اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-06-2015, 11:43 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي موقف المسلم

موقف المسلم
محب الدين الخطيب


نحن في شهر رمضان، وشهرُ رمضان في السنة كجرس المنبه في الساعة، يدعو أهله إلى أمرٍ غير الذي كانوا فيه، يدْعونا إلى تغيير نظام معيشتنا، والانتقال من حياة الدعة والانطلاق المباح، إلى التقيُّد بقيود طارئة، والتزام أمور كنا في حلٍّ من التزامها في سائر شهور السنة.

إن رمضان كجرس المنبه في الساعة: يقرع آذاننا ونحن نيام، أو أشباه النيام؛ ليوقظنا من غفلاتنا، ولينقلنا من نظام الدعة الرتيب في المعيشة وسياسة النفس، إلى نظام التقيد الطارئ في المعيشة وسياسة النفس.

وحكمة الإسلام في هذا التغيير الطارئ على رمضان، وعلى حياة المسلمين في رمضان: هي تمرين النفس المسلمة على أن يكون هذا التغيير -ولا سيما ما يتعلَّق منه بكبح جماح النفس واعتياد الصبر- سجيةً للمسلمين في غير رمضان، وفي ظروف حياتهم كلها.

إن هذا التغييرَ في نظام المعيشة يَحدُث في رمضان، ولكن أثرَه في كبح جماح النفس ينبغي أن ينسحب إلى تطوير أخلاقنا الإسلامية في سائر الشهور بعد رمضان؛ حتى ننطبع به ونألفه في حياتنا كلها، وإلا كان رمضان كالجسم مجردًا من حيويته ومن الروح السماوية التي يمتاز بها.

يأتينا رمضان في كل سنة؛ لنتمرَّن فيه على الصبر، وتهذيبِ النفس، وكبحِها عن لغو القول، وعن الاستجابة لدواعي الشهوة.

يأتينا ليعوِّدنا عفةَ اللسان، وطهارة القلب، في كل ما يتحرَّك به اللسان، ويخفق به القلب.

يأتينا ليذكِّرنا بالله، وليعوِّدنا السير في الطريق الذي شرعه لنا الإسلام، ولنتوخَّى ما يُرضي اللهَ من قول وعمل فيما بين السحور والإفطار، ثم فيما بين الإفطار والسحور.

يأتينا بنظامه المشروع، ومن نظامِه المشروع ضبطُ النفس، وقمعُ شهواتها، وتقوية الروح والبدن بالإقلال من الطعام؛ حتى يكون غذاء النفس وغذاء البدن متعادلينِ متعاونين في حياة المسلم الكادح المكافح.

نحن مُقبِلون على أمور عظيمة تحتاج إلى تعبئة قوانا كلها: قوى النفوس، واكتشاف معادنها، واستعمالها في الكفاح المنتظر، وقوى الأجسام وإعدادها للنهوض بأعباء الجهاد المقدس، وقوة المال واستعماله في النهضة الاقتصادية، وميادين التصنيع والتعمير، ودفائن الأرض من معادن وزراعة وتشجير، نقوم منها بما نبرهن به على معرفتنا بأقدار النِّعم الإلهية علينا، وشكر الله عليها بحسن استعمالها، واستغلالها واستثمارها، وتعميم النفع بها إلى أقصى ما تبلغه قدرتنا وجهودنا.

هذه التعبئة القومية لجميع قوانا المادية والأدبية تحتاج منَّا إلى أن نقتصد في كل قوَّة من هذه القوى، فلا نستعملها إلا فيما يزيدنا قوة وعزة، وثروة ومَنَعة.

هنا حقيقة من حقائق الاقتصاد الإسلامي يجب أن يعلمها كلُّ مسلم، وأن يعمل بها كل مسلم، وإن لم يفعل فقد نقص من إسلامه بمقدار ما يفرِّط به من العلم بهذه الحقيقة والعمل بها.

أيها المسلم:

إن ما تحت يدك وفي تصرُّفك من الأموال -قلَّتْ أو كثرت- ليس ملكًا لك؛ فالملك كله لله، وإنما هي أمانة الله تحت يدك، حصلتَ عليها بتوفيق الله وتيسيره، لا بجهدك أو سعيك، وقد يكون فيمن تعرف أو لا تعرف من الناس من هو أبرعُ منك في تحصيل المال، وأنشط سعيًا منك لتحصيله، ويكون مع ذلك أفقرَ منك وأقل توفيقًا؛ لحكمةٍ يعلمها الله، وقديمًا زعم قارون وهو يتحدَّث عن أمواله أنه أوتيَها على علمٍ منه بطُرق تحصيلها، فكذَّبه الله وأباد أمواله.

