|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
ثقافة الصفوة :
نعني بالصفوة كل أولئك الذين تشكلت ثقافتهم بطريقة واعية ، ونالوا حظاً من المعرفة الراقية التي تمكنهم من قيادة مجموعات ممن حولهم ، والتأثير فيهم . وكلمة (الصفوة) كلمة فضفاضة في دلالتها ؛ فالصفوة متفاوتون في ثقافتهم وتأثيرهم ؛ لكن يجمعهم جميعاً أنهم ليسوا من الشرائح الشعبية التي تتكون ثقافتها عن طريق تلقين المجتمع لهم وبطريقة لا شعورية . ولعلنا ـ على منهجنا ـ نوجز نقاطاً مهمة في ثقافة الإقلاع الحضاري لدى الصفوة في المفردات التالية : · إن الصفوة دائماً قلة ، وكلما قست شروط الجودة وجدنا أنفسنا نتلفت يميناً ويسرة نبحث عن خلاصة الصفوة وقد نجد ، وقد لا نجد إلا أناساً من الدرجة الثانية! . إن سمة كل مجتمع في النهاية هي سمة الصفوة التي تتولى قيادته الفكرية والاجتماعية ؛ وهذه المرحلة بحاجة ماسّة إلى صنفين : دعاة المثقفين ومثقفي الدعاة ، أي أولئك الذين يجمعون بين استنارة الفكر والفهم العميق إلى جانب لوعة وحرقة على واقع الأمة ، تشبه لوعة الأمهات! وإذا كنا ننهى أنفسنا عن التعصب للفكرة فإننا نرى أن الصفوة التي لا تتمتع بالحد الأدنى من الرجولة للدفاع عن الأفكار والمبادىء التي تؤمن بها ـ هي صفوة منحطّة ـ ؛ وستظل جاهزة لخدمة مصالحها الخاصة ، وتوظيف ثقافتها في بناء مجدها الذاتي ، ولو كان الثمن هو عناء أمة بأكملها! . إن قيمة الصفوة بل طبيعة وجودها لا تنبع من القدر المعرفي الذي تحمله ، وإنما من مقدار تحملها للهمّ العام ومشاركتها في إصلاح الشأن العام ؛ أي على قدر تعدي نفعها للأمة ، وعلى قدر تجاوزها لمصالحها الشخصية . وإن الإحباط الذي تعاني منه الأمة ينصبُّ أولاً على نخبها وقادة الرأي ـ ولا سيما المثاليين منهم ـ فيها ؛ ومن ثم فإن كثيرين منهم يركنون إلى اليأس ، ويسود كتاباتهم التشاؤم ؛ وهم بذلك يدفعون بأنفسهم دفعاً نحو العزلة وأخذ إجازة مفتوحة! . ولذا فإن الحاجة ماسة اليوم إلى أقوام لا ييئسون من إمكان تحسن الأحوال مهما ساءت الظروف . · إننا بحاجة اليوم إلى منح مجتمعاتنا رؤية واضحة ومتَّسقة عن واقع الأمة وتحديد مواطن العطب فيها إلى جانب توضيح مسيرتها الحالية واستشراف شيء من مستقبلها . ولا تستطيع الصفوة منح ذلك ما لم تمتلكه هي ؛ وفي هذا الإطار نجد أن المثقفين الذين يجمعون رؤية منهجية شاملة للواقع الذي نعيشه وللصورة التي ينبغي أن يكون عليها ـ ما زالوا لدينا قلة قليلة ؛ لكننا نشعر أن الوضع يتحسن ، وأن مزيداً من الرشد الفكري بدأ يطرق الأبواب ، ويغزو الساحات الثقافية . إن تحديد أسباب الانهيار قد لا يكون بالأمر الصعب في كل الأحيان ، لكن استخراج العناصر الخيرة والإيجابية من حياة مجتمع مريض متقهقر يظل أمراً مهماً ؛ حتى لا تظل جهودنا تعود إلى نقطة الصفر في كل مرة . كما أن من واجبنا أيضاً ألا نطرح الأفكار التي تؤدي إلى الإقلاع الحضاري فحسب ، وإنما أن نتعلم كيف نطرح سياسات الإقلاع والانطلاق ؛ فالسياسات دائماً هي التي تكشف عن مدى إمكانية تحويل الأفكار إلى حقائق على الأرض . وهذا ما كان ينقص الأفكار الإصلاحية التي طرحت منذ أكثر من قرن من الزمان . · إن ثمة موازنة ضرورية ودقيقة بين المحافظة على الثقافة الوطنية الإسلامية وبين الانفتاح على الثقافات الأجنبية، وهذه الموازنة من مهمات الصفوة الذين يدركون وحدهم طاقة ثقافتنا الأهلية على استيعاب دفق الثقافات الأجنبية المغايرة لها في كثير من أصولها ومنطقها . وثقافتنا الإسلامية اليوم تمر بمرحلة التعرف على الذات من جديد ، وإعادة تفسير بعض الرموز ، ومنح بعض الأحداث والمفاصل التاريخية معنى جديداً ، وهذا يعني أنها لا تقوى على الكثير من الأعباء الإضافية التي يجب أن تتحملها من جرّاء استيعاب وهضم ثقافات أخرى . وإذا تجاهلنا هذا الموضوع فقد نكون كالطبيب الذي قرر إجراء عملية جراحية كبرى لجسد منهَك! . والطريق الأسلم ـ وربما الأحكم ـ أن نحاول استنطاق الرموز الثقافية الإسلامية على نحو يجعلها أكثر وضوحاً وشمولاً وقابلية لفهم معاصر وذلك عبر فاعلية حضارية عالية الوتيرة . إنه لا يجوز لأفكارنا التجديدية أن تبتعد كثيراً عن قدرة مجتمعاتنا على الاستجابة والتمثل ؛ حتى لا نكون كالطائر الذي يبيض في غير عشِّه! · إن جهود المثقفين والدعاة ينبغي أن تتمحور حول أهداف رئيسة معينة تجعلها الأمة نصب عينيها ، وهي تستأنف مسيرتها الحضارية . ولا تقل الموازنة بين هذه الأهداف وإعطاء كل منها حقه أهمية عن التحقيق . هذه الأهداف يمكن ضغطها في ثلاثة ، هي : العبادة ، وتعني الطاعة المطلقة للمعبود المتضمنة كمال الحب مع كمال التعظيم . ثم الخلافة عن الله ـ تعالى ـ في الأرض ، وهي تعني إقامة الحق والعدل والتخلق بأخلاق الله ـ تعالى ـ على قدر الطاعة والوسع . ثم عمارة الأرض ، كما قال ـ سبحانه ـ (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)2 ، أي : طلب منكم عمارتها . · هذه الأهداف العليا ينبغي أن تجتذب كل أنشطتنا ، كما أن جهودنا وأفكارنا الصغرى ينبغي أن تستبطن هذه المعاني وتستلهمها على مستوى من المستويات . وكل فكرة أو خطة لا تستهدف هذه الأهداف ، ولو بصورة غير مباشرة ينبغي أن نتلقاها بحذر ونقف منها موقف المتأمل ، وإلا فإن الانزلاق نحو الدنيوية والمادية أمر سهل ميسور . الثقافة الشعبية : إذا كانت ثقافة الصفوة تتكون عن طريق إرادي متعمد ومختار ، فإن أكبر خصيصة للثقافة الشعبية أنها تتكون عن طريق لا إرادية وبأدوات غير ملموسة ولا محددة ، وهي تتشكل خارج الوعي ويتشبع بها الفرد العادي على النحو الذي يستنشق به الهواء ، وفي هذا كله يكمن سر صلابتها واستعصائها على الغزو الأجنبي أكثر من الثقافة العالية . إذا كان الأمر على هذه الصورة فإن تحسين الثقافة الشعبية وتوجيهها ورفع مستوى اهتمامتها ـ يظل إحدى مسؤوليات مثقفي النخبة الذين في إمكانهم تسليط الوعي على الثقافة الشعبية ، وإدراك ما تتطلبه مرحلة الانطلاق والإقلاع من أخلاق واستعدادات وتوجهات ... وإذا لم يقم الصفوة بمهمتهم هذه فإنهم لا يقضون على إمكانية انطلاقة حضارية راشدة وإنما يعرضون أنفسهم للنبذ والتهميش من قبل الطبقات الدنيا . ولعلنا نذكر في النقاط التالية أهم ما نرى ضرورة غرسه وإشاعته في الثقافة الشعبية من أجل تأمين ثقافة واسعة تدفع بالأمة نحو الانطلاق المامول : · إشاعة ثقافة المشاركة ؛ فالقاعدة الشعبية تشعر باستمرار أنها معزولة عن توجيه الحياة ومواقع اتخاذ القرار ، ففي المعامل مثلاً قلما يستشار العمال في مشكلة إنتاجية ، ومن ثم فإن العامل يعوض عن ذلك