#3
|
|||
|
|||
![]()
في مثل هذه الأزمات الهائلة، يتخلى الكثيرون عن المسئولية، سواء كان جهادًا أو غيره من الأعمال، فماذا نفعل في مثل هذه المواقف؟الرسول
![]() ![]() كان أهم شيء فعله ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() يا تُرى هل يوجد أحد مثل رسول الله ![]() مستحيل! مهما قرأت في التاريخ والسير أو المعارك، من المستحيل أن تجد مثل ذلك الموقف أبدًا؛ إذا فكر القائد في النجاة بنفسه، فلا شك أن الجنود سيحبطون إحباطًا يمنعهم من أية مقاومة، أما إذا ثبت القائد وتقدم، وجاهد وضحَّى بنفسه، فهذا من أعظم الدروس التربوية لجيشه ولأمته، وإلا فلماذا تُعطى الراية في المعارك لأفضل الناس وأقواهم وأشجعهم؟ لأن الناس تبعٌ لراياتهم وقائدهم، فإذا هرب الشجاع الذي يحمل الراية، فلا شك أن غيره سيهرب وسينهزم؛ فلذلك نجد أن أشد القتال دائمًا يدور حول الراية، ليس لمجرد *** رجل شجاع، ولكن لأن سقوط الراية سيؤثر معنويًّا في كل الجيش. والرسول ![]() ![]() ![]() وهذه رسالة إلى كل المسئولين عن عمل، والذين يديرون أعمالاً جماعية للأمة الإسلامية، ثبات القائد يعني ثبات الجنود، وتضحية الرئيس تعني تضحية المرءوسين. هذه هي الخطوة التي فعلها الرسول ![]() الأمر الثاني وهو في غاية الأهمية، فقد ركز الاعتماد على الموثوق فيهم من الجنود، فالقائد كفرد لا يستطيع أن يفعل شيئًا بدون الجنود، حتى وإن ثبت فلا بد أن يكون معه جنود. الزعيم لا يأتي بالنصر إلا إذا كان معه أمة، لكن يتفاوت الناس في إمكانياتهم وأخلاقهم، وفي تربيتهم، وفي تاريخهم، ومن أجل ذلك يتفاوت الناس في درجة الاعتماد عليهم؛ فهناك من يعتمد عليه في أمور، وهناك من يعتمد عليه في أمور أخرى، وهناك من لا يعتمد عليه بالكُلِّيَّة في أمر من الأمور، والقائد المحنك والرئيس الذكي هو الذي يدرك بوضوح إمكانيات من حوله، يعرف الأعمال البسيطة التي يستطيع الجميع القيام بها، ويعرف الأعمال الصعبة التي لا يقوم بها إلا بعض الرجال، كما يعرف الأعمال شديدة الصعوبة التي لا يفلح في أدائها إلا أقل القليل من الرجال، وكلما ازدادت حكمة القائد أدرك المستوى الدقيق لكل من حوله، وبالتالي لا يكلف أحدًا من جنوده فوق طاقته، وبناءً على ذلك يحقق نسبة نجاح كبيرة. وتعالوا بنا لنرى كيف طبّق الرسول ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ولكن من هؤلاء الذين وثق فيهم الرسول ![]() إنهم أصحاب الشجرة، أصحاب بيعة الرضوان الذين شهدوا صلح الحديبية، والذين فتحوا خيبر بعد ذلك، وهم الذين قال الله ![]() ويجب أن نعلم أن هؤلاء بايعوا قبل ذلك على عدم الفرار، ولا شك أنهم لو تذكروا هذه البيعة، بيعة الرضوان، لعادوا فورًا إلى القتال؛ لأنهم يقينًا لم يبايعوا هذه البيعة نفاقًا؛ لأن الله I ذكر في كتابه أنه علم ما في قلوبهم، وهؤلاء نزلت عليهم السكينة قبل ذلك، وهم على أبواب مكة في سنة 6 هجرية كما نعلم، وليس معهم إلا سلاح المسافر، نزول السكينة عليهم في هذا اللقاء في حُنَيْن سيحدث إن شاء الله بشرط أن يعودوا، وهؤلاء وإن كانوا ألفًا وأربعمائة فقط من اثني عشر ألفًا إلا أن الواحد منهم بمائة، وإن شئت فقل: بألف أو بأكثر من ألف. وهؤلاء إذا ثبتوا فكل الناس بعد ذلك ستثبت بثباتهم؛ فلذلك وجّه الرسول ![]() ![]() ثم إن الرسول ![]() ثم إنه خص أكثر وأكثر، فنادى على الخزرج: يا بني الخزرج، يا بني الخزرج. ثم إنه خص أكثر وأكثر فنادى على بني حارثة من الخزرج، وهم من خير دور الأنصار كما قال ![]() فماذا كان ردُّ فعل أصحاب الشجرة، والأنصار، والخزرج، وبني حارثة؟ وأترك لكم العباس يصوِّر ردَّ فعل هؤلاء ![]() أي عادوا بسرعة كالبقر الذي يدافع عن أولاده الصغار، وقال الأنصار في لحظة واحدة وبصورة جماعية وبحماسة لافتة للنظر: يا لبيك، يا لبيك[3]. سبحان الله! جاءوا من كل مكان في أرض الموقعة، وعلى الرغم من كل الأزمة التي يعيشها المسلمون إلا أنهم أتوا من كل مكان، حتى إنهم لا يرون الرسول ![]() ![]() ![]() ![]() أي حميت الحرب واشتدت الحرب، وبدأ المسلمون في قتال دامٍ فعلاً، فالذين اجتمعوا حول الرسول ![]() أبو بكر الصديق. وعمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب. والعباس. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. والفضل بن العباس. وأيمن بن عبيد، وهو ابن أم أيمن. وأسامة بن زيد، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. فهؤلاء قد ثبتوا من البداية، ثم جاء الأنصار كما ذكرنا حتى كملوا مائة، ثم بدأ المسلمون يتوافدون من كل مكان، وأمسك الرسول ![]() فدخل التراب في عيون وأنوف جميع الكفار، وكانت نقطة تحوُّل فارقة في موقعة حُنَيْن، وكانت البداية ثبات القائد الأعلى ![]() ![]() كان أول شيء فعله ![]() ![]() إذن فليتذكر الجميع الآن أن النصر من عند الله ![]() ![]() ثم رفع ![]() وما النصر إلا من عند الله سبحان الله في هذه اللحظات العظيمة عولج المرض الخطير الذي أصيب به المسلمون يوم حُنَيْن، فقد أدركوا بما لا يدع مجالاً للشك أن الناصر الحقيقي هو الله ![]() ![]() وانتقلت هذه الآية في لحظات يسيرة وسريعة من المفاهيم النظرية إلى الوقائع العملية، ولما تغير واقع المسلمين بهذه الصورة أذن الله ![]() أنزل ربنا I على جنود الرحمن من المؤمنين السكينة، فقاتلوا بثبات وقوة، قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 26]. ونزع الخوف من قلوبهم فلم يروا خمسة وعشرين ألف مقاتل أو أكثر، فثبتوا في أرض القتال، وأنزل الله ![]() ![]() وفي لحظات يفر جيش المشركين من جيش المسلمين، كيف حدث هذا؟! كيف فرَّ أكثر من خمسة وعشرين ألف مقاتل في عُدَّة حسنة، وفي مواقع إستراتيجية جيدة، وفي حالة معنوية عالية من اثني عشر ألفًا تفرقوا هنا وهناك؟! كيف؟! لا تسألوا عن الأسباب المادية، فقط قل: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [الأنفال: 10]. لقد فر المشركون يوم حُنَيْن في لحظات معدودة، وانطلقوا يفرون في كل مكان، فالرعب قد ملأ قلوبهم، وتركوا وراءهم أموالهم وأنعامهم، وأكثر نسائهم وأولادهم. سبحان الله! وصف الله ![]() ومن العذاب أن تأخذ قرار الفرار، ومن العذاب أن تهرب، وأنت الأكثر عددًا وعدة، ومن العذاب أن تتنازل عن حصاد السنين من المال والأنعام في لحظة واحدة، ومن العذاب أن تتخلى عن زوجتك وأولادك، ومن العذاب أن تشعر أن كل شيء يطاردك حتى الجماد. تخيلوا هذا الكلام حقيقة! فهذا عمرو بن سفيان الثقفي كان من المشركين الذين فروا في حُنَيْن -وقد أسلم وحسن إسلامه بعد ذلك والحمد لله- يقول: فانهزمنا، فما خُيِّلَ إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا، فأعجرت[7] حتى دخلت الطائف[8]. أي أسرعت على فرسي من شدة خوفي؛ لأنه يتخيل أن الأرض كلها تطلبه، وهذا هو العذاب بعينه. وعذّب الذين كفروا، وفر الجيش المشرك في ثلاثة اتجاهات؛ فقد فرَّ جزء إلى أوطاس (جانب من جوانب وادي حُنَيْن)، وجزء فر إلى منطقة نخلة، والجزء الثالث والرئيسي فر إلى