#1
|
||||
|
||||
![]()
الحمد لله ذي الطول والآلاء ، وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء ، وعلى آله وصحابته الأتقياء ، أمَّا بعد:
فإنَّ دين الإسلام دين مبني بعد إفراد الله بالعبادة على الحكمة والخير العميم ، ولهذا لم يشرع ـ سبحانه وتعالى ـ أحكام هذا الدين دون فوائد مرجوَّة ، ومقاصد جليلة ، فإنَّ لهذه الشريعة الإسلامية تكاليف سامية المقاصد ، نبيلة الفوائد ، بديعة الأسرار. ومن المعلوم أنََّ من أسمائه ـ سبحانه وتعالى ـ: الحكيم ، ومقتضى هذا الاسم أنَّه متَّصفٌ بالحكمة ، فكلُّ ما شرعه الله وقدَّره وأمر به فهو لحكمة بالغة. فهو ـ سبحانه ـ لم يكلِّفنا بالعبادات لأجل الإشقاق علينا ، أو لنكون قائمين بتطبيقها فحسب ، أو لحاجته ـ تعالى ـ لنا، كيف وهو يقول (والله الغني وأنتم الفقراء) بل شرعها ـ تعالى ـ لمصلحتنا وتربيتنا ، لتكون هذه العبادات زاداً لنا على طريق الهدى، وفي هذا يقول الإمام البيضاوي ـ رحمه الله ـ( إنَّ الاستقراء دلَّ على أنَّ الله ـ سبحانه ـ شرع أحكامه لمصالح العباد) (المنهاج:صـ233). وتلك الحكم والمعاني السامقة لا تفهم إلاَّ بالبحث والاستقراء والتتبع ؛ لما يسمِّيه علماء الإسلام بـ فقه المقاصد الشرعية)، ومن المتيقَّن أنَّ الأحكام إذا ربطت بعللها ومقاصدها اقتنع الناس بها ، وكان لها دورٌ كبير في تأديتها على الوجه اللاَّئق بها ؛ فإنَّ كثيراً من الناس يلتزمون العبادات ، بيدَ أنَّهم قد يفقدون روحها ومعانيها، ولعلَّ من أسباب ذلك ضعف علمهم بمقاصدها؛ فيؤدُّون عباداتهم وكأنَّها عادات وتقاليد ورثوها عن آبائهم ؛ فلا يشعرون بلذَّتها وحلاوتها ، ولا يستفيدون من القيام بها على الوجه المطلوب. لهذا كان من المناسب أن أعرِّجَ على ذكر شيء من مقاصد الصوم ، وحِكَمه الباهرة ، وخاصَّة أنَّ أهل العلم كانوا يولون لعلم مقاصد الشريعة مرتبة عالية ، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين قال(من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقَّاً) (بيان الدليل على بطلان التحليل: صـ351) بل إنَّه ـ رحمه الله ـ يرى:أنَّ معرفة مقاصد الشريعة هي خاصَّة الفقه في الدين ، فيقول(خاصَّة الفقه في الدين...معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها) (الفتاوى :11/354) فمن المهم أن نعقل تلك الحقيقة الربانية ، ونعلم أنَّ من تمام العبودية لرب الخلق والبرية ، أن تكون عباداتنا خالصة لوجهه الكريم ، وعلى سنَّة خير المرسلين محمد بن عبد الله عليه من ربنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وأن تكون تلك العبادات معينة على زيادة الإيمان ، ليكون لها تأثيرٌ جليٌّ على النفوس والأبدان، وإلا كانت عباداتنا عادات ، وحينها فليخشَ المسلم على نفسه من مشابهة أهل النفاق ، الذين يصلون ويركعون ويحجون ومع ذلك لا يُكتب لهم في رصيد الدرجات حسنات ، بل معاصٍ وسيئات ، وسبب ذلك أن تلك العبادات لم تخالط سويداء قلوبهم، فصيَّرتهم إلى ماصيَّرتهم(صمٌّ بكم عمي فهم لا يعقلون). كما أنَّه من اللازم لنا حيث أنَّنا عبيد لله ـ سبحانه ـ أن نقرَّ بوجوب التسليم للنصوص الشرعية ، سواءٌ أدركت الحكمة أو لم تُدرك ، وأن نعلم أنَّ تلك العبادات شرف لنا ، ورفعة لمقامنا عند ربِّنا، بل إنَّ من تمام حرِّيتنا لله كمال عبوديتنا له سبحانه ، وقد أحسن القاضي عياض حين قال: ومـمّـَا زادني شـرفاً وتـيـهـاً *** وكدت بأخمصي أطؤ الثريَّا دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لي نبـيـاً ومن هنا ، فإنَّ الصوم شرع لمعانٍ سامقة، وحكم برَّاقة، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ(والمقصود:أنَّ مصالح الصوم لمَّا كانت مشهودة بالعقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحمية لهم وجُنَّة)(زاد المعاد2/30) ولعلي أطرِّز مقالي هذا بشيء من تلك الفوائد والحكم ليتبًّين من خلاله روعة الشريعة الإسلامية ، ومحاسنها ؛ فمن تلك المقاصد والحكم:
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|