بمحاولة بلورة موقعه في المصنع ... كأن يكون رئيساً على العمال أو صاحب حظوة عند رب العمل أو مهندس المصنع ، وهذا بالإضافة إلى أنه يخلق توترات داخل المصنع يجعل العمال لا يشعرون بالانتماء إلى عملهم ، ولا يشعرون بأية مسؤولية تجاه واقعه أو مستقبله . والذي سيبادر إلى تنشيط روح المشاركة وآلياتها هم المثقفون ، ومهما قيل إن القاعدة ليست أهلاً لإبداء الرأي والمشورة فإن الصحيح أن الطريق الوحيد لرفع سوية تفكيرها وصقل خبرتها هو زجها في خضم المشاركة وإعطاء الاهتمام لكل ما تقوله . وقد نجح اليابانيون نجاحاً منقطع النظير في جعل المصانع اليابانية أشبه بمحاضن لأسرة واحدة يتكلم فيها الصغير والكبير دون تكلف أو غضاضة ، ويشعر الجميع بالانتماء إليها على قدم المساواة . · إن الوضعية العقلية لدى كثير من الشعوب الإسلامية تحتاج إلى نوع من التعديل والتحسين ، وهذه الوضعية هي ـ ولا شك ـ نتيجة التراجع الثقافي حيث الأمية ضاربة جذورها ، وحيث العناية بقضايا الفكر والمعرفة ما زالت ضامرة ومحدودة ؛ وإن مما تحتاج إليه الثقافة الشعبية حاجة ماسة تأسيس عقلية الكف عن الكلام والمسارعة إلى المواقف الحادة دون وجود معلومات حسنة صالحة لقول شيء أو عمل شيء . ومن الملاحظ أن العربي ـ بصورة خاصة ـ سريع الاندفاع خلف العواطف وبريق الأمنيات ، كما أنه حسن النية إلى حد بعيد ، وقدرته على محاكمة الأمور أيضاً محدودة . ومع أن القرآن الكريم أمرنا ألا نتبع الظنون ، وألا نقول بغير علم في مواضع كثيرة إلا أن واقع الحال على النحو الذي وصفنا . والمدهش في هذا أن موقف كثير من المثقفين في هذا الموضوع لا يختلف عن موقف العوام ؛ مع أننا نعول في علاج هذا الداء عليهم! . إن هناك الكثير مما ينبغي عمله من أجل تأسيس عقلية منهجية لا تقول بغير علم ، ولا تجادل من فراغ ، ولا ترى في كلمة ((لا أدري)) أو كلمة ((دعونا ننظر)) أو ((دعونا نلمس)) ـ أية غضاضة . إن ملفات هذه القضية ينبغي أن تظل مفتوحة مع محاولة التجديد في المعالجة والطرح حتى نشعر أننا تقدمنا نحو العافية . · يلاحظ أن عقلية (المستحيل) تسيطر على أكثر العامة لدينا ، ولهم في ذلك عذر ؛ فمعطيات تاريخنا القريب لا تدل على أن مساحات الحركة وإمكانات التقدم أمامنا فسيحة أو كبيرة ؛ لكن مهمة المثقفين أن ينشروا أشعة الأمل عند استحكام اليأس ، وهذا هو شأن الربانيين الذين لا يقطعون حبال الرجاء من كرم الله مهما ادلهمت الظلمات! إن كثيرين منا ينظرون إلى ما ينبغي عمله حتى نصبح أمة محترمة وقوية ، فيجدون أمامهم جبالاً من المهمات ، ثم ينظرون إلى ما بين أيدينا من وسائل وإمكانات ؛ فتعصف بهم رياح الإحباط والانحسار! ولم تكن أبداً مشاعرهم كاذبة ولا مصطنعة ، لكن طريقة النظر هي الخاطئة ، ولو أننا عملنا وفق طريقة أخرى لكان المردود مختلفاً . · إن القاعدة العملية في معالجة الأمور الجسام يمكن تجسيدها في القول : ((إذا عملنا ما هو ممكن اليوم صار ما هو مستحيل اليوم ممكناً غداً)) ، وهذا مبني على أن كثيراً من المستحيل ليس مستحيلاً في ذاته ، وإنما هو مستحيل إضافي لفقد مقدماته وأسبابه عند بعض الناس ؛ فإذا باشرنا الممكن من مقدماته تحوّل المستحيل نفسه إلى ممكن . إن علينا أن نؤسس عقلية ((شيء خير من لا شيء)) بدل عقلية ((كل شيء ، أو لا شيء)) . · في عصرنا الحاضر تضخمت الخصوصيات بصورة مَرَضية ، وزادت الحضارة الحديثة العوازل بين الناس مما أدى إلى ضعف التضامن بينهم ، وسادت ثقافة ((نفسي)) مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول وحده دون باقي الأنبياء في يوم الكرب الأعظم : ((اللهم أمتي أمتي)) : ومن ثم فقد ضعف بيننا التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، وكثر منع ((الماعون)) وبذل الخير ، بل صرنا في زمان ينظر فيه إلى من يبادر إلى الخير والإحسان نظرة استغراب1 إن لم ينظر نظرة شك وريبة ؛ ومن هنا فإن ثقافتنا الشعبية بحاجة إلى أن تستعيد هذه الخلال الكريمة حتى نخفف من قسوة العيش ، ونحفظ على مجتمعاتنا نسيجها الاجتماعي المتميز . ولا بد للصفوة ـ والدعاة منهم خاصة ـ أن يعطوا المثل والقدوة من أنفسهم في هذا الأمر خاصة ؛ حيث غلب على كثير منهم شيء من الانفصال عن هموم الناس ، أو شيء من التعالي على الانشغال بمثل هذا! . د/ عبد الكريم بكار
|
#2
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
أستاذى الفاضل طالب الفردوس لك منى كل الشكر و التقدير على هذا المقال الأكثر من رائع ، و الذى يحتاج قراءته أكثر من مرة للاستفادة جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 06-01-2012 الساعة 02:57 AM |
#3
|
||||
|
||||
![]() حركة مجتمع لا حركة صفوة لعل أكبر مشكلة تواجه الدول النامية والمتخلفة هي تحديد الأسباب الحقيقية التي جعلتها تعيش على هوامش الحضارة وأطراف العالم المتقدم. وما ذلك إلا بسبب انخفاض درجة وعيها بنفسها وإمكاناتها والتحديات التي تواجهها، ومن هنا فإن حاجة الأمة ماسة إلى أن تضغط بإصبعها على موضع الداء، وأن تسعى إلى تحديد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الإصابة به، لتهتدي بالتالي إلى سبيل الشفاء.في اعتقادي أن أفضل طريقة لتحديد أسباب التخلف تكمن في البحث عن القواسم المشتركة ونقاط الالتقاء لدى كل الشعوب التي تعيش على حواف العالم اليوم. وإذا وصلنا إلى هذا الحد من القول، فإنني أرى أن سمة (فقد الاهتمام) تعد من السمات العامة التي يمكن أن نشاهدها أينما تجولنا في أصقاع العالم النامي ـ ومنه بالطبع العالم الإسلامي ـ حيث يتجسد في سلوك الناس شعار (لا شيء يهم) وحيث ترى سيلاً لا ينقطع من المواقف التي تنم عن عدم الاكتراث واللامبالاة. وفي المقابل فإن معظم الناس في العالم الصناعي يهتمون بالأشياء الصغيرة والصغيرة جدًا، وتستوقفهم التفاصيل الدقيقة، ويحاولون حساب كل شيء إلى حد الوسوسة. حين وقعت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة، اندفع كثير من الناس هناك إلى شراء الكتب التي تتحدث عن الإسلام، وحضر بعضهم دورات في المراكز الإسلامية من أجل فهم الخلفية الثقافية لمن اتهموا بتلك الأحداث. أما عندنا فمن أندر النادر أن ترى شخصًا يحاول سبر أغوار الثقافة الأمريكية أو معرفة طبيعة القوى التي توجه حركتها!ولذا فإن من الممكن القول أن درجة اتساع اهتمامات أي أمة هي معيار حقيقي لمدى تقدمها ومعاصرتها، والعكس صحيح."