هي أم العبادات الإسلامية، وهي العبادة المفروضة التي تكرر يوميا خمس مرات في أوقات محددة، لا يجوز بأي حال من الأحوال إخراجها عن وقتها. إنها عبادة عظيمة جعلها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين كله، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وللصلاة أسرار وأهداف كثيرة، فهي التي تقوي صلة العبد بربه، وتجدد إيمانه خمس مرات وأكثر في اليوم، وفيها السجود الذي يجعل العبد أقرب ما يكون إلى ربه، ومنها يتزود المؤمن بالقوة الروحية التي تعينه على تحمل الشدائد، ومواجهة المصاعب والثبات على طريق الحق، وبها يتطهر من خطاياه، ويبتعد عن الفحشاء والمنكر.
ولها فوق كل هذا فوائد تربوية فردية واجتماعية كثيرة.
ما الذي يجعل الإنسان يترك مشاغله ومتعته وراحته ويسرع إلى أداء الصلاة؟ ما الذي يجعله يقطع متعة النوم اللذيذ في ساعة مبكرة من الليل، وينهض لأداء الصلاة؟.
إنه الإحساس بالواجب والمسؤولية بينه وبين خالقه. هذا الإحساس هو الذي يدفعه إلى تقديم أداء حق الله على كل شغل وكل متعة وكل شيء.
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 04-11-2011 الساعة 03:18 PM
  #5  
قديم 04-11-2011, 03:20 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

