#46
|
||||
|
||||
![]() ![]() |
#48
|
||||
|
||||
![]() بيان معنى التوحيد المطلوب من العبد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فلا شك أن الدروس التي تنظم عدداً من الجمل في قضية مهمة مثل قضية التوحيد؛ لا شك أنها دروس لها أهميتها بالنسبة لنا وبالنسبة للمسلمين جميعاً، ومن هنا فإن الدرس التالي سنعرض فيه إن شاء الله تعالى لأثر التوحيد. وأحب في مقدمة هذا الدرس أن أبين عدة أمور: أولها: أن التوحيد الذي نتحدث عن أثره هو ذلك التوحيد الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت به الرسل من قبله، وسلك أتباعهم رضوان الله عليهم منهاجهم، وعلى رأس أتباع الرسل صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم فهموا حقيقة التوحيد، وطبقوها في حياتهم كلها، ومن ثم كان لذلك التوحيد أثر عظيم في نفوسهم وفي حياتهم، بل وفي البشرية كلها، لهذا فإن التوحيد الذي نقصده هو التوحيد على منهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى. فهو -أولاً- يقوم على أسس التوحيد الكبرى، توحيد الربوبية المقتضي للإيمان والإقرار بأنه لا خالق ولا موجد ولا رازق ولا مدبر لهذا الكون إلا هو تبارك وتعالى، فله الخلق، وهو سبحانه وتعالى بيده الرزق، وإليه يرجع الأمر كله، كما قال تعالى: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ )[هود:123]، أما البشر فلا يملكون من أمورهم شيئاً، فضلاً عن أن يملكوا من أمور غيرهم شيئاً، إذاً: هو توحيد يقوم أولاً على الربوبية. ويقوم ثانياً على توحيد الأسماء والصفات بإثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأسماء والصفات فيها تعريف وإخبار ووصف للواحد القهار، نتعرف من خلالها على ربنا سبحانه وتعالى؛ لأننا في هذه الدنيا إنما نؤمن بالله وهو غيب، بل هو أعظم الغيب؛ لأننا لم نره ولن نراه في الدنيا، وإنما تكون رؤيته يوم القيامة لأهل الجنة، فأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين الفضل والرؤية لله سبحانه وتعالى. لكن نعرف ربنا بأسمائه وصفاته، فنعلم أنه على العرش استوى، وأنه في العلو فوقنا، وأنه مطلع علينا عليم بنا، وأنه قريب منا، وأنه سبحانه وتعالى هو العزيز الحكيم، وهو الغفور الرحيم، وهو شديد العقاب، وهو المتكبر الجبار، وهو السلام المؤمن المهيمن، فهو سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العليا، نثبت كل ما ثبت في كتاب الله وما صح في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك. ثم -أيضاً- هو توحيد يقوم على النوع الثالث الأساسي من التوحيد، وهو توحيد الإلهية الذي بعث الله به رسله جميعاً عليهم الصلاة والسلام، أنه لا إله إلا الله، هذه هي كلمة التوحيد، وهي رأس الأمر، وهي التي قامت عليها السماوات والأرض، بها دعا كل نبي ، فكان يأتي إلى قومه المشركين يقول لهم: (ا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )[الأعراف:59]، يا قوم قولوا لا إله إلا الله. وهذه الكلمة العظيمة هي الكلمة التي ثقلت في السماوات والأرض، وهي الكلمة التي رجحت بالسماوات والأرض حين وضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة، فرجحت بهن لا إله إلا الله. إذاً: هي كلمة التوحيد التي تجعل العبد يتوجه بقلبه في جميع أموره للواحد القهار، يعبده ويدعوه، ويتوجه إليه بجميع أنواع العبادة مخلصاً له سبحانه وتعالى، فهو سبحانه هو الذي يحب، وهو الذي يُرجى، وهو الذي يُدعى، وهو الذي يتوكل عليه وحده، وهو الذي يذبح له وينذر له وحده، وهو الذي يستغاث به في الشدائد ولا يستغاث بغيره. هذا هو