إن الذي لك من مالك -قلَّ أو كثر- ما يقوم منه بحاجاتك الضرورية، تنفق منه بالمعروف، وما زاد على ذلك فهو أمانة الله تحت يدك، فإن كنتَ صاحب مصنع، عليك أن توسع به مصنعك وترقيه؛ لينتفع بنو قومك بزيادة إنتاجه، ولئلا يحتاج بلدُك إلى استيراد شيء من ذلك من البلاد الأجنبية، وإن كنتَ من أصحاب الحقول والمزارع والبساتين، فآثرْ بني قومك بتوسيع زراعة ما تمسُّ حاجتُهم إليه وإن كان أقلَّ ربحًا لك من زراعة أصناف أخرى لا تمس حاجة بني وطنك إليها، وإن كنتَ تاجرًا، فلا تقع في مثل الخطأ الذي وقع فيه أحد أصحاب الملايين من تجارنا؛ إذ حصل على إذنٍ باستيراد سيارات رخيصة مما ينتفع به أرباب الأعمال في أعمالهم، فأحدث في إذن الاستيراد تغييرًا؛ ليستورد سيارات فاخرة لأرباب الترف والمسرفين في الأرض، فيحصل من ذلك على ربحٍ أكبرَ، وعاقبة الله بمتاعبَ كان في غنى عنها لو أنه أحسن استعمال أمواله فيما ينفع الناسَ ويرضي الله، لا فيما يتهافت عليه المسرفون في الأرض ويبتزُّ به أموالهم.

ولو أن كل تاجر، أو مزارع، أو صاحب مصنع، علم أن ما تحت يده إنما هو أمانة لله عنده ائتمنه عليها؛ ليحسن استعمالها فيما ينهض بالأمة، ويرفع مستواها بين الأمم لَزاده الله ثروةً وغنى، ومحبةً في قلوب الناس، وتوفيقًا في أعماله، وبركةً في ثروته.

كان مرشدنا الأعظم -صلى الله عليه وسلم- لا يخشى علينا الفقرَ، بقدْر ما كان يخشى علينا طغيان الثروة والأموال، ونحن نشاهد الآن من طغيان المال في أيدي الذين أنعم الله به عليهم ما نقضي له العجب، من التبذير في إنفاقه وتبديده، وتحويله من بلاد المسلمين إلى بلاد أعدائهم؛ بل قد يتعدَّى طغيان المال في أيدي بعض الطغاة إلى ما رواء ذلك، مما يسخط اللهَ، ويستعجل غضبه.

أين نحن من عمرَ بنِ عبد العزيز -رحمه الله-؟! وكان يملك الممالك في آسيا وإفريقية وأوروبا، ومع ذلك فإنه تحوَّل يوم تولَّى الخلافةَ عن الدار الخضراء -دار الخلافة- إلى منزل صغير في خارج الباب الشمالي من مسجد بني أمية، وفيما كان يعمل للدولة ليلاً على ضوء شمعة من مال الدولة، جاءه من يحدِّثه في غير شؤون الدولة، فأطفأ الشمعة؛ لئلا يسرف في شيء من دوانيق الدولة التي ائتمنه الله عليها.

إنما كان في أسلافنا من تبلُغ به الأمانةُ على ما تحت يده من الأموال إلى هذا الحد؛ لأنهم كانوا يدركون معانيَ نظام الإسلام الاقتصادي ويعملون بها، ويحرصون على أن يقيسوا إسلامهم بمقاييس هذا الإدراك لرسالة الإسلام وأغراضه؛ ولذلك اتَّسعتْ حدودُ ملكهم إلى إسبانيا من بلاد أوروبا، وإلى قفقاسيا وما وراءها من بلاد روسيا، ولم تكن في الأرض يومئذٍ إمبراطوريةٌ أوسع وأغنى وأرقى من البلاد التي كانت تحكمها الخلافةُ الإسلامية في القارات المعروفة في زمانهم.

وإنما كان في أسلافنا من تبلغ به الأمانة على ما تحت يده من الأموال إلى هذا الحد؛ لأن رمضان كان يأتيهم، فيترك فيهم أثرَه من ضبط النفس، وقمعِ شهواتها، وينسحب ذلك في أخلاقهم بعد رمضان؛ حتى انطبعتْ نفوسهم بطابع رمضان، وألفوه في حياتهم كلها، فعزُّوا وسادوا، وكانوا هم الناسَ بين أمم الأرض.