والصلاة نفسها، إذا داوم عليها الإنسان في أوقاتها المحددة، هي التي تربي فيه هذا الإحساس وتحافظ على قوته ورهافته، وتدربه على النظام والانضباط والالتزام بأداء واجباته في وقتها المحدد، على أحسن وجه ممكن من الإتقان.
وقد تكون هذه الفوائد التربوية وغيرها من الأسرار والمقاصد التي اشتمل عليها أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي أرشد فيه إلى أمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين وضربهم عليها لعشر.
لننظر هل يمكن أن يكون هناك طريق للتمرين الروحي والخلقي أفضل من الصلاة؟.
إن هذه التمرينات اليومية تذكر الإنسان بعهده وواجباته ومسؤوليته مع الله تعالى. كما تدربه على الوفاء بها وأدائها في وقتها المحدد.
وإذا كان شعور الإنسان بواجباته نحو خالقه مرهفاً بصورة تجعله يقدمها على مصالحه الدنيوية، وعلى رغباته وأهوائه، فإنه سيكون مخلصاً في جميع معاملاته. وسيقوم بواجباته ومسؤوليته في سائر أعماله وأنشطته، وسيلتزم بأوامر الله وشرعه في كل مظاهر حياته بالطريقة نفسها التي يتبعها في أداء واجباته نحو خالقه. وسيكون محل ثقة وأمانة يعتمد عليه في ميادين الأعمال والمسؤوليات الدنيوية.
ومن فوائد الصلاة في مجال التربية الفردية التدريب على تنظيم النشاط الفكري والجهد العقلي، فالمصلي مأمور بأن يجمع قواه العقلية ويركزها في الأفعال والأقوال التي يقوم بها في صلاته، ومدعو إلى إحضار عقله في كل أجزائها. فإذا غاب عقله وسها عن صلاته، كان ذلك نقصاً فيها، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: > ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت".
واستجماع الفكر وحصره وتركيزه في الصلاة من أولها إلى آخرها، أمر شاق على الإنسان، إلا من رحمه الله، لكن المسلم يحقق قدراً من النجاح في ذلك، بالمحاولة الجادة المتواصلة، والإرادة والعزيمة القوية، وهذا التدريب الذي يكرره المسلم في صلاته خمس مرات في اليوم، يعلمه كيف ينظم عمله الفكري، ويمرنه على استجماع طاقته الفكرية، وتركيزها في الشيء الواحد، والمسألة الواحدة، إلى أن يصل إلى فهمها وحل غوامضها. ويتعلم المسلم في صلاة الجماعة كثيراً من الفضائل الخلقية التي لا يتعلمها من صلاته بمفرده، ولذلك أمر الإسلام بإقامة الصلاة جماعة، ورغب فيها، وفضلها على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وفي رواية بخمس وعشرين درجة.
صلاة الجماعة لقاء بين المسلمين يتكرر خمس مرات في اليوم، يلتقي فيه المسلم مع إخوانه، فيحصل التعارف، وتنشأ روابط الأخوة بينهم ، ويحس كل واحد أنه عضو في جماعة متماسكة متعاونة، وإذا كان المسجد يؤدي رسالته الدينية والاجتماعية على حقيقتها، فإن ذلك الإحساس يتحول إلى تعاون حقيقي، فيجد كل فرد من إخوانه، في وقت الحاجة، المساندة والمؤازرة ، إذا غاب سألوا عنه، وإذا مرض عادوه، وإذا نزلت به محنة أعانوه وواسوه. وهكذا ينخرط المسلم في الجماعة، ويندمج في أعمالها وأنشطتها، ويتدرب على القيام معها بأنواع من الأعمال الاجتماعية ذات النفع العام، ومع مرور الزمن يصبح هذا السلوك الجماعي عادة راسخة، وفي ذلك الخير الكثير للفرد والجماعة معاً.
ويتعلم المسلم من صلاة الجماعة كذلك فضيلة المساواة، ويتخلص من رذيلة التكبر والاختيال كيفما كان موقعه ومركزه الاجتماعي، لأنه مدعو إلى أن يجلس في المسجد حيث تنتهى به الصفوف. ليس في المسجد أماكن مخصصة لأشخاص باعتبار مكانتهم أو مزاياهم الدنيوية، ولأنه مدعو إلى الوقوف مع عامة المسلمين في صف واحد متساوٍ، لا فرق فيه بين غني وفقير ورئيس ومرؤوس، وشريف ومشروف.
والمداومة على صلاة الجماعة يطهر النفس من الكبر والعجب، ويروضها على التواضع واحترام الآخرين والاعتراف بفضلهم.
ويتعلم المسلم من صلاة الجماعة النظام والطاعة لقائد الجماعة وولي أمرها، لأنه مدعو في صلاته إلى الاقتداء بالإمام ومتابعته في أفعاله، كما يتعلم منها المشاركة الإيجابية في تسيير أمور الجماعة، لأن من حقه أن يشارك في اختيار الإمام، وفي عزله، إن ظهر أنه لم يكن أهلاًً للإمامة، أو أن أخل بشرط من الشروط، وإن أخطأ في شيء من صلاته، فإن من واجب الجماعة أن تصحح خطأه. وهذه صورة لما ينبغي أن يكون عليه نظام الحكم، يراها المسلم في صلاة الجماعة ويتدرب عليها يومياً.
ويتعلم المسلم في المسجد آداباً إسلامية كثيرة، ويستفيد فوائد تربوية فردية وجماعية عديدة، إما عن طريق الاندماج في الجماعة، وإما عن طريق الممارسة والمشاهدة المتكررة، وإما عن طريق دروس العلم وخطب الجمعة التي ترغب في الفضائل والأخلاق الإسلامية الكريمة، وترشد إلى طرق الخير والعمل الصالح، وبذلك كانت مكانة المسجد وأهميته في التربية الإسلامية كبيرة.
