حاكموهم .

[فكري ابراهيم]

حاكموهم

صلاح بديوي


..
الأحد: 01 يناير 2012 , الساعة 7:12 مساء




طالب الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة بالكشف عن "المسئول" عن قرار مداهمة المنظمات الأهلية والحقوقية، معتبرا أن هناك غموضا فيما يتعلق بالـ"مسئولين عن إدارة الوطن"، على حد وصفه.

وقال البرادعي في رسالة قصيرة على حسابه بموقع التدوين المصغر "تويتر" أمس الأحد: إن "الجميع يتراجع ويتنصل من قرار مداهمة المنظمات الأهلية والحقوقية".

وما قاله الدكتور البرادعي رددته كافة دوائر الغرب الأوروبي الأمريكي، بدون مراعاة للقانون المصري، وبدون أي اعتبار لمشاعر شعب فاض كيله جراء تصرفات وسلوكيات من يتلقون تمويلاً أجنبيا.

ولا نعتقد أن قادة واشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم الأوربية يقبلون أن تقوم مصر أو دول عربية بتمويل منظمات حقوقية على أراضيها، بل على الفور سيتقدمون باحتجاجات ويهددوننا ويحيلون قادة تلك المنظمات لمحاكمات عاجلة تنتهي بإغلاق مقاراتها ومصادرة أموالها ووضع قادتها في السجون.

وكُلنا يذكر كيف قامت الدوائر الأمنية في أوروبا وأمريكا بمطاردة منظمات خيرية تعمل بمجالات مساعدة الفقراء والمحتاجين بالدول النامية، والقبض على قادتها ووضعهم في غياهب السجون واتهامهم بدعم الإرهاب، لا لشيء إلا لمجرد أن قادة تلك المنظمات مسلمين، وتعاطفوا مع فقراء غزة الذين شُنت عليهم حرب تجويع وحصار وإبادة جماعية.

وقتها لم نجد أية دولة عربية، أو أية منظمات مجتمع مدني في مصر أو غيرها من البلدان العربية أو الأوربية، تخرج علينا ببيانات تستنكر فيها ما تعرضت له تلك المنظمات والجمعيات علي أيدي الأمن الأوروبي الأمريكي.

ولقد تم اختطاف ناشط مصري كان لاجئا في سويسرا، وفارًّا من نظام مبارك، بواسطة المخابرات السويسرية منذ أكثر من خمسة أعوام، وقال لنا شقيقه الدكتور علي الغنام إن هذا الناشط حاولت المخابرات السويسرية بالتنسيق مع "السي إي إيه" تجنيده للتجسس على الجاليات العربية والإسلامية بأوروبا، تحت زعم انتشار عناصر من تنظيم القاعدة وسطها.

وعندما رفض لفقت له اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، واعتقلته بدون محاكمة وأخفته، ومن الممكن أن تكون قد قتلته ودفنته، أو سلمته لمجرمي حسني مبارك، ولا يعرف أحد حتى الآن مصيره، والمصيبة أن السادة المسئولين بالخارجية المصرية واصلوا صمتهم قبيل ثورة 25يناير المجيدة، وبعد تفجرها في مواجهة تلك الجريمة البشعة.

وأنا أتحدث هنا عن العقيد الدكتور محمد الغنام -مدير الشئون القانونية بوزارة الداخلية والمدرس بأكاديمية الشرطة- والذي ضاق زرعا بانتهاك الحريات والحقوق الآدمية على أيدي وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفي ورجاله، فخرج من مصر نحو سويسرا لاجئاً سياسيا؛ ظناً منه أن سويسرا والدول الأوروبية تحترم حقا حقوق الإنسان!

كان يتصل بي من هناك ويشكو لي دوما التضييق عليه، ويطلب مني أن أكتب عما يتعرض له، حتى اختفي تماماً ولا نعرف مصيره.

وعلى الرغم من لجوء عائلته لكل منظمات حقوق الإنسان، إلا أن تلك المنظمات التزمت الصمت تجاه قضيته بما فيها المنظمات التي تعمل بمصر، وحتى التي تعمل في إطار الأمم المتحدة، وكان الوحيد الذي كتب مقالا يدافع عنه فيه هو الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك.