ولعلي أستجلي في هذه القضية النقاط الثلاث الآتية :ـ إن الذي ينظر بعمق إلى المرامي البعيدة لآيات القرآن الكريم يجد أنه كان يقصد قصدًا إلى توسيع دائرة اهتمامات الإنسان المسلم على مستوى الزمان والمكان والأشياء، وذلك كي يساعده على القيام بمهمة الاستخلاف وبسط سلطانه على كل ما حوله. وفي هذا الإطار نجد أن القصص القرآني الذي تناول أخبار الأمم السالفة. ولايكتفي القرآن الكريم بذلك، بل يوسع دائرة اهتمامات المسلم ليتفاعل مع أحداث كبرى تجري في زمانه ـ مهما كان بعيدًا عن التأثر بها ـ كما في إخباره عن الصراع بين الروم والفرس، وإعلامه المسلمين بأن الغلبة ستكون للروم في بضع سنين. بل إن القرآن يصور لنا المشاهد المؤلمة التي تحكي معاناة بعض الناس (كما في قصة أصحاب الأخدود) ليجعل من الحزن وسيلة اتصال مع الناس والعالم. والسؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا: لماذا يقرأ المسلمون القرآن الكريم كل يوم دون أن تشتعل لديهم جذوة الاهتمام؟ !ـ كثير من الناس يملكون كل مقومات العظمة لكنهم لم يصبحوا عظماء لا لشيء إلا لأن اهتماماتهم تافهة.وقد كان (المال) في الماضي عماد الثراء الشخصي والأممي، كما كان عمود النجاح في النظام التجاري. وقد أخذ كل ذلك الآن في التغير، وأخذت تحل محله أشياء غير مادية، فثراء الأشخاص (وكذلك الأمم) لم يعد يقوم بالأرصدة والممتلكات، وإنما بمقدار ما يملكون من اهتمامات ودوافع وأفكار ومعلومات ونظم. وهذا ما يفسر لنا انتشار الجوع في بلدان عربية تملك الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة، على حين تملك دولة (مثل لبنان) مساحة محدودة من الأراضي الزراعية، ومع هذا فهي تصدر الخضار والفاكهة إلى عدد من الدول!.ـ تسجل الدول الصناعية 97% من براءات الاختراع، وتترك لـ80% من سكان الأرض 3% فقط. وفي عام 1998 سجل اليهود في فلسطين 577 براءة اختراع لدى مكتب العلاقات التجارية الأمريكي، على حين سجل العرب 24 براءة اختراع فقط. وكثير من تلك البراءات تسجل من قبل (هواة) ومهتمين غير محترفين، لكنهم ينتمون إلى شعوب تسيطر عليها فضيلة الاهتمام. وأقرب مثال على هذا برامج الحاسب الآلي؛ إذ إن معظم البرامج الموجودة في الأسواق هي من تصميم هواة. إن أمتنا لن تقف في مصاف الأمم ما لم يسهم كل واحد من أبنائها بشيء مفيد يضاف إلى رصيدها العام ليتشكل لدينا من قطرات الماء نهر أو جدول، ومن الحصى المتناثر تل أو جبل. وإن كثيرًا من القصور الذي نعانيه في هذا الشأن يعود إلى التربية الأسرية التي يتلقاها أبناؤنا، ثم تأتي المدارس لتزيد الطين بلة، فهي لا تهتم بتكوين الشخصية لطلابها، وليس عندها أي برامج أو تدريبات لبعث الاهتمام بالأشياء المفيدة أو الجديدة! وكان عليها عوضًا عن الأرقام الصماء التي تلقنها لطلابها عن إنتاجية العالم المتقدم أن تشرح لهم العوامل والأخلاقيات التي تقف خلف تلك الأرقام، من نحو سعة الاهتمام والمثابرة والجدية والتنظيم والتعاون.. وأن تشرح لهم الدور الرائع الذي تؤديه المبادرة الفردية والهوايات المتعددة والمشروعات الصغيرة في إغناء حياة العالم المتقدم.إن أمتنا لن تحصل على المقام الذي تستحقه ما لم يصبح الاهتمام بالميزات والتفاصيل والأشياء الصغيرة حركة مجتمع لا حركة صفوة. د/ عبد الكريم بكار
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 06-01-2012 الساعة 11:50 AM |
#4
|
||||
|
||||
![]() المفكر والمرونة العقلية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أخوانه الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين إن المرونة قوة كامنة خلقها الله سبحانه و تعالى في الإنسان، ولا يمكن أن تتحول إلى مزية إلى إذا قام بتفعيلها بالتجربة والممارسة. ويبدأ ذلك عندما ينظر إلى الأمور بنظرة مفكر عقلاني ، و يعترف بوجود وجهات نظر مختلفة بدلاً من وجهة النظر الوحيدة والجازمة. إن المفكر ذو المرونة الفعالة هو الذي يعرف كيف؟ يختار -ومتى؟ يكون- مرناً ومتى؟ يكون -صلباً، وهذا الاختيار ليس سهلاً ككبسة زر لإشعال الضوء أو إطفائه، فخياراتنا ترتبط بشكل وثيق بما تعودناه ودربنا أنفسنا عليه، وما حاولنا ونجحنا في تغييره بأفكارنا ومواقفنا وسلوكنا، ويرتبط بشكل كبير بقوة شخصيتنا وثقتنا بأنفسنا. ( أ- ) المرونة العقلية وسيلة الإنسان الصالح للتواصل مع الله الذي أبدع كل شيء خلقه، فتسمو روحه للتطور، وهو يستجيب للبيئة الجديدة استجابات ملائمة تحقق التكيف معها دون تغيير طبيعته وشخصيته الأصلية. فيغير وسائلة القديمة إلى وسائل جديدة، ويكتسب مهارات تتناسب مع متطلبات الظروف الجديدة والأهداف الجديدة. وتتطور ممارساته، لذلك حث القرآن الكريم على التفكر والتبصر والتدبر في العشرات من الآيات البيانات بروح هادئة وأن هناك خيارات متعددة لمشاعرنا يحل فيها التظاهر بالغضب الذي يحدث تارة ويفضل الهدوء تارة أخرى، وأن هناك خيارات متعددة لتفاوضنا، وخيارات مختلفة ٌلإدارة وقتنا. كما تعني القيام بالأعمال التي نخشى عادة القيام بها، أو تجريب الجديد منها، تلك التي لا نعرفها أو لا نحبها مع علمنا بأهميتها لتطوير حياتنا.. ( ب- ) والمفكر المرن يعتبر كأداة صالحة لتحقيق الأهداف المتمثلة في جلب المنافع ودفع المضار، وذلك بتوظيف المعارف والمهارات والخبرات التي يملكها الفرد توظيفاً سليماً. ولا تستقيم حياة الإنسان بدون تفكير، لذلك يُعدّ التفكير في حاجاته الرئيسة. وقد شبهه بعملية التنفس التي لا حياة للكائن الحي بدونها. المرونة تعني أن نبحث عن بدائل للخيار الواحد الذي تعودنا ممارسته، وعن وسائل جديدة ونماذج جديدة، قد تكون أفضل وأنجح وأسرع وأكثر كفاءة. . ( ج- ) والمرونة العقلية تساعد الإنسان على التكيّف مع الظروف المحيطة به والتعامل مع المشكلات والصعوبات التي تواجهه ومع المستجدات الخارجية ومعرفة الثوابت والمتغيرات في سياسة المؤسسة. وكذلك الاستفادة من الأفكار الجديدة والتفاعل الإيجابي مع المتغيرات والمستجدات.وذلك باستدعاء وتوظيف ما يملكه من معلومات ومهارات وخبرات، وكلما كانت هذه الأدوات متطورة كلما كان مفعولها أقوى وأبقى في مرونة التعامل ( د- ) والمفكر المرن هو الذي ينمي التفكير عند الإنسان وهو بمثابة الضوء الساطع الذي ينير للإنسان مسار النجاح، وكلما كان أقدر على التفكير كلما كان نجاحه أعظم، لذلك فقد اهتمت التربية الجادة بتدريب عمليات التفكير وبصقل مهاراته ليصبح المتعلم قادراً على توظيف المعلومات والمهارات التي يحصل عليها في تحقيق النجاح الذي يصبو إليه، ويجعله قادراً على مواكبة التغيرات المتواصلة التي تحصل في ميادين الحياة. ( هـ- ) وممارسة التفكير للمفكر المرن تشيع في ثنايا الموقف الصفّي دفئاً وتجعله أكثر حيوية، فيقبل المتعلمون عليه بحماس ليمارسوا الأنشطة. وليشاركوا في المشاغل التربوية بإيجابية، فيتحسن أداؤهم، وتنمو قدرتهم على الاستفادة من الخبرات المكتسبة، ويترتب على ذلك مخرجات تامة. لذلك يجب تعليم مهارات التفكير يغدو أمراً مهماً وبناءً، لذلك فقد أصبح شعار المؤسسات في العصر الحديث هو:كيف نفكّر؟ How to think ? قال مفكر ياباني " معظم دول العالم تعيش على ثروات تقع تحت أقدامها وتنضب بمرور الزمن ، أما نحن فنعيش على ثروة فوق أرجلنا تزداد وتعطي بقدر ما نأخذ منها " . فالمرونة تعني أن نبحث عن بدائل للخيار الواحد الذي تعودنا ممارسته،وعن وسائل جديدة ونماذج جديدة، قد تكون أفضل وأنجح وأسرع وأكثر كفاءة. ..التفكير مهارة وليس موهبة فطرية هو الخطوة الأولى للقيام بعمل لتحسين تلك المهارة وتطويرها ، ولقد أصبح العالم أكثر تعقيدا نتيجة التحديات التي تفرضها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وأن نعرف أن هناك خيارات متعددة لمشاعرنا يحل فيها التظاهر بالغضب تارة ويفضل الهدوء تارة أخرى، وأن هناك خيارات متعددة لتفاوضنا، وخيارات مختلفة ٌلإدارة وقتنا. كما تعني القيام بالأعمال التي نخشى عادة القيام بها، أو تجريب الجديد منها، تلك التي لا نعرفها أو لا نحبها مع علمنا بأهميتها لتطوير حياتنا ولكن نحب هنا أن نلفت الانتباه بأن المرونة لا تعني الضعف والانهزام والاستسلام، والحكمة تقول: (لا تكن صلباً فتكسر، ولاتكن ليناً فتعصر). فيغير في مواقفه وردود أفعاله وعاداته الموروثة، وعندها يستطيع أن يحول الغضب إلى صبر، الكلالة إلى الفعالية، والعجز والتواكل والسلبية إلى المبادرة والنشاط وتحمل المسؤولية الذاتية، ويكون مفاوضاً أنجح وعضو عائلة أفضل ومواطناً منتجاً وفاعلاً.فالمفكر العقلاني الفعال يمتاز بالقوة دون تخشب، والمرونة دون ميوعة.وأصبح النجاح في مواجهة هذه التحديات لا يعتمد على الكم المعرفي بقدر ما يعتمد على كيفية استخدام المعرفة وتطبيقها. دمتم بحفظ الله د. نوال حسن ناظر
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 06-01-2012 الساعة 03:23 AM |
#5
|
||||
|
||||
![]()
جزاك الله خيرا
__________________
![]() |
#6
|
||||
|
||||
![]() الثقافة المصرية .. وثورة 2011 أعتبر نفسى سعيد الحظ إذ عاصرت ثورتين مهمتين فى تاريخ مصر: ثورة يوليو 1952 وثورة يناير 2011، واعيا وعيا كافيا عندما قامت الثورة الأولى، وكنت لا أزال محتفظا بوعى كامل (أو هكذا أظن) عندما قامت الثانية. لقد أتت كلتا الثورتين ببعض النتائج الباهرة (لا يقلل قيمتها ما ارتكبها الممسكون بالسلطة فى الحالتين من أخطاء) من بين هذه النتائج الباهرة ما يتعلق بالثقافة. مازالت الثورة الأخيرة فى أول عهدها، فلا يمكن اكتشاف أثرها كاملا بعد، بعكس ثورة 1952 التى مر عليها وقت كاف للاعتراف بفضلها كاملا. ومع ذلك، فحتى ثورة 2011، يمكن أن نتبين بعض ثمارها فى الكتابة الأدبية والسياسية. مازلت أذكر جيدا كيف كانت حالة الأدب والموسيقى والغناء والمسرح قبل قيام ثورة 1952. لا أحد يستطيع أن يجحد فضل ومكانة رجال مثل طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، الذين تربعوا على عرش الأدب فى مصر قبل 1952، أو فضل ومكانة يوسف وهبى ونجيب الريحانى فى المسرح، أو أم كلثوم وعبدالوهاب فى الغناء والموسيقى..إلخ، ولكن لابد أن نعترف أيضا بأنه عندما نشر عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم كتابهما الشهير (فى الثقافة المصرية) بعد قيام ثورة 52 بثلاث سنوات (والذى كان أقرب إلى البيان أو المانيفستو منه إلى الكتاب العادى)، وانتقدا فيه بشدة ثقافة ما قبل 1952، كانا يلمسان حقيقة لا شك فيها، وهى التحيز الطبقى الذى اتسم به إنتاج هؤلاء المثقفين العظام، أو على الأقل غياب القضية الاجتماعية (أو التناقض الطبقى) فى إنتاجهم، غيابا يكاد يكون تاما. بمجرد قيام ثورة 1952 ظهرت كتابات جديدة مدهشة، بل وعبقريات مدهشة فى القصة والكتابة المسرحية والصحفية والشعر، وفى الموسيقى والغناء، وكأنها كانت فقط تنتظر حتى تفتح لها ثورة 1952 الأبواب، وتأذن لها بالدخول. ربما كان أصحاب هذه المواهب يكتبون أو يلحنون قبل الثورة، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك على استحياء، وفى مجلات مغمورة لا يكاد يقرأها أحد، أو يغنون لبعضهم البعض فى منازلهم، فأتت ثورة 1952 فإذا بالكتاب المغمورين يصبحون بين يوم وليلة من المشاهير، وإذا بالملحن أو المغنى المغمور يملأ الدنيا ويشغل الناس. هل أنا فى حاجة إلى ذكر أسماء يوسف إدريس فى القصة، ونعمان عاشور وألفرد فرج وزكى طليمات فى المسرح، وصلاح عبدالصبور وحجازى وصلاح جاهين فى الشعر، وكمال الطويل وبليغ والموجى وعبدالحليم حافظ فى الموسيقى والغناء، وأحمد بهاءالدين فى الكتابة الصحفية..إلخ؟ لقد تركوا جميعا آثارا باقية فى حياتنا الثقافية، وأسسوا مدارس جديدة، كل فى مجاله، تخرج منها التلاميذ وتلاميذ التلاميذ. نعم، لقد استمر طه حسين والحكيم والعقاد يكتبون بعد الثورة، وظل يوسف وهبى يمثل ويخرج الأفلام والمسرحيات، وظل عبدالوهاب وأم كلثوم ينتجان أعمالا عظيمة، وظل فكرى أباظة وزكى عبدالقادر وأحمد الصاوى محمد يكتبون أعمدتهم الصحفية، ولكن كان على هؤلاء جميعا الاعتراف، بطيب خاطر أو بدونه، بأنه قد أصبح لهم فجأة منافسون حقيقيون، وأن العصر المختلف لابد أن تعبر عنه ثقافة مختلفة، وأن التركيب الطبقى الجديد الذى تكون بين ثورتى 1919 و1952، يحتاج إلى قصص وروايات ومسرحيات وصحافة وموسيقى وغناء من نوع جديد. *** إنى أزعم أن شيئا مماثلا لابد أن تسفر عنه ثورة يناير 2011، بل إن بوادر التجديد قد ظهرت بالفعل، وهى بدورها تعكس (وسوف تعكس) عصرا جديدا وتركيبا اجتماعيا جديدا تكون خلال فترة أطول من نصف قرن، هى التى تفصل بين ثورتى يوليو 1952 ويناير 2011. لابد أن نلاحظ مع ذلك أن طول الفترة التى انقضت بين الثورتين الأخيرتين (52 و2011) بالمقارنة بالفترة التى انقضت بين الثورتين (1919 و52) كان لابد أن يؤدى إلى نتيجتين مهمتين: أولا: أن الجيل الجديد من المبدعين فى حالة ثورة يناير 2011، كان لديهم أسباب أقوى للشكوى من حالة التدهور العام فى الثقافة المصرية من الجيل الذى فجرت مواهبه ثورة 1952. لقد جاء جيل ثورة يناير بعد فترة طويلة من انتكاسة ثورة 1952، أى بعد فترة طويلة من انسحاب الجيل المبدع السابق وتركه الساحة شبه خاوية. ولنكتف بذكر أمثلة قليلة. لقد توقف يوسف إدريس عن الإبداع فى السبعينيات، وتضاءل بشدة إنتاج كمال الطويل والموجى وصلاح جاهين فى الوقت نفسه. هاجر هجرة مؤقتة أحمد بهاءالدين