تلك جملة من الفوائد التربوية التي يتعلمها المسلم من الصلاة، ولا يتسع المجال هنا للإطالة في تعدادها، فهي كثيرة تحتاج إلى كتاب مستقل.
__________________
  #6  
قديم 04-11-2011, 03:24 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وكذلك العبادات الإسلامية الأخرى، لها أهداف تربوية وآثار طيبة نفسية واجتماعية كثيرة.
فالزكاة طهارة لنفس الغني من الشح، وترويض لنفسه على البذل والعطاء، وهي في الجانب الآخر طهارة لنفس المحروم من الحسد والبغض، وطهارة للمجتمع كله من أنواع الفساد التي تنشأ عن الفقر والحاجة من جهة، وعن الترف وعبادة اللذة من جهة ثانية.
وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: {خُذْ من أموالهِم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها}(17).
ثم هي طهارة وتنمية للمال، فإن المال يظل ملوثاًً مادام حق الفقراء والمساكين معلقاً به، فإذا أدى الغني زكاة ماله فقد طهره وحصنه، وإلى هذا أشار قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم :" إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شرَّه"(18): وقوله في حديث آخر: >حصنوا أموالكم بالزكاة"(19).
وللزكاة فوائد اجتماعية كثيرة، فهي كما قلنا أداة لتطهير المجتمع من أسباب انتشار الفساد، وهي أداة لتحقيق التكافل الاجتماعي، فإن الإسلام لا يرضى أن يوجد بين الجماعة من لا يجد القوت الذي يكفي حاجته ويحفظ كرامته، والمسلم مطالب بأن يحقق لنفسه ضرورات العيش الكريم من القوت والثوب والكساء، فإن لم يستطع فالجماعة تكفله، ولا تدعه فريسة للحرمان والحاجة.
وللصيام كذلك أسرار وفوائد تربوية، نعرف منها ما نعرف ونجهل ما نجهل، ويكشف منها العلم ما يكشف. ومن فوائده تقوية الروح وتصفيته، والروح كما قلنا سابقاً، هو جوهر حقيقة الإنسان، وهو جوهر سماوى أودعه الخالق في هذا الجسد الأرضي، وللجسد مطالبه وغرائزه التي تشد الإنسان إلى الأرض، فإذا استسلم لهذه المطالب والغرائز وانقاد لها، نسي مطالبه الروحية، وأهدر حقيقته الإنسانية، وأضعف قوته الروحانية وصدق عليه قول الشاعر:
يا خادمَ الجسم ِكم تشقى بخدمــتـــــــــــه *** أتطلبُ الربح َمما فيه خــسرانُ
أَقْبِلْ على النفسِ واستكملْ فضائلَها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
لهذا فرض الله الصيام، ليتغلب الإنسان على شهواته، ويتحكم في غرائزه الحيوانية، ويصفي روحه ويقويها، ويتشبه بالملائكة، ومن هنا كان من فوائد الصيام تصفية الروح وتطهير النفوس. كان النبي، صلى الله عيه وسلم، يقول لأصحابه، إذا أقبل شهر الصيام >لقد جاءكم المُطَهّر "، يحثهم بذلك على الاستعداد لصيامه وقيامه.
وذكر الله تعالى الحكمة من عبادة الصيام وجمعها في كلمة واحدة جامعة، هي التقوى، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكمُ الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(20).
والتقوى هي الإحساس الذي يجعل ضمير الإنسان في صحوة مستمرة، فيراقب الله في سره وعلانيته، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه.
والصيام تربية لفضيلة الصبر والإرادة، فالصائم يترك شهوات نفسه. ويصبر على رغباته المعتادة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طيلة أيام شهر رمضان، فيتدرب علي التحكم في زمام النفس، وعلى الصبر على ألم الجوع والعطش، وعلى كف النفس عن الاسترسال مع الشهوات. فأي تدريب أنفع في تعليم الصبر وتربية الإرادة من عبادة الصيام، التي جعلها الإسلام تدريباً سنوياًً إجبارياً في رمضان، وتدريباًً تطوعياً في غير رمضان.
ونبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أن الصيام عبادة لها حرمتها، وحث الصائم على تجنب كل ما ينافي تلك الحرمة من الرفث والفسق والصخب، فقال: > الصيام جُنَّةٌ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل، إني صائم. إني صائم"(21).
ولا يخفى أن إمساك الإنسان عن الرفث، وهو كل كلام أو فعل يوقظ في النفس شهوة النساء، كفيل بتدريبه على فضيلة العفة، وإمساكه عن فاحش الكلام والسباب والشتم يدربه على تحمل أخطاء الناس وكظم الغيظ وغض الطرف، وتلك من سمات الصابرين. {وما يُلقَّاها إلا الذينَ صبروا وما يُلقَّاها إلا ذو حَّظٍ عظيم}(22).
والإسلام دين جهاد ومرابطة، وأول عدة الجهاد الصبر والإرادة القوية. والصوم من أبرز وسائل الإسلام في تربية المؤمن الصابر الذي يتحمل ترك شهواته من أجل إعلاء كلمة الله ونيل مرضاته.
ولا يتسع المقام هنا للاسترسال في بيان فضائل الصيام وفوائده التربوية، فهي كثيرة تستحق أن يفرد لها كتاب مستقل، يتناول بالتفصيل أحكامه وآثاره النفسية والاجتماعية.
__________________
  #7  
