|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
3قصص منقوله بقلم:هانى الشافعى
الحلم المفقود بين كتب مكدسة بلا ترتيب ، بين أقلام مبعثرة على كرسي عتيق ، سعى الطفل الصغير للجلوس ، وذهنه عالقُ مفكرُ فيما رأى من أخبار العالم في التلفاز .. أخبار الساعة .. من كل مكان ، أخبار هلاك أمة ، واحتضار لأخرى ، وسلام لتلك مع تلك .... عالم غريب الأطوار متناقض الأحوال ، أحس أنه لا ينتمي إليه ، وأخذ يتساءل .. أبتعذيب الآخرين يعيش ، وبإزهاق أرواحهم يدمن الكيف ، وبقتلهم تهدأ النفوس ... أم بحبهم كما دعت الأديان ؟! جالتْ في ذهنه فكرة ، صالتْ في عقله مجرد فكرة .. قرر الرسم ، فليرسم ما يرى ، ويكون كالتاريخ صادقاً لا يتغاضى عن ما يكره بل يكتب ، يسجل الطالح قبل الصالح .. سيرسم بعدل ما أراد القدر أن يرسم ... سيرسم حرباً ضروساً ... وشيطاناً يشهر سيف الحقد يهدم به الإنسانية ، يقف على تل من ضحاياه .. تعلو ضحكته أصداء الكون الواسع ، ومن وراءه أتباعه . أمسك الطفل قلماُ رصاصاً ، وورقة بيضاء .. بدأ يخط خطاً ثم منحنى ، فدائرة ، فعينين ثم قرنين ، فذيلاً .. كاد أن يصبح شيطاناً ، لولا توقف القلم عن الرسم ، تعجب الطفل .. نظر إليه نظرة متأنية ، يفحصه جيداً ؛ لعل ما أوقفه مانعاً ما ، بالرغم من قيام الطفل بصقل حافته جيداً ، قبل الرسم .. لمعت عينا الطفل ، عندما قام بتجربة القلم على ورقة بيضاء أخرى ... فلقد سطر القلم خطاً يحسد عليه .. نسى الطفل ما حدث ، التفت لرسمه من جديد .. لكن القلم لم يسطر خطاً واحداً .. لم يكمل صورة الشيطان ، بل وقف صامتاً عما انتوى الطفل رسمه .. أهمل الطفل ما رسم وكأنه لم يكن ثم أحضر ورقة أخرى ... هم بالرسم ، فسطر القلم الملعون خطاً .. فمنحنى .. فدائرة .. فعينين .. فقرنين .. فذيلاً .. كاد أن يصبح الملك الطاووس ، لولا توقف القلم الملعون مرة أخرى .. كاد الطفل أن يجن ، فالقلم يصمت .. يمتنع .. يرسم .. يسطر ما يشاء وقتما يشاء ... عندها انفجر الطفل غاضباً فرمى القلم رميةً قويةً .. كادت أن تشطره نصفين ، بدأ يبحث مزمجراً عن قلم آخر ، طوع بنانه يرسم ما يشاء .. ما يريد ، ولكن هيهات فالقلم الملعون كان آخر الأقلام . فبدأ الطفل يفكر .. ماذا يفعل ، فالفكرة مازالت عالقة في ذهنه ، والقرار في عقله كامن ، وروحه تحلم بالتنفيذ .. ناجى الطفل نفسه نادماً على ما فعله بقلمه ، فلا شك أن رميته قد شطرت قلمه نصفين . تطرق لمسامعه بكاءٌ خافت الصوت ، ظنه بكاء أخيه الصغير ، وقد فعل فعلاً يخشى بطش من يكبره .. ثار انتباهه عندما تأكد أن البكاء ليس ببكاء أخيه .. أرهفت أذناه لمصدر الصوت .. اقترب منه شيئاً فشيئاً .. شحذ ذهنه .. اضطرب عقله .. اتسعت حدقتاه .. زاد بريق عينينه .. فقد جفناه وظيفتهما فأخذا يعلوان ويهبطان بلا استقرار . فمصدر الصوت كان القلم اللعين . وكأنه حى مثله يتنفس .. يشرب .. يدرك .. يتألم .. " يا الله !! أبالحلم أم بضده .. أنا أعيش ؟! " بتلك الكلمات استقبل الطفل ما يحدث ، فقام من ركوعه تحت أحدث الكراسي موقع القلم المكسور الحزين . وخز الطفل ساقه ، فأحس بما فعل ، فتأكد أنه بالواقع يعيش .. انتشل القلم كانتشال الجثة من نهر جارف ، وضعه أمامه .. يتأمل ذلك الحزين المهموم .. عندها استرعى انتباهه .. صوت يسأله معاتباً " لم فعلت هذا بقلمك ؟! " تلفت للمصدر ، وجد فرشاة الألوان ، التي أغفلت دهشته ، لتتم حديثها متسائلة " أو كسرت قلمك لتعبيره عن رأيه ؟! أين الحرية .. أين الديمقراطية .. التي تنادون بهما .. يا معشر الإنس؟! وماذا تفعل