للحب أعياد كثيرة....إيمان القدوسى
لا نريد اختزال الحب في عيد واحد ليوم واحد في العام، ولا نريد أن نحول أرقى شعور بشري لأيقونة فارغة المعنى لا يستفيد منها إلا التجار الذين ينتهزون الفرص دومًا لخلق مناسبة تروج سلعهم وهم هنا يصبغونها باللون الأحمر ثم يعرضونها لتجذب أنظار المتعطشين للعاطفة فيتعلقون بها ويُدفعون لاقتنائها رمزًا للحب عسى أن يؤدي ذلك للشعور حقًا بالحب.
ليس سرًا أن من يشتري رموزًا حمراء في عيد تجاري سوقي هم أكثر الناس تلهفًا لعاطفة لم يعرفوها حقًا، لأنهم لو عرفوها لضموها في قلوبهم وخبأوها بين أضلعهم ولم يرضوا أبدًا بابتذالها في شكل زهور تذبل سريعًا أو دببة تتعانق في سذاجة، لو خبروا الحب حقًا لن يرضوا بوضعه في برواز رخيص.
للحب أعياد كثيرة يحتفل بها من رزقه الله ذلك الحس الراقي فيحمد ربه أولًا على هذا الرزق، ثم يحتفل بها كل يوم في معاملته مع من يحب في الرضا والغضب وأوقات السعادة وأوقات الألم، ولا أقصد أبدًا ذلك المعنى التجاري في الأفلام العربي التي تصور السعادة الزوجية اثنين يتبادلان كلمات الغرام ويرتديان أفخر الثياب طول الوقت، هؤلاء ليسوا بشرًا مغروسين في قلب الأحداث ولكنهم فقط يمثلون لنا ويمثلون علينا الجانب السطحي للحب.
الناس الحقيقية تعيش الحياة بشكل عملي وتواجه مصاعبها ومتاعبها وتؤدي بهم الظروف الضاغطة إلى العزوف عن الحب، تظل المشاعر كامنة بداخلهم تهب أحيانًا بشكل خافت ولا تظهر إلا في المواقف الفاصلة، من يريد الاحتفال بالحب عليه أن يعيشه وينفض من عليه غبار الإهمال والتجاهل، من يريد الاحتفال بالحب عليه أن يبادر بتقديمه ويسعى لتنميته ويخصص له وقتًا، إن حياتنا في جوهرها انفعالات ولم يعش حقًا من اكتفى بالدوران في ساقية العمل اليومي واكتفى بفتات المشاعر لأنه لم يجد لها وقتًا.
الحب ليس فى علاقة الرجل بالمرأة فقط ولكن له دوائر أكثر اتساعًا وكثيرًا مالا نحسن فهمه، مثلًا كثير من الناس يعتبرون أن أخلاقهم الشخصية الطيبة كفيلة وحدها لجعل الناس يحبونهم، فتجد من يقول لك كل الناس تشهد أنني رجل محترم ونزيه وعلى خلق ومع ذلك لست محبوبًا من زملائي وأنا أعرف السبب فنجاحي المميز في العمل يثير غيرتهم ويحسدونني، في الحقيقة أنهم فعلًا لا يحبونك لأنك لم تتفاعل معهم يومًا ولم تمد ظلك إليهم، لم تجامل أو تواس، لم تقف بجوار محتاج أو تساعد طالب عمل، لم تعن في فك كربة أو تمنح هدايا لعروس فرح أبيها بزواجها، ولذلك لا تتعجب إن أثرت فيهم الغيرة والحسد والنفور، أنت تشبه شجرة نبتت جيدًا ولكنها لا ثمرة لها ولا ظل ولا ينتفع بها أحد، والأخلاق ليست لوحة جمال صامت نعلقها على جدران بيتنا لتشهد لنا بحسن السير والسلوك ولكنها حسن التفاعل مع الناس وبذل الجميل والمعروف ليعلق الناس سيرتنا الطيبة حبًا وامتنانًا في قلوبهم.
للأخلاق جانب نفعي وللحب أيضًا وكل شيء في الدنيا لا خير فيه إذا لم يكن فيه نفع، ومن السذاجة أن نضع في أذهاننا تصورًا مجردًا خاليًا من المعنى للأخلاق يجعل من يتمسك بها أحمق يحارب طواحين الهواء ويعيش أسير نظريات المؤامرة وفريسة دائمة للغيرة والحسد، ربط السلوك بالأخلاق هو ما يجعلها تدوم وتفيد وتتحول لواقع والإصرار على وضعها في إطار نظري منفصل عن تيار الحياة يجمدها وينفر الناس منها.
لن يحسدك الناس إذا كنت ثريًا مادمت تساعد غيرك وتحنو على أقاربك وتهتم بالمحتاجين بل سيدعون لك بسعة الرزق لأن خيرك يصلهم، ولن يغاروا من نجاحك مادمت تفتح لهم أبوابًا للعمل والنجاح بل سيخلصون لك لأنك تساندهم وتساعدهم، ولن ينفروا من شخصك ما دمت تمنحهم اهتمامًا وودًا خالصًا وتقف بجوارهم في كل مناسباتهم، ولن تحتاج عيدًا للحب تشتري فيه دبًا من القطيفة الحمراء إذا كنت تشعر من تحب في كل لحظة بعمق مشاعرك رغم تنوعها زيادة ونقصانًا وإقبالًا وإدبارًا ووصالًا وخصامًا ويظل الشيء الثابت دائمًا هو جوهر المحبة الخالص الذي لا يباع في السوق لأنه لا يقدر بثمن.
|