قديم 04-11-2011, 03:26 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أما الحج فهو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو آخر ما فرض من الشعائر والعبادات التي رسم الله حدودها وبين مناسكها وحدد أوقاتها. والحج هو الرحلة الإيمانية التي ينتقل فيها المؤمنون كل سنة لزيارة بيت الله الحرام والطواف به، ذلك البيت الذي جعله الله تعالى رمزاً لتوحيده، وقبلة للمسلمين، إذ فرض عليهم أن يتوجهوا إليه كل يوم في صلاتهم، وأن يتوجه إليه كل قادر منهم بشخصه ويطوف به مرة في العمر.
وللحج منافع وآثار نفسية وتربوية وأسرار لا نعرف إلا القليل منها. لأنه أكثر العبادات اشتمالاً على الأمور التعبدية التي لا تعرف حكمتها معرفة تفصيلية على وجه التأكيد. ما الحكمة من كون الطواف بالبيت سبعة أشواط؟، وما الحكمة من كون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط؟، وما الداعي إلى تقبيل الحجر الأسود؟، إن المسلم يفعل هذا كله لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، فعله، ولا حرج عليه بعد ذلك إن لم يدرك بعقله الحكمة مما يفعل، ويكفيه أن يتذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب لما طاف بالبيت وتقدم لاستلام الحجر الأسود، فكر بعقله، وتوقف وقال مخاطبا إياه: "والله إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقبلك ما قبلتك"، لقد أعمل عمر عقله ثم أدرك أنه بإزاء شعيرة تتلقى بالتفويض والطاعة لأمر الله.
وللحج منافع كثيرة، ذكرها الله تعالى في قوله: {وأذّنْ في الناسِ بالحَجِ يأتوكَ رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فَجٍّ عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسمَ الله}(23).
فقوله تعالى: {منافع لهم} لفظ مطلق لم يقيد بشيء، وذلك ليدل على أنواع كثيرة من المنافع الدنيوية والأخروية، والمنافع التربوية الفردية والجماعية. هذا الإطلاق في اللفظ يفتح الباب للتأمل في فوائد هذه العبادة.
الحج يبدأ بالإحرام، وهو أول المناسك، وفيه يتجرد الإنسان من زينة الدنيا ومتاعها، ومن شهوات نفسه، ويتوجه إلى الله خاشعاً ضارعاً وما دام في عبادة الحج فهو مدعو إلى ترك الرفث والفسوق والجدال. قال الله تعالى: { الحَجَّ أشهرٌ معلومات فمن فرض فيهِنَّ الحَجَّ فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحَجِّ }(24) . وهذا تدريب تربوي حكيم، يتجرد به الإنسان من شهواته الدنيوية، ويطهر نفسه ولسانه من فاحش القول، ويطهر سلوكه من سيء الأفعال، ويتدرب على تحمل الأذى والصبر ونكران الذات، ويترك الخصومات التي تنشأ عادة من الأنانية والإفراط في حب الذات.
والحج لقاء سنوي عالمي يلتقي فيه المسلمون لتجسيد الوحدة الإسلامية، وللتعارف وتبادل المنافع والمصالح، والتشاور حول القضايا الإسلامية المشتركة. وفيه تدريب عملي على المبادئ الإنسانية العليا التي جاء بها الإسلام، فقد أراد الإسلام ألا تكون مبادئه مجرد شعارات، بل ربطها بعبادته لتكون جزءاً من حياة المسلم العملية، وفي الحج يتدرب المسلمون على المساواة والوحدة والسلام، فالمساواة تتحقق في أجلى صورها في لباس الإحرام، عندما يطرح الجميع الملابس والأزياء المزخرفة التي تختلف باختلاف الطبقات، ويلبسون جميعاً لباساً بسيطاًً موحداً. يلبسه الملك والأمير والغني والفقير.
وأما الوحدة فإنها تتجلي في وحدة الشعائر ووحدة الهدف. فالمسلمون الحجاج على اختلاف أجناسهم وألسنتهم، يؤمنون برب واحد، ويطوفون ببيت واحد، ويؤدون أعمالاً موحدة.
وأما السلام فإن البلد الحرام بلد الأمن والسلام ومن دخله كان آمناً، والمسلم حين يحرم بالحج يظل زمن إحرامه في سلام حقيقي مع جميع الكائنات، لا يجوز له أن يدخل في خصام مع أحد، ولا أن يقتل صيداً، ولا أن يقطع شجراً أو نباتاً. ففي هذه الهدنة الإجبارية الشاملة، يتدرب المسلم على السلام وتتشرب روحه مبادئ السلام وأخلاقه الكريمة.
وخلاصة القول إن العبادات الإسلامية لها أسرار وفوائد تربوية كثيرة، تجعل كل واحدة منها جديرة بأن يفرد لها كتاب خاص، يجمع أحكامها وأسرارها وآثارها الطيبة.
ـــــــــــــــ
(1) الحديث رواه البخاري ومسلم.
(2) سورة الذاريات58-56/51 .
(3) الموافقات، ج2، ص ص 400- 398.
(4) سورة طه 15/20.
(5) سورة العنكبوت 45/29.
(6) سورة الإسراء :79/17.
(7) الموافقات، ج 2، ص 400-398.
(8) سورة الطلاق 12/65.
(9) العبادة في الإسلام، ص 109.
(10) سورة العنكبوت 5/29.
(11) سورة آل عمران 97/3.
(12) سورة فصلت 46/41.
(13) المنقذ من الضلال، ص 59-58.
(14) سورة المائدة،13-12/5.
(15) سورة آل عمران 193-190/3.
(16) سورة المائدة 6/5.
(17) سورة التوبة 103/9.
(18) رواه الحاكم في المستدرك.
(19) رواه أبو داود في المراسيل.
(20) سورة البقرة 183/2.
(21) حديث متفق عليه.
(22) سورة فصلت .35/41
(23) سور الحج .27-26/22
(24) سورة البقرة .197/2