هذا رمضان، قد جاءنا مرة أخرى ليدْعوَنا إلى التخلُّق بأخلاق أسلافنا في صدر الإسلام، فهل لنا أن نحاسب أنفسنا عما نقيمه من أنظمة رمضان المشروعة، وما نحققه من أغراضه؟

أليس في الصائمين منا من ينحرفون عن حكمة الصيام وكماله؟ بما يكيدون به للناس من شرٍّ، وما تتحرك به ألسنتُهم من باطل، وما يُسخِطون به ربَّهم فيما بين سحورهم وإفطارهم، وما يقضون به سهراتهم من الإفطار إلى السحور، وما ينفقون على شهواتهم من أموال يزعمون أنها لهم، وإنما هي أمانة الله تحت أيديهم يمتحنهم بها؛ ليعلم كيف يتصرفون فيها بعقل وكياسة وحكمة، وفيهم من يذكرون الله، ولكنهم يذكرونه بألسنتهم دون قلوبهم، وإذا حلَّتْ ساعات السحور أو الإفطار ملؤوا بطونهم بما جاء رمضان ليكفَّهم عن الإسراف فيه.

إن الشيطان قد نجح -فيما مضى من شهور رمضان السالفة- في إقناع أشباه الرجال منا، بأن يفسدوا على أنفسهم صيامَهم، ببعض ما يخالف حكمةَ الله في الصيام، وشعائر الصيام، وأنظمة الصيام، فهل لنا أن نخزيَ الشيطانَ في رمضاننا هذا، فنحكم بعزائمنا الإسلامية على نفوسنا الإسلامية؛ توطئةً لإعدادها لما يريده الله لنا من أمرٍ عظيم، في مستقبل عظيم، نحكم فيه أوطاننا الإسلامية بآدابنا الإسلامية؛ لننهض بهذه الأمة إلى مستوى السيادة والسعادة في الأرض؟!

كما أن الإسلام دين الحق، فهو كذلك دين الصبر، والاعتدال، والاقتصادِ، ورمضانُ إنما تقوم فينا شعائرُه؛ لنقيم بها الحق، ولنتعود بها الصبر، ولنكون فيها من أهل الاعتدال والاقتصاد.

كنا نشكو الاستعمار، ونشكو حكَّام السوء، ونضيف إليهم كلَّ سيئةٍ تقع في أوطاننا، وكلَّ ضعف أصيبتْ به شعوبنا، وفي الواقع كان الاستعمار مصدرَ الشرور والسيئات فيما أصابنا من ضعف، وكان حكام السوء قدوةَ الدهماء، والوارثين فيما انحدرنا إليه من تبذير وإسراف وإسفاف، ولكن سياسة الإسلام كانت تهتف بمن يعقل عنها مناديةً على ملأ الأشهاد: كما تكونوا يولَّ عليكم، فنحن الذين أهملنا سننَ ديننا، ونظام الإسلام في حياتنا؛ فوقعنا بين براثن الاستعمار، ونحن الذين أسففنا وأسرفنا؛ فابتلانا الله بحكام السوء، ولو أننا استقمنا على سنة الإسلام في معيشتنا وتصرفاتنا، لكفَّ الله عنا سلطان الاستعمار، ولوقانا شر حكام السوء.

وأخيرًا:

أنقذنا الله من براثن الاستعمار، ومن أذنابه حكامِ السوء؛ ليمتحن سلوكنا في الحياة، واستعدادنا للمحافظة على هذه النعمة، وتأهيل مجتمعنا للمضي فيها، وليرى موقفنا من سننه في الارتقاء والانحطاط، وفي التقدُّم والتخلُّف.

إن النعم التي يسديها الله -سبحانه- لأمة من الأمم تترتب عليها مسؤوليات، ولا تدوم هذه النعم إلا إذا اضطلعت الأمة بتلك المسؤوليات.

إن نعمة الله علينا بالخلاص من كابوس الاستعمار وحكام السوء، قد ترتَّب عليها واجبٌ عظيم، هو تعبئة كلِّ القوى لإقامة كياننا القومي الجديد، على أساس متين من الأخلاق والعلم، والثروة والتنظيم والاستثمار، واعتبار الأموال التي تحت أيدينا أمانةً لله، نتصرف فيها بما فيه المصلحة العامة للأمة والوطن، وهذا الأساس وحده هو الذي يتحمل البنيان الشامخ الذي يسَّر الله لنا أسباب تشييده، هديةً من جيلنا إلى الأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا.

من حسن حظِّنا أن في نظام الإسلام -إذا وطنَّا أنفسنا على العمل به- ما يساعدنا على تعبئة قوانا كلها، وإقامة بنياننا الشامخ على أساسها، والحياةُ الإسلامية في رمضان -كما أراد الإسلام للمسلمين- هي حجر الزاوية في هذا الأساس، الذي يدْعونا رمضان إلى إقامة بنيان المستقبل عليه.

ليكن رمضاننا في هذا العام بدايةَ عهدٍ جديد لتمرين النفس المسلمة على كبح جماح الشهوات، والمشاركة في التعبئة القومية الكبرى، لاستقبال الأحداث القومية الكبرى، بحسن استعمال ما ائتمننا الله عليه من أوطانٍ وثروة، وصحة وقوة، فنجعل ذلك كلَّه في سبيل الله، وفي مرضاته، والعاقبة للمتقين.


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:15 PM.