وحشتينى

[أحمـدنجـم]

التدفق الذي لمسته في تلك القصيدة دفعني لأن أقرأها مرة بعد مرة بعد مرة .. مما جعلني أفسرها وأحللها كل مرة تفسيراً مختلفاَ عن المرة التي تسبقها .. فتارة ظننتك تتحدث عن محبوبتك .. التي تتمنى وصالها وقربها وتتحير في مشاعرك نحوها وفي نتائج لقائكما أو فراقكما .. وتارة ظننتك تتحدث عن أرض غزة والتي تقدم لها مبرراتك لعدم مقدرتك على الذهاب إليها والتضحية من أجلها .. وتارة تخيلتك تتحدث عن أمجاد مصر القديمة وحضار تها العريقة والتي تحلم بعودتها من جديد .. أياً كان ما تقصده في عملك الرائع .. فهو عمل يدعو للتأمل والتفكير فهو من النوع السهل الممتنع .. الذي يحير المتلقي بمقصده ووجهته فهو قماشة تصلح للعديد من الأذواق والاتجاهات الأدبية المختلفة .. هذا تعليق عام على عملك أخي الحبيب محمد علي ودعني أغوص قليلاً داخل عملك المبدع ..

لسه كُوم الأسئله
من غير إجابه
لسَّــه الديابه
عمَّاله تنهش فى اللُّقا

- نجح الشاعر في اختيار الألفاظ التي تناسب النسيج العام لبناء قصيدته فبعدما قال لنا (كوم الأسئلة) .. واستخدم بعدها كلمة (الديابة) أشعرني أنها ليست كلمة غريبة على النسيج بل إن استخدامه العبقري لكلمة (كوم) جعل من كلمة (ديابة ) مألوفاً معتاداً .. وتأتي في استعارة تصريحية رائعة تعقبها استعارة مكنية في قوله (عمالة تنهش في اللقا) وكأن اللقا فريسة ينهشها الفراق والظروف الصعبة ..

ومين يقدر يحصلنى
بسلاح كتير
ومين يقدر يبصرنى
بخرايط الدنيا
ياللى عنيكى هىَّ الخرايط

ومين يقدر .. ومين يقدر .. تسرب المستحيل لقلب الشاعر ولعاطفته مم انطبع على ألفاظه وتكرار الاستفهام الذي يدل على استحالة الحدوث .. فإن ضاعت الحبيبة المقصودة فقد أدلته وخرائطه وطريقه وفقد كل ما تعنيه الحياة .. فهو الآن قابع ينتظر عودتها فقد يحن القدر وتحن الظروف وتعود له ثانية لترسو على ميناء حياته من جديد .. وهنا .. أعتب على الشاعر (استسلامه ) للأمر الواقع وانتظاره عودة الكنز المفقود دونما محاولة منه على استرداده .. وأثر ذلك الاستسلام على نهاية القصيدة وختامها الذي جاء متسرعاً دالاً على أنه صدر من قلب يأس العودة ويئس اللقاء من جديد وبقى قابعاً ينتظر إما الموت (الفراق) وإما أن تحن عليه الظروف وتهدي له محبوبته ..

أخي محمد علي .. تقبل مروري .. وشكراً جزيلاً لك .. على تلك التحفة الرائعة ..