*
منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1421هـ/2000م
__________________
  #8  
قديم 05-11-2011, 01:11 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خصائص التربية الإسلامية

نود في هذا الفصل أن نلقي الضوء على أهم خصائص التربية الإسلامية، إذ أن التربية هي مناط تنشئة الأجيال علي الاستقامة حتى تؤتي العبادات ثمراتها. وقد فرَّق أئمة المسلمين بين التربية على الاستقامة التي هي بمثابة الوقاية من الفساد وشروره، وبين التوبة بعد الانغماس في الحياة المادية وترهاتها، فهي، وإن كانت تحقق نفعا ًومصلحة أكيدة للتائب، إلا أنها بمثابة علاج للمريض. وفرق كبير بين من نشأ صحيحاً، وبين المريض الذي يتناول الدواء للشفاء، فالأخير يحتاج إلى وقت ومثابرة وجهد، بينما الأول يعيش في تلقائية ويسر في المُناخ النقي، وفي كلٍّ خير.

أهم خصائص التربية الإسلامية
1. تربية إيمانية : أولى خصائص التربية الإسلامية هي أنها تربية إيمانية تهدف إلى تكوين الإنسان المؤمن الذي يوحد الله تعالى، ويراقبه في سره وعلانيته، ويسارع في الخيرات، لذلك تبدأ بغرس كلمة الإيمان في النفس، وتعمل بوسائل شتى على ترسيخها وتثبيت جذورها في القلب، لأن الإيمان إذا تغلغل في القلب كان قوة ذاتية تدفع الإنسان إلى السلوك القويم، والتحلي بالأخلاق الحميدة، والاستقامة على طريق والصلاح.
على هذا المنهج قامت دعوات الأنبياء عليهم السلام، بدأ كل واحد منهم بتقرير قاعدة الإيمان والتوحيد، وجاهد بكل الوسائل من أجل ترسيخها.
وعلى ذلك النهج قامت الدعوة الإسلامية في المرحلة المكية، جاهد النبي، صلى الله عليه وسلم، سنوات طوالاً في سبيل تقرير معاني التوحيد ومبادئ الإيمان وتخليص نفوس المؤمنين من رواسب الشرك والوثنية، وذلك لأن العقيدة السليمة إذا تمكنت ورسخت في النفوس، كانت كافية لجعل الإنسان مستعدّاً تمام الاستعداد للقيام بالتكاليف وامتثال الأوامر عن طواعية.
الإيمان الراسخ هو الأساس الذي يرتكز عليه منهج التربية الإسلامية، وهو الأصل الذي تنبثق منه سائر الفضائل الخلقية. قال الله عز وجل : {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنُبِ والصاحب بالجنْبِ وابنِ السبيل وما ملكت أيمانُكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً}(1).
في هذه الآيات الكريمات ما يدل على أن مظاهر السلوك وفضائل الأخلاق ومحاسن المعاملات مرتبطة بالعقيدة، فإفراد الله تعالى بالعبادة يتبعه الإحسان إلى الوالدين وذوي القربى واليتامى والمساكين. فالباعث على الخلق الطيب والعمل الطيب هو الإيمان بالله واليوم الآخر والتطلع إلى رضا الله وجزاء الآخرة.
والكفر بالله واليوم الآخر يتبعه الاختيال والفخر والبخل وكتمان فضل الله ونعمته وسائر الرذائل.
من هذا المنهج التربوي الرباني انطلق لقمان الحكيم في نصائحه التربوية الحكيمة التي نصح بها ولده، فقد بدأها بدعوته إلى الإيمان والعقيدة الصافية، وذلك ما دل عليه النهي عن الشرك والتحذير منه في قوله كما ورد في القرآن الكريم. {يا بُنيَّ لا تُشركْ باللهِ إن الشركَ لظلمٌ عظيم}(2).
ومنه انطلق كذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين وجه نصيحته التربوية الحكيمة لسيدنا عبد الله بن عباس وهو غلام يافع. >عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: كنت خَلْفَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على دابة فقال: يا غلام إني أعلمك كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفظِ الله تجدْهُ تجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك لم يضرُّوك إلا بشيٍء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفَّتِ الصُّحُفِ< (3) .
أراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث أن يصفي عقيدة ذلك الغلام من كل ما قد يعكرها من الشوائب. إن من طبيعة الإنسان أن يبحث لنفسه عن سند قوي، يحميه وقت الحاجة، ويعينه على بلوغ مقاصده، ويجلب له المنافع ويدفع عنه المضار. ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلم أن هذا هو المَنْفَذُ الذي يتسرب منه الشرك إلى القلوب، فيفسد العقيدة، ويبطل الإيمان، فأراد، صلى الله عليه وسلم، أن يعلم هذا الغلام العقيدة الصافية، ويبين له أن الحافظ والمعين والنافع والضار هو الله تعالى.
وهذه الوصية التربوية النبوية تدل على أن العقيدة هي أساس التربية في المنهج الإسلامي، فالإيمان بأن الله تعالى هو وحده الحافظ والمعين والنافع والضار، يحرر فكر الإنسان من الأوهام والخرافات، ويوجهه في طريق التفكير السليم، فلا يطلب العون إلا من الله، وإن جاءه نفع أو ضر من قبل مخلوق، أيقن أنه بإذن الله وقضائه.
وإن للعقيدة لأثراً طيباً في تكوين الضمير الأخلاقي، قال الشيخ القرضاوي، > فعقيدة المؤمن في الله أولاً، وعقيدته في الجزاء والحساب ثانياً تجعل ضميره في حياة دائمة، وفي صحوة مستمرة، إنه يعتقد أن الله معه حيث كان في السفر أو في الحََضَر، في الخلوة أو الجلوة، ويعتقد أنه محاسب يوم القيامة على عمله. بهذه العقيدة يصبح ويمسي مراقباً لربه محاسباً لنفسه، لا يظلم ولا يخون، ولا يتطاول ولا يستكبر ولا يفعل في السر ما يستحي منه في العلانية. هذا الضمير الديني هو الركيزة الأولى للأخلاق، وهو الأساس لحياة اجتماعية فاضلة"(4).
__________________
  #9  
قديم 05-11-2011, 01:15 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