بي عندما تعلم أني لن ألون شيطانك اللعين . نعم لن ألونه " ذهل الطفل بتلك الكلمات ، وكأنه يحدث إنساناً عاقلاً راشداً ، وليس فرشاة ألوان .. سارع القلم يسأل بصوت متهدج مثقل بالهموم " لماذا أرسم الطاغوت عدوك .. عدو كل البشر .. لماذا ؟! أجبني .. " استجمع الطفل عقله المشتت ثم أجاب ، وشفتاه تتلعثمان قائلاً " بالرسم ، نعم بالرسم أردت كالتــــ " قاطعه القلم قائلاً " كالتاريخ تكون .. نعلم هذا .. ولكن ما علاقة الشيطان بهذا ؟! " و تابعتْ الفرشاة قائلةً " أليس هو سبب شقاء الأمم ، وكل قطرة دم تذرف ، وسبب الدمار والحروب ؟! أليس هو قاتل الأخلاق .. القيم .. الخير .. العدل .. السلام ؟! " أجاب القلم " بلى ، إنما هو الريح التي تهيم بالهشيم ، فتشتعل النيران من جديد .. بكلمة " " مجرد كلمة .. فقط كلمة يسوقها للعقول فتشحذ بالشر .. تفكر .. ثم تفعل .. " - " هي ..... " - " لا هو .... " - " بالآثام تلوذ ..." - " لا هو .... " - " بالمعاصي تلجأ ... " - " لا هو .... " - " للخراب تسعى ... " - " لا هو .... " - " بالهلاك تستلذ ... " - " لا هو .... " أومأ الطفل الصغير مشيراً باقتناعه ، بما أسرداه قلمه وفرشاته ، وبدأ يخرج من دهشته سارداً بمقال عريض ما حواه التاريخ بين طياته من حروب ومذابح ومهالك مدبرة ، وما شاهده في نشرات الأخبار من قضايا الساعة في كل بقاع العالم الثائرة، بل والسلام المشبوه ... ذلك المفقود ، مشيراً للتمزق والتشتت القابعان ، مبرراً لنفسه رسمَ كل هذا ، ليسجل كالتاريخ ... كان يسرد رافضاً أي مقاطعة من قلمه أو فرشاته الثائرين لكن في سِنةٍ من أمره عندما كان يبتلع ُ لعابه قاطعه القلم فجأةً قائلاً :- " صديقي .. أنا لست كالفرشاة .. " وتابعتْ فرشاته قائلة :- " نعم فالكتابة ليست كالرسم ، فالرسم لم يكن سجلاً إلا على الأحجار في زمن لم يعرف الأوراق ..." - " بينما خُلق الرسم للآمال يجسدها من وحي الخيال .. فهو تعبير لوحي الوجدان " - " لا للأحداث الكئيبة الماضية .. تُعيد ذكراها الحزينة ..." - " كفاكما ... أليس من حقي رسمها ؟ بل ورسم ما أريد ؟! " هكذا عبر الطفلُ عن غضبه الكامن ، فأجابتْ فرشاته قائلةً على الفور :- " لا ليس من حقك .. فالعالم كله ينتظرك أنت .. أيها الرجل القادم " فأكمل القلم قائلاً :- " اتركْ تلك الحروب " - " ولترسم سلاماً مشرقاً " - " بدلاً من أن ترسم ذلك الشيطان اللعين شاهراً سيف الحقد ، سعيداً ببحور الدماء " - "ارسمْ حمامة السلام مطوقةً بغصن الزيتون الأخضر ، مزهوةً في العلياء على صفحة بيضاء " - " وبدلاً من أتباع الشيطان .." - " ارسمْ أكفاً مباركة ، ترفعها كي تعلُ أفق السماء الصافية " - " على أرضٍ يخضرُ يابسها ، ويموج العدل بين ربوعها ، وبالحب يسو بَنُوها " - " أليس كذلك ترسم ؟! " أجاب الطفل باسماً وعيناه تتطرقان إلي الأرض ، والخزي يملأنهما قائلاً :- " بلى ... " عندها علا صوتاً يناديه لكنه لم يتنبه ، امتدت يد حنونة تلمس رأسه الصغير الذي ارتمى على ساعديه ، وهو جالس على المكتب ، يغط في نوم عميق عندها تنبه ، تفتحت عيناه في تثاقل ، فطالعته أمه تدعوه للعشاء ، وعدها أن يأتي بعد قليل . مزق الورقة البيضاء باصقاً على وجه الشيطان ، لاعناً إياه ، أخذ ورقة أخرى تناول قلمه .. ابتسم عندما طالعه سنه المصقول ، ونظر إلي فرشاته واعداً إياها برسم الأمل المنشود . بدأ يخط خطاً .. فمنحنى .. فدائرة ..، عندها تذكر العشاء فقام تاركاً كل شيء ملبياً نداء أمعائه الخاوية . تمت
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|