وأيضا لو استعرضنا تعاملات المتباكيين في واشنطن على حقوق الإنسان نجدهم يحبسون شيخا ضريرا، وهو الأستاذ الدكتور عمر عبد الرحمن منذ أكثر من 15عاما، بعد أن حكمت عليه محاكمهم بالسجن المؤبد بتهمة التخطيط لنسف منشآت حيوية أمريكية!!

ولا نعرف كيف يقوم رجل دين ضرير كبير السن بنسف تلك المنشآت؟! وعلي الرغم من اعتصام أسرة الشيخ منذ أكثر من شهرين ونصف أمام السفارة الأمريكية بقلب القاهرة للمطالبة بإطلاق سراحه، إلا أن الإدارة الأمريكية تتجاهل تلك المطالب.

كما أن منظمات حقوق الإنسان داخل مصر "الممولة منها" تتجاهل تلك المطالب، وتتجاهل الاعتصام، وأيضا منظمات حقوق الإنسان خارج مصر لا تذكر على الإطلاق اسم الدكتور عمر عبد الرحمن إلا على سبيل ذر الرماد في العيون.

إذن منظمات حقوق الإنسان لا تتذكر حقوق الإنسان إلا إذا كانت تتعلق بعناصر تعيش بيننا وتتطاول على عقيدة الأمة، وعلى الأديان بشكل عام، أو تسب جيشها، أو تعمل على زعزعة استقرار وأمن مصر القومي.

ومن هنا فإن دوائر التمويل الخارجية، وجدت في ثورة 25يناير المجيدة فرصتها لكي تحاول أن تنال من مصر ومن تلك الثورة المجيدة وتفرغها من مضمونها، ومن هنا التفتت تلك الدوائر لأذرعها، ألا وهي منظمات المجتمع المدني فأغدقت عليها أموالها بدون تمييز؛ ولم تفرق بين منظمات يجوز لها قانونا أن تتلقى التمويل من دوائر خارجية، ومنظمات لا يجوز لها لأنه لم يرخص لها العمل بمصر، ومن بينها منظمات أجنبية أوروبية وأمريكية.

ومن هنا قامت القيامة عندما تحركت الدوائر القانونية في بلادنا للتحقيق في مصادر هذا التمويل ومدى شرعيته؛ محاولة أن تضع حدا للعبث بأمن مصر القومي.

تحركت تلك الدوائر، ووصل الأمر إلى أن اتصل وزير الدفاع الأمريكي بالمشير القائد محمد حسين طنطاوي ولمح له باتفاقات الشراكة الإستراتيجية التي تلزم مصر باحترام تلك المنظمات والسماح لها بالعمل، ويدعوه للتراجع عن تلك التحقيقات مع تلك المنظمات.

ويزعم الأمريكان أن السيد المشير وعدهم بوقف التحقيقات القانونية مع تلك المنظمات، وإعادة أدلة الاتهام التي صودرت إليها، ولا نعتقد أن كلامهم دقيق؛ لأن السيد المشير يحترم القانون ويحترم تحقيقات النيابة، ولا يتدخل فيها على الإطلاق.

إن البيانات التي صدرت من القادة بالغرب الأوروبي الأمريكي حول عملية قانونية بمصر بيانات مرفوضة، ويتوجب على القانون أن يأخذ مجراه، وإننا كثوار حقيقيين بمصر، نطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالمضي في التحقيق مع كل كائن حي تلقى مليما من خارج مصر بعيدا عن سلطة الدولة وسيادة القانون.

ويتوجب أن تأخذ تلك العناصر الجزاء المطلوب؛ لأن تركها كما هي سواء كانت منظمات أو أفراد، يعني استمرار التآمر الخارجي على مصر عبر تلك الأدوات الفاسدة.

إن مصر في حاجة ماسة لعملية سياسية وحقوقية نظيفة ليس لها امتدادات خارجية وتعتمد على النفس، وإن دفاع الدكتور محمد البرادعي عن هؤلاء الذين يتلقون تمويلا من الخارج يضع حول الرجل مزيدا من علامات الاستفهام، ويفقده كثيرا من رصيده بين الناس.

salah.bediwi*moheet.com