2. تربية متوازنة : من أهم خصائص التربية في المنهج الإسلامي أنها تربية تهتم ببناء شخصية الإنسان من جميع جوانبها، تقدم له حاجته من التربية الروحية والعقلية والجسدية، وتسعى لتنمية طاقاته المتنوعة وصقل مواهبه.
غير أن التربية الروحية تحظى في المنهج الإسلامي بعناية خاصة، لأن الروح في نظر الإسلام هو مركز الكيان البشري، وجوهر حقيقة الإنسان، ولأن التربية الروحية هي الأساس لسلامة العقل والنفس معاً.
الإسلام يولي عناية كبيرة للصحة القلبية، ويؤكد أن في صلاحه صلاح الجسد كله، كما في الحديث النبوي الشريف: >ألا وإن في الجسدِ مُضْغَةٌ، إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجسدُ كله ألا وهي القلب" (5).
ويبين أن سبيل الفلاح التام هو تزكية النفس، وأن سبب الخسران التام هو تدنيسها. {قد أفلحَ من زكَّاها* وقد خاب من دسَاها}(6).
وتظهر العناية التامة بالتربية الروحية في المنهج الإسلامي في الطريقة التي أدب الله بها رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأعده لتحمل أعباء الرسالة وتبليغها، فقد جاءت الآيات القرآنية الأولى التي نزلت عليه، صلى الله عليه وسلم، في بداية بعثته بأوامر وتوجيهات تربوية صارمة تندرج كلها في إطار التربية الروحية. قال الله عز وجل: {يا أيها المُدَّثر * قم فأنذر *وربك فكبر *وثيابك فطهر* والرُّجز فاهجر *ولا تمنُن تستكثر* ولربك فاصبر}(7).
فنداء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بصفة "المدثر"، نداء تنبيه وتأديب، لأن القعود تحت الدثار، وهو الغطاء، لا يليق بمقام الرسالة، لأنه مقام جهاد وحزم وعزم، ولكن الجهاد في سبيل تبليغ رسالة الله ونقل الناس من معتقدات راسخة إلى الإيمان الصحيح، ومن عادات سيئة متأصلة إلى الأخلاق الفاضلة، تكليف ضخم يحتاج إلى إعداد وتربية روحية متينة، ومن ثم أردف الله أمر رسوله بالإنذار، الذي يتضمن في هذا السياق معنى التبليغ والجهاد، بمجموعة من مبادئ التربية الروحية، وهي قوله، عز وجل: {وربك فكبر* وثيابك فطهر* والرجز فاهجر*ولا تَمْنُنْ تستكثْر* ولربك فاصبر } .
المبدأ الأول هو تخصيص الله تعالى بالتكبير، وهو يشمل إفراده تعالى بالتوحيد والعبادة، والمبدأ الثاني هو تطهير النفس وتطهير السلوك {وثيابك فطهر* والرُّجْزَ فاهجر}، فالمراد بالثياب هنا النفس أو القلب، والمراد بالرّجْز هو الأعمال السيئة والأوصاف الذميمة. والمبدأ الثالث: هو نكران الذات. {ولا تَمْنُنْ تستكثر}، لأن تبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة الناس إلى دين الله يستلزمان التضحيات الجسام بالنفس والمال والجهد، ويستلزمان أيضاً هجر حياة الراحة واللذة النفسية. كل ذلك في سبيل الله ونشر دينه، لا لمنفعة ذاتية، ولا لأجر دنيوي عاجل.
والمبدأ الرابع: هو الصبر. وهو زاد الأنبياء وسلاح الدعاة.
وللعبادة فضل كبير في التربية الروحية، فهي أنجع وسائلها، وأنفع أدواتها، ويظهر هذا، أيضا، في تأديب الله تعالى لرسوله وللمؤمنين الأوائل الذين سبقوا إلى الإيمان وذلك بقوله الله عز وجل: {يا أيها المزَّمل قم الليل إلا قليلاً* نصفه أو انقص منه قليلاً* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً* إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}(8).
فرض الله على رسوله ومن آمن معه في المرحلة الأولى من بعثته قيام الليل ، وترتيل القرآن وبين له العلة في ذلك فقال: إنا سنلقى عليك قولا ثقيلاً، والمراد بالقول الثقيل التكليف بأمانة تبليغ الرسالة، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا. عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، قالت: >إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثْنَى عشر شهراً. ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة"(9).
والتخفيف المذكور في كلام عائشة، رضي الله عنها، هو قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقومُ أدنى من ثلثي الليل ونصَفهُ وثُلثُه وطائفةُ من الذين معك والله يقدّر الليل والنهار علم أن لن تُحْصوه فتابَ عليكم فاقرأوا ما تيسَّرَ من القرآنِ} (10).
إن فرض الصلاة الليلية وترتيل القرآن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى طائفة المؤمنين معه، هو تربية روحية، قصد بها إعدادهم لتحمل تبعات الإيمان، والصمود في وجه صناديد الكفر، والصبر على الابتلاء، والثبات على طريق الجهاد الطويل الشاق.
إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة، والعبادة فيه ذات أسرار، ومن أسرارها أنها زاد الطريق، وأنها مدد الروح، وأنها جلاء القلب، وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر.
إن الله تعالى حين أمر موسى، عليه السلام، بالذهاب إلى فرعون ومواجهته بالدعوة إلى الحق، تهيب موسى من مواجهة طغيان فرعون، فدعا الله تعالى أن يشرح صدره ويحل عقدة لسانه، ويؤيده بأخيه هارون، فأعطاه الله كل ما سأل، ثم أرشده إلى العبادة والإكثار من ذكر الله، للتزود بالقوة الروحية اللازمة للموقف الرهيب، فقال سبحانه : {اذهبْ أنت وأخوك بآياتي ولا تََنِيا في ذكري* اذهبا إلى فرعون إنه طغى}(11).
نخلص من كل هذا أن التربية الروحية تحظى بالأولية في المنهج الإسلامي، وأن العبادة والذكر وترتيل القرآن من أهم وسائل هذه التربية.
__________________
  #10  
قديم 05-11-2011, 01:18 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