التوحيد، توحيد ينظم العبد في جميع أموره ويربطه بالواحد القهار، فيؤمن به تصديقاً، ويتوجه بقلبه وأعمال جوارحه إليه عبادة وعملاً وطاعة. ثم أيضاً هو توحيد تنبثق منه طاعة لله سبحانه وتعالى؛ لأن العبادة هي ذل وخضوع للواحد القهار، والذل والخضوع لله تبارك وتعالى لا يمكن أن يتم إلا بالطاعة التامة لله وحده لا شريك له، وتكون طاعته تبارك وتعالى بامتثال شرعه، بأن لا يعبد العبد ربه ولا يطبق في شأن من شئون حياته إلا على مقتضى ما شرعه ربه تبارك وتعالى في كتابه العزيز وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وبذلك تكون حياة الموحد من أولها إلى آخرها، في عباداته، وفي معاملاته، وفي أخلاقه، وفي تعامله مع أعدائه، وفي أوضاعه الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والدولية، وكل شأن من شئون الحياة؛ تكون كلها منبثقة من هذا التوحيد العظيم القائم على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله). ولهذا فإن هذا التوحيد ينبثق أول ما ينبثق من إيمان قلبي يستقر في النفس المؤمنة استقراراً مكيناً، فيتحول هذا الإيمان وتلك الأعمال القلبية إلى أعمال الجوارح، ولهذا فإن هذه العبادة تقوم على ثلاثة أسس: الحب لله وحده، والخوف من الله وحده، والرجاء لله وحده. حب وخوف ورجاء، شبهت بالطائر، فالحب هو الرأس، والخوف هو الجناح الأيمن، والرجاء هو الجناح الأيسر، ويطير الطائر محلقاً في السماء، وكذلك يسير القلب محلقاً إلى ربه سبحانه وتعالى عابداً له خاضعاً له خائفاً منه راجياً، فيتعوذ به منهم ويتعوذ بمعافاته من عقوبته، ويتعوذ برضاه من سخطه، فلا ملجأ منه إلا إليه، يفر من الله ومن العقوبات ويلجأ إلى الله معلناً التوبة منيباً بالطاعات، هذا هو العبد بينه وبين ربه تبارك وتعالى. |
#49
|
||||
|
||||
![]() أهمية التوحيد ومثاله في قلب المؤمن
بعد أن بينا ما هو التوحيد الذي نقصده نقول ثانياً: إن حديثنا عن أثر التوحيد لا ينبغي أن يفهم منه أن التوحيد قضية من القضايا الصغيرة أو مسألة من المسائل، فنحن نتحدث عن أثرها كما نتحدث عن أثر أمر من الأمور ونبحثه، لا والله، فإن التوحيد الذي نتحدث عنه وعن أثره هو الحياة من أولها إلى آخرها، بل هو الحياة التي تشمل الدنيا والآخرة. ونقول ثالثاً: إن التوحيد هو أساس الإيمان، ولذلك فإن الناس يتفاوتون في هذا التوحيد، فإيمانهم وتصديقهم وعملهم وغير ذلك يتفاوتون فيه، وعلى قدر إيمانهم وتصديقهم يتفاوت أثر هذا التوحيد. ثم نقول أيضاً: إن أثر هذا التوحيد شامل للفرد والجماعة، بل هو شامل للعالم أجمع، شامل لجميع حاجات النفس وأوضاعها الداخلية والخارجية، وهو أيضاً لا يقتصر أثره على الدنيا وإنما يمتد طويلاً ليشمل الحياة الآخرة (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) [العنكبوت:64]. ثم أقول أيضاً: أيها الأخ! إن الله سبحانه وتعالى شبه غرس حقيقة التوحيد في القلوب بشجرة طيبة، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )[إبراهيم:24-25]، فالإيمان والتوحيد هو القائم على كلمة (لا إله إلا الله)، فقد قيل في تفسير قوله: (كشجرة طيبها أصلها ثابت وفرعها في السماء): إن هذه الكلمة الطيبة هي (لا إله إلا الله)، فهي أولاً تثمر هذه الكلمة الطيبة، وأعظم ثمراتها العمل الصالح، كما تثمر الشجرة الطيبة. ثم بعد ذلك هذه الكلمة الطيبة أصيلة (أصلها ثابت)، بمعنى أنها ليست كلمة تقال باللسان، بحيث ينطقها الإنسان ولا يوقن بها ولا يقوم بأركانها وشرائطها، ولكنها كلمة مؤصلة مغروسة في تخوم الأرض، وكذلك أيضاً هذه الكلمة مغروسة في تخوم قلب العبد المؤمن، ثم