وعبدالعظيم أنيس ومحمود العالم، وكثيرون غيرهم، فى السبعينيات أيضا. وعندما عاد بعضهم فى الثمانينيات كان عليهم الانزواء بصورة أو بأخرى بسبب ما فرضه المناخ السياسى والاجتماعى من ضعف الحافز على الإبداع. بعبارة أخرى، عندما جاء جيل ثورة 2011 لم يجد فى الساحة أمثال الحكيم وطه حسين والعقاد، ولا أمثال عبدالوهاب وأم كلثوم، ولا أمثال يوسف وهبى والريحانى، ولا وجد خلفاؤهم المبدعون بل وجدت الساحة، ويا للأسف، شبه خاوية، وكأن على هذا الجيل أن يشيد بنيانا جديدا تماما، ابتداء من وضع الأساس. ثانيا: بسبب هذا التأخر فى مجىء الربيع، عقب شتاء طويل وقاسٍ، كان لابد أن تظهر براعم جديدة حتى قبل قيام ثورة يناير، وكأن بعض المواهب لم تحتمل انتظار ظهور الشمس فخرجت إلى الوجود حتى قبل أن تتاح لها الفرصة الكاملة للتعبير عن نفسها. بعض هذه البراعم جذبت الأنظار وحققت نجاحا ملحوظا، ولكن كثيرا منها لم يلتفت إليها أحد. لقد قرأت فى السنوات القليلة السابقة على الثورة بعض الروايات والقصص القصيرة البديعة، التى نشرها بعض الناشرين المغمورين، بعضهم فى خارج القاهرة، أو لم تعثر على ناشر على الإطلاق، رغم جمالها وصدقها، واستحقاقها للنشر والتنويه، بسبب ضعف حركة النقد الأدبى فى مصر فى سنوات القحط السابقة، وسيطرة نقاد ينتصرون لأصدقائهم ومعارفهم أكثر مما ينتصرون للعمل الأدبى أو الفنى الجميل. *** ما هى السمات التى نتوقع أن تكون لأدب (وثقافة) ما بعد ثورة يناير 2011؟ دعنا نستعين، فى محاولة اكتشاف هذه السمات، باسترجاع ما أحدثته الثورة السابقة من تغييرات فى الثقافة السائدة. كان لثورة 1952 آثار لا شك فيها فى مضمون الثقافة المصرية، وفى أسلوبها وإيقاعها، عكست كلها ما كان يجرى تحت السطح من تغييرات اجتماعية فى العقود السابقة على الثورة. لقد أتت ثورة 1952 بثقافة ذات إيقاع أسرع، ولم تكن سرعة الإيقاع واضحة فقط فى الموسيقى والغناء بعد 1952، بل كانت واضحة أيضا فى الفرق بين إيقاع قصص يوسف إدريس، وإيقاع قصص محمود تيمور مثلا أو حتى نجيب محفوظ، أو بين مقالات أحمد بهاءالدين الصحفية ومقالات زكى عبدالقادر أو حتى محمد التابعى. كذلك أصبح أسلوب الكتابة أبسط بعد 1952، بل وظهرت دعوات للتحرر من القصيدة العمودية فى الشعر، ومن الالتزام باللغة الفصحى فى الرواية والقصة. ولكن التغيير الأهم والأعمق كان بلا شك فى مضمون الثقافة، وهو الذى عبّر عنه بفصاحة وجرأة كتاب عبدالعظيم أنيس ومحمود العالم الذى أشرت إليه. كانت الثورة الثقافية الكبرى التى حدثت بعد 1952، هى فى وضع حد للتحيز الطبقى، وفى استلهام حياة الطبقات الدنيا، من الفلاحين والعمال، بدلا من الاقتصار على وصف حياة القصور والطبقة المتوسطة. كان الأدباء والشعراء والموسيقيون الذين عبّروا عن مشاعر ما بعد ثورة 1952، ذوى جذور طبقية أقرب إلى هذه الطبقات الدنيا، مما كان أدباء ما قبل الثورة، كما أنهم وجدوا أنفسهم فى كنف سلطة جديدة بعد 1952، كان لرجالها هم أنفسهم نفس هذه الجذور الطبقية. قارن هذا بأدباء وفنانى ما قبل 1952، الذين كانوا ينتمون إلى طبقات أعلى، ومن كان منهم قد صعد من بدايات متواضعة (كطه حسين مثلا فى الأدب، وأم كلثوم وعبدالوهاب فى الموسيقى والغناء) كان يكتب وينتج فى كنف وتحت رعاية طبقة من الباشوات والاقطاعيين الذين كان من الصعب فى ظلهم تجاوز الحدود التى رسمها النظام الطبقى السائد. *** ما الذى يمكن أن نتوقعه الآن من ثورة 2011؟ أما التغيير فى الإيقاع والأسلوب فلاشك فيه، وقد بدأ بالفعل، وأعتقد أنه سوف يتسارع سواء رضينا عنه أو كرهناه. اللغة العامية تزحف زحفا مخيفا بسبب ما حدث من تدهور فى التعليم (نرجو أن تؤدى ثورة يناير إلى وضع حد له)، ولكن أيضا بسبب تطورات اجتماعية يصعب وضع حد لها. وإيقاع الكتابة والموسيقى لابد أن يستمر فى التسارع استجابة لتزايد الإيقاع فى كل جوانب الحياة، ولتطور تكنولوجى فى وسائل الاتصال لايبدو أن هناك أى قوة تستطيع وقفه. ولكن ماذا عن مضمون الثقافة الجديدة؟ لا يمكن بالطبع أن نتصور تراجعا عما حدث من تطور بسبب ثورة 1952 فى المضمون الطبقى للثقافة المصرية، فهذا مكسب لا يمكن أن يضيع. ولكن هناك مكاسب أخرى أعتقد أن ثورة يناير 2011 سوف تفتح لها الأبواب (بل وبدأت فتحها بالفعل)، وسوف نجنى ثمارها خلال العقود القادمة. إنى أتصور أن يحدث هذا التقدم المأمول فى ثلاثة مجالات على الأقل، لم تستطع ثورة 1952، رغم كل النيات الطيبة، أن تحدث تقدما ملحوظا فيها، يتعلق أولها بتحرر المرأة، والثانى بالتحرر من سطوة وقهر العاصمة، والثالث بالتحرر من التفسيرات اللا عقلانية للدين. ففيما يتعلق بتحرر المرأة، لا يقتصر التقدم المتوقع فى رأيى على حقيق مساهمة للمرأة، فى الحياة الأدبية والفنية، أكبر بكثير مما تحقق لها حتى الآن، ولكن أيضا بتغيير الصورة التى تظهر بها المرأة فى الأعمال الأدبية والفنية. لن تظهر المرأة المصرية بعد الآن فى الصورة التى ظهرت بها أمينة رزق فى أفلام يوسف وهبى فى الأربعينيات، امرأة حزينة ومقهورة وفى رداء أسود على الدوام، ولا حتى فى الصورة التى ظهرت بها فاتن حمامة فى أفلام الخمسينيات والستينيات، امرأة تطالب بحقوقها فتنجح أحيانا وتفشل فى معظم الأحيان، بل الأرجح أنها ستظهر ظهور الند للند أمام الرجل، كما ظهرت الفتاة والمرأة المصرية فى ميدان التحرير طوال سنة 2011. أتوقع أيضا أن تعبّر الثقافة الجديدة فى مصر عن نهاية احتكار القاهرة (والإسكندرية أحيانا) للحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، فلا تظهر رواياتنا وأفلامنا السينمائية مثلا وكأن المبرر الوحيد للمحافظات خارج القاهرة هو إعداد شاب واعد للتوظف فى القاهرة، أو استقبال موظف مغضوب عليه ومنقول من القاهرة. لقد بدأت ثورة 1952 بداية متواضعة فى هذين المجالين، فسمحت بدخول أول امرأة عضوا فى مجلس الشعب، وأن تصبح أول وزيرة فى الحكومة. كما بدأت سياسة نشر الجامعات فى الأقاليم ابتداء من انشاء جامعة أسيوط، بنية مخلصة لكسر احتكار القاهرة والإسكندرية للحياة الجامعية والثقافية. ولكن الضعف الذى أصاب الثورة عقب هزيمة 1967، وإن لم يمنع المزيد من مساهمة المرأة فى الحياة العامة، ولا إنشاء المزيد من الجامعات الإقليمية، فإنه أدى إلى انسداد قنوات التعبير عن النفس أمام المرأة المصرية وأمام سكان المدن الإقليمية على السواء. من أفضل ما أظهرته ثورة 2011 اشتراك المرأة المصرية فى الثورة على نحو غير مألوف إلى جانب الرجل، واشتراك مختلف المحافظات من خارج القاهرة والإسكندرية فى التعبير عن نفس الأهداف وتقديم نفس النوع من التحضيات. وكان من أجمل الأمثلة على ذلك، مثل تلك الفتاة الصعيدية الرائعة (سميرة إبراهيم) التى حدّت السلطة واعتداءاتها، وذهبت للقضاء مطالبة بحقها، فحصلت عليه ووقف أبوها الصعيدى الشجاع إلى جانبها فى كل خطوة. لابد أن تعبر الحياة الثقافية بعد 2011 عن هذه التغييرات، وإن كان من الصعب أن تتنبأ بالأشكال الفنية التى ستستخدم للتعبير عنها. كذلك لابد أن تعبر الحياة الثقافية الجديدة فى مصر عن تصدى الفكر العقلانى للتفسيرات اللا عقلانية للدين. لقد ظهرت قوة هذا الاتجاه العقلانى فى الأيام الأولى لثورة 2011، بل وحتى فيما حصل عليه من نسبة الأصوات فى الانتخابات. ولا يجب أن نصاب بالإحباط لما قد نراه ونسمعه مما قد يدل على عكس ذلك. فالواجب أن نستبشر بالآخذ فى النمو، مهما بدا لنا من مقاومة عنيفة من جانب نوع من التفكير آخذ فى الزوال. د / جلال أمين