3. تربية مستمرة: ومعنى مستمرة أنها ليست محصورة في مرحلة معينة من العمر، بل تستمر مدى الحياة، في مرحلة الصغر يقوم بها الأبوان أو من يستعينان به من المؤدبين، وفي مرحلة الرشد يواصل الإنسان نفسه تربيته. وكل فرد مسؤول عن تزكية نفسه، وتهذيب أخلاقه وسلوكه، وتنمية مواهبه، وتحسين مستواه الفكري والعلمي، ومواصلة طلب العلم حتى اللحد. كما أنه مسؤول عن مجاهدة نفسه ومحاسبتها ومراقبتها ومقاومة أهوائها ونزعاتها السيئة، ومسؤول عن الإسهام مع إخوانه المومنين، في إصلاح المجتمع ونشر الفضائل ومقاومة الرذائل.
والنهوض بهذه المسؤولية يقتضي التدريب التربوي الذي يجعل النفس الإنسانية مستعدة لاحتضان الفضائل وتجنب الرذائل وحب الخير، ونظام العبادة يحقق هذا التدريب.
4. تربية جماعية: التربية في المنهج الإسلامي ليست محصورة في المسجد أو الكُتَاب أو المدرسة، ولا في البيت والأسرة، إنها عمل جماعي تتعاون عليه الجماعة بكل مؤسساتها ووسائلها. تشارك فيه الأسرة والأبوان والمدرسة والكتاب، والمسجد والجماعة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة وغير ذلك.
وتقع المسؤولية في المرحلة الأولى منها على الأسرة، يتحملها الأبوان، عليهما أن يستقبلا الطفل ويهيئا له في البيت الجو التربوي الصالح، والوسائل الضرورية للحفاظ على فطرته سليمة، بعيدة عن المؤثرات الضارة. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوة تأثير الأبوين في حياة الطفل وتوجيهه، إذ قال : >كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"(12).
والأبوان الواعيان اللذان يقدران هذه المسؤولية حق قدرها، يحرصان أشد الحرص على تطهير البيئة المنزلية، من كل المؤثرات التي من شأنها أن تفسد فطرة طفلهما، ويجعلان من البيت روضاً يفوح بطيب الفضائل، ومحاسن الأخلاق، يعطيان بسلوكهما ونظام حياتهما اليومية القدوة الحسنة لأبنائهما.
وبعد الأسرة تقع المسؤولية في تربية الناشئة على المدرسة والمعلم. والنهوض بهذه المسؤولية يقتضي أن يكون جو المدرسة جوّاًً تربويّاً سليماً، يشارك في إيجاده الإدارة والمدرسون والتلاميذ والمناهج التربوية وما يصاحبها من الأنشطة، ويقع القسط الأوفر من هذه المسؤولية على المعلم. وذلك لأنه أوثق اتصالاً بالتلاميذ، وأعمق تأثيراً في نفوسهم. يحمل الأطفال الصغار لمعلمهم احتراماً وإجلالاً كبيراً، ويضعون فيه الثقة الكاملة، ويرون فيه المثل الأعلى، وقد تكون سلطته المعنوية على نفوسهم أقوى من سلطة الأبوين، وهذا ثابت بالتجربة، ومن ثم كانت مسؤولية المعلم كبيرة.
وللمسجد في المنهج التربوي الإسلامي أهمية لا تقل في شيء عن أهمية المدرسة، بل إن المسجد هو المجال الصالح للتطبيق العملي لما تعلمه الإنسان من مبادىء الفضائل والأخلاق في المدرسة.
فالمسجد هو المكان الطاهر الذي يلتقى فيه أفراد الجماعة المسلمة خمس مرات في اليوم، لإقامة صلاة الجماعة، وتلاوة كلام الله، وحديث رسوله، صلى الله عليه وسلم، وتعلم دينهم، وتطبيق شعائره، وتعاليمه، وفي هذا اللقاء الجماعي بين المسلمين من الفوائد التربوية الفردية والاجتماعية الشيء الكثير.
ففي المسجد يحصل التعارف بين أفراد الجماعة، وتتوثق روابط الإخاء والتعاون والتعاضد بينهم، وينشأ الوعي الجماعي الذي يجعل كل فرد يشعر أنه جزء من الجماعة، يسوؤه ما يسوء كل فرد من أفرادها ، ويسره ما يسره.
وفي المسجد يتعلم المسلم بطريقة عملية فضيلةَ التواضع والمساواة، لأنه مدعو إلى الوقوف مع إخوانه في صف واحد متراص لأداء الصلوات، لا فرق فيه بين الغني والفقير، والشريف والوضيع، ولا بين الرئيس والمرؤوس . يتكرر هذا الوقوف في صلاة الجماعة خمس مرات في اليوم فترضخ له النفس، وتتخلص من العجب والكبرياء، وتتزين بخلق التواضع والمساواة، ويزداد فضل المسجد في التربية الجماعية، وترسيخ الوعي الجماعي، إذا كان يقوم برسالته كاملة. ورسالة المسجد في الإسلام تشمل أداء الشعائر الدينية، ونشر العلم، وتدبير أمور الجماعة وحل مشاكلها، وإصلاح أحوالها، والتعاون على إقامة دينها.
والذي يؤسف له أن المسجد تخلى عن القيام برسالته كاملة، واقتصر على جزء منها هو إقامة الصلوات، ولذلك تقلصت مكانته التربوية في هذا العصر.

ـــــــــــــــ
(1) سورة النساء .36/4
(2) سورة لقمان 13/31.
(3) الحديث رواه الترمذي.
(4) الإيمان والحياة، ص 230.
(5) الحديث السادس من الأربعين النووية.
(6) سورة الشمس 10-9/91.
(7) سورة المدثر 7-1/74.
(8) سورة المزمل5-1/73 .
(9) رواه مسلم في صحيحه .
(10) سورة المزمل 20/73.
(11) سورة طه 43-42/20.
(12) تقدم الحديث في فصل سابق.

‬*
منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1421هـ/2000م
__________________
  #11  
قديم 05-11-2011, 01:35 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي



أهداف الحلقة التربوية

1- تحقيق الثواب والنجاة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من قومٍ يجتمعون على كتابِ الله يتعاطونه بينهم إلا كانوا أضيافًا لله، وإلا حفتهم الملائكة حتى يقوموا ويخوضوا في حديثٍ غيره".


2- تكوين شخصية إسلامية متكاملة .


3- الاهتمام بالجانب الحركي؛ حيث لا تربية بدون حركة ولا حركة بدون تربية، وهذا هو ما وجدناه من أصحاب حركة حماس.. تربية أفصحت عن حركة وجهاد وصمود ليس له مثيل.