بعد ذلك هي سامقة مرتفعة في السماء، يعتز صاحبها بالانتساب إليها، لا يهون ولا يلين، ولا يحس بأي ضعة أو نقص أو غير ذلك، وهو يقول صارخاً أمام العالم أجمع: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولهذا فإن تشبيهها بتلك الشجرة يبين لنا أمرين مهمين لا بد أن يتدبرهما المؤمن: أولهما: أن الشجرة المغروسة لا بد من تعهدها بالسقي، وكذلك أيضاً هذه الكلمة الطيبة لا بد من تعهدها بالسقي، وسقيها إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح والقرب من الله تعالى، فهي كلمة تحتاج من المؤمن إلى سقي دائم وإلى مراعاة. ثانيهما: أن هذه الشجرة يخالطها أنواع من النبات الغريب فيفسدها، فلا بد من تنقية الشجرة، وكذلك (لا إله إلا الله) تخالطها أنواع من الشركيات، يخالطها الرياء، ويخالطها التعلق بغير الله في بعض الأمور، ويخالطها نقص التوكل، ويخالطها التطير أحياناً، فلا بد من أن يتعهدها المؤمن تعهداً عظيماً حتى يكون ممن سلمت كلمة التوحيد عنده وصار ممن يعتقدها ويؤمن بها، فلم يخالطها شرك أكبر ولا أصغر. |
#50
|
||||
|
||||
![]() آثار التوحيد في حياة الأمة
استقلال الأمة أيها الأخ المسلم! أقول في القسم الثاني: إن أثر هذه العقيدة لا يقتصر على الفرد، وإنما يتعداه إلى الجماعة والأمة، ولن نعرض لجميع القضايا المتعلقة بذلك ولكن نشير إلى لمحات، فنقول: أولاً: استقلال الأمة لا يتم إلا باستقلالها في توحيدها وعقيدتها، فالأمة التي لا تستقل بعقيدتها وما ينبثق من عقيدتها من شريعة لا يمكن أن تستقل أبداً. إن الأمة التي لا تعتصم بتوحيدها وعقيدتها تعيش حياة التبعية لغيرها، وهذه تجارب التاريخ أمام أعيننا مثل الشمس، كان العرب تابعين إما للفرس وإما للروم، وكانت التبعية حقيقية، وكانوا يرفعون كثيراً من خلافاتهم القبلية إلى أولئك ليحكموا بينهم ويصلحوا بينهم، فلما جاء الله بعقيدة التوحيد وأرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وآمن بها أولئك الصحب الكرام، ونشأت دولة الإسلام في المدينة، فحررت واستقلت عن جميع أمم الأرض. نعم والله، استقلت حتى من أهل الكتاب وهم في قلب جزيرة العرب، من اليهود أصحاب التراث الضخم الكبير في ذلك الوقت، وتحرروا من النصارى في نجران وفي بلاد الروم، وتحرروا من الجاهلية والوثنية، وتحرروا من أمم الأرض واستقلوا، والاستقلال للأمة لا يتم إلا بأن تغرس هذه العقيدة في هذه الأمة بشتى الوسائل التي تجعل الناس صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم على مختلف مسئولياتهم عبيداً لله الواحد القهار لا عبيداً لغيره، وهذا هو الاستقلال الحقيقي. |
#51
|
||||
|
||||
![]() الأمن العام للأمة الأثر الثاني: الأمن: يقول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]، ولما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! وأينا لم يظلم نفسه؟ فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بإن الظلم هنا هو الشرك، مذكراً إياهم بقول العبد الصالح لقمان:( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13]. إذاً فالآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]؛ هذا الأمن يبدأ من أمن الفرد وينتقل إلى أمن الأمة. وهنا أقف وقفة مع هذه القضية؛ فإنها قضية مهمة جداً: كانت قريش تعيش حياة الرعب، فلما جاء أبرهة لهدم الكعبة فرت قريش إلى الجبال، وفتحت الطريق أمام عدوها، بغير عقيدة يفتحون الطريق لأعدائهم أن يغزوا بلدانهم! هربت قريش إلى الجبال وتركت الأمر، فمن الذي أنقذ البيت الحرام؟ أنقذه الله سبحانه وتعالى، وذلك بأن أرسل عليهم طيراً أبابيل (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ )[الفيل:4]، فكانت تلك الحادثة العظمى إرهاصاً لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تحولت مكة إلى بلد آمن؛ لأن جميع القبائل لما سمعوا بقصة ذلك الجيش العرمرم وكيف أن الله أهلكه وقتله شر قتلةٍ صار الواحد منهم يقول: هذا البيت له قدسيته، وهذه الطائفة وهذه القبيلة لأنها تحمي البيت لها مكانتها، فصارت القبائل لا تفكر أبداً بأن تغزو قريشاً ولا أن تنالهم بأذى، ولهذا قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ )[الفيل:1-5]. فبعد هذه السورة قوله تعالى: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ )[قريش:1-4]، فتحولت قريش إلى أمان، نعمة من الله سبحانه وتعالى. فانظر أيها الأخ المسلم! إلى الانتكاسة الفكرية كيف تكون، فحين كانت قريش في أمنها سعيدة وهي على شركها وعلى طغيانها، إذا بمحمد صلى الله عليه وسلم يبعثه الله ويرسله صادعاً بالحق يقول لقريش: قولوا لا إله إلا الله. فماذا صنعت قريش؟ هل استجابت أو أبت؟ رفضت أن تستجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس غريباً هذا، وإنما الغريب أنها عللت عدم استجابتها بتعليل عجيب، فماذا قالوا؟ يقول الله تعالى عن قريش: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا )[القصص:57] يعني: يا محمد! إن نؤمن بك تهجم علينا القبائل، ويعادوننا ويحاربوننا ويغزون بلادنا ونحن نعيش في أمان، فإن اتبعناك فإن الأمم الكافرة وغيرها تغزونا. (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا )[القصص:57]، فماذا كان الجواب؟ (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ )[القصص:57]، أي: كيف تقولون: (نتخطف من أرضنا) والله هو الذي أعطاكم الأمان؟! فمن أين جاءكم الأمان؟ من الله، وهذا رسول الله، فما جاء به لن يزيد أمانكم إلا أماناً. وفي زمننا هذا يقول كثيرٌ من الناس: إذا تمسكنا بديننا، وإذا أعلنا الولاء والبراء، وإذا طبقنا شريعتنا؛ حاربتنا الأمم وغزونا وتسلط علينا الكفار وصاروا يحاربوننا ويقاتلوننا ويريدون أن يغزوا بلادنا .. إلخ. وهي كلمة قريش (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا )[القصص:57]. أيها الأخ المسلم! إن هذه دعوة غير صحيحة، فعقيدة التوحيد هي التي تغرس الأمان من الداخل للأمة كلها، وهي التي تغرس الأمان بإظهار وإبراز الرعب بالنسبة للعدو الخارج، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ونصرت بالرعب مسيرة شهر)، والله تعالى يقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )[الأنفال:60]، عدو بعيد يرعب ما كان يفكر، وإنما خطر بباله أن يغزوكم فيرهب ويصاب بالرعب، وذلك حينما نؤمن بالله سبحانه وتعالى الإيمان الحق. إذاً فهذه العقيدة تولد الأمان في المجتمع؛ لأنها تولد الأمان الداخلي وتنزل الرعب بالعدو الخارجي مهما كانت قوته، ومهما اختلف ما بيننا وبينه من ناحية الاستعداد والقوى المادية، إن الله لم يطلب منا أن نكون مثل أعدائنا في القوى المادية، لكن طلب منا أن نستعد وأن نأخذ ما استطعنا، لكن ما لم نستطعه (فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وهل كانت انتصارات المسلمين لأن قواتهم مع أعدائهم كانت متكافئة؟ لا والله، فغالباً ما يكون المشركون أضعافاً مضاعفة بالنسبة للمؤمنين، وبالنسبة لعددهم ولخيلهم وسلاحهم وكل شيء عندهم. إذاً فالتوحيد يغرس الأمان، وإذا أردنا الأمان فعلينا أن نرجع، وإذا أردنا أن يتبدل أمننا خوفاً فنحن بالخيار، فنغير فقط ونعدل، نغير ما نحن عليه، ونتوكل على غير الله، ونحارب العقيدة، ونحارب الدعاة ونضيق عليهم، إذا أردنا هذا فالطريق سهل، لكن إذا أردنا الأمان الحقيقي فعلينا أن نعتصم بالله الاعتصام الحق، وأن لا نحابي أحداً مهما كان، ومهما تكلم الغرب من شرقه وغربه واصماً عقيدتنا وإيماننا بالأصولية وبالتطرف وبالإرهاب، لا والله لا نلتفت إلى هذا، لا نلتفت إلى أي شيء من ذلك، وإنما نلتفت إلى ربنا سبحانه وتعالى فنراقبه في جميع أمور