|
#7
|
||||
|
||||
![]() القادة الجدد ما يسمى بالربيع العربي أدخل تغييرات إيجابية كثيرة على عقول ونفوس الشعوب العربية التي مَرَّ بها وفتح أمامها آفاقاً جديدة، وكان من جملة الأمور المهمة التي أحدثها إعادة تشكيل الطبقة السياسية، بل يمكن القول : إنه كان وراء أهم التغييرات السياسية التي حدثت عبر مرحلة ما بعد الاستعمار، ومن الواضح أن الإسلاميين صاروا اليوم أحد أعمدة هذه الطبقة، على ما رأيناه في تونس وليبيا والمغرب، وما نراه اليوم في مصر، وهذا يحمل بالنسبة إلى الشعوب العربية بشرى خير، كما يحمل تحدياً جدياً لكل الجماعات والأحزاب الإسلامية التي صارت في واجهة المشهد السياسي اليوم . وهذه بعض المقاربات لهذا الوضع : 1ـ بعض الإسلاميين وجدوا أنفسهم في بؤرة الحراك السياسي من غير سابق ثقافة أو خبرة سياسية، وبعضهم مارس السياسة منذ أمد لكنه اليوم يقود العمل السياسي في بلاده، كما هو الشأن في المغرب وتونس، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى إدراك عميق لحاجات البلاد والعباد، ومن المهم في هذا السياق إدراك عدد من الأمور : ـ الجماهير تعودت التظاهر والاحتجاج، والديموقراطية الوليدة في بلدان الربيع العربي ستوفر المزيد من الفرص لذلك، ومن هنا فإن الناس الذين يهتفون اليوم لحزب من الأحزاب قد يهتفون ضده بعد شهر أو شهرين، كما أن من يمنحك صوته اليوم يستطيع سحبه منك في أي انتخابات قادمة . ـ ما هو مطلوب من القادة الإسلاميين الجدد بعد أن صاروا في سدة الحكم مختلف تماماً عما كان مطلوباً منهم حين كانوا في المعارضة، إنهم باختصار مطالبون اليوم بما كانوا يطالبون به الحكومات السابقة، بل إن الناس يتوقعون الكثيرالكثير من الإسلاميين الذين كان سقف مطالبهم عالياً، وكان نقدهم حاداً . ـ إن بعض الناخبين منحوا أصواتهم للإسلاميين تعاطفاً معهم بسبب مالا قوة من اضطهاد وإقصاء في المراحل الماضية، وبعضهم منحوهم أصواتهم كي يجرِّبوهم، ويروا ما عندهم من خطط وبرامج إصلاحية على أمل أن يجدوا لديهم ما فقدوه عند غيرهم، ولهذا تكاليفه واستحقاقاته الباهظة . 2ـ الشعوب تأمل في أن يقدِّم القادة الإسلاميون الجدد نموذجاً واضحاً في أمرين كبيرين : الأول : النزاهة الشخصية والبعد عن استغلال الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية، أو مكاسب للأهل و العشيرة والجماعة والحزب . الثاني : معالجة المشكلات المتأسِّنة التي عانت منها شعوب الربيع العربي في حقب وعهود متتابعة، ويأتي على رأس تلك المشكلات مكافحة الفساد والبطالة وتأمين انتعاش اقتصادي جيد إلى جانب بسط الأمن وترسيخ الاستقرار، وحفظ حقوق الناس وكراماتهم. 3ـ إن سياسة الشعوب وإصلاح أحوال العباد والبلاد تقوم في الرؤية الإسلامية على تقدير المصالح والمفاسد، ومن المعروف في هذا الصدد أنه يتم عضُّ الطرف عن المفسدة الصغيرة من أجل مصلحة كبيرة، كما أنه يتم غضّ الطرف عن المصلحة الصغيرة من أجل درء مفسدة كبيرة، والمباشرون للسياسة وأهلُ الخبرة والاختصاص في كل بلد هم الذين يقدرون ذلك، وإن العمل على هذا يتطلب فهماً دقيقاً للقوى والتوازنات القائمة على الصعيد الداخلي والإقليمي والعالمي . 4ـ إن مهمة الدعاة هي تبليغ الناس رسالةَ الإسلام على نحو كامل وواضح، وينبغي على الساسة توفير الأجواء التي تساعد على ذلك، وعلى الناس الذين فهموا الإسلام أن يقوموا بمطالبة الحكام بتطبيق أحكام الشريعة، كما أن عليهم أن ينتخبوا المرشحين الذين تنطوي برامجهم الانتخابية على ذلك، هذا هو المسار الصحيح، وعلى كل حال فإن الأولوية في ظني ستكون لتحسين الاقتصاد وترسيخ سيادة القانون وضمان الحريات إلى جانب إنعاش الجانب الروحي والأخلاقي وبعد ذلك يكون التقنين وسن التشريعات، فالإسلام مجموعة قيم، والقيم لا تُفرض، ولكنها تجذب الناس إليها من خلال تجسدها في سلوك الأخيار ومواقفهم. د: عبد الكريم بكار
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 06-01-2012 الساعة 10:42 PM |
#8
|
||||
|
||||
![]() إدارة الثقافة لو عدنا إلى أدبيّاتنا عبر القرون الماضية لوجدنا أن معظم تنظيرنا للشؤون الثقافية كان ينصبّ عليها بوصفها علوماً واختصاصات معرفيّة منظمة. وربما سادت تلك النظرة بسبب قلة ما في أيدينا من المعارف والمعطيات المتعلقة بالإنسان باعتباره كائناً متعدّد الجوانب ومتعدّد الاحتياجات. أما اليوم فإن المفهوم (الأنثروبولوجي) للثقافة آخذ في الانتشار والرسوخ؛ حيث إن هناك اعتقاداً متزايداً بمحدوديّة تأثير (العلم المجرّد) في صياغة السلوك الإنساني، وفي توجيه حركة الحياة اليومية. الثقافة كما بلورها علماء الإنسان هي ذلك النسيج المكون من العقائد والمفاهيم والنظم والعادات والتقاليد وطُرُز الحياة السائدة في بقعة محدّدة من الأرض. إنها طريقة عيش شعب بعينه، أو هي ما يجعل الحياة جديرة بالعيش، وكثير من مكونات الثقافة يستعصي على التخطيط والتنظيم؛ لأنها تشكل الخلفيّة (اللاواعية) لكل تخطيط وتنظيم. إن تنوع العناصر المكونة للثقافة يمنحها قوة هائلة في مواجهة الوافدات الأجنبيّة، وما يمكن أن تتعرض لها من ضغوطات داخليّة. إنه حين يتعرض أحد أنساق الثقافة للهجوم أو الهون، فإنها تعتمد في استمرارها واستعادة حيويّتها على باقي أنساقها، لكن نقطة قوة الثقافة هذه هي أيضاً نقطة ضعفها؛ حيث يعرّضها تنوّع مكوّناتها في أحيان كثيرة إلى ما يشبه الانقسام على الذات بسبب التصادم بين بعض أنساقها؛ وهذا ما يجعلنا في حاجة إلى ما سميناه (إدارة الثقافة). أودّ هنا أن أدلي بالملاحظتين الآتيتين في هذه القضية: 1- في كل مجتمع نوعان من الثقافة: ثقافة عليا، وثقافة شعبيّة أو ثقافة نخبة وثقافة جماهيريّة. الثقافة