مدينة الطائف. فقد فر الجميع بهذه الصورة المخزية المشينة، وهرب معهم قائدهم مالك بن عوف الذي دفعهم إلى هذه المهزلة العسكرية، واندفع المسلمون خلفهم هنا وهناك يطاردونهم في كل مكان، فقد توجهت سرية إلى أوطاس، وأخرى إلى نخلة، وتوجه الجيش الرئيسي بقيادة الرسول ![]() ![]() ![]() وبلغ السبي من النساء في هذه الموقعة ستة آلاف من النساء، وهذا رقم هائل! وتجاوز عدد الإبل أربعة وعشرين ألفًا، والأغنام أربعين ألفًا، والفضة كانت تزيد على أربعة آلاف أوقية من الفضة، أي حوالي مائة وخمسين كيلو جرامًا من الفضة. نصر هائل فعلاً، لم يتوقعه، ولم يحلم به أحد، فمعركة حُنَيْن من المعارك العجيبة فعلاً بكل المقاييس. وتخيلوا شهداء المسلمين في هذه الموقعة الضروس خمسة فقط! وكان ***ى المشركين سبعين فردًا. والذي يشاهد الأعداد الهائلة المشتركة في هذه الموقعة: اثني عشر ألفًا يحاربون أكثر من خمسة وعشرين ألفًا، يتخيل أن الضحايا سيكونون بالمئات، بل بالآلاف، ولكن ذلك لم يحدث، فقد انقسمت المعركة ببساطة إلى جزأين لا ثالث لهما، جزء أول فر فيه المسلمون دون قتال تقريبًا، والجزء الثاني فر فيه المشركون دون قتال تقريبًا كذلك. هذه النتائج الهائلة، والغنائم العظيمة جاءت دون قتال يذكر، فرّ وكرّ، ثم كر وفر. وهكذا تغيرت الأحداث في دقائق، وانقلب النصر إلى هزيمة، وتحولت الهزيمة إلى نصر، وكان الفارق هو تغير قلبي لا يراه أحد من البشر، لكن الله ![]() ولا يخفى علينا أن حُنَيْنًا تتكرر كثيرًا في حياتنا، فما أكثر توكُّلنا على الطبيب الماهر المشهور للدرجة التي تمنعنا أحيانًا من رفع الأيدي إلى الله I لطلب الشفاء منه، وهو الشافي! ولا أقصد طبعًا عدم التداوي، فالتداوي أمر نبويّ، ولكن الاعتماد على الطبيب، ونسيان رب الطبيب، هذا لا يُقبل. وكثيرًا ما نثق بمال الأغنياء من البشر، وننسى أن نرفع أيدينا بالدعاء لله الغني الرازق الذي بيده ملكوت السموات والأرض! وكثيرًا ما نوقن في توصية من كبير أو واسطة إلى عظيم، ولا نلجأ إلى الكبير العظيم المتعال I! وكثيرًا ما نطرق كل الأبواب، ولا نطرق باب الرحمن I! وكثيرًا ما نسأل كل البشر، ولا نسأل المنّان الكريم! وكثيرًا ما نطمئن لما في أيدينا، ولا نطمئن إلى ما في يدي الله مالك السموات والأرض وما بينهما! لقد ذكرت لكم مرارًا أن حُنَيْنًا تتكرر في حياتنا كثيرًا، فنفرّ ونفشل، ونهرع ونخاف ونفزع، ولن نثبت وننتصر ونأمن إلا بما فعله الأولون، ولن يكون ذلك أيضًا إلا بأخذ بالأسباب مع الاعتماد الكامل على ربِّ الأسباب I، ولن يكون ذلك إلا بفقهٍ عميق للتاريخ، وقراءة متأنية للسيرة، واتّباع دقيق لمنهج سيد البشر وأعظم الخلق وإمام الرسل محمد ![]() د. راغب السرجاني [1] المباركفوري: الرحيق المختوم، دار الوفاء - مصر، الطبعة السابعة عشرة، 1426هـ- 2005م، ص358. [2] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل دور الأنصار (3578). مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب في خير دور الأنصار رضي الله عنهم (2511). [3] المباركفوري: الرحيق المختوم ص358. [4] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين (1775). [5] رواه مسلم (1777)، وأحمد (2762)، وحسنه شعيب الأرناءوط. [6] ابن كثير: السيرة النبوية 3/626. [7] أعجرت: أسرعت. [8] ابن كثير: السيرة النبوية 3/631. [9] رواه أبو داود (2501)، وصححه الألباني.
__________________
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|