|
#52
|
||||
|
||||
![]() التحلي بفاضل الأخلاق والتخلي عن رذائلها
ومن آثاره بالنسبة للمجتمع غرس الأخلاق الفاضلة والبعد عن الأخلاق الرذيلة: وقد يقول قائل: وما علاقتها بالتوحيد؟ نقول: هي قائمة على أساس التوحيد؛ لأن التوحيد لله مقتضاه الطاعة، ومبناه على المحبة، ولهذا فإن غرس الأخلاق الفاضلة في المجتمع لا يمكن أن يتم إلا من خلال المراقبة الإيمانية، أما إذا جعلت المراقبة مادية فسرعان ما يحتال الإنسان على المراقبة المادية. فانظر إلى أخلاق الغرب فهي أخلاق تجارية، لكن المؤمن ليس كذلك، فسواء رآه الناس أم لم يروه، أخفاه أو لم يخفه، لأنه يعلم أن الله هو الرقيب، لهذا فإن الميزة الكبرى للأخلاقية الإسلامية أنها تبني في النفس تلك الأخلاق بناء على حب الطاعة وكره المعصية، فذلك الإنسان لا يترك الزنا أو يترك شرب الخمر أو غير ذلك بناءً على قانون رادع، وإنما لأنها معصية لله فيبغضها، ولا يلتزم الصدق وحسن الخلق والرحمة بالآخرين لأن هذه صفات تجلب له شهرة، وإنما يلتزمها لأنها ترضي رب العالمين، وبهذا تتحول هذه العقيدة في قلب المؤمن حباً وبغضاً إلى أن يكون ذلك المؤمن الصادق ممتثلاً للأخلاق حتى ولو ألزم نظاماً أو قانوناً بضدها. |
#53
|
||||
|
||||
![]() تأليف قلوب المؤمنين وجمع كلمتهم وموقفهم
كذلك أيضاً من آثاره الكبرى: أنها تجمع المؤمنين من كل مكان: وهذا هو الأثر الرابع، قال تعالى: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )[الأنفال:63]، فكلمة التوحيد هي التي جمعت، وإذا أردنا أن نجمع القلوب على أساس القومية أو الوطنية، أو المصالح المشتركة، أو العدو المشترك، أو الأرض، أو التراب أو الطين أو غير ذلك؛ فوالله لا تجتمع، لوا يجمعها إلا عقيدة التوحيد التي تجعل الأمة كلها من أولها إلى آخرها يداً واحدة وجسداً واحداً وقوة واحدة، مهما غزاها عدوها ليفرق بينها لا يستطيع؛ لأنها لحمة واحدة. فهل يستطيع عدوٌ أن يغزو جزءاً من جسدك بدون أن يتأثر بقية الجسد؟ لا يمكن، فلو أتى إلى إصبعك أو إبهامك أو طرف رجلك أو أي جزء من جسدك يؤذيه لا يمكن أن تقبل بقية الجسد، بل تتحول بقية الجسد إلى أسد هصور ينطلق للإنقاذ، ولو كانت وخزة إبرة لهب الجسد كالحصان الراكض يقول: ما هذه الوخزة؟ فكيف إذا أراد الإنسان أن يؤتى بشيء أكبر من ذلك، إنه المجتمع، فالمجتمع هو الذي يتحول بعقيدته إلى لحمة واحدة وجسد واحد كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
#54
|
||||
|
||||
![]() حلول الخيرات والبركات
الأثر الخامس: نزول البركات من السماء والأرض: قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ )[المائدة:66] . إن البركات والخيرات إنما تتنزل على المؤمنين حينما يحققون عبوديتهم لله وحده لا شريك له، فيكون شعارهم الصدع بهذه الكلمة، والإيمان بها، والاعتصام بها، والثبات عليها، والتزام أحكامها وشريعتها. إننا حينما نلتزم الشريعة ونطبقها ونحكم بين الناس بالكتاب والسنة، تتنزل علينا خيرات وبركات وعدالة وأمن واطمئنان، وتظهر الأرض خيراتها، إنها آثار كبيرة جداً بالنسبة للمجتمع. |
#55
|
||||
|
||||
