وقد أخذ الجهم بن صفوان كما ذكرنا أستاذه الجعد بن درهم الذي قال بنفي أوصاف الله وعطل الآيات عن مدلولها وقال بخلق القرآن ، قال أبو القاسم اللالكائي : ( ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم ، ثم جهم بن صفوان ) .
فالجهم بن صفوان إليه تنسب طائفة الجهمية الذين قالوا لا قدرة للعبد أصلا ، بل هو بمنزلة الجمادات ، والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما حتى لا يبقي موجود سوي الله تعالى ) ، وقال أبو الحسن الأشعري : ( قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة الا الله وحده وأنه هو الفاعل ، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز ، كما يقال : تحركت الشجرة ودارت السفينة وزالت الشمس ، وإنما فعل ذلك بالشجرة والسفينة والشمس ، الله سبحانه وتعالي ، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، وكان جهم بن صفوان يقف على الجذامي ويشاهد ما هم فيهم من البلايا ويقول : أرحم الراحمين يفعل مثل هذا ، يعني أنه ليس هناك رحمة في الحقيقة ولا حكمة ، وأن الأمر راجع الجبر وإلي محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة .
والجعد بن درهم قتل حدا وذلك لكفره الصريح بآيات الله وتكذيبها ، قتله خالد بن عبد الله القسري أمير بلاده في عيد الأضحى ، حيث خطب الناس وقال : ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسي تكليما ، ثم نزل فذبحه ، وكان ذلك بعد أن استفتي علماء زمانه من السلف الصالح .
ويذكر الذهبي : ( أن الجعد بن درهم هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسي وأن ذلك لا يجوز على الله ، قال المدائني كان زنديقا ، وقال له وهب : إني لأظنك من الهالكين ، لو لم يخبرنا الله أن له يدا ، وأن له عينا ، ما قلنا ذلك ، ثم لم يلبث الجعد أن قتل وصلب ) .
والجهم بن صفوان انتقل إلي ترمذ أحد البلدان في إيران ، وبدأ الدعوة لمذهبه ، فانتشرت فيها عقائد الإنكار والتعطيل لكلام الله ، ثم وجد لدعوته أتباعا ومريدين من العامة والدهماء والجاهلين ، في مدن أخرى من مدن إيران ، ثم انتشرت أفكاره في بغداد وبقية البلدان ، فالجهمية فرقة ظهرت في أواخر الحكم الأموي مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي السمرقندي ، الذي تربي على يد أستاذه الجعد بن درهم ، وأخذ عنه أسس أفكاره ، وكانت جذور أفكار الجعد وآرائه يهودية، أخذها من أبان بن سمعان عن طالوت عن لبيد بن الأعصم ، والجهم مات مقتولا ، قتله سالم بن الأحوز في آخر أيام الدولة الأموية .