العليا تتكون بطريقة واعية وتكون أكثر دراية ببنيتها العميقة، وذلك لأننا نتملكها عن طريق القراءة والتأمل والحوار الرفيع والمقارنة وطرح الأسئلة.. أما الثقافة الشعبيّة فإنها ليست كذلك، إنها تتكون بطريقة غير واعية وغير مقصودة، حيث يتشربها أبناء المجتمع ويتشبعون بها كما يتنفسون الهواء. ونقطة ضعفها هذه هي نقطة قوتها؛ حيث إن اختراقها من قبل الثقافات الأجنبية يكون عسيراً بسبب عشوائيّتها وكتامتها ورقابة المجتمع المشدّدة عليها. أما الثقافة العليا والتي نبدأ بنشرها منذ الصف الأول الابتدائي إلى ما لا نهاية. هذه الثقافة هي التي تمثل الأمة أمام الأمم الأخرى، وهذا ما يجعلها على درجة حسنة من المرونة والقدرة على التكيف وتمثل الرموز الثقافية الأجنبية، أي أن كثيراً من الاقتباس والتطوير يأتي عن طريقها. تنظيمها وتمثيلها الخارجي لثقافة الأمة يعرّضها لأمرين مزعجين: الأول: سهولة اختراقها؛ حيث إن طريقة اكتسابها الواعية تفتح الطريق لغزوها وبالتالي تحويرها وتهجينها. الثاني: جفول الوعي الشعبي من أصحابها والشعور بأنهم يتجاوزون حدودهم إلى درجة يسوغ معها اتهامهم بخيانة الأمة وبيعها للغرباء. ومع أن شيئاً من هذا ينطبق فعلاً على بعض المثقفين إلا أن المشكلة أن الثقافة الشعبيّة لا تملك المعايير المنهجيّة، ولا الأسس المنطقيّة التي تمكنها من الحكم الراشد على تصرفات النخبة، مما يجعل موقفها شاعرياً أكثر من أن يكون عقلانياً. وهي بدافع من الخوف من الانقطاع تلجأ في كسب قضيتها إلى التيارات النخبويّة الأكثر محافظة وتقليديّة لتقدم لها العون في كبح اندفاع التيارات المتحرّرة والمتطلعة إلى التحديث. وهذا يجعل من الثقافة الشعبيّة عاملاً مهماً في زيادة الانقسام بين تيارات الثقافة العليا. يمكن القول: إن تطوير الثقافة الشعبيّة وتخليصها من العادات والسلوكات الخاطئة يقع على عاتق الصفوة أصحاب الثقافة العليا، لكن من الصعب أن يحصلوا على الاستجابة لمناشداتهم وطروحاتهم ما داموا موضع شك وريبة من أولئك الذين يحتاجون لخدماتهم. في العالم الإسلامي قامت الثقافات الوطنية والمحلية منذ أمد بعيد بإفراغ طاقاتها على الحضّ والكفّ في الثقافة الإسلاميّة المستندة إلى الكتاب والسنة، واجتهادات الفقهاء، وصار من غير الممكن المضي قدماً في تطوير أيّ شأن محلي بعيداً عن مدلولات هذه الثقافة ورمزيّاتها وتحديداتها. وهذا يعني أن ثقافة النخبة لا تستطيع أن تصبح قوة محرّكة للناس ما لم تتشرب روح الدين، وما لم تلتزم بقطعياته وأُطُره العامة. إننا في مرحلة حرجة يحتاج فيها كل من يروم الإصلاح إلى ولاء الناس وحماستهم وتضحياتهم؛ لأن المفكر لا يملك أكثر من ناصية التنظير، والجماهير التي ستتحمل عبء التنفيذ؛ ولهذا فلا بدّ من الاستحواذ على رضاها وإعجابها. وستكون النخبة في وهم كبير إذا ظنّت أنها تستطيع إحداث تغييرات كبرى من غير مساندة حقيقية من طيف واسع من أبناء الأمة. وقد أثبتت التجارب الكثيرة الإسلاميّة وغير الإسلاميّة أن كل حمل يتم خارج رحم الأمة هو أشبه بالحمل الكاذب. وحين يجافي أهل الرؤية والخبرة روح الدين فإنهم يسلمون زمام الأمة إلى عناصر تملك الكثير من الحماسة والاندفاع والقليل من البصيرة والفهم لمتطلبات المرحلة. إن طاقة ثقافة الأمة تكمن في المستوى الشعبي منها، على حين أن عقلها ورشدها في المستوى الصفوي. وهذا التفاوت هو دائماً مصدر للتوتر والنـزاع، لكن في الوقت ذاته يمكن أن يكون مصدراً للتطوير نحو الأحسن والأقوم إذا أدرنا العلاقة بينهما بما هو مطلوب من الذكاء والوعي. 2- إن تنوع الأنساق المكونة للثقافة يحيل دائماً على إمكانية حدوث الصدام والنـزاع، كما هو الشأن في التنوّع والتعدّد. ويبدو أن أشد أنواع التوتر تلك التي تقع بين الثقافة بوصفها (هُوِيّة) وسمات خاصة بالأمة، وبين الثقافة بوصفها تعبيرات عن نَزَعات استهلاكية أو تعبيرات عن تحرّكات لتلبية حاجات الجسد، أو تعبيرات عن التكيف مع ظروف ومعطيات شديدة القسوة. وكلّما أوغل الناس في مدارج الحضارة اشتد أُوار الصراع بين هذين النسقين من أنساق الثقافة؛ ذلك لأن ثقافة الهُويّة تتسم بالتعالي عن الانشغال بالواقع، وتنزع نحو المطلق. على حين أن التحضر يزيد وعي الناس نحو مصالحهم، ويفتح شهيّتهم على الاستهلاك، مما يفضي في نهاية المطاف إلى تضخم الثقافة المتعلّقة بتسيير الحياة اليومية وتحقيق المنافع الشخصية، وهذا يجعل الناس يشعرون ويظهرون بأنهم أكثر دنيويّة، وهو ما يثير حساسيّة الترميزات العميقة للهُويّة في الثقافة الإسلاميّة. من الواضح اليوم أن ثقافة ما بعد الحداثة تشجع على انبعاث الهُويّات في كل أنحاء العالم من خلال عمل غير مقصود، وهو المناداة بالنسبيّة الثقافيّة والتأكيد على انعدام الأطر والمرجعيّات، وجعل الحقيقة شيئاً تابعاً للثقافة. وتكمّل العولمة المهمة حين نعتمد نظام التجارة أداة أساسية في تسليع كثير من مظاهر الحياة، وجعلها أموراً جاهزة للمتاجرة والمساومة. إن هذا الدفق الهائل من الرموز والصور الاستهلاكيّة يساعد -على نحو استثنائي- على انتشار الهُويّات المقاتلة دفاعاً عن الوجود، وقد لا يكون أمامنا لإدارة الصراع المحتدم في عمق الثقافة على هذا الصعيد إلا أن ندعم الأنشطة الروحيّة والأدبيّة والاجتماعيّة ذات النفع العام، وأن نحاول إضفاء المعنى على الأنشطة الدنيويّة من خلال الحرص على شرعيتها، وشرح ما يمكن أن يجعلها موصولة بالأعمال الأخرويّة. وما لم نفعل ذلك فإننا سنعاني من الانقسام والتمزق في أعماق ثقافتنا، وسنشعر بالكثير من تشتت الجذور وضياع الأهداف الكبرى. أ.د. عبدالكريم بكار
|
#9
|
|||
|
|||
![]()
جزاكم الله خيرا على المجهود الطيب والرائع
ولى سؤال أتمنى أن يتسع وقتكم للإجابة عليه مالفرق بين الصفوة والنخبة ؟ شكرا جزيلا
__________________
الحمد لله |
#10
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
النخبة هم من يتميزون بإجادة الأعمال عن أندادهم " أقرانهم " أما الصفوة فهم أصحاب النفوذ فى المجتمع " أصحاب المراكز والسيطرة " الخلاصة : الصفوة فرز أول النخبة فرز تانى باقى الشعب هو كسر المصنع اللى هيتباع مع الخردة آخر تعديل بواسطة د.عبدالله محمود ، 07-01-2012 الساعة 01:39 PM |
#11
|
||||
|
||||