4- تعويد الفرد على التربية الذاتية، فلا يكن الأخ إلى التربية الجماعية، ولكن لا بد أن يكون هناك جهدٌ شخصيٌّ في الارتقاء بنفسه، ويكون له برنامج تعليمي عملي مع النفس.


5- تحقيق التعاون بين أفراد
الحلقة من أجل الارتقاء في كل المجالات وتبادل الخبرات التربوية والاجتماعية، بل الاستفادة من كل خبرةٍ موجودة داخل الحلقة.


6- التدريب على حريةِ الرأي والمناقشة والتعبير عن الرأي وحسن العرض والاستماع، وهذا يمكن اكتسابه من خلال
الحلقة التربوية.


7- التعاون بين الأفراد على حلِّ المشكلات؛ مثل الحساسية الزائدة، سرعة الغضب، الكبر، ترك النوافل، إهمال تربية الأبناء أو سوء المعاملة.


8- توثيق الروابط بين الأفراد عن طريقِ تحقيق أركان الأسرة، وهي:

أ- التعارف.. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: من الآية 13).

* تعارف من قرب، وهذا يكون بمعرفة أحواله الشخصية والاجتماعية.

* معرفة ما يحب وما يكره والميول والاتجاهات.

* معرفة نظام حياته والظروف الاجتماعية والاقتصادية والإيمانية؛ ليسهل على المربي إعانته فيما يحتاج.



ب- التفاهم.. بحيث يظهر على الأفراد وحدة اللغة والتفاهم عند مناقشة القضايا المحلية والعالمية.

* تفاهم ينتج منه تناصح بلا جفوة ولا تنابز ونبذ الفرقة.

* تفاهم يظهر في الاتفاق على أولويات المرحلة الخاصة والمحلية والعالمية.

* تفاهم يجعل الأخ يفهم أخيه قبل أن يتحدث إليه.


ج- التكافل.. ولا ننسى أن التكافل قد يكون معنويًّا أو ماديًّا؛ بحيث يكفل كل أفراد
الحلقة بعضهم بعضًا، بل يمكن أن تتسع الدائرة لتصل إلى باقي أخوانهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".


__________________
  #12  
قديم 05-11-2011, 01:36 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

__________________
  #13  
قديم 05-11-2011, 01:39 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

معيار نجاح الحلقة التربوية

إن التربية المتميزة هي التي حقَّقت هذه المظاهر من خلال الحلقة التربوية؛ وهي:
* إخوة متحابون متفقون فيما بينهم.

* مؤمنون مخلصون متقون لربهم.

* فاهمون لدينهم بالإلمام بالقضايا الكلية في الإسلام.

* ملمُّون بما يدور حولهم من أحداث.

* يبذلون طاقاتهم للعمل من أجل هذا الدين.

* تنجح
الحلقة في تربية الأفراد وتفعيل طاقاتهم وتوظيفها.



ولا ننسى.. أن المعايشة والمتابعة الفردية الثنائية للأفراد في أوقاتٍ أخرى غير وقت
الحلقة مهمة جدًّا.


لأن هذا يحقق لنا:

* توثيق العلاقة والانفتاح بين المربِّين والأفراد.

* وضوح الرؤية للمربين للتعرف على عيوب النفس فيسهل علاجها.

* اكتشاف طاقات الأفراد وإمكاناتهم فيسهل التوظيف.

* استكمال الدور التربوي مع الفرد.




__________________
  #14  
قديم 05-11-2011, 12:21 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

مفهوم العبادة في الشريعة الإسلامية
العبادة في الشريعة الإسلامية هي الهدف الأساسي من خلق الإنسان، ففي القرآن الكريم كتاب المسلمين المقدس قال الله :«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، وعلى هذا فإن العبادة تشمل كل الأعمال الصالحة التي يحبها الله وترضيه، والاتصاف بكل الصفات والأخلاق الحميدة، وكذلك حب الله والرسول والصالحين، ومعاملة الناس معاملة حسنة، مما يجعل الإنسان المسلم في عبادة طوال حياته وفي جميع تصرفاته كما جاء في القرآن الكريم: «قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» آية 162 سورة الأنعام.
يقول بن تيمية في رسالته "العبودية": «العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث والامانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله».[1]
__________________
  #15  
قديم 05-11-2011, 12:23 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أهداف العبادة في الإسلام
يقول الدكتور محمد البهي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر سابقاً :«تستهدف العبادات من الصلاة، والزكاة، والحجّ، والجهاد في سبيل الله تصفية النفس الإنسانية والحيلولة بينها وبين اتباع الشرك والوثنية، وكذلك بينها وبين مباشرة الجرائم الاجتماعية من الفواحش والمنكَرات التي هي الزنا وهتك العِرض، وسرقة الأموال، وقَتْل النفس التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحق.
تستهدف هذه العبادات كذلك ـ بجانب الحيلولة دون هذا كله ـ الحَدَّ من أنانية الذات في السلوك والتصرُّفات، وتقوية الإحساس الجماعيّ بالآخرين في المجتمع. حتى يخرج العابد عن طريق عبادته من دائرة الذات في نشاطه وأثر هذا النشاط في الانتفاع بما في هذه الدنيا من مُتع مادِّيّة، إلي دائرة المجتمع أو الأمّة أو الآخرين. فما يُصيبه من أرزاق فهو له وللآخرين، وما يقع من مآسٍ فعليه كما على الآخرين».[2]
__________________
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاثار النفسية, الروحية, العبادات


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:18 PM.