![]() أثر التوحيد في الآخرة
أما القسم الثالث فهو أثر التوحيد في الآخرة: وأظنه معلوماً لدى الجميع؛ لهذا فإنني لا أطيل فيه، وإنما أقول: إن غاية الغايات حينما يحقق الإنسان التوحيد في هذه الدنيا أن يعلم الإنسان أنه حينما يقف بين يدي الله تعالى لن ينجو إلا بهذه الكلمة (لا إله إلا الله)، فبهذه الكلمة له الأمان في الآخرة حين يخاف الناس، وله الفوز بالجنة حينما تسعر نار جهنم وتقاد بسبعين ألف زمام. فيوم القيامة يوم لا شك فيه، والجميع سيقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، ولما كان الأمر كذلك والدنيا فانية والأيام قصيرة والأجل غير معروف والموت لا يفرق بين الصغير والكبير؛ جاء النداء: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ )[الانشقاق:6]، هي حقيقة كبرى، لهذا فالمؤمن يحقق التوحيد لأجل أن ينال الأمان والفوز يوم القيامة، يحقق التوحيد لأجل أن يكون يوم القيامة ممن يقال لهم على رءوس الأشهاد: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ )[الحاقة:24]، إنه الأمان الأكبر يوم الفزع الأكبر، إنه الفوز الأعظم يوم الخسارة الكبرى (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )[الزمر:15]، ذلك هو الخسران الكبير أيها الأخ في الله. إذاً تحقيق التوحيد وتحقيق الإيمان وتحقيق العقيدة يحول الحياة في هذه الدنيا إلى طمأنينة، وكذلك يوم يقوم الناس لرب العالمين. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم يوم القيامة من الآمنين، وأن يجعلني وإياكم ممن ختم له بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
#56
|
||||
|
||||
![]() الاكتفاء بكلمة التوحيد للنجاة من العذاب
السؤال: هل تكفي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لدخول الجنة، وكيف نرد على من استدل على ذلك بنحو قوله عليه الصلاة والسلام: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ؟ الجواب: من مات على كلمة التوحيد فهو من أهل الجنة، لكن كما قال الحسن البصري وغيره: (لا إله إلا الله) لا تكفي لوحدها، وإلا لنطقها كل إنسان وانتهى الأمر. بل لما سئل بعضهم: ألست تقول إن (لا إله إلا الله) مفتاح الجنة؟ قال: نعم. وهل هناك مفتاح بغير أسنان؟ قيل: لا. قال: إن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك. فكذلك أيضاً كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لا يمكن أن تقال إلا بالقيام بأركانها وبشروطها، فلها ركنان ولها سبعة أو ثمانية شروط، ولهذا المنافقون يقولون (لا إله إلا الله)، لكن لتخلف شرط الصدق فهم في الدرك الأسفل من النار. كذلك أيضاً أولئك الذين يرفضون شريعة الله تعالى، هؤلاء يتخلف عندهم شرط القبول، فهو يقول -مثلاً-: أنا يكفيني كون (لا إله إلا الله) عقيدة قلب. فإن قلت له: وامتثال شرع الله؟ يقول لك: لا. أي: جائز أن نأخذ بأي قانون وبأي نظام، وهذا كفر بالله سبحانه وتعالى، إذاً لا يكفي التلفظ بها. |
#57
|
||||
|
||||
![]() متى يجوز الخوف من غير الله ومتى يحرم
السؤال: الخوف من الجن والسحر والعين وهي كلها فيها ضرر على الفرد، ألا يكون ذلك من الخوف الطبيعي، وكيف يكون التوقي من السحر والعين والجن؟ الجواب: إذا كان السحر أمامك فهذا من الخوف الطبيعي، لكن أن تخاف من إنسان بعيد عنك فهذا هو خوف السر الذي هو شرك أكبر، فهو خوف السر، إنسان بعيد عنك لا يملك من الأمر شيئاً ثم تخافه من دون الله تعالى؟! أما كيف يتقي الإنسان السحر والعين وغير ذلك فسبيل ذلك تقوية الإيمان، وكثرة الأوراد من أولها إلى آخرها. |
#58
|
||||
|
||||
![]() أثر التوحيد
