اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #16  
قديم 09-03-2011, 09:38 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 22
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة متأخرة([1]) توبة قاتل
الحسد داء وبيل، ومرض قاتل.. بسببه لُعن إبليس وطُرد من رحمة الله.. وبسببه وقعتْ أول جريمة قتلٍ على وجه الأرض، كما سطرها الله في كتابه الكريم، في قصة ابني آدم عليه السلام..
وقد سُئل الحسن البصري رحمه الله: أَيَحسِد المؤمنُ؟ قال: ما أنساك لاخوة يوسف! ولهذا أمر الله بالاستعاذة من الحسد كما في قوله تعالى: (ومن شر حاسدٍ إذا حسد).
ألا قـل لمـن كان لـي حاسـداً

أتـدري على مـن أســأت الأدب
أسـأت علـى الله فــي فعلـه

لأنك لـم تـرضِ لي مــا وهـب
وقصتنا هذه شبيهة بقصة ابني آدم، وفيها عبرة لكل حاسد، يقول صاحبها وهو يذرف دموع الندم خلف القضبان الحديدية:
كانت القرية هادئة، والناس منصرفين إلى أعمالهم، فلا تسمع إلا صياح الأطفال وصراخهم، وهم يلعبون ويتراكضون في براءة متناهية؛ مما يضفي على القرية الوادعة جواً من الأمن والأمان..
أنا وابن جارنا محمد كنا صديقين متلازمين، بل كروحين في جسد واحد، لا نكاد نفترق أبداً، فقد وصلتْ الصداقة بيننا إلى درجة أن شباب القرية إذا رأوا أحدنا يمشي بمفرده سألوه عن توأمه، لما قد ألفوه منا.
وظللنا على هذه الحال إلى أن وصلنا إلى المرحلة الثانوية.. في ذلك الوقت شاركنا -مع شباب القرية- في نقل أثاث جارنا الجديد إلى داخل منزله.. كان هذا الجار رجلاً طيباً في أواسط العمر، ومعه عائلته المكونة من زوجته وبنت واحدة.
وما إن بدأتْ الزيارات المتبادلة بين نساء القرية وزوجة هذا الجار الجديد، حتى بدأ أهالي القرية في مدح جمال ابنة جارنا وكمال خلقها، وكنتُ أنا ومحمد من بين من استمع لتلك الروايات.
وصارت هذه الفتاة بعد حوالي سنة من إقامتها مع أسرتها حلم أكثر شباب القرية، وكنتُ أنا ومحمد في مقدمة من يراودنا مثل هذا الحلم، لعلاقة أسرتنا الوطيدة بأسرتها، حيث كنا نستطيع تتبع أخبار هذه الفتاة أولاً بأول.
لم أكن أظهر لصديقي محمد شيئاً عن حبي لتلك الفتاة لإحساسي أنه ربما كان يحمل نفس الشعور والرغبة في الارتباط بها، لكنه لم يكن يفكر مثل تفكيري.. فقد أخذ يجدُّ ويجتهد في دراسته حتى التحق بالجامعـة ثم تخرج بتفوق، مما جعل أهل القرية يذكرونه بكل خير ([2])، بينما لا يذكرني أحد بسبب فشلي ورسوبي المتكرر في الثانوية مما اضطر والدي إلى سحب أوراقي من المدرسة للعمل معه في المحل التجاري الذي يمتلكه.
وحين بلغني إعجاب محمد بهذه الفتاة، وعزمه على التقدم لخطبتها؛ بدأ الحسد يغلي في داخلي، وتغيرتْ معاملتي له كثيراً فأصبحتُ أتجنبُ الجلوس معه بكثرة، وأقدم تبريرات واهية لأتهرب من لقائه.. كل ذلك بسبب تفوقه، الذي يتحدث عنه أهل القرية، بينما أصبحتُ أنا في نظرهم لا شيء.
وجاءت اللحظة الحاسمة.. وتقدم محمد للزواج منها.. فسمعت الزغاريد تنطلق من بيتها، فأحسستُ كأن صاعقة وقعتْ على رأسي، ولم يعد سراً اتفاق أهل العروسين على إتمام إجراءات الزواج خلال شهر واحد..
كان الدم يغلي في عروقي.. لقد أصبح توأمي رجلاً متميزاً بعلمه عني، بينما ويلات الفشل تتعقبني، وتحول بيني وبين ما كنت أتمناه وأحلم به منذ ثمان سنوات.
أحسست أن محمداً سرقها مني.. فجعلتُ كل همي أن أثار منه بأية وسيلة حتى أطفئ نار الحقد التي اشتعلتْ في صدري... وتملكني الشيطان بشكل لم أتخيله من قبل فقمت بشراء مسدس ملأته بالطلقات..
وفي ليلة الزفاف دخلتُ على محمد متظاهراً بتهنئته.. وعلى حين غِرة؛ أخرجتُ مسدسَ الغدر من جيبي لأطلق عليه أربعة أعيرة نارية استقرتْ في صدره...!!!
ويضج المكان، وتختلط الأصوات، ويسقط محمد بين أهله مضرجاً بدمائه.. وتصطبغ ثيابه البيضاء الناصعة البياض بدمه الأحمر القاني، ويتحول الفرح إلى حزن.. ويُسدل الستار عن مشهد مبكٍ حزين..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعده له عذاباً عظيماً).
أما المجرم الأثيم فقد تم إلقاء القبض عليه، وها هو الآن يحدثكم من خلف القضبان، والدموع تتساقط من عينيه.. نعم، تتساقط من عينيّ ندماً على ما اقترفته في حق صديق طفولتي الذي لم يؤذيني يوماً من الأيام.. ولكن، بعد فوات الأوان هل ينفع الندم؟
كل ما أرجوه أن يطهرني القصاص من خطيئتي، ويتقبلني الله عنده من التائبين.



[1] ) الأمة الإسلامية 32، (بتصرف).

[2] ) التفوق العملي وحده لا يكفي ما لم يصاحبه دين وخلق.
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:11 PM.