![]() القراءة الواعية لماذا نقرأ ؟ الإنسان متسائل بالفطرة ، تواق إلى اكتشاف المجهول بالطبيعة ، وحين يرتقي في معارج الحضارة ، يتحول لديه كثير من المعارف العلمية من معطيات ممتعة ومرفهة إلى ضرورات حياتية ، حيث يتوقف عليها نموه الروحي والعقلي والمهاري. والحضارة ليست في جوهرها الوصول إلى معلومات جديدة ، وإنما توظيف المعارف المتاحة في تحسين نوعية حياة الناس والارتقاء بجوانبها المختلفة ، من هنا فإن أهداف الناس من وراء ( القراءة) عديدة ، تنوع بحسب وضعية القارئ ، وما يؤمله من وراء مطالعة كتاب ما. الظروف الحياتية التي يمر بها كل واحد منا ، تجعل الأهداف الباعثة على القراءة تتفاوت تفاوتاً بعيداً ، فقد تكون القراءة من أجل توسيع قاعدة الفهم ، وقد تكون من أجل الحصول على معلومات حول موضوع ما ، وقد يكون من أجل التسلية أو رفع الحرج ، أو الرضوخ لعادة معينة ، أو ملئ الفراغ ، وقد تكون من اجل متعة روحية أو عقلية ، أو تلبية لمتطلبات تطور مهني للمرء ، أو استجابة للشعور بالواجب ، أو لإظهار حب المعرفة والتشبه بأهلها. وكثير من الناس لا يعرف لماذا يقرأ ، ولا يبالي بمساءلة نفسه عن الهدف التفصيلي الذي يقرأ لأجله ، مع أن تحديد ذلك بدقة مهم جداً لتحديد ما يلائم الهدف من أنواع الكتب وأنواع القراءة ومستوياتها . ويمكن أن نقول: إن الأهداف العامة لقراءة معظم الناس ثلاثة، وهي: 1- القراءة من اجل التسلية ، وتزجية الوقت وملء الفراغ . وهذه القراءة الأكثر شيوعاً بين الناس. وتثبت بعض الإحصاءات أن نحواً من 70% من القراء يتجهون إلى القراءة من اجل التسلية ، فهناك أعداد هائلة من الناس تتجه إلى قراءة القصص والروايات والمسرحيات والجرائد والمجلات ( الخفيفة ) ، والسبب في هذه الوضعية أن القراءة من اجل التسلية ، لا تحتاج إلى أية مهارة ، ولا تكلف جهداً يذكر ، إذ بإمكان القارئ أن يلقي بالكتاب متى ما شاء ، وان يقنع منه بأية فائدة يمكن أن يحصل عليها ، حتى إن أكثر الكتب صعوبة يمكن أن يتم الاطلاع عليه من اجل التسلية. أضف إلى هذا أن السواد الأعظم من الناس لا يملك أية أهداف أو محاور معينة ، تلزمه بمطالعة نوع معين من الكتب ، أو تلزمه بوضع برنامج قرائي محدد ، وهذا يدفعه دفعاً إلى قراءة أي شيء يقع تحت يده ، وسيقرؤه باهتمام من درجة اهتمامه باختياره!. ومع هذا فإن من اجل التسلية ، لا تخلو من فائدة فالقارئ قد يتخلص بها من الفراغ الذي يؤدي إلى الشعور بالتفاهة ، وقد يشغل بها عن ملء فراغه بأشياء ضارة ، وهي بالإضافة إلى هذا قد تكون علاجاً لبعض الأمراض العصبية ، فالخرف الذي يصيب كبار السن يعالج اليوم بالقراءة إلى جانب علاجات أخرى ، كما أن في القراءة علاجاً جيداً لمرض التمركز الشديد حول الذات ، الذي يعاني منه بعض الناس . وهكذا فصحبة الكتاب خير على كل حال. 2- القراءة من اجل الاطلاع على معلومات ، أسلوب يمارسه كثير من الناس أيضاً ، والجهد الذي يتطلبه هذا النوع من القراءة محدود أيضاً ، إذ من السهل على من يعرف شيئاً من أحكام الصلاة أن يضيف معلومة إلى معلوماته حول خلاف فقهي ، في كون أحد أفعالها سنة أو واجباً . كما أن من السهل على من يعرف جغرافية بلد من البلدان أن يضيف إلى معلوماته شيئاً عن أزمته المائية، أو عن تطور عدد سكانه.. إن القراءة من اجل الحصول على معلومات شائعة جداً، لأن في عالمنا الإسلامي ( حمى ) تجتاح كثيراً من الناس، وهي حمى البحث عن الأسهل، والوصول إليه بأسرع وقت ممكن! والدليل على شيوع هذا النوع من القراءة: الشكوى المستمرة من قبل كثير من الناس من صعوبة بعض الكتب، واستغلاقها على افهماهم، فهم لا يريدون أن يشاركوا المؤلف في عناء التجربة. ودليل آخر على ذلك ، هو أننا نشعر أن لدى الناس معلومات كثيرة حول قضايا وأحداث وأشياء كثيرة ، لكن الملاحظ أيضاً أن فهم كثير منهم لا يتحسن ، كما أن قدرتهم على المحاكمة العقلية ما زالت ضعيفة ، وقدرتهم على غربلة المعلومات ودمجها في أطر ومحاور أكثر شمولية أشد ضعفاً وليس من الغريب أن نصف شخصاً ما بأنه كثير القراءة ، ثم نجد أن ( مركبه العقلي) لم يطرأ عليه أي تغير خلال عشرين سنة من القراءة والاطلاع!. 3- القراءة من اجل توسيع قاعدة الفهم، وهي أشق أنواع القراءة وأكثرها فائدة. والذين يقرؤون من أجل هذا الغرض قلة قليلة من الناس ، وذلك لأن أكثر الناس يعتقدون أن ما يملكون من مبادئ وقدرات ذهنية وإدراكية كاف وجيد ، فالناس لا يقبلون في العادة أي اتهام لهم بأن أذهانهم تعاني نوعاً من النقص ، كما أن القراءة من اجل تحسين نوعية الفهم شاقة جداً منذ بدايتها ، فالكتاب الذي يرقى بفهم قارئه ليس ذلك الكتاب المفهوم لديه ، أو ذلك الذي يعرض معلومات وأفكاراً معروفة ، وإنما ذلك الكتاب الذي يشعر قارئه أنه أعلى من مستواه ، وأن فهمه يحتاج إلى نوع من العناء والجدية والتركيز . وحين ينجح القارئ في فهمه، فإنه يكون قد ارتفع إلى مستواه، وبذلك يكون قد تحسن تفكيره. وقد يحدث أن يكون الكتاب مبتوت الصلة بثقافة القارئ، أو يحتوي على مصطلحات أو أفكار غريبة أو معقدة مما يجعل القارئ يشعر بالخذلان والانكسار، وهذا يعني أن القارئ قد لا يكون من الشريحة التي يستهدفها الكاتب. ولذا فإن الكتاب الذي يحسن الفهم، وهو كتاب يتحدى ولا يعجز ، فهو أعلى من مستوى القارئ لكن يمكن أن يرقى إليه إلى حد مقبول. إن القراءة من اجل الفهم ، هي تلك القراءة التي تستهدف امتلاك منهج قويم في التعامل مع المعرفة ، وتكسبنا عادات فكرية جديدة ، وتلك التي تزيد في مرونتنا الذهنية ، كما تنمي الخيال لدينا ، وتجعلنا نرسم صوراً للأحداث والأشياء ، وهي اقرب إلى التكامل ، على الرغم من وجود نقص فيالمعلومات والمعطيات المتاحة .. إن مكاسبنا من وراء كتب تعطي معلومات كمكاسب شخص امتلك قطعة ذهبية، أما مكاسبنا من وراء كتب تحسن الوضع الفكري لدينا، فهي مثل مكاسب من أعطي مفتاح منجم من الذهب.إن هذا النوع من القراءة هو الذي يجعل معلوماتنا، تزهو وتثمر. أ.د. عبدالكريم بكار
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 07-01-2012 الساعة 01:29 PM |
#12
|
|||
|
|||
![]() اقتباس:
طمنت قلبى ![]() المهم إن هيبقى لنا سعر نتباع بيه أحسن من مفيش ؟ ![]() شكرا جزيلا
__________________
الحمد لله |
#13
|
||||
|
||||
![]()
حقيقى رائع .. شكراااااا .. جزاكم الله خيرا على الموضوع القيم ..
__________________
استودعكم الله ..
![]() |
#14
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
اقتباس:
جزاكم الله خيرا على ردودكم و بارك الله فيكم و ننتظر مشاركاتهم القيمة دائما والتى اعتدنا عليها منكم ،
بموضوعات لأهم مفكرينا والتى تختص بموضوع الثقافة ، آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 11-01-2012 الساعة 02:39 AM |
#15
|
||||
|
||||
![]()
جزاكم الله خيرا على مجهودكم أستاذ أيمن
|
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|