التوحيد هو ذلك العقد المتين الذي إذا وقر في قلب المسلم انبعث نوره في جميع الجوارح، فصار العبد متحرراً من عبودية النفس والهوى والشيطان والدنيا، وكان عبداً خالصاً لله تبارك وتعالى، فتسلم أعماله فما ينقصها أو ينقصها، وينشرح صدره بما قدر له وعليه في هذه الدنيا، وتعلوه السكينة والوقار. وقد جعل الله التوحيد أصل الدين، فلا قيام للدين بدون توحيد، ولا فلاح ولا نجاح في الدنيا والآخرة مع غياب التوحيد، وبه ينجو الفرد والمجتمع من عذاب الله وأليم عقابه. |
#59
|
||||
|
||||
![]() أهمية التوحيد ومثاله في قلب المؤمن
بعد أن بينا ما هو التوحيد الذي نقصده نقول ثانياً: إن حديثنا عن أثر التوحيد لا ينبغي أن يفهم منه أن التوحيد قضية من القضايا الصغيرة أو مسألة من المسائل، فنحن نتحدث عن أثرها كما نتحدث عن أثر أمر من الأمور ونبحثه، لا والله، فإن التوحيد الذي نتحدث عنه وعن أثره هو الحياة من أولها إلى آخرها، بل هو الحياة التي تشمل الدنيا والآخرة. ونقول ثالثاً: إن التوحيد هو أساس الإيمان، ولذلك فإن الناس يتفاوتون في هذا التوحيد، فإيمانهم وتصديقهم وعملهم وغير ذلك يتفاوتون فيه، وعلى قدر إيمانهم وتصديقهم يتفاوت أثر هذا التوحيد. ثم نقول أيضاً: إن أثر هذا التوحيد شامل للفرد والجماعة، بل هو شامل للعالم أجمع، شامل لجميع حاجات النفس وأوضاعها الداخلية والخارجية، وهو أيضاً لا يقتصر أثره على الدنيا وإنما يمتد طويلاً ليشمل الحياة الآخرة (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ )[العنكبوت:64]. ثم أقول أيضاً: أيها الأخ! إن الله سبحانه وتعالى شبه غرس حقيقة التوحيد في القلوب بشجرة طيبة، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )[إبراهيم:24-25]، فالإيمان والتوحيد هو القائم على كلمة (لا إله إلا الله)، فقد قيل في تفسير قوله: (كشجرة طيبها أصلها ثابت وفرعها في السماء): إن هذه الكلمة الطيبة هي (لا إله إلا الله)، فهي أولاً تثمر هذه الكلمة الطيبة، وأعظم ثمراتها العمل الصالح، كما تثمر الشجرة الطيبة. ثم بعد ذلك هذه الكلمة الطيبة أصيلة (أصلها ثابت)، بمعنى أنها ليست كلمة تقال باللسان، بحيث ينطقها الإنسان ولا يوقن بها ولا يقوم بأركانها وشرائطها، ولكنها كلمة مؤصلة مغروسة في تخوم الأرض، وكذلك أيضاً هذه الكلمة مغروسة في تخوم قلب العبد المؤمن، ثم بعد ذلك هي سامقة مرتفعة في السماء، يعتز صاحبها بالانتساب إليها، لا يهون ولا يلين، ولا يحس بأي ضعة أو نقص أو غير ذلك، وهو يقول صارخاً أمام العالم أجمع: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولهذا فإن تشبيهها بتلك الشجرة يبين لنا أمرين مهمين لا بد أن يتدبرهما المؤمن: أولهما: أن الشجرة المغروسة لا بد من تعهدها بالسقي، وكذلك أيضاً هذه الكلمة الطيبة لا بد من تعهدها بالسقي، وسقيها إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح والقرب من الله تعالى، فهي كلمة تحتاج من المؤمن إلى سقي دائم وإلى مراعاة. ثانيهما: أن هذه الشجرة يخالطها أنواع من النبات الغريب فيفسدها، فلا بد من تنقية الشجرة، وكذلك (لا إله إلا الله) تخالطها أنواع من الشركيات، يخالطها الرياء، ويخالطها التعلق بغير الله في بعض الأمور، ويخالطها نقص التوكل، ويخالطها التطير أحياناً، فلا بد من أن يتعهدها المؤمن تعهداً عظيماً حتى يكون ممن سلمت كلمة التوحيد عنده وصار ممن يعتقدها ويؤمن بها، فلم يخالطها شرك أكبر ولا أصغر. |
#60
|
||||
|
||||
![]() ![]() |
![]() |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الله, العبادة, الواحد الاحد |
|
|