خطورة ما حدث في اليوم التالي لـ 30 يونيو
حتجاجات 30 يونيو هي الحدث الأخطر في تاريخ مصر السياسي، ليس فقط لاستخدامها في الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب، وإنما لإدخالها السلاح والدم وبشكل غير مسبوق، إلى خزانة آليات حسم "الشرعية".. وهو التحول الذي وضع مصر كلها ـ والشمال الإفريقي ومنطقة الخليج والشام والعراق ـ على مشارف حريق هائل ليس بوسع أي مراقب أن يستشرف نهايته ولا محصلته النهائية. قطاع من القوى الوطنية ـ وكذلك من الشعب ـ ربما يكون قد "ارتاح" من الإطاحة بحكم الإخوان.. ولكن ظلت المشكلة في العجز والفشل على الإجابة عن سؤال اليوم التالي: وماذا بعد؟! المشكلة لم تكن في 30 يونيو.. وإنما في3 يوليو.. وما انفك الخطاب السياسي للقوى المنتصرة بعد الأزمة، تخلط بين الحدثين.. وتؤكد بأن 30 يونيو "ثورة" وليست "انقلاب"! والحال أن الإخوان ـ لاحقا ـ لم تعد تجادل كثيرا في 30 يونيو.. واعترفت بأنها كانت احتجاجات شعبية كبيرة ضد سياسات الرئيس محمد مرسي والجماعة.. ولكن خلافها يتمحور حول مطالب تلك الاحتجاجات.. وأنها لم يكن من بينها التدخل الخشن للإطاحة بالرئيس المنتخب.. وإنما كانت تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة.. وعليه اعتبرت ما حدث يوم 3يوليو "مؤامرة" على الرئيس و"انقلابا" عليه. والحال أن الإخوان ليست وحدها التي استقر في ضميرها هذا الاعتقاد.. وإنما قوى وتيارات مدنية ليبرالية ويسارية، تعتقد أيضا أنه تم اختطاف احتجاجات 30 يونيو لصالح النظام القديم وقوى الثورة المضادة. بعد فض اعتصام "رابعة" في 14 أغسطس 2014، تعقدت الأمور على الطرفين : المؤسسة الأمنية من جهة والإخوان والإسلاميين وقوى مدنية فزعت من أعداد ال***ى الذين سقطوا برصاص الأمن من جهة أخرى.. وباتت التسوية السلمية حلما بعيد المنال. ومع وصول المشير عبد الفتاح السيسي للحكم، بات في مصر واقعا جديدا، غير قابل للتفاوض.. وابرقت إلى دول الربيع العربي رسائل سلبية عن قيمة "الشرعية الديمقراطية" وقدرتها على الصمود.. وانعكست تجلياتها في تونس بوجود "استقرار هش" استقروا عليه مؤقتا، خوفا من استنساخ تجربة الإخوان مع الجيش في مصر.. وخلفت أخطر تجلياتها في ليبيا المجاورة.. حيث حسمت القوى الإسلامية خيارها وقررت أن تحسم الشرعية بالسلاح وليس بالديمقراطية التي هزمت ـ بحسب قناعاتها ـ بـ"السلاح" في مصر. خطورة ما ترتب على 30 يونيو عام 2013.. هو تداعياته الإقليمية، حيث رجح كفة قوى التطرف داخل الحالة الإسلامية التي "تكفر" بالديمقراطية.. على كفة قوى الإعتدال التي تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وتراجع قدرة الأخيرة على اقناع نشطائها وشبابها بجدوى النضال السلمي.. ما انعش الخطاب التعبوي المتطرف للقاعدة وطبعاتها المختلفة في الجزائر وتونس وليبيا ونيجريا والصومال والسودان والجزيرة العربية والعراق وسوريا ولبنان والأردن. الوضع ـ إذن ـ مقبل على "حريق" كبير.. كما يتوقع المراقبون والمهتمون بشؤون المنطقة.. ولكن يظل الأمل معقودا على "العقلاء".. لفرملة المحاولات الدءوبة حاليا لـ"عسكرة" الوعي الجمعي المصري، وتهيئته لقبول "مغامرات" قد تتورط فيها البلد كلها، نتيجة حسابات تعتمد على العنجهية وليس على العقل والحكمة.
محمود سلطان
|