|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
من أحببت ؟!! بقلم هاني الشافعي
كعادته كل يوم،لم تثره وجوه الركاب والباعة الجائلين فهي ذاتها التي تركب معه ذات الأتوبيس مع ذات السائق في وقت الظهيرة. جلس بجوار إحدى نوافذ الأتوبيس مسنداً إليها رأسه المنهك من عناء يومه المكدس بالحصص الأساسية والاحتياطية،تذكر أمه المريضة وأمنيتها الوحيدة أن تراه عريساً ثم ترى حفيداً لها قبل أن يطويها الثرى. وحديثها المتكرر في أمر زواجه منذ أن كان طالباً بالكلية؛فكم سألته عن زميلاته وهل له صبابة بإحداهن ؟ وهو يرد مؤكداً لها أنه لم يعرف درب الهوى ولن يعرفه يوماً. ولم تمل أمه حتى بعد سفره لإحدى دول الخليج؛ففي كل خطاب تصرح بمرضها كي يخفق قلبه لأمنيتها وهو يرد أن الموعد لم يحن بعد. حتى بعد عودته منذ عامين لم تمل إجابته لأمنيتها؛ففي كل صباح تناقشه..تجادله محاولة فتح قلبه الموصَد كي تعرف ما بداخله. وإن تعالت المناقشة يذعن لرأيها خوفاً عليها؛فيقرر الزواج طالباً منها أن تختار له زوجة لكنها ترفض أن تختار؛فهو الرجل ذو الرأي والاختيار وهو مَنْ سيتزوج . لذا توصيه كل صباح بالاختيار. توقف الأتوبيس في محطته المعهودة في منتصف البلدة حيث صخب السيارات ونفيرها وزحمة المارة أمام واجهات المحلات التجارية،وكعادته كاد أن يغلق عينيه ويصم أذنيه. فجأة لاحت أمامه فتاة شابة وجهها ذو إشراقة بهية بينما عيناها تضارعان صفاء اليم الأزرق بحدقتيهما الزرقاوتين،ورموشها العريضة تظللان جنتين حمراوتين على خديها القرمزيين بينهما أنف الشموخ نُحتت في بهاء ، تحتها ابتسامة صافية تسطرها شفتاها..تعدك بالمُدام إن أنت لامستها. تنسدل خصلات من شعرها الذهبى على جبهتها البيضاء كغدير الماء في الأرض القفار، وضفيرتان تنوسان على كتفيها تحت الشمس الساطعة كنجوم السماء المتلألئة،تطالعك في جلسة منمقة خلف الزجاج الشفاف لواجهة إحدى المحلات. تحرك الأتوبيس وعيناه لم تزل ترقب الفتاة في جلستها إلى أن تذوب وسط الزحام وصخب السيارات. عاد إلى المنزل ووجه الفتاة في ذهنه عالق وطيفها يطارده؛فلقد سكن غرفة الطعام بل وجلس معه بجوار أمه،وإن ترك المنزل في المساء قاصدًا المقهى قابل طيفها هناك جالساً بين أقرانه،فيقفل عائداً فإذا به يصحبه..يطرق معه سبيله للمنزل . ولما أضناه الأرق وناشده جسده السكينة على سريره وجدها تسكن أحلامه. استيقظ من نومه مبكراً في اليوم التالي على غير عادته،لم يتناقش مع أمه بل أنصت فقط،ولم ينطق بحرف واحد،وحينما حثته على الحديث ترك لها طعام الإفطار ذاهباً إلى عمله. مر اليوم الدراسي مر عمره الثقيل كله،وما إن انتهى حتى استقل ذات الأتوبيس وجلس في ذات المقعد بجوار تلك النافذة،ولم يشغله سوى طيف تلك الفتاة. وما إن اقترب الأتوبيس من ذات المحطة طالعته الفتاة بإشراقة وجهها الباسم،وبذات جلستها المنمقة لم يتغير شيئاً سوى فستانها الجديد. أحس بقلبه يخفق مضطرباً بين ضلوعه،وازدادتْ نبضاته بصورة لم يعهدها من قبل،وشعر بإشراقة جديدة بروحه، وأعلنتْ نفسه في ثبات أنها في طور التمام. فجأة تحرك الأتوبيس و بصره معلق بها..بوجهها..بجلستها إلى أن ذابتْ وسط الزحام. مرت أيام وهو على تلك الحال لا يشغله شئ سوى محبوبته . فجأة أصبحتْ حياته جحيماً متقداً؛والعبوس عرف درباً إلى تقاسيم وجهه،والحيرة سكنتْ أحداقه،والوجوم غلَّف حياته. ففتاته..حبيبته..مَنْ سكنتْ وجدانه متغيبةً منذ يومين، وجد رجلا غليظاً جالساً مكانها في المتجر. شرد ذهنه وراء محبوبته متسائلاً لم فارقت المتجر ؟ كيف فارقته ؟ أتزوجت ؟ أين هي الآن؟كيف حالها ؟ لم يدر ماذا يفعل ؟ حكى لأمه..لأقرانه..لزملائه..لدفاتره..لأقلامه..للطريق.. لنافذة الأتوبيس،شكا صبابته بمحبوبته،وطيفها الساكن يقظته وأحلامه..حركته وسكونه. وآلام الفراق ففي موعد رؤيتها المعتاد يحس بانقباض قلبه الحزين،ونفسه ثائرةً،وروحه ترفرف طائرةً..باحثةً عنها أينما كانت. أشاروا عليه أن يسأل عنها في المتجر يحدثها مصرحاً لها بمشاعره الجياشة؛فلم ينم،وقبل طلوع الشمس كان واقفاً أمام المتجر..انتظر أمامه. لم يهتم للمارة وموعد عمله،يمني حواسه باللقاء؛فلم يدرك للوقت معنى إلى أن أتى رجل،يفتح أقفال باب المتجر. سأله عن حبيبته..التي كانت تجلس أمام الزجاج،وصفها له بإشراقتها النضرة وجلستها الهادئة،وكيف كانت ثيابها وفساتينها منمقة. فضحك الرجل هازئاً وسأله "يا استاذ انت عايز تشترى الفستان ولا عايز المنيكان " لم يصدق العاشق ما قاله الرجل حتى رأى الفاترينة التي كانت تجلس فيها محبوبته ، وقد وقف أمامه رجلا خشبياً هو بعينه الرجل غليظ الوجه الذي رآه من قبل. فانزوى بخطوات متباطئة في يم الخذلان يبتعد عن واجهة المتجر